هل تبخر وعد الحكومة بإحداث مليون منصب شغل؟    مصر تقول إن هناك تقدما في مفاوضات الهدنة بالتزامن مع وصول وفد حماس للقاهرة    مصرع 14 شخصا جراء فيضانات في إندونيسيا    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    الوكالة الحضرية لتطوان تواصل جهود تسوية البنايات غير القانونية    عبد النباوي كيطالب من المحامين باش يساهموا فمكافحة جرائم "غسل الأموال" وبغا يكون التزام أخلاقي ومهني على تقييم المخاطر    صناديق الإيداع والتدبير بالمغرب وفرنسا وإيطاليا وتونس تعزز تعاونها لمواجهة تحديات "المتوسط"    106 مظاهرات في عدة مدن مغربية لدعم غزة والإشادة بالتضامن الطلابي الغربي    سيناريو مغربي ضمن الفائزين بالدعم في محترفات تطوان    كنوز أثرية في تطوان.. فيسفاء متولوجية وأمفورات ونقود قديمة    "غزة غزة".. قصيدة ألمانية تضامنية تحقق 6 ملايين مشاهدة (فيديو)    المتصرفون: زيادة 1000 درهم لن تحقق العدالة الأجرية وسنتضرر من إصلاح التقاعد    بعد نسخة طنجة.. الهيئة المغربية للمقاولات تنظم الدورة الثانية للملتقى الدولي للأعمال بالدار البيضاء    بطل "سامحيني" يتجول في أزقة شفشاون    بعد محاولة أولى فاشلة بمقر الشرطة.. وفاة مواطن منتحرا في تزنيت إثر شكاية قضائية من زوجته    تحدث عن إمكانية ترشحه لرئاسته.. لقجع: طموحاتي أكبر من الواقع الحالي ل"الكاف"    الحوار الاجتماعي المركزي بالمغرب..    صندوق الإيداع يشارك في اجتماع بإيطاليا    مهرجان الدراما التلفزية يفتتح فعاليات دورته ال13 بتكريم خويي والناجي (فيديو)    صديقي يزور مشاريع تنموية لقطاع الورد العطري بإقليم تنغير    المفاوضات لإقرار هدنة في قطاع غزة "تشهد تقدما ملحوظا"    وزير العدل طير رئيس كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية فتاونات بعد فضيحة اختلاس 350 مليون من الصندوق    اقتطاعات جديدة وغير معهودة تثير قلق زبائن الوكالات البنكية    الدكتور التازي ما خرجش براءة.. تحكم ب3 سنين وها وقتاش ياخد مجلس هيئة الاطباء قرار فملفو وها اش كيقول القانون    بونو يقترب من تحقيق رقم تاريخي    ارتفاع حركة النقل الجوي بمطار الداخلة خلال الربع الأول من 2024    رؤى متقاطعة حول المساواة والعدالة والاستدامة خلال مهرجان "هاوس أوف بيوتيفول بيزنيس"    انتهى الموضوع.. طبيب التجميل التازي يغادر سجن عكاشة    لقجع: "الوداد والرجاء والجيش أقطاب الكرة المغربية .. وعلى الأندية الأخرى كنهضة بركان الاشتغال أكثر لتلتحق بهم"    إجلاء قسري لمئات المهاجرين من مخيمات في العاصمة التونسية    مثول أكثر من 200 أستاذ موقوف عن العمل أمام المجالس التأديبية    مطالب برلمانية بالكشف عن نتائج دراسة الحكومة لآثار الساعة الإضافية    "موج أزرق" للتشكيلي يوسف سعدون يغرق رواق محمد الدريسي بطنجة    إصابة حمد الله تزيد من متاعب اتحاد جدة السعودي    حسابات الصعود تجمع الكوكب المراكشي وسطاد المغربي في قمة نارية    نفي وتنديد بتزوير باسم " الأيام24″    بمشاركة مجموعة من الفنانين.. انطلاق الدورة الأولى لمهرجان البهجة للموسيقى    مؤجل الدورة 26.. المغرب التطواني في مواجهة قوية أمام نهضة بركان    إلغاء الزيادات الجمركية في موريتانيا: تأثيرات متوقعة على الأسواق المغربية    الصين تطلق المركبة الفضائية "تشانغ آه-6" لجمع عينات من الجانب البعيد من القمر    وزيرة المالية تجري مباحثات مع أمين عام منظمة "OECD"    هيئة حقوقية تطالب عامل إقليم الجديدة بوقف سراء سيارتين جماعيتين بقيمة 60 مليون سنتيم    تقرير أمريكي يكشف قوة العلاقات التي تجمع بين المغرب والولايات المتحدة        كيف تساعد الصين إيران في الالتفاف على العقوبات الدولية؟    