إسبانيا تكسر عقدة ألمانيا وتصعد لملاقاة إنجلترا في نهائي "يورو" السيدات    فرنسا تفرض حظر تجول ليليًا على القاصرين في مدن عدة بسبب تصاعد عنف المخدرات    وزير خارجية غامبيا: المغرب شريك استراتيجي موثوق به وذو مصداقية        الكنيست يؤيد بالأغلبية اقتراحا يدعم "ضم" الضفة الغربية المحتلة        ميسي وألبا يواجهان خطر الإيقاف بعد الانسحاب من مباراة كل النجوم في الدوري الأميركي    مجلس إدارة الصندوق المغربي للتقاعد يوافق على صياغة عقد برنامج جديد مع الدولة للفترة 2025-2027    حرية تنقّل بلا تأشيرة.. جواز السفر المغربي يتصدر الترتيب        المجلس الأعلى للاتصال يُحفظ شكايات ضد بث حفل "طوطو" بموازين ويشدد على احترام حرية التعبير وسياق البث    السكتيوي يرسم ملامح المعركة الإفريقية... تشكيلة الشان جاهزة        الأزبال تغزو شاطئ بوقانة في عز الصيف وتُغضب المصطافين    مدير منظمة الصحة العالمية: "جزء كبير من سكان غزة يتضورون جوعا... لا أعرف ماذا يمكن تسمية الأمر غير مجاعة جماعية"    طارق السكتيوي: اللاعبون المدعوون يتوفرون على الخبرة اللازمة لخوض غمار كأس إفريقيا للاعبين المحليين        نرجس الحلاق تعلن طلاقها للمرة الثانية وتودع زوجها بكلمات مؤثرة    الدرك يعتقل بارون مخدرات نواحي اقليم الحسيمة مبحوث عنه وطنيا    انعقاد مجلس الحكومة غدا الخميس    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الإنخفاض    الصين تدعم المغرب لتطوير شبكة السكك الحديدية عبر أسرع قطارات العالم    جمعية أمل إنزكان تفوز بكأس العرش للسباحة بالزعانف    وكالة بيت مال القدس الشريف توقع اتفاقية مع مستشفى المقاصد لإيواء مرضى ومرافقيهم من قطاع غزة    في المؤتمر الإقليمي السابع للحزب بتطوان .. إدريس لشكر: سيكتمل انفتاح تطوان المتوسطي بواسطة ميناء الناظور، الذي سيجعل من هاتين المدينتين مفتاحا لكل العمليات التجارية والاقتصادية    كلمة .. المغرب أولا أيها المشرعون        يواجهن منتخب نيجيريا يوم السبت في نهائي قوي .. ضربات الترجيح تُقَرِّبُ لبؤات الأطلس من لقبهن القاري الأول    الحج ‬إلى ‬أقاليم ‬الله ‬المباركة‮! .. منعطف المشاعر        توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    رحيل الفنان التشكيلي عفيف بناني.. أحد رواد الريشة المغربية وصاحب "قصبة تينزولين"    فن اللغا والسجية.. مولات السر سوليكا القديسة/ ديوان تلاميذي تجربة رائدة اولاد العرام ديوان يعكس المجتمع (فيديو)    اشغال اللقاء التواصلي والاستشاري لتجويد أشغال الشرفة الأطلسية بالعرائش    رقصة الافعى محور الندوة العلمية لمهرجان ايقاعات لوناسة بتارودانت    اختتمت المعرض الجهوي للمنتوجات الفلاحية بإقليم الحسيمة    غامبيا تجدد دعمها لسيادة المغرب على الصحراء وتأييدها الكامل لمخطط الحكم الذاتي    تسجيل أكثر من 100 ألف عضة و33 وفاة