"الأحرار" يكتسح انتخابات فاس الجزئية ويعزز فريقه البرلماني بمقعد جديد    نائبة المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة : المغرب رائد في مجال البحث الزراعي    شراكة مغربية أوروبية.. إعلان عن إطلاق طلب مشاريع لتشجيع الزراعات الإيكولوجية    وزير فلسطيني: المغرب الأكثر اهتماما وعناية بشؤون القدس        رحيمي يفرض نفسه ويطيح ببونو من دوري أبطال آسيا    لمواجهة تدني التعلمات.. إحداث 60 ألف "ركن للقراءة" بالمدارس الابتدائية بالمغرب    ميارة يستقبل فيرا كوفاروفا نائبة رئيسة مجلس النواب التشيكي    الجيش الإسباني يدرب الحرس المدني على "الدرونات" قرب الناظور    بطولة العرب لكرة اليد.. الجزائر تنسحب أمام المغرب بسبب خريطة المملكة    الملكية الفكرية تدعم جميع جوانب الحياة في المغرب، بما في ذلك الزليج    الأمثال العامية بتطوان... (580)    أبوعبيدة يتعهد بمواصلة القتال ضد إسرائيل والجيش الإسرائيلي يكثف هجماته في مختلف أنحاء القطاع    الشرطة الفرنسية تستدعي نائبة يسارية على خلفية تحقيق بشأن "تمجيد الإرهاب" إثر بيان حول حماس    منتخب الهوند الجزائري ما جاش لدونور يلعب مع المغرب بسبب خريطة المملكة وخوفو من الكابرانات    الأديب عبد الرفيع جواهري ضيفا على برنامج "مدارات"    خريطة المغرب تزعج الجزائر بالبيضاء    آيت الطالب: الحوار الاجتماعي في القطاع الصحي حقق العديد من مطالب النقابات    بطولة إنجلترا لكرة القدم.. المدرب الإسباني أوناي إيمري يجدد عقده مع أستون فيلا حتى 2027    وزير الخارجية الإسباني يؤكد افتتاح الجمارك بباب سبتة    تفتيش شابة على متن حافلة ببني ملال يسفر عن مفاجأة    تداولات البورصة تغلق على "أداء سلبي"    وزير خارجية سيراليون : العلاقات مع المغرب بلغت "مستوى غير مسبوق"    عاجل. حكم قاصح بزاف. الاستيناف طلع العقوبة الحبسية للطاوجني ل4 سنين بسباب شكاية دارها بيه وزير العدل    وهبي لوزيرة العدل ديال الساو تومي فاجتماع دولي: تكلمي السيدة الوزيرة أنت كإمراة عندك الحق تتكلمي عشرين مرة    فرنسا معولة على مخابرات المغرب فتأمين أولمبياد باريس وها شنو گال جيرالد دارمانان    التعليم رجع كيغلي فوق صفيح ساخن. ملف الأساتذة الموقفين غادي بالقطاع لأزمة جديدة وسط رفض نقابي لتوقيع عقوبات ضدهم    وزارة إسبانية: "سيام" من أكثر المعارض الفلاحية الواعرة فشمال إفريقيا    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    آيت طالب: أمراض القلب والسكري والسرطان والجهاز التنفسي مزال كتشكل خطر فالمغرب..85 في المائة من الوفيات بسبابها    جائزتها 25 مليون.. "ديزي دروس" و"طوطو" يترأسان لجنة تحكيم مسابقة في فن "الراب"    ضمن جولة إقليمية.. حموشي يقود وفدا أمنيا مغربيا إلى الدوحة ويتباحث مع مدير "أمن الدولة"    الأمم المتحدة تطالب بتحقيق دولي في المقابر الجماعية في مستشفيات غزة    مديرية الضرائب تعلن عن آخر أجل لإيداع الدخول المهنية    خارطة طريق فلاحية جديدة بين المغرب وفرنسا    الأقمصة الرياضية التي أرعبت السلطات الجزائرية!    