تتجدد كل سنة ذكرى مولد سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، وتتجدد معه الاحتفالات في كل بقاء العالم الاسلامي من أمداح نبوية حتى اضحت تقليدا سنويا . و قبل ذلك إلقاء الضوء على مشروعية هذا الاحتفال ، كما نكون مطالبين بتوضيح بعض الآراء الفقهاء في الموضوع ، فهناك من يشكك في هذه المشروعية ، وهناك من له رأي عكسي. يوكد بعض الفقهاء في الدين على أهمية الاحتفال بذكرى المولد النبوي ترسيخا بحب شخصية الرسول الكريم في الأفئدة والنفوس، ويؤكدون على أن هذه المحبة تعد أصلاً من أصول الإيمان التي نوه عنها النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله الذي رواه الإمام البخاري ''لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين''، والتي أكد عليها النبي فيما رواه البخاري كذلك أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال للنبي ''يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا نفسي'' فقال: ''لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك'' فقال الفاروق عمر ''والله يا رسول الله لأنت أحب إلي من مالي وولدي ونفسي'' فقال له النبي ''الآن يا عمر." وانطلاقا من هذا أدج السلف الصالح منذ القرنين الرابع والخامس الهجريين على الاحتفال بالمولد النبوي بشتى القربات والطاعات، ونذكر منهم الإمام ابن كثير وابن الجوزي والإمام ابن حجر والإمام السيوطي وغيرهم. كما ألفوا في ذلك كتبا داعمين آراءهم بالأدلة الصحيحة، فألف الإمام السيوطي رسالة أطلق عليها اسم (حُسن المقصد في عمل المولد) وألف أبوعبدالله المالكي الفاسي كتاباً عُرف باسم (المدخل) وضعه في ذم البدع المحدثة التي لا يسعفها دليل شرعي. وقد أجمع علماء المالكية في حكم الاحتفال بالمولد النبوي ببدعة ، وأن كان منهم من يستحسنها و ذلك إتباعا للهوى وإرضاء لعامة الناس على حساب الدين, فالإمام المحقِّق أبو إسحاق الشاطبي يرى أن إقامة المولد على الوصف المعهود بين الناس بدعة محدثة وكل بدعة ضلالة, فالإنفاق على إقامة البدعة لا يجوز في حين يرى الاخرون أن الاحتفال بالمولد لا أصل له في الكتاب والسنة، ولم يقمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة وذكر العلامة الفاكهاني: ولا أعلم لهذا المولد أصلاً في كتاب ولا سنة) 1 . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: إنّ هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضي له، وعدم المانع منه، ولو كان هذا خيراً محضاً أو راجحاً لكان السلف رضي الله عنهم أحقّ به منّا، فإنّهم كانوا أشدّ محبّة لرسول الله (صلّى الله عليه وسلم) وتعظيماً له منّا. كما أكدوا أن إقامة المولد تشبه بدين النصارى، الذين يحتفلون بعيد ميلاد المسيح عليه السلام، وقد نهينا عن التشبه بهم، كما قال صلى الله عليه وسلم: “ومن تشبه بقوم فهو منهم” 4 . أخرجه أحمد والحكيم ، والبيهقى .و أن العبادات مبنية على التوقيف من الشارع، ولا مجال فيها للاجتهاد. ويبقى الاختلاف حول الاحتفال بالمولد النبوي ليس اختلافاً بين من يحب الرسول ويعظمه وبين من يبغضه ويهمل شأنه بل الأمر على العكس من ذلك تماماً. فالخلاف بين الاحتفال بمولده كبدعة إذ يجب عليها أن نفرق بين احتفالين، بين احتفال يعدّ من تقاليد المجتمع الإسلامي وعاداته، وبالتعبير المعاصر احتفال فلكلوري أساسه رفع الزينات، وإلقاء الكلمات وتوزيع الحلويات، واحتفال حقيقي أساسه الاتباع، وشتان بين الاحتفالين. فلا حرج إذن في أن يعتمد شهر المولد كشهر تهيج فيه عواطف المحبة نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا حرج في أن يعتمد شهر المولد كشهر يكثر فيه الحديث عن شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وذكر الشيخ البناني وهو من علماء المالكية المعتمدين في المغرب ، أنَّ من أنواع الوصيَّة بالمعصية إقامة المولد على الوجه الذي كان يقع عليه في زمانه كاختلاط الرجال بالنساء وغير ذلك من المحرَّمات، فماذا لو رأى زماننا؟! وعبارته " أَوْ يُوصِيَ بِإِقَامَةِ مَوْلِدٍ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَقَعُ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ مِنْ اخْتِلَاطِ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ وَالنَّظَرِ لِلْمُحَرَّمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْمُنْكَرِ. أنظر: "حاشية الدسوقي على الشرح الكبير"