ما من أحد من المغاربة اليوم بمن فيهم كبار المسؤولين وصناع القرار، يجهلون الوضع المأساوي الذي باتت تعيش على إيقاعه شريحة واسعة من المجتمع المغربي، وما تواجه به مطالبها من تهميش وإقصاء، ألا وهم المتقاعدون المدنيون والعسكريون على حد سواء، الذين أفنوا زهرة حياتهم في خدمة الوطن بتفان وإخلاص، حيث لم يكن لهم من هم آخر يشغل بالهم عدا العمل الجاد على تحريك دواليب التنمية المستدامة والاقتصاد الوطني والتقدم والازدهار، ولم يكونوا خلال مسارهم المهني يتوانون عن تقديم التضحيات تلو التضحيات في أجواء من الانضباط ونكران الذات… فهذه الفئة من موظفي ومستخدمي وعساكر الأمس، يصارع معظمهم اليوم ظروف العيش القاسية، ويعانون من ضعف قدرتهم الشرائية وعدم استطاعتهم مواجهة مصاريف علاج ما أصيبوا به من أمراض مزمنة، في ظل معاشات هزيلة لا تصمد كثيرا أمام هول الزيادات المتوالية في الأسعار التي عرفت ارتفاعا قياسيا خلال السنوات الأخيرة، لاسيما بعد قرارات حكومة ابن كيران القاضية بتحرير أسعار المحروقات وحذف صندوق المقاصة، وما ترتب عن ذلك وما بعده من ارتفاع مطرد في أسعار المواد الأساسية والواسعة الاستهلاك، في وقت بقيت فيه المعاشات مجمدة على مدى أزيد من عقدين، خلافا لما عرفته أجور الموظفين والعمال من زيادات في عدة مناسبات، وإن كانت هي الأخرى دون مستوى تطلعات الأجراء إزاء موجة الغلاء الفاحش والمتواصل. وفي هذا السياق وبالنظر إلى ما تواجهه فئة المتقاعدين من جحود واضح وإقصاء ممنهج سواء من قبل الحكومات المتعاقبة أو المركزيات النقابية، ظهرت مجموعة من الجمعيات المدنية ومعها عدد من التنسيقيات الوطنية، تهدف جميعها إلى محاولة تسليط الضوء على معاناة المتقاعدين وإسماع صوتهم، عسى أن يجد صداه آذانا صاغية لدى المسؤولين الحكوميين من أجل الالتفات إلى أوضاعهم المزرية، ومحاولة رد الاعتبار لهم من خلال التعجيل بالاستجابة لمطالبهم المشروعة. فلا يخفى على أحد أن هذه الجمعيات المدنية والتنسيقيات الوطنية بكل أشكالها في مختلف القطاعات سواء في القطاع العام أو شبه العام أو في القطاع الخاص، تلعب دور الوسيط النشيط بين الفرد والدولة. وهي على هذا الأساس جديرة بالرفع من مستوى شخصية الفرد وتطويره عبر نشر المعرفة وتوسيع دائرة التوعية وتنمية الحس الديمقراطي لديه، فضلا عن تعبئة الجهود الجماعية في اتجاه جني المزيد من الثمار في مجال التنمية الاجتماعية والاقتصادية، والتأثير الفعال في السياسات العمومية وتكريس مفهوم التضامن بين المنخرطين خاصة. ولا يمكن لأي كان أن ينكر أن الدولة فسحت المجال لتأسيس الجمعيات، باعتبارها شريكا هاما، تساهم قدر الإمكان في خلق التنمية وتحريك عجلة الاقتصاد الوطني نحو الأمام. لذلك نرى أن هناك عددا من الجمعيات وضمنها جمعيات المتقاعدين تسهر على خدمة الفرد والمجتمع، ومنها من تحظى بدعم عمومي وحماية قانونية حتى يمكن لها الاضطلاع بمهامها في أحسن الظروف وعلى الوجه المطلوب، بالإضافة إلى العمل بكامل الحرية في عقد اجتماعاتها وقتما شاءت وأينما شاءت واستقطاب المزيد من المنخرطين، والدخول في منافسة شريفة مع بعضها البعض لتقديم صورة مشرقة على جهودها المضنية والدائمة، وتحقيق انطباع إيجابي على ما تقوم به من جليل الأعمال لفائدة المتقاعدات والمتقاعدين. فجمعيات المتقاعدين تعمل سواء منها التي بشكل انفرادي أو داخل تنظيم جماعي، تسعى إلى الانتصار لهذه الفئة في نيل حقوقها وتحقيق مطالبها المشروعة، والرد على تدني قدرتها الشرائية أمام مسلسل ارتفاع الأسعار وعدم الرفع من قيمة المعاشات بما يناسب وضعية المتقاعد الاجتماعية والصحية، وتقديم مقترحات لتحسين ظروفه المعيشية والرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية. إذ أنها لم تفتأ تدعو إلى رد الاعتبار للمتقاعدين وذوي الحقوق، وتناشد المسؤولين بضرورة الاهتمام باقتراحاتها التي تلخص معاناة المتقاعدين وانتظاراتهم على جميع المستويات الاجتماعية والصحية والمالية والثقافية والترفيهية، وفضلا عن المطالبة بمأسسة الحوار الاجتماعي وإشراكها، مع دمقرطة وتوسيع قاعدة ممثلي الجمعيات في المجالس الإدارية لصناديق التقاعد، تحريك المعاشات وإلغاء جميع الفصول المجمدة لها، مما يضمن العيش الكريم للمتقاعدين وذويهم وفق مختلف القوانين المغربية والمعاهدات الدولية، كما هو الشأن بالنسبة للدول الديمقراطية التي تهتم بهم، وتعتبرهم ذاكرة تاريخية وخبرة مهنية ورأسمالا لا ماديا لا يقدر بثمن. إننا نأمل في أن تعمل هذه الجمعيات على توحيد صفوفها، وأن تقوم بموازاة مع الدفاع على أوضاع المتقاعدين الاجتماعية والاقتصادية المتردية، والمطالبة برفع الحيف الذي لحق معاشاتهم وتحسين ظروف عيشهم، بتركيز جل اهتماماتها وجهودها على مواصلة الترافع كذلك في اتجاه تحقيق امتيازات تفضيلية لفائدة هذه الفئة من المجتمع بخصوص خدمات النقل العمومي، الإقامة في الفنادق خارج مدنهم، الاستفادة من بعض التحاليل الطبية، التسريع بتسوية ملفات المرض وأداء مناسك الحج، وخاصة ما يتعلق بالجانب الترفيهي عبر تنظيم رحلات سياحية، وأنشطة رياضية بما يساعد في تجويد الحالة الصحية البدنية والنفسية، وتنظيم أنشطة ثقافية من محاضرات وندوات وغيرها من اللقاءات والحفلات في المناسبات الوطنية…