توقعات أحوال الطقس غدا الأربعاء    وزير الزراعة والأمن الغذائي بنيجيريا: "نرغب في تعميق علاقات التعاون مع المغرب في المجال الفلاحي"    أمل تيزنيت يستنكر الأخطاء التحكيمية التي ارتكبت في مباراته أمام جمعية المنصورية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    حرائق الغابات تجتاح عددا من مقاطعات كندا    بكين تنفي "كل المزاعم بتجسس صيني"    أكادير.. الدورة الأولى لمهرجان "سوس كاسترو" الدولي لفنون الطهي ونجوم المطبخ من 25 إلى 28 أبريل الجاري    الموت يفجع زوج دنيا بطمة السابق    الذهب ينخفض لأدنى مستوى في أكثر من أسبوعين مع انحسار مخاوف الشرق الأوسط    بنموسى: الأزمة التي عاشتها المنظومة التعليمية شكّلت لنا فرصة للإصلاح    بعد أزمة نهضة بركان.. الاتحاد الدولي للمصارعة يعتمد خريطة المملكة في أقمصة المنتخب    العلاج بالحميات الغذائية الوسيلة الفعالة للشفاء من القولون العصبي    هذه هي الرياضات المناسبة إذا كنت تعاني من آلام الظهر    ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34 ألفا و183 شهيدا منذ بدء الحرب    فرنسي يبصق على مؤثرة مغربية محجبة قرب برج إيفل (فيديو)    سعد لمجرد يكشف تفاصيل لقائه بجورج وسوف        الأمثال العامية بتطوان... (579)    وفاة الشيخ اليمني عبد المجيد الزنداني عن 82 عاما    كيف أشرح اللاهوت لابني ؟    السعودية تعلن شروط أداء مناسك الحج لهذا العام    الأسبوع الوطني للتلقيح من 22 إلى 26 أبريل الجاري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التيمات و مرتكزات التأويل في كتاب ” الجوهر المكنون في كلام أولاد ميمون ” لمحمد بازي
نشر في اشتوكة بريس يوم 05 - 08 - 2010


تقديم :
من غير تمهيدات نظرية حول الثقافة الشعبية و الحاجة إلى الاهتمام بها ، يضع كتاب
” الجوهر المكنون في كلام أولاد ميمون” ، قارئه بشكل عام في جوهر الكينونة الميمونية المتجذرة في العمق الشعبي المغربي. ذلك أن صاحبه الأستاذ محمد بازي، الباحث الأكاديمي المتخصص في قضايا الفهم و التأويل مثلما هو معلوم ، تناسى في كتابه هذا الأدوات المفاهيمية و النظرية الأكاديمية ، ليعانق بكل فطرية وتلقائية شجون الحكمة المستمدة من الأقوال و الأمثال و الحكم و الطرائف و العبارات التي شكلت وعي الإنسان الميموني و رؤيته للعالم من حوله.
لقد جاء هذا الكتاب لتلبية حاجة الثقافة المغربية عامة، و الميمونية خاصة، إلى كثير من التحصين ضد الهشاشة و الذوبان، في زمن اختار أقوياؤه رفع شعار تنميط الثقافة الإنسانية عن طريق الاستلاب و التغريب، قافزين على الخصوصيات الثقافية لغيرهم الذي لا يريدونه إلا منتجا للفلكلور، ومؤثتا لأسواق السياحة الثقافية .
