لما ظهر كتاب أصول الاحتفال بالمولد الشريف للحسين أكروم الذي طبعه المجلس العلمي باشتوكة أيت باها؛ سارعت إلى الحصول عليه وقرأته وظهر لي أنه كتاب شمل عدة أبواب لها عميق الصلة بمختلف مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي في المغرب. فظهر لي أن أقرب مختلف فصوله ومباحثه للقراء حتى يستفيدوا منه، ويعرفوا المباحث التي تضمنها الكتاب. ومن حُسْنِ المصادفات أن اتصلت بمؤلفه حسين، فأخبرني بأن قناة السادسة ستعرض كتابه في لقاء حصري معه، فأردت أن أكتب مقالة حول ذلك جمعا بين إعلام الجمهور بهذا الخبر، والتعريف بالكتاب معاً، ولعل القارئ الكريم بعد قراءته لهذا المدخل سيتساءل: متى سيبث كتاب المولد النبوي في قناة السادسة ؟ ستَبُث قناة السادسة في برنامج “قضية كتاب” مساء يوم الإثنين 24 دجنبر 2018 الموافق ل: 16 ربيع الثاني 1440 هجرية على الساعة الثامنة مساء، إلا قليلا كتاب أصول الاحتفال بالمولد النبوي الذي طبعه المجلس العلمي المحلي لاشتوكة أيت باها. وعادة ما تبث القناة المذكورة مساء كل يوم اثنين برنامج قضية كتاب، ويستعرضون فيه المراحل التي مر منها صاحب الكتاب، ثم بعد ذلك يسأل عن سبب تأليفه، والسياقات التي مر منها في كتابة بحثه، آنذاك يتم عرض أسئلة عليه تخص فصول ومباحث الكتب. وفي آخر البرنامج جرت العادة أن يؤتى بمختص كبير وخبير في ذلك الكتاب لينتقد ما يراه مناسبا فيه، وقد أخبرني مصنف الكتاب الأستاذ حسين وهو مرشد ديني ببيوكرى أن الدكتور محمد عمالك مؤرخ مدينة مراكش هو من سيقوم بذلك الدور، فقد صدرت له عدة كتب في المجال التاريخي. عرض خطة الكتاب والتعريف به: قسم المؤلف كتابه إلى ثلاثة فصول، وكل فصل قسمه إلى أربعة مباحث مسبوقا بتصدير المجلس، وتمهيد للمؤلف، مختوما بفهارس فنية متنوعة، بمعنى أن الكتاب فيه ثلاثة فصول، واثنا عشر مبحثاً، وطبعه المجلس العلمي المحلي لاشتوكة أيت باها سنة 2018 في 344 صفحة، وصدرته دار الأمان بالرباط، وسأعرف الآن بمحتوى الكتاب. محتوى الفصل الأول من الكتاب: هذا الفصل كله تاريخي بأربعة مباحثه، حيث بين المصنف في الفصل الأول الذي عنونه بالأصول التاريخية لنشوء ذكرى المولد النبوي في المغرب من هو أول من احتفل بالمولد النبوي في المغرب. وسبب استحداثه فيه أن تلاميذ وصبيان أهل سبتة يحتفلون بأعياد النصارى كعيد المهرجان، والنيروز، وميلاد المسيح عليه السلام، وميلاد يحيى، وتستهويهم عادة النصبة وهي شجرة عيد الميلاد، والفانيد، والحلويات، والصور، والتحف، حتى أن من احتفل بهذه الموالد في اعتقادهم سيوسع الله من رزقه وأن من تخلف عليها سيصاب بالأهوال والفتن . فخشي أبو العباس العزفي على عقائد المسلمين، فألف كتابا سماه: الدر المنظم في مولد النبي المعظم أكد فيه ترك عوائد النصارى وأعيادهم ونبه على ضرورة استحداث الاحتفال بالمولد النبوي. وبين المؤلف أن أول احتفال رسمي وقع سنة 648 هجرية من طرف ابنه أبو القاسم حاكم سبتة، أما تاريخ تعميمه في المغرب كله فقد حدث سنة 691 هجرية وقد مر عليه الآن 792 سنة. أما المبحث الثاني: فقد سماه المؤلف الاحتفال بالمولد النبوي في المغرب من حاضرة سبتة إلى أعماق سوس، وبين أن أقدم احتفال بسوس كان في أول القرن العاشر وذلك سنة 920 هجرية نقل هذه الفائدة النادرة عن ليون الإفريقي في كتابه وصف إفريقيا. وذكر كذلك أن ابن الوقاد التلمساني المتوفى سنة 1001 هجرية أول من احتفل بالمولد النبوي في تارودانت، في حين أن تافراوت الملود أول مكان أقيم فيه الاحتفال بإداولتيت كلها، أما في