إعدام أشجار يخلف استياء بالقصر الكبير    وفرة المنتجات في الأسواق تعيق طيّ "صفحة الدلاح" بإقليم طاطا    أزيلال.. افتتاح المهرجان الوطني الثالث للمسرح وفنون الشارع لإثران آيت عتاب    خبير تغذية يوصي بتناول هذا الخضار قبل النوم: فوائده مذهلة    الأمثال العامية بتطوان... (589)    دراسة… الأطفال المولودون بعد حمل بمساعدة طبية لا يواجهون خطر الإصابة بالسرطان    المغرب يسجل 13 إصابة جديدة بكورونا    دراسة تربط الغضب المتكرر بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب    العقائد النصرانية    الأمثال العامية بتطوان... (588)    جامعيون ومتخصصون يحتفون بشخصية أبي يعزى في ملتقى علمي بمولاي بوعزة        الطيب حمضي ل"رسالة24″: ليست هناك أي علاقة سببية بين لقاح أسترازينيكا والأعراض الجانبية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة : الفشل المزدوج للعهد الجديد

يبدو أن انقلاب المؤسسة الملكية على المنهجية الديمقراطية في أواخر 2002 واسقاط حكومة التناوب التوافقية , وافراغ هياة الانصاف والمصالحة او تجربة العدالة الانتقالية من مضمونها الديموقراطي ,كان مؤشرا واضحا على عودة المنظومة المخزنية الى التحكم في دواليب الدولة . ومن أجل وضع بصمتها على المشهد الحزبي اقدمت على هندسة خارطة سياسية جديدة من خلال العمل على تأسيس حزب سياسي جديد على مقاسها يستمد قوته من القصر ومحيطه السياسي ،و يعمل على الترجمة السياسية لمجمل القضايا المفكر فيها من داخل الغرف المغلقة ،وذلك في عودة قوية للنهج القديم الذي كان يدير العملية السياسية وفق مقولة لكل مرحلة سياسية رجالاتها واحزابها .وهو ما ذهب إليه العهد الجديد كذلك عبر تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة سنة 2008 الذي استقطب إليه خليطا من الفعاليات اليسارية المقتنعة بما سمي بالعهد الجديد ، والأعيان، ورجال الأعمال، والكثير من الانتهازيين الذين وجدوا فيه فرصة لتحقيق مصالحهم الشخصية بحكم انتساب هذا الحزب إلى القصر ومحيطه .
وهو الحزب الذي أثار الكثير من اللغط السياسي عند باقي الفرقاء السياسيين الذين اعتبروا أن ما يحظى به هذا الحزب من رعاية مباشرة من الدولة يعدم تكافؤ الفرص فيما يخص التنافس السياسي بين مكونات المشهد الحزبي .
في هذا السياق وخلال العشرية الاولى من الالفية الثالثة كانت الأمور تسير بشكل سلس بالنسبة للعهد الجديد ، الذي استطاع أن يستقطب اليه الكثير من النخب السياسية والحقوقية والجمعوية الجديدة المنحدرة من مختلف مشارب اليسار الديموقراطي والحركة الثقافية الامازيغية وغيرها من الليبراليين الجدد ،وذلك إما عبر ما تم ابتكاره من مجالس عليا ، أو عبر المؤسسات التي تم استحداثها ، أو عبر الوافد السياسي الجديد ،كل هذا بعد أن كاد النظام السياسي المغربي أن يفقد قدرته على تجديد نخبه السياسية التقليدية التي شاخت في عمرها الببولوجي، وبعد أن ضعفت الأحزاب السياسية الوطنية والديمقراطية التي كانت تمده بما يحتاجه من كفاءات، وتراجع دورها في تأطير المجتمع مما أضعف قدرتها على انتاج نخب جديدة تجدد من خلالها دورة الفعل السياسي ،سواء من داخل الدولة او المجتمع .كل هذا تم دون اي تنازلات من طرف النظام السياسي المغربي الذي استمر في مناوراته السياسية القائمة على تدبير الممكن في العملية السياسية، بما يضمن تحكم السلطة المخزنية في مفاصل الدولة والمجتمع ،وذلك وفق منهجية تقليدية للعمل السياسي تروم الى تكريس الحكم الفردي والفساد الاقتصادي.
إن استحضرت حزب الأصالة والمعاصرة ضمن مؤشرات القطيعة والتميز ،على العهد القديم ….فلكون النظام السياسي المغربي في طبعته الجديدة قد راهن كثيرا عليه ،من أجل تصريف مشاريعه السياسية التي تنتج من داخل الغرف المغلقة ، واعتبره عند التأسيس بديلا ليس فقط عن الأحزاب المسماة ادارية التي اسسها الملك الراحل الحسن الثاني، بل بديلا حتى عن احزاب الحركة الوطنية التي تنكر لها بعد.ان تنكر للعهد التاريخي الذي ربط علاقة هذه الأحزاب بمؤسسة العرش ،وهو ما دشنه عمليا بإعفاء الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي كرمز من رموز هذه الحركة في مقابل تأسيس الحزب الجديد ليتبوأ صدارة المشهد السياسي والحزبي لفترات مقبلة وفق ما كان منتظرا ومخططا له.
لكن مع انطلاق العشرية الثانية وبعد ما شهدته الكثير من شعوب المنطقة من انتفاضات وحركات احتجاجية جماهيرية ضد الفساد والاستبداد، والتي لم يكن المغرب في معزل عنها من خلال حركة 20 فبراير التي شكلت صدمة قوية للنظام السياسي المغربي الذي استفاق على رفض جامع من مختلف قوى المجتمع لما تم انتهاجه من سياسات عمومية ،سواء في شقها السياسي أو في شقها التنموي ،أو حتى ما تعلق منها بالكثير من الاوراش التي تم تعليقها او إفراغها من محتواها الديمقراطي، كالجهوية المتقدمة، و الأمازيغية ،وقانون الأحزاب ،والعدالة الانتقالية الخ...
كما أن هذه الانتفاضة التي شهدها المغرب إبان حركة 20 فبراير بقدر ما شكلت رفضا عمليا للشعارات التي رفعتها الدولة ، و رفضا شعبيا لسياسات هذه الاخيرة في تدبير الشأن العمومي، بقدر ما شكلت أول اختبار فاشل لحزب الأصالة والمعاصرة كحزب راهنت عليه الدولة العميقة في ضبط نبض الشارع السياسي، و كقناة لتصريف مشاريعها السياسية . بل أكثر من هذا أصبحت قياداتها تشكل مادة دسمة مؤثثة للكثير من الشعارات الغاضبة للمتظاهرين .ورغم الانتعاشة التي شهدها هذا الحزب مباشرة بعد أن تم قمع حركة 20 فبراير والدعم القوي الذي تلقاه من الدولة العميقة بغاية ربح رهان استحقاقات 2016 و تصدر المشهد الانتخابي، وتمكينه من رئاسة الحكومة وفق السيناريو الذي رتبت له النخبة السياسية الجديدة، التي يبدو ان يقينيتها في ربح هذا الرهان، هو من انساها التدقيق في الفصل 47 من الدستور الجديد الذي يجعل من رئاسة الحكومة شانا حصريا للحزب المتصدر للانتخابات .وذلك دون التطرق الى مسالة تحديد المهلة الزمنية لشكلها ،ولا الى احتمال اللجوء إلى بدائل حزبية اخرى في حالة فشل الحزب الأكثر تمثيلية في مشاوراته السياسية لتشكيل الحكومة .