لهذا الاعتبار اختار الأستاذ محمد بازي عن اقتناع ، الإبحار ضد التيار فعمد إلى النبش في ترسّبات ذاكرة أجيال الميمونيين، انطلاقا من أمثالهم و حكمهم التي تعكسهم في جدّهم
و هزلهم و فرحهم و حزنهم . و لعل اختيار النبش في المتن الأمثولي و الحكمي بشكل أساس، و التصدي له بالجمع و الشرح ، يعكس وعيا قويا بأهمية الأمثال و الحكم في واقع العلاقات الاجتماعية و الإنسانية ، إذ هي في كل الثقافات أداة تعبيرية هامة و مغرية وعميقة في إبلاغ معان تعكس هواجس الذاكرة الشعبية . من هنا لم يكن بدعا أن يلتجئ إليها الإنسان الميموني ، لتكون واحدة من أقوى آلياته الإبلاغية و البلاغية .
إن القراءة الأولية لكتاب ” الجوهر المكنون في كلام أولاد ميمون ” الذي يضم أكثر من ألفي مادة تم تدوينها في صورتها التلقائية ، تعكس رغبة في تجاوز ما ارتبط بهذا النمط من التراث الشعبي في عقول العامة، من مظاهر الازدراء و مدلولات القدح إلى صيغة ترتفع بتذوقه لإدرك جوهر الألق الإنساني في الثقافة الشعبية. و في إطار هذا الطموح نتصور أن كتاب ” الجوهر المكنون في كلام أولاد ميمون ” يسعى إلى توفير أرضية للإجابة و لو
لاحقا عن أسئلة ثلاثة مركزية نفترضها كالآتي :
كيف يمكن الحفاظ على أنماط الموروث الأمثولي و الحكمي في الثقافات الشعبية
الشفوية ؟
ما السبيل الأنجع الذي يمكن بواسطته نقل الرصيد الأمثولي و الحكمي داخل ثقافة
شعبية شفوية ما من السّلف إلى الخلف ؟
ما الذي يحول دون انتقال المتون الأمثولية و الحكمية في الثقافات الشعبية الشفوية
من مستوى المتعة و الترفيه إلى مستوى العبرة و التوعية ؟
قراءة تيماتية في الكتاب
لقد اختار الأستاذ محمد بازي تنظيم متن كتابه وفق الطريقة الألف بائية ، لصعوبة الحسم في الموضوعات التي تستحق التقديم أو التأخير، خاصة و أن جميع هذه الموضوعات تبقى على قدر المساواة من حيث الأهمية و صلتُها الحميمة بوعي منتجيها و متداوليها .
تبرز المادة التي تمدنا بها الأمثال والحكم و الأقوال الواردة في كتاب ” الجوهر المكنون في كلام أولاد ميمون ” مدى تعلق مبدعيها بالحياة اليومية للإنسان الميموني اجتماعيا واقتصاديا ، خاصة و أن مجموع هذه الأمثال و الحكم و الأقوال يرتبط مكانيا بالقرية الميمونية و محيطها الجغرافي القريب ك :” أيت عميرة” و” غزالة” و “الخربة” و “البرايج” و”تفنيت”...ممن يعتبر أهلها آخر بالنسبة للإنسان الميموني، و أبلغ مثل في هذا الإطار (زيد الما زيد الدگيگ را ولاد عميرة فالطريگ )، مثلما تعكس هذه الأمثال و الحكم و الأقوال القرية الميمونية إنسانيا بمثل :الرجال و النساء و الأطفال و الفلاحين و الحرفيين و الصناع، وتعكسها أيضا طبيعيا بمثل نباتات :”الفرزيز” و” الدّلاح” و” الكرعة” و “الزرعط و” الزرْبط و” النخلة” و “البصلة” ، و تعكسها أيضا حيوانيا بمثل : “الذيب” و”الحْمار” و “البْگر” و “المعز” و “الدجاج” و”الكلب” و “البومة” و “الناگة” و “الجمل” و “العَود” ...
ويبقى أهم ما يلفتنا اجتماعيا فيما جمعه الأستاذ محمد بازي في كتابه،هو الإلحاح على التضامن و التعاضد و الأخلاق و التحذير من عواقب الزمن و تقلبات الحياة ، و كأن الحكيم الشعبي الميموني يحرص على تحديد العلاقات الاجتماعية بما يرضي الله و العباد.