الصحراء المغربية فقد كان أول احتفال بها سنة 726 هجرية في أسا قرب ضريح الولي الصالح سيدي يعزى وهدى. أما المبحث الثالث: فقد خصصه لأنواع الاحتفال بالمولد في المغرب، وذكر منها تسعة أنواع: الأول احتفال الخواص، والثاني: الاحتفال الرسمي، وذكر أن عمر المرتضى الموحدي هو أول سلاطين المغرب احتفالا به، وما زال ساريا إلى الآن والحمد لله، والثالث: احتفال النساء اللواتي يعقدن مجالس خاصة، ولم يفت المؤلف أن يستعرض نساء شمال المغرب ووسطه وجنوبه، أما في سوس فذكر أنهن يحفظن البردة عن ظهر قلب بالشلحة، وينشدونها في مجالس المولد. والنوع الرابع: احتفال الزوايا فذكر أشهر الزاوية الكبيرة بالمغرب التي تحتفل بالمولد كالفاسية، والدلائية، والعياشية، والناصرية، والزاوية الغمارية، وغيرها من الزوايا في سوس، وهذا النوع بدأ منذ نهاية القرن العاشر حتى الثالث عشر الهجري. والنوع الخامس: احتفال أطفال الكتاب القرآني، وذكر كثيراً من العادات التي تخص هذا النوع منذ عصر المرينيين بطوله حتى أواخر العهد الوطاسي، والنوع السادس احتفال المدارس العتيقة، فقد ركز المؤلف على مدارس سوس كبومروان، والبونعمانية التي يحضر منها ما يزيد عن 5000 شخص في المولد، وأطال في بيان مولدية أيت اعزا باشتوكة، وكذا تاكوشت وإمزي وغيرها من المدارس العتيقة. والنوع السابع: احتفال الأضرحة، ويظهر أن المؤلف مال إلى كراهة هذا النوع لكثرة ما يقع فيه من المخالفات، بل وحرمته أحيانا. لذا قال في صفحة 97 “وبالجملة فإن تنزيل حكم الاحتفال بالمولد على هذا النوع لا ينضبط لاختلاف أحوال الاحتفال به، لذا وجب أن يحقق المناط الخاص في كل حالة..” النوع الثامن: احتفالات قطاعات الدولة ومؤسساتها. ويظهر لي أن السبب الذي جعل المؤلف يستعرض هذه الأنواع؛ أن المنكرين يقولون بأن المولد بجميع أنواعه بدعة محرمة، لذا رد عليهم المؤلف بقوله صفحة 102: ” إن حكم الاحتفال بالمولد في سائر أنحاء المملكة الشريفة وفق قواعد الصول يكون مندوبا إليه بالكل في سائر الأنواع الستة الأولى، حراما بالجزء في النوع السابع الذي تعم فيه المنكرات والمحرمات، علما بان التحريم آت من بعض البدع الملتصقة به، والحوادث المنكرة المصاحبة له، لا من حيث أصل الاجتماع عليه، ومشروعية الاحتفال به..”. عوائد المغاربة في المولد النبوي: أما المبحث الرابع والأخير من الفصل الأول، فسماه: مظاهر محافظة المغاربة على العوائد الاجتماعية فقسمه إلى ثلاث فروع. الأول عوائد الملوك العلويين، فذكر منها سبعة. الأولى تزيين البيوت بالقصب الأخضر وسعاف النخيل، والثانية: أعراف قدوم الأعيان والرؤساء على السلطان، والثالثة: إطلاق المدافع صباح يوم المولد ابتهاجا بمولده، والرابعة: منح الصلات والهدايا للوفود، والخامسة: توزيع العصيدة والأطعمة الفاخرة على مضافات القصور، والسادسة: عقد مجالس رسمية مصغرة للأعيان والرؤساء، والسابعة: إهداء ملابس الفاخرة للشرفاء . أما الفرع الثاني في العوائد فيخص العوائد الاجتماعية ذكر منها المؤلف تسع عادات الأولى: موكب الشموع المشهور بسلا، والذي ابتدأ منذ سنة 986 هجرية، وبقي العمل به إلى الآن، والثانية: اجتماع الفقهاء والطلبة لإنشاد الأمداح النبوية، والثالثة: ختم الفنون العلمية بالمدارس العتيقة، والرابعة: إطلاق البنادق إعلاماً بالمولد وابتهاجاً به، والخامسة: إنارة المساجد والزوايا والأضرحة، والسادسة: شروق الشمس وتللألئها صباح يوم المولد، والسابعة: ختان الأطفال، والثامنة: الإفطار بالعصيدة صباح يوم المولد، والأخيرة: سرد فيها مجمل عوائد الصبيان والأطفال. ثم خصص الفرع الأخير لعوائد النساء في المولد فذكر منها ستة، الأولى: عقد النساء الصوفيات مجالس الذكر والأمداح، والثانية: تزويج الفتيات بمناسبة المولد، والثالثة: عادات عجائز إلغ، والرابعة: رصد فيها المصنف الحسين أهازيج النساء البعقليات، والخامسة استعرض الأطعمة التي تروج بمناسبة المولد، والسادسة والأخيرة التخضيب بالحناء. ونادرا ما تجد هذه العوائد مجموعة في كتاب فتتبعها المؤلف واحدة واحدة مشكوراً حتى استخرج منها أكثر من عشرين عادة على طول خمسين صفحة، وغالبها شاهدها معاينة وأخرى استقاها من الروايات الشفوية، وبعضها أخذها من المصادر العلمية، وبهذا المبحث ينتهي الفصل الأول التاريخي الذي تجاوز 160 صفحة. محتويات الفصل الثاني من كتاب المولد: أما الفصل الثاني: فسماه أضواء على شبهات جديدة حول ذكرى المولد النبوي، قسمه إلى أربع مباحث، الأول: سماه إفساد كتب التراث التي تجوز المولد، حيث يتعمد المعارضون للمولد إلى تحقيق كتب المجيزين فيردون عليهم في هوامش كتبهم، واستعرض المؤلف أربعة كتب الأول: اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية، والثاني: جامع الآثار في السير لابن ناصر الدمشقي، والثالث: إتمام النعمة الكبرى لابن حجر الهيتمي، والرابع: الباعث على إنكار البدع والحوادث، لأبي شامة المقدسي. ومنهج المؤلف أنه يورد موضع تعليق المحققين فيتعقب عليهم ويرد على اعتراضاتهم. وعلل فساد هذا النوع من التحقيق: في صفحة 177 بقوله: ” لأن فيه اعتراضا على مقاصد المصنفين، وإفسادا لأعمال أهل العلم الأولين، وجناية على حقوق المؤلفين، واعتداء على جهود السابقين..”. أما المبحث الثاني: فخصصه لمطوية مشرقية للشيخ صالح آل فوزان سماها: حكم الاحتفال بالمولد النبوي: تروج هذه المطوية في المغرب كلما قرب موعد ذكرى المولد النبوي واستغرقت فصول ردود المؤلف عليها من صفحة 180 حتى 206 مبيناً أوهامه، ومكشفا أخطاءه، ورد عليه في كل ما ذكره في مطويته بالأدلة العلمية، والحجج العقيلة. أما المبحث الثالث: فقد خصصه لإثارة الخلافات المرجوحة حول مولده صلى الله عليه وسلم، حيث يذهب البعض إلى أنه ولد في عاشوراء، وآخرون في رمضان، ونقل المصنف الإجماع على ولادة المصطفى صلى الله عليه وسلم في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول كما حكاه أساطين علماء السيرة النبوية. أما المبحث الأخير فقد تكلم فيه على ما يفعله المنكرون لما أفردوا يوم المولد بالصيام بنية المخالفة لا بقصد العبادة، وأورد نصوصاً من المعيار للونشريسي، ومن كتب الطبقات، والتراجم، فضلا عن ذكره لقصة ابن عباد المشهورة مع ابن عاشر، كل هذا مع إلزامية المنكرين صيام يوم المولد، ورد على كل ذلك بإسهاب كما سيجده القارئ الكريم في الكتاب. تخصيص الفصل الأخير لأدلة المعارضين والرد عليها: أما الفصل الأخير فقد خصصه لحجج وأدلة المنكرين التي يوردونها، وقسمه إلى أربعة أقسام الأول: أصل فيه لمشروعية الاحتفال بالمولد النبوي من الكتاب، والسنة، والاجماع السكوتي. واستعرض تخريج الحافظ ابن الجزري الذي استدل بقصة أبي لهب، ثم تخريج ابن حجر العسقلاني جوازه من مقاصد السنة النبوية، ثم بتخريج الجلال السيوطي، ثم الطاهر ابن عاشور، وكل هذه التخريجات مشهورة في أماكنها، معروفة في محلها، ولم أقف على من خرج جواز المولد بعد السيوطي إلا المؤلف. تخريج المؤلف جواز الاحتفال بالمولد من أصول السنة التقريرية: قال بعد أن استعرض موافقة يوم مولده مع يوم الهجرة ومصادفة ذلك مع يوم الاثنين والثاني عشر من ربيع الأول، مع فرح الصحابة كثيرا بذلك: قال في صفحة 239 ” ومن هنا نستنبط أن أصول الشريعة لا ترى مانعاً فِي الاحتفال بالأيام التِي أعز الله بها الإسلام، وإظهار الفرح فيها، والشكر لله بسببها لما مَنَّ به علينا من نِعَمِهِ؛ فإذا وقعت تلكم الفنون من الابتهاجات بِحضرته صلى الله عليه وسلم فِي يوم الهجرة وأقَرَّهَا؛ فمن باب أولَى إقرارها فِي يوم مولده عليه السلام الذي هو أعز وأفضل من يوم الهجرة بالإجماع لأنه لو كان الاحتفال بالأيام العظيمة فِي الإسلام بدعة ضلالة فِي الأصل؛ لَبَادَرَ النبِي صلى الله عليه وسلم إلَى إنكاره على أهل المدينة لما استحدثوا الفرح فِي يوم هجرته؛ ولخالف اليهود لما صاموا عاشوراء، سيما وأنه فِي كِلاَ الموطنين فِي موقع التشريع، فكما هو معلوم: لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ..”. أما المبحث الثاني: فقد خصصه لتفريع أحكام المولد على قواعد الأعراف والعادات لا على أصول الديانات والاعتقادات، قصد فيه الرد على المنكرين الذين يخرجون المولد على أصول الاعتقاد فيفسقون المحتفلين ويبدعونهم ويقولون إنهم مضلون، بل صاحب المطوية قال “فالواجب على من يستحسن المولد أن يتوب إلى الله..” . وقد أحسن المؤلف صنعا لما خصص هذا المبحث لهذه المشكلة المنهجية فقال متأسفا على مزالق أصول هذا التخاريج: في صفحة 262 “ومما يزيد الطينة بلَّة والداء عِلَّة أن بقيت الردود على هذا المنوال فِي التفريع والتخريج حين أُقْحِمَت هذه الذكرى الشريفة خطئاً -أو بالأحرى جهلاً- على أنها من فروع العقائد، فَيُقَاس المسلمون باليهود والنصارى، وكفار قريش دون أدنَى خجل، فاجتمعت هذه الفروع العقدية عند البعض، ولَم يجد أدنَى غضاضة بعد ذلك فِي أن يطلب من السواد الأعظم التوبة من الاحتفال بذكرى المولد، وأصغر طلاب العلم يعرف أن المخطئ فِي فروع الفقه والمحدثات يقال له مُخْطِئ؛ وفِي أصول الاعتقاد والديانات يقال له: ضَال. والمبحث الثالث تعرض فيه لمسألة ترك النبي صلى الله عليه وسلم للمولد وأفاض في الرد على المنكرين، ومن الطريف أنه لا حظ الفرق بين نقل مفهوم الترك عند متقدمي الحنابلة ومتأخريهم، وفي هذا يقول: في صفحة 268-269 “فأقول للمنكرين: إذا كان ابن قدامة الحنبلي يستدل على الترك بمعنى المباح، ويستدل به شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم على أنه داخل فِي مقاصد السنة، فكيف تستدلون به أنتم على الحرمة رغم اتفاقكما فِي الأصول ؟ بل تجاوزتُموهما لتستدلوا بالترك على أنه بدعة ضالة ومنكرة !! أما المبحث الأخير فقد خصصه المصنف لمفهوم قوله صلى الله عليه وسلم كل بدعة ضلالة هل هو عام أم خاص ؟ فرد عليه المؤلف بأنه مخصوص بالبدع الضالة والسيئة، واحتج بقول أبي بكر بن العربي، والنووي، وابن عاشور، والعلامة عبد الله الغماري، وغيرهم من العلماء قديما وحديثا، وأنهم فهموا من الحديث أنه خاص . هذه إذن نبذة موجزة عن أهم فصول هذا الكتاب أصول الاحتفال بالمولد النبوي بالمغرب، وبيان المباحث التي انطوى عليها استعرضتها بإجمال دون تفصيل، لكي أعطي للقارئ لمحة موجزة عنه، وهي وإن كانت لا تفي بالغرض المطلوب؛ فإنها من جهة أخرى ألقت ضوءا عليه . والآن قد انتهيت من بيان ما أردت بيانه في هذا المقال، فإن أصبت فذلك ما كنت أبغي، وإن أخطأت فحسبي أني كنت حريصا على ألا أخطأ، وصلى الله وسلم على حبيبنا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. وكتبه ليلة الاثنين 24 دجنبر 2018 مصطفى الباخر بمدينة ببوكرى.