جمال اشطيبة معظم الناس حين يسمع مصطلح فريضة، أو فرائض، يذهب تفكيرهم إما في اتجاه أركان الإسلام الخمسة من صلاة وصيام وزكاة ... أو غيرها، أو في اتجاه علم و تخصص فقهي معروف هو نظام الإرث في الإسلام. لكن قلة سوف تفكر في أمور غير هذه من الواجبات الكثيرة في شريعتنا الإسلامية الشاملة والكاملة، من أحكام تتعلق بالأسرة والعائلة، وأخرى تخص جوانب المعاملات المختلفة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، كحقوق الجيران، وحقوق الناس المالية، وحق الشورى في نظام الحكم، إلى غير ذلك من الأمثلة. بيد أن قلة قليلة، أو خواص الخواص بتعبير أهل المعرفة سيذهب تفكيرهم أبعد من هذا كله، ومن هؤلاء الصفوة الأديب الكبير عباس محمود العقاد، صاحب العبقريات، وصاحب كتاب التفكير فريضة إسلامية. لقد كان العقاد ذكيا جدا عندما أثار هذا الموضوع؛ موضوع التفكير، في أمة مستيقظة حديثا من سبات عميق، تجاوز نومة أهل الكهف بأكثر من القرنين من الزمان، فقد لبثنا في كهفنا خمسمائة سنة وزيادة. كثير من المسلمين يخيفهم موضوع التفكير هذا، حتى إن البعض ليختلط عليه الأمر، فيتلبس له التفكير بلباس التكفير، أو يريد أن يمزج بين الاثنين ليخوف الناس، والله يقول:"ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون". التفكير حق، والتفكير هو أول فريضة قبل أن تنزل الشرائع، والأحكام، والفرائض الأخرى المختلفة، وفي السيرة النبوية أن محمدا الأمين كان يختلي بغار حراء الأيام ذوات العدد يتفكر ويتأمل ملكوت السماوات والأرض، سيرا على خطى جده إبراهيم الخليل، وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين. التفكير يفضي إلى اليقين بصريح القرآن الكريم، وليس إلى الشك أو الكفر، مثل ما يعتقد الكثير، لكن هذا لا يعني أن الإنسان سيصل إلى الحق من أول وهلة، فقد يتعثر أحيانا، غير أن النتيجة مضمونة، ففي الحديث أن المجتهد أو الحاكم له أجران إن أصاب، وأجر إن أخطأ، وإبراهيم الخليل"رأى كوكبا بازغا قال هذا ربي" لكنه في النهاية خلص إلى نتيجة أذاعها في قومه "يا قوم إني بريء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين". أكثر من هذا ورد التحذير الشديد من عدم التفكير، كما في تعليق الرسول على آية "إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب" قال: ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها. فالتفكير فريضة إسلامية قبل كل الفرائض الأخرى، والتفريط فيها يؤدي إلى العذاب الأليم؛ الويل وما أدراك ما الويل!؟ فلا عجب إن كان معظم العالم الإسلامي اليوم يعيش في الويلات، وليس في ويل واحد؛ ويلات التخلف، والفقر، والاستبداد، والفتن المتلاحقة كموج البحر، أو كقطع الليل المظلم كما وصفها النبي الأمين"إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد".