أولت الأممالمتحدة اهتماما خاصا بالمقاربة المغربية في محاربة الإرهاب، ومن أجل ذلك استضافت مسؤولين مغاربة لتوضيح الرؤية، التي يمكن أن تكون نبراسا للعالم في مكافحة هذه الآفة الخطيرة. فالمغرب نهج سلوكا خاصا في محاربة الظاهرة الإرهابية، التي تحولت مع الوقت إلى أم القضايا، وتفادى المغرب المقاربة التجزيئية في علاج هذا المرض، وذلك انسجاما مع شمولية التوجهات المغربية، التي لا تؤمن بالقطائع.
ولهذا الغرض نظمت الأممالمتحدة الثلاثاء الماضي اجتماعا رفيع المستوى نظمته لجنة مكافحة الإرهاب، التابعة لمجلس الأمن الدولي حول موضوع "مكافحة التحريض على ارتكاب أعمال إرهابية بدافع التطرف واللاتسامح: مقاربة المغرب وتجارب دول إفريقية أخرى"، وذلك من أجل إبراز المقاربة المغربية في مجال مناهضة الإرهاب على المستويات الأمنية والدينية والسوسيو اقتصادية.
وعلى خلاف باقي دول العالم فمنهجية المغرب متكاملة، في حين أن المعالجات في البلدان الأخرى تعتمد رؤى أحادية إما أمنية أو دينية أو سوسيو-اقتصادية، لكن هذه الرؤى الثلاث تكاملت وتضافرت في المنهج المغربي، الذي هو وليد المدرسة المغربية، التي استطاعت جمع الديني والسياسي على مستوى القيادة، دون أن يطغى جانب على الآخر ودون أن يتم توظيف السياسي للديني أو الديني للسياسي، ودون غلو وتطرف.
وترأست هذا الاجتماع سفيرة ليتوانيا، ريموندا مورموكايتي، رئيسة لجنة مكافحة الإرهاب بمجلس الأمن، بحضور أعضاء المجلس ودول أخرى أعضاء بالأممالمتحدة.
وبمناسبة هذا الاجتماع أبرز وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، في عرض حول "التجربة المغربية في مجال مناهضة الإرهاب"، السياسة التي تنهجها إمارة المؤمنين لقطع الطريق على الإرهاب".
وأكد التوفيق أن مناهضة الإرهاب تقتضي إرساء المشروعية السياسية ودعمها بالإصلاح في جميع الميادين، كما تستدعي وجود مؤطرين دينيين من علماء وأئمة متكونين وواعين بمقاصد الدين ومصالح الأمة في انسجام مع شروط السلم والمعروف.
وشدد في هذا السياق على ضرورة توفير الخدمات الكافية بعيدا عن الاستغلال الإيديولوجي ومن ضمنها تأهيل التعليم الديني.
وأوضح التوفيق أن "التيار الإرهابي ينحدر من تيار ديني يقرأ النصوص قراءة حرفية مقطوعة في الغالب عن سياقها الزمني والموضوعي"، مشيرا إلى أن "انتقال أصحاب هذا التيار إلى النشاط السياسي يظنون أن هذه القراءة تجيز لهم استعمال العنف".
فالتيار الذي أشار له التوفيق دون تسميته هو التيار الوهابي، الذي خرجت منه كل الجماعات الإرهابية، وهو تيار منغلق وزاد حدة بعد وحدته مع جماعة الإخوان المسلمين على يد سيد قطب، الذي يعتبر الأب الروحي للتيارات التكفيرية.
فالتجربة المغربية تظل مثالية في هذا الصدد، حيث أنه بالإضافة إلى إمارة المؤمنين، التي تضمن المشروعية الدينية، يوجد المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية اللذين يقومان على الاعتدال والوسطية، وخدمة المصلحة العامة، إضافة إلى رعاية البعد الروحي للإسلام، المعروف بالتصوف، والذي يركز على الجانب الأخلاقي في التعامل مع الناس ويعبئ الوعي بحرمة الآخر.
وهو ما جمعه عالم المغرب الفقيه الصوفي عبد الواحد بنعاشر في منظومته الشهيرة:
في عَقْدِ الأشعري وفقه مالك *** وفي طَريقَةِ الجُنَيْدِ السَّالِكِ.
ومن جانبه، جدد محمد ياسين المنصوري، المدير العام للدراسات والمستندات، في مداخلة بهذه المناسبة، التأكيد على التزام المغرب بالانخراط في جميع جهود التعاون متعدد الأطراف والثنائي من أجل مكافحة ظاهرة الإرهاب بجميع أشكاله، وفقا للرؤية المتبصرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس.