بعد نقاش مطوّل وجدل رافق مسار اعتماده داخل المؤسسة التشريعية، صدر أخيرًا في الجريدة الرسمية القانون رقم 03.23 القاضي بتغيير وتتميم أحكام القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية. وينص القانون الجديد على دخول مقتضياته حيّز التنفيذ بعد ثلاثة أشهر من تاريخ نشره، وهو ما يمنح مختلف الفاعلين المعنيين من قضاة ومحامين وضباط شرطة قضائية وهيئات حقوقية، فترة زمنية كافية للتأقلم مع المستجدات التي أقرها النص. اللافت أن هذا القانون لم تتم إحالته على المحكمة الدستورية للفحص القبلي، رغم أن الفصل 132 من الدستور يتيح للجهات المخوّل لها ذلك أن تحيل النصوص القانونية قصد التحقق من مدى مطابقتها لأحكام الدستور. ويأتي هذا بخلاف ما جرى مع قانون المسطرة المدنية، الذي أحيل على المحكمة الدستورية لإخضاعه للتدقيق قبل دخوله حيز التنفيذ. ويُرتقب أن يساهم هذا التعديل الجديد في تحديث المنظومة الجنائية المغربية وتعزيز ضمانات المحاكمة العادلة، في وقت تتجه فيه الأنظار إلى كيفية تنزيل هذه المقتضيات عمليًا داخل المحاكم وأجهزة إنفاذ القانون، خاصة في ظل انتظارات كبيرة من جانب الفاعلين الحقوقيين والمهنيين. أكدت وزارة العدل أن القانون رقم 03.23 القاضي بتغيير وتتميم قانون المسطرة الجنائية، المنشور في الجريدة الرسمية عدد 7437 بتاريخ 8 شتنبر 2025، يشكل محطة مفصلية تجسد الإرادة السياسية القوية للمملكة، بقيادة الملك محمد السادس، من أجل ترسيخ دولة الحق والقانون وتحديث منظومة العدالة بما يواكب التحولات العميقة التي تشهدها البلاد. وذكرت الوزارة في بلاغ أن هذا الإصلاح الجوهري يأتي استجابة للتوجيهات الملكية السامية الواردة في خطب جلالته، والداعية إلى تحديث السياسة الجنائية وضمان عدالة ناجعة وفعالة، مضيفة أن يأتي أيضا ترجمة لروح دستور 2011 الذي جعل من حماية الحقوق والحريات الأساسية مرتكزا لبناء المغرب الديمقراطي الحداثي. وأبرز المصدر ذاته أن القانون الجديد يرسخ قفزة نوعية في تكريس ضمانات المحاكمة العادلة وتعزيز الثقة في العدالة، من خلال تحصين حقوق الدفاع وتكريس قرينة البراءة وضمان الحق في محاكمة داخل أجل معقول، مع توسيع الاستفادة من المساعدة القانونية، وتعزيز الضمانات المتعلقة بالحراسة النظرية، بإلزامية إخبار المشتبه فيه بحقوقه، وتمكينه من الاتصال بمحام والاستفادة من خدمات الترجمة عند الحاجة. كما يكرس القانون الجديد هذه الضمانات من خلال الحد من اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي وحصره في أضيق الحالات، مع إلزامية تعليل قرارات الإيداع بالسجن وتفعيل بدائل احترازية حديثة، وتمكين الضحايا من حقوق موسعة، تشمل الإشعار بمآل الدعوى، والدعم القانوني والاجتماعي، مع تدابير خاصة لفائدة النساء والأطفال ضحايا العنف، إضافة إلى إحداث مرصد وطني للإجرام كآلية علمية لتوجيه السياسة الجنائية على أسس دقيقة ومعطيات موثوقة. ونقل البلاغ عن وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، قوله بهذه المناسبة إن "هذا القانون يشكل ركيزة أساسية في البناء الإصلاحي الكبير الذي تعرفه بلادنا، ويعكس ثقة الدولة في مؤسساتها وقدرتها على تنزيل إصلاحات كبرى تجعل من العدالة المغربية نموذجا يحتذى إقليميا ودوليا، وترسخ الاختيار الثابت للمغرب في بناء دولة الحق والقانون ودعم مسار الديمقراطية والتنمية المستدامة" وأضاف الوزير أن "الحكومة الحالية، وانسجاما مع التوجيهات الملكية السامية، عازمة على جعل ورش إصلاح العدالة رافعة أساسية لنجاح الاستحقاقات الوطنية المقبلة، وفي مقدمتها احتضان المملكة لكأس العالم 2030″، مبرزا أن "تحديث المنظومة القضائية وضمان أمن قضائي حديث يشكل عاملا حاسما لتعزيز جاذبية المغرب الدولية وترسيخ مكانته كدولة مؤسسات وقانون". وحسب البلاغ، فإن اعتماد هذا النص القانوني يعتبر لبنة مركزية في ورش إصلاح منظومة العدالة، إلى جانب مراجعة القانون الجنائي وقوانين المهن القضائية، وتسريع وتيرة التحول الرقمي داخل المحاكم. وخلصت الوزارة إلى أن هذا الورش الوازن، الذي قادته بثبات حتى استكماله، يعزز مكانة المغرب كبلد رائد في تحديث العدالة، ويواكب طموحات النموذج التنموي الجديد ورؤية المملكة لمغرب 2030.