و إذا كان من اللازم تحديد التيمات الأساس التي ينطوي عليها كتاب ” الجوهر المكنون في كلام أولاد ميمون ” فلن نجد أهم مما يلي :
٭ الفلاحة : و من العبارات الدالة عليها نجد : ( إلاّ جات الشتا فالصمايم بيعْ الزرع و اشْري
البهايم ) / ( بلّغ يا حراث بين المراجع مال التاجر عندك راجع ) / ( ثبت و خلّي
الزرع ينبت ) / ( لا تْصاحبْ حتى تجرّبْ و لا تحرث حتى تزرّب و لا تضرب
حتى تقرّب ) / ( النعيجة و العويجة و العام إلى جاء ) / ( واحد البگرة تخسر
النوبة ) ( حصّاد بحْمارو شْهاب بنارو) / ( الشتاء ديال لليالي بحال لعْب دراري)/
( گعد ألجوع حتى ندرسو)/ ( اللّي حرث الجمل دكّو ) / ( اللّي نگى حصْد ).
إن تأمل مجموع هذه الأمثال والحكم ، يكشف عن زراعية تفكير الحكيم الميموني
الذي رأى في الزراعة، و ما يتعلق بها من تربية الماشية واجبا يستلزم الاستعداد
و الإتقان و الاستمرار و الحيطة و الحذر...
٭ الرجولة : ومن الأمثال و الأقوال الدالة عليها : ( حتى يجو الرجال ) / ( الرجال يتْلاگاو
و الجبال ما يتلاگاو) / ( الراجْل بالهمة أما اللحْية حتى المعز عندو) / ( الرجل
بحال لفاس فين مّا مشى يحْفر ) / ( الرّجل يموت على بلادو ولاّ ولادو )
( الرّجْلة ما تتْباع ما تشرا ) / ( الرجل اللّي يتبع المرا مرا نيت هداك ) ...
من مجموع هذه الأمثال و الأقوال نلحظ تنصيص الحكيم الميموني على حقيقة
الرجل الذي لا يكون كذلك بالهيئة فحسب، بل بالشهامة و القدرة على التحمل
و عدم الخضوع للمرأة .
٭ المرأة : كثيرة هي الأمثال و الأقوال المتصلة بالمرأة في التداول الأمثولي و الحكمي
الميموني ومن ذلك : ( خذ المجنونة بنت العاقلة و لا تاخذ العاقلة بنت المجنونة )/
( الرّبح من المرا و الخسارة من المرا )/ ( زمان الغرايب هذا المرا مكحلة
و الرجل غايب ) / ( سال على الأم قبل ما تلام )/ (فعرسها نعّاسة و فعرس الناس
رقّاصة ) / ( كاينة المرا اللي هي بالصح مرا ، و كاينة المرا اللي بحال مسمار
عشرة، و كاينة مرا بحال مسمار عشرة مدگوگ فالعنگرة )/ ( كولْ مع المرا الوالدة
و ما تمشي معاها )/ (اللّي تزوج بنت عمو نسى همو)/ (اللّي طلقها ما يوريها دار
بّها)/ ( اللّي ما عندو بنات حد ما عرف باش ماتْ)/ (ما تاكل البلبولة المالحة غير
المرا الفالحة)/ ( ما تفهم المرا غير مرا)/ ( ماتدير يدّها فالماء )/ ( المرا اللّي تطوف
ما تغزل صوف )/ ( المرا بلا ولاد بحال الخيمة بلا وتاد)/ ( مرا لسّاسة تغلب ميات
سحاّرة و سحّارة )/ مراة المنحوس ما هي مطلقة ما هي عروس)/) معرفة الرجال
كْنوز و معرفة النسا خْنوز)/( مول الطاحونة و السانية و المرا الثانية عمرو ما
يشوف ليلة هانية)...
من خلال التمعن في مجموع هذه الأمثال و غيرها كثير ، نلاحظ أنها ذات طبيعة وعظية إرشادية تميز بين المرأة المقبولة و المرفوضة .
فمن مواصفات المرأة المقبولة : العقل و الحشمة و الجد و القرابة و الإنجاب
وحسن النسب . فيما مواصفات المرأة المرفوضة : الخاملة و العاقر والمحتالة ...
و عموما تبقى قيمة المرأة في مجموع هذه الأمثال متوقفة على دورها الأسري
المنضبط ، مع ملاحظة تتعلق بالتنويه الواضح بالمرأة الأم و البنت . و لا ندري ما
إذا كانت هذه الأمثال صادرة عن حكماء أم حكيمات .
مرتكزات الخطاب الشارح في الكتاب.
سننطلق من أجل ملامسة مرتكزات الخطاب الشارح في كتاب ” الجوهر المكنون في كلام أولاد ميمون ” من قول مؤلفه : ” حاولت ما أمكن أن أشرح القول أو المثل أو العبارة وأوضح سياقها ... كان القصد أولا و أخيرا التدوين و الشرح و التأويل و التصنيف ” .
يتضح لنا من هذا الكلام أن جهد المؤلف في هذا الكتاب انصب على ثلاث مسائل أساس هي: التدوين و التصنيف و الشرح باعتباره مستوى من مستويات التأويل ، هذا مع العلم أنه إن كان الشرح ينطوي على رأي و اجتهاد ، فإن التدوين و التصنيف لن يتما من جهتهما من غير رأي، مادامت أي عملية تدوينية للموروث الشفوي في كل حقبة زمنية هي بمثابة غربلة تسمح بمرور أشياء و منع أخرى ، ذلك أن التدوين ” حتى بمعنى الجمع و التصنيف لا غير، لا يمكن أن يتم بدون رأي ” حسب ما يرى محمد عابد الجابري .
لنترك جانبا عمليتي التدوين و التصنيف مركزين على عملية التأويل ، فنسجل أن التأويل في اللغة يعني التقدير و التفسير مثلما جاء في معجم لسان العرب في مادة ” أول ” ” أوّل الكلام و تأوّله : دبّره و قدّره ، و تأوّله فسّره ” . ينضاف إلى ذلك أن التأويل / الشرح تقليد علمي عربي قديم اتخذ أشكالا عدة في مختلف المصنفات العربية القديمة ، ككتب الطبقات والتراجم، و كتب النقد والبلاغة، و كتب التفسير و كتب الإعجاز .
إننا لاننكر وعي الأستاذ محمد بازي بالأبعاد العلمية و المنهجية لخطاب التأويل في أي ممارسة علمية ، و هو من اختبر في أكثر من بحث أسئلة و شجون التأويل في التفكيرين العربي و الغربي . لذلك ليس بدعا أن تحضر مرتكزات التأويل و آلياته الجوهرية في شرحه لأقوال و أمثال و حكم و طرائف أولاد ميمون . و بوسعنا أن نميز عنده في هذا الإطار بشكل مختزل جدا بين المرتكزات التأويلية الآتية:
٭ مرتكز التأويل بالقرآن :
اعتمد المؤلف في تأويل بعض الأمثال و الحكم و الأقوال على النص القرآني باعتباره
جزءا من ذخيرته المعرفية، و ذلك من أجل تأكيد مصداقية القول المؤوّل. و من نماذج هذا
المرتكز التأويلي، تأويل الحكمة ( دوام الحال من المُحال ) ب: ” أحوال الدنيا متبدلة ،
و (كل من عليها فان و يبقى وجه ربك ذو الجلال و الإكرام ). و تأويل المثل ( قدْ
الحْديد قدْ دقتو) ب : ” على قدر أهمية الحديد في الحياة و منافعه تكون مصائبه و بأسه “.
و قد صدق الله تعالى : ( و أنزلنا الحديد فيه بأس شديد و منافع للناس) . و تأويل القول
( كُنْ الدنيا تدومْ كون دامت للْولى ) ب : (كل من عليها فان و يبقى و جه ربك ذو
الجلال و الإكرام )” . ثم تأويل القول ( اللّي يصْلي و يقطع من جهنما ما يطْلع ) ب :
” عبارة سمعتها من غلام ينصح صاحبه بمداومة الصلاة . و فيها تخويف من قطع
الصلاة أو التهاون بشأنها أو السهو عنها . قال الله تعالى ويل للمصلين الذين هم عن
صلاتهم ساهون ) .
٭ مرتكز التأويل بالحديث الشريف :
إلى جانب القرآن الكريم، استند المؤلف في تأويله إلى الحديث الشريف، و ذلك لنفس
الاعتبارات التي دعته للتأويل بالقرآن . و من نماذج هذا النوع من التأويل نجد : تأويل
القول ( شاوْرْ مراتك و ما تدير بكلامها ) ب : كما في الحديث : “شاوروهن و خالفوهن”.
و تأويل القول ( عْلاهْ الشيطان درّي ) ب : الشيطان متمكن من ابن آدم تمكنا كبيرا ،
و قادر على إغوائه بكل الوسائل ، كما في الحديث النبوي : ” إن الشيطان يجري من ابن
آدم مجرى الدم فضيقوا مجاريه بالجوع ” . و تأويل القول : ( كرش بنادم ما يعمّرها غير التراب ) ب : ” في عدم محدودية طمع الإنسان و انفتاح شهيته للماديات . و هو نقل للحديث ” لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى لهما ثالثا، و لا يملأ جوف ابن آدم
إلا التراب ” . ثم تأويل القول ( مول الدار ما يفرط و الضيف ما يشرط ) ب :” المُضيفُ
يكرم ضيفه ، و الضيف يكتفي بما هو موجود . و في الحديث ” من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فليكرم ضيفه ” .
٭ مرتكز التأويل بالشعر :
كثيرة هي الأمثال و الحكم و الأقوال التي عضّد المؤلف تأويلها بأبيات من الشعر العربي القديم ، و ذلك من باب تقوية مفعولها الإقناعي . و من اللافت جدا أن يأتي شعراء أمثال طرفة و المتنبي و المعري و أبي تمام و الشريف الرضي و عبد الرحمان المجذوب في مقدمة من استُحضرت أشعارهم، لكونهم أكثر شعراء أزمانهم انفعالا و حدة عاطفة، و أبعدهم تفكيرا ورأيا، و أكثرهم ضربا للحكمة و المثل . و مما يعزز مرتكز التأويل بالشعر في الكتاب طي التقديم ، تأويل القول (ما كذبوش اللي گالو عيش تشوف) ببيت طرفة بن العبد :
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ٭ و يأتيك بالأخبار من لم تزود
و تأويل القول ( حدْ النزاهة ركوب الخيل) ببيت المتنبي :
أعز مكان في الدنى ظهر سابح٭ و خير جليس في الزمان كتاب
و تأويل القول ( إلا جيت تحقّقْ تحمق) ببيت المتنبي :
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله ٭ و أخو الجهالة في الشقاوة ينعمُ
و تأويل القول ( سْكن مع المحسادْ و ما تسكْن مع المْعْيان ) ببيتي أبي تمام :
و إذا أراد الله نشر فضيلة ٭ طُويت أتاح لها لسان حسود
و تأويل القول ( ما يْتْقرقب غير السطل الخاوي ) ببيت الشريف الرضي :
ملأى السّنابل تنحني تواضعا ٭ و الفارغات رؤوسهن شوامخ
و تأويل القول ( راح داك الزمان بناسو و جا هاذ الزمان بفاسو) ببيتي عبد الرحمان
المجذوب :
راح ذاك الزمان بناسو ٭ و جا هاذ الزمان بفاسو
و كل من يتكلم بالحق ٭ كسرو لو راسو
و لاندري ما إذا كان العلاقة بين مجموع هذه الأبيات الشعرية و أمثال و حكم و أقوال الحكيم الميموني ، وليدة تناصات عفوية، أم أن الأمر يتعلق بتناصات مقصودة ، مادامت الحكمة الإنسانية في جوهرها واحدة ، ولا يكاد يختلف سوى لغات التعبيرعنها .
٭ مرتكز التأويل بالشرح اللغوي :
لاعتبارات تعليمية تبسيطية للقارئ غير الميموني المفترض ، اعتمد المؤلف في تأويله
لنماذج من الأمثال و الحكم و الأقوال المتداولة في القرية الميمونية آلية الشرح اللغوي،
ضمانا للوضوح و يُسر التلقي .
و من تجليات هذه الآلية في الكتاب قيد التقديم تأويل القول ( الخاوَة جْدام ) ب : ” و الجدام
مرض كالبَرَص” . و تأويل القول ( خَرْجو رْجليه من الشواري) ب: ” لمن تعدى حدوده ،
والشواري : الخُرْجُ الذي يوضع على ظهور الدواب لحمل البضائع و الحاجات ، و يصنع
من سعف النخل في الغالب ” . و تأويل القول ( شادْ معاي حاشية السّطلة ) ب: ” السّطلة:
و عاء الماء ، لمن لا يريد أن يستقيم و يركن للجهة التي تركن أنت إليها ” . و تأويل القول
( الضربة للْفرطاس و الشّنْعة لْمولْ لگرون ) ب : الفرطاس : الخروف الذي لا قرون له،
فإذا ضرب خروفا آخر و آذاه ، فإن الأصابع تشير لصاحب القرون . يقال لمن شكله
و حاله سبب في توجيه التهم له، رغم أنه لا دخل له فيما حصل . و تأويل القول ( اللّي جاب الشقفة عطيه العفية ) ب : ” الشقفة قطعة طينية أو حديدية يحمل فيها الجمر من الموقد، أي من طلب منك شيئا و جاء بأسبابه ، فلاتردّه خائبا ”
٭ مرتكز التأويل بالتفصيح .
نقصد بالتفصيح هاهنا انتقال المؤلف بمجموعة من الأمثال و الحكم والأقوال من مستوى التداول اللغوي اليومي التلقائي ذي اللكنة الميمونية ، إلى مستوى التداول اللغوي الفصيح ؛ و ذلك من أجل ضمان تلق أوسع لهذه الأمثال و الحكم و الأقوال . و مما يعكس هذا المرتكز التأويلي في الكتاب تأويل القول ( سيد الناس خديمهم) ب :” خادم الرجال سيدهم ” و تأويل عبارة ( عبّو سْكوبي ) التي تقال لمن ذكر الأمر الواحد أو فكر فيه عدة مرات بلا
جدوى ب: ” و نظيره عند العرب قولهم : عُبّي و اسْكُبي ” . و تأويل الحكمة ( قْطَع الرْجل
تْعْزازْ) بالحكمة العربية الفصيحة ” زُرْ غِباّ قليلا تَزْدَدْ حُبا ” . و تأويل عبارة ( كْثرة
الهَمّ تْضَحكْ ) الدالة على أن كثرة الهم تضحك ، بقول العرب: ( شرّ البَلية ما يُضحكُ ) .
و تأويل القول ( ما يْحك جَلْدك غير ظُفْرك ) الدال على أن عملك لا يقوم به من هو أفضل
منك ، ب: ” أصله عربي : ما حَكّ جلدك غير ظُفرك ” .