لكن فشل حزب الاصالة والمعاصرة في تصدر نتائج هذه الانتخابات ، التى فاز بها بدلا عنه حزب العدالة والتنمية الذي أحدث أزمة دستورية وسياسية عندما تشبث الاستاذ بنكيران بحقه الدستوري في ترؤس الحكومة رغم فشله في تشكيلها ،وذلك بعد أن أخفق في عقد تحالف سياسي يمكنه من الاغلبية البرلمانية المطلوبة لتمريرها والمصادقة عليها. و هو الفشل الذي كان وراءه التدخل المفضوح للنخبة السياسية الجديدة من اجل افشاله ،كشخص غير مرغوب فيه ، والبحث عن بديل له من داخل نفس الحزب وفق مقتضيات الدستور. ودون أن نغفل القول كذلك ،كون حزب العدالة والتنمية بدوره استفاد ولا زال يستفيد من دعم محافظي الدولة العميقة الذين رعوه ودعموه تاريخيا ، ومكنوه من مؤسسات الحقل الديني، وشجعوا منظومته الفكرية والثقافية من خلال استحداثهم لبرامج تعليمية فارغة من كل ما يحيل على الفكر النقدي التنويري كما مكنوه من برامج محو الامية ،ومؤسسات التعليم الديني والمدارس القرآنية التي زادت من اعدادها وتخصصاتها . بالاضافة الى عدم قدرة هذا الحزب على استيعاب اللحظة بما حبلت به من مستجدات ليجد نفسه ،اي حزب الأصالة و قيادييه الذين راهنوا على دعم الدولة لهم من خلال نخبتها السياسية الجديدة التي تشكلت في خضم مرحلة العهد الجديد ، ضحية وحطبا للصراع بين اجنحة الدولة العميقة ،وذلك نتيجة سوء الفهم وجهلهم بعملية الصراع الداخلي بين مختلف هذه الأجنحة ، التي وفي إطار الحفاظ على توازناتها ، يمكن أن تستبدل رهاناتها الحزبية والسياسية كما تستبدل المعاطف . هذا كذلك بالإضافة الى ما شهده المغرب من حراك شعبي واسع اندلع مباشرة بعد الاستحقاقات التشريعية لسنة 2016 ،خاصة بمنطقة الريف التي رغم كون حزب الأصالة والمعاصرة فاز بأغلبية مقاعدها البرلمانية، وبأغلبية مجالسها المنتخبة ،إلا أنه فشل في ضبط وتوجيه الحراك الشعبي بالريف ،الذي اقلق الدولة العميقة بمختلف أجنحتها كثيرا. وهوما زاد من قناعة الجناح الذي راهن على هذا الحزب ، وعلى نخبته القيادية المنحدرة من الريف الى التخلي علبه، واستبداله بحزب الأحرار كرهان مستقبلي في إطار الاستعداد للاستحقاقات المقبلة لسنة 2021 .لكن وقبل ان يأخذ هذا الحزب موقعه الثانوي الجديد ، في المشهد الحزبي يبدو أن الجناح السياسي الذي كان وراء تأسيسه قد أخذ على عاتقه استكمال مهمته بإفراغ هذا الحزب من قيادييه المنحدرين من الريف ، او تقزيم تواجدهم فيه ، والذين دخلوا في حرب طاحنة فيما بينهم ،وبعد أن ثبت عجزهم في ضبط هذه المنطقة التي تؤرق الدولة المركزية تاريخيا .فكان فشل الرهان على هذا الحزب مزدوجا ،سواء كمشروع سياسي قادر على مجابهة قوى الإسلام السياسي وعلى ملء الفراغ الذي أحدثه تراجع قوى الحركة الوطنية ، أو كقيادة ريفية راهنت عليها الدولة المخزنية من أجل تحسين العلاقة التاريخية المتسمة بالتوجس والتوتر التي بصمت الذاكرة الجماعية لأهل الريف إزاء الدولة المركزية .
.كل هذا دفع بالنظام السياسي المغربي إلى التخلي عن المنتوج السياسي الحزبي الوحيد لمرحلة العهد الجديد ،الذي كان قد أراد به التميز والقطيعة عن العهد القديم وما فرخه من أحزاب. والرجوع بدل ذلك الى الرهان على الهيئات السياسية التقليدية من أجل هندسة خارطة سياسية جديدة ،وذلك باستبدال حزب الاصالة والمعاصرة بحزب الأحرار كمؤشر آخر واضح على فشل النخبة السياسية الجديدة في كسب رهان القطيعة والتميز والرجوع الى الادوات الحزبية التي أسسها العهد القديم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.