يدخل إخوان بنكيران إلى قاعة المؤتمر الوطني السابع نهاية هذا الأسبوع، مرتاحين أكثر مما كان يظن أكثرهم تفاؤلا بالمستقبل، مقارنة بالمؤتمر الثامن الذي شهد صعود عبد الإله بنكيران إلى الأمانة العامة خلفا للطبيب النفسي سعد الدين العثماني. كانت رسالة القواعد واضحة إلى السلطة: إذا لم يعجبكم هدوء ووداعة العثماني، هاكم صخب بنكيران و«شعبويته»، وقوة حضوره في المشهد السياسي، وكذلك كان. أمضى الأمين العام الحالي أربع سنوات يدافع عن المصباح في وجه راجمات وصواريخ الجرار، إلى أن أتت رياح الربيع العربي فأسقطت كليا نموذج حزب السلطة، وإن كان بنكيران قد أصيب بحساسية مفرطة من حركة 20 فبراير، التي أكل غلتها وسب ملتها. على عكس حزب الاستقلال الذي خرج من المؤتمر بجروح كثيرة وكسور خطيرة، ودون أن يفلح في اختيار «خليفة لعباس»، سواء بالبيعة كما كان الأمر في السابق، أو بالانتخاب الذي أرعب شبكة العلاقات العائلية في حزب تقليدي... على عكس حزب الاستقلال، يدخل العدالة والتنمية إلى المؤتمر وفي جيبه أوراق كثيرة رابحة. أولاها: رئاسة الحكومة التي استقرت في يد الحزب بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة، وثانيتها: «كتيبة محترمة» من البرلمانيين وصلت إلى 107 بعد أن كانت في حدود 46 سنة 2008، موعد آخر مؤتمر للحزب. ثالثتها: آلية ديمقراطية سلسة نسبيا، تسعف الحزب في اختيار أمين عام جديد، أو التجديد للأمين العام الحالي دون مشاكل، باعتبار أن المصباح «جرب» هذه الآلية أكثر من مرة ونجحت. رابعتها: أن الحزب طبع علاقاته إلى حد كبير مع القصر ودوائر السلطة الأكثر تأثيرا في القرار، بعد أن كان مبعدا ومهددا حتى بالحل في أوقات حرجة، مثلما وقع بعد أحداث 16 ماي الأليمة، حيث حملته السلطة وأحزاب اليسار المسؤولية المعنوية عما جرى ليلة الجمعة السوداء. مع كل هذه الأوراق الرابحة في جيب الحزب، هناك «أعطاب» يجرها خلفه، وقد تشكل عوامل إخفاق لتجربة «التناوب الثانية»، كما فشلت تجربة التناوب الأولى، وفي مقدمة هذه «الأعطاب»، الارتجال والعفوية التي يدبر بهما الحزب الملتحي قطار الحكومة، تماما كما كان يفعل في المعارضة، إلا أن الفرق بين الحكومة والمعارضة، أن أخطاء الأولى تظهر في الحين، وقد تقتل بعد حين، أما أخطاء المعارضة فلا تظهر في الحين وقد لا يراها الكثيرون... الحزب لا يتوفر، إلى الآن، على رؤية سياسية لتدبير المرحلة، ولا يتوفر على رؤية تنموية واقتصادية لمجابهة الظرفية الصعبة والانتظارات الكثيرة والأزمات التي تلوح في الأفق. عندما تسأله عن الرؤية السياسية، يقول لك بنكيران: «بناء الثقة بيننا وبين صاحب الجلالة، ثم البقاء قريبا من الشعب، وعدم مد اليد إلى مال المغاربة»... هل هذه رؤية أم نوايا طيبة لشيخ زاوية؟ عندما تسأل عن برنامج ورؤية تنموية شاملة لتحقيق إقلاع اقتصادي حقيقي في مغرب يعاني من خصاص كبير وعلى مشارف السكتة العقلية والقلبية، يقولون الجملة السحرية: «الحكامة ومحاربة الفساد والإحساس بالفقراء»... هذه إجراءات وليست رؤية في التنمية... إلى الآن لم ينجح بنكيران في تشكيل فريق عمل في رئاسة الحكومة التي بوأها الدستور مكانة كبيرة، وأعطى لصاحبها مهام وأدوارا محورية، ومازال يشتغل بمساعدين محسوبين على أصابع اليد الواحدة من المقربين منه في الحزب، في حين أنه يحتاج إلى أكثر من 80 إطارا وعقلا ومخططا وخبيرا... هذا ليس معناه أن بنكيران لم يعثر على هذا الطاقم. لا، أبدا. بنكيران لا يرى في رئاسة الحكومة إلا الزعامة السياسية.. الزعيم الذي يخطب طوال الوقت أمام الكاميرات والميكروفونات، ويوجه الرسائل، ويتصدى للخصوم، ولا يرى في منصب رئاسة الحكومة دور المدير le gestionnaire، والمخطط والمبدع الذي يبحث عن حلول جديدة لمشاكل قديمة. بنكيران يحتاج إلى تقليد وزير أول سابق في هذا الشق، وهو إدريس جطو، وأن يبتعد عن نموذج عباس الفاسي الذي لم يكن لا هذا ولا ذاك.