٭ مرتكز السياق
من منطلق أن تأويل النصوص يتوقف على معرفة سياقها ، بما يكوّنه من أحداث
و شخصيات و زمان و مكان ، حاول المؤلف وضع قارئه في عمق سياق بعض الأمثال
و الحكم و الأقوال التي استوقفته . ومن ذلك تأويل عبارة ( الله يعطينا شي بغلة بحال هاذي) بوضعها في سياقها الذي يتعلق ” ببغلة ضربت برأسها امرأة وهي تسقيها ، و في رواية أخرى ألقتها عن ظهرها فماتت . فجاء الرجال لتعزية الرجل في وفاة زوجته . فكان بعض الرجال يعزي قائلا : رحم الله الفقيدة ...في حين كان بعض الساخطين على زوجاتهم يقول علنا : رحمها الله ، ويُسرّ في أذن الرجل عبارة... ” هل لك أن تعيرني بغلتك عدة أيام ” أو ” آه لو كانت لي بغلة مثل بغلتك ” . ثم تأويل القول ( ما بْقى لِيكْ غير شْويّ د الزيت و دِير عْشاك ) الذي قاله رجل عرف بدعابته ، ” و ذات يوم اختبأ فأر تحت سريره ، فلما لم يجد ما يرميه به لإخراجه ، رماه بأنواع مختلفة من الخضر : بصلة و فلفلة
و بطاطس ثم طماطم ، لكن الفأر لم يخرج من مخبئه ، فخاطبه قائلا : لا ينقصك بعد
هذا إلا قليل من الزيت و تهيئ عشاءك . و مما اعتُمد في تأويله على مرتكز السياق
أقوال أخرى من قبيل ” ( ما وُلدتْ أنا ما ولد الذيب ) و ( ما شي فوق الهيضورة فاش
غادي تشد يديك ) و ( ها. ها إبّا جاء ) و ( واش ابو منجل اللّي بندير فالگفة) ...
٭ مرتكز القصد
يعتبر القصد عنصرا آخر من العناصر الأساس الموجهة للفعل التأويلي ، ذلك أن محاولة
الإمساك بقصد أي متكلم هي السبيل الأنجع للوصول إلى تأويل مقبول لكلامه . ضمن هذا الإطار وظف الأستاذ بازي في تأويله جملة من العبارات الدالة على مقاصد الحكيم الميموني
و منها : القصد و المقصود و المراد و المعنى ... و من الأمثلة الدالة على ذلك تأويل عبارة
( الجماعة سافرت و جوج عادو ثْلاثة و البْعاد قْربوا) ب : ” المقصود أن الشخص أصبح هرما ، فالجماعة المسافرة هي الأسنان و القدمان انضاف لهما العكاز و العينان اللتان
كانتا تريان البعيد لم تعودا تبصران إلا ما هو قريب “. و تأويل عبارة ( دير الجّبّاد فالنّصْ)
ب : ” ...و المقصود : لا تترك الثقل أو العبء على أي طرف ” . وتأويل عبارة (عاونْ
الفْقيه إشاَرْطْ ) ب: ” و القصد هنا تسهيل المهمة أمام من يُقبِل على الزواج مثلا أو البناء ،
بمعاونته بأي وجه من الوجوه ” . ثم تأويل القول ( اللي نگّى حْصَد ) ب: المراد من اهتم
بشؤونه و رعاها بلغه منها ما يريد ” ...
خاتمة
تلك هي أهم التيمات و المرتكزات التأويلية التي عنّت لنا من خلا ل قراءتنا المتسرعة جدا لكتاب الأستاذ الدكتور محمد بازي ، آملين أن تكون لنا عودة إلى هذا الكتاب مرة أخرى لدراستة دراسة أوفى و أفضل ، فهو بحق عمل يحضر فيه الأستاذ بازي باحثا لغويا وناقدا وجغرافيا و مؤرخا و طوبونيميا و سيوسيولوجيا . و لولا جميع هذه الصور لما قدم رؤية وصورة حية عن القرية الميمونية في ارتباطها الوثيق بهويتها الأصلية المستمدة من منظومة القيم المغربية و الإسلامية .
في : بيوكرى : 30 / 7 / 2010


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.