بالسعار في 2024 بالمغرب    لأول مرة بإفريقيا.. المغرب ينجح في زراعة جهاز تنظيم ضربات القلب اللاسلكي    تنظيم مهرجان كانگا إفريقيا 2025 بتارودانت    غدا تنطلق فعاليات الدورة 19 لمهرجان تويزة    ترامب يعلن عن اتفاق تجاري مع اليابان يتضمن خفض الرسوم الجمركية إلى 15%    مهرجان "إيكودار" يعود في دورته السابعة بإداوكنظيف: الثقافة الحية عنوان للاحتفاء بالتراث والتنمية    معرض الصناعة التقليدية والفن التشكيلي يضيء فعاليات ربيع أكدال الرياض في دورته الثامنة عشرة    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع القانون المتعلق بتنظيم المجلس الوطني للصحافة    غزة تموت جوعا… التجويع الإسرائيلي يقتل 10 فلسطينيين خلال 24 ساعة    أمن أكادير يحقق في دخول سيارة أجنبية إلى رمال الشاطئ    جامعة لقجع تحدد موعد افتتاح أول مكتب إقليمي للفيفا بشمال إفريقيا من الرباط    المغرب يتجه نحو إصلاح جذري في السياسة الدوائية    دراسة: متلازمة القولون العصبي لا ترتبط بحساسية الغلوتين    باكستان: 221 شخصا لقوا مصرعهم في الأمطار الموسمية    اليوم العالمي للدماغ يسلط الضوء على تحديات الأمراض العصبية المتزايدة    بنك المغرب يختبر العملة الرقمية    كاتب إسرائيلي: إسرائيل تُنفذ الآن خطة نازية للتطهير العرقي في غزة    زمن النص القرآني والخطاب النبوي    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحج ‬إلى ‬أقاليم ‬الله ‬المباركة‮! .. منعطف المشاعر

إذا ‬كان ‬قلبك ‬كعبة‮…‬ ‬فاذهب ‬إليه ‬بالتكبير ‬والتلبية‮!‬
كفكف ‬من ‬غربة ‬نفسك، ‬كلما ‬زادت ‬ثقتك ‬فيها ‬زادت ‬غربتك ‬‮!‬
قررت، ‬بحول ‬الله، ‬ابتداء ‬من عدد الخميس‮..‬أن ‬أسترجع ‬لحظات ‬الحج، ‬في ‬شكل ‬مدارات ‬كتابية، ‬عن ‬تلاطم ‬المعرفة ‬والإيمان، ‬المشاهدات ‬المهنية ‬مع ‬الفتوحات ‬المكية، ‬كما ‬رصص ‬لها ‬الطريق، ‬بخيال ‬زلال ‬ولغة ‬طافحة ‬صاحب ‬المراتب ‬العليا ‬ابن ‬عربي‮.‬ ‬وبنقل ‬ما ‬كان ‬يدور ‬في ‬ذهني ‬وما ‬يدور ‬أمامي، ‬وما ‬كنت ‬أراه ‬من ‬إعادة ‬تمثيل ‬نوبات ‬من ‬النبوة، ‬في ‬المدينة ‬أو ‬في ‬طريق ‬منى ‬والجمرات، ‬والحوارات ‬التي ‬تجعل ‬الأمان ‬أحيانا ‬أكثر ‬قلقا ‬من ‬الغربة ‬في ‬الوجود‮ ‬،مع الحرص ‬أن ‬تكون ‬للتأملات ‬الصحافية ‬حظها ‬من ‬الجدارة ‬الدينية، ‬كما ‬للمشاهدات ‬المحسوسة ‬قسطها ‬من ‬مراتب ‬الوجدان‮..‬ ‬
كنت ‬أحدس ‬بأن ‬حياتي ‬ستدخل ‬منعطفا ‬غير ‬مسبوق، ‬وتتغير ‬رأسا ‬على ‬عقب.لا ‬لأني ‬جئت ‬إلى ‬الحج ‬من ‬فراغ ‬روحي ‬طافح ‬ومطلق، ‬أو ‬من ‬فيافي ‬ديانة ‬أخرى.أو ‬من ‬فراغ ‬عقدي، ‬كلا‮.‬ ‬لم ‬أكن ‬طارئا ‬على ‬الغيب‮:‬ ‬فَأنا ‬ليَ ‬فيه ‬أقاصيص ‬ورؤى ‬من ‬الطفولة‮.‬ ‬فقد ‬كنت ‬أصوم ‬وأصلي ‬وأزكي ‬وشهدت ‬الشهادتين ‬بالسليقة ‬والإرادة ‬والالتزام ‬اليومي ‬مع ‬كل ‬خطوة‮.‬ ‬أخطوها ‬في ‬الحياة‮.‬ ‬وعليه ‬كان ‬الحج ‬واردا ‬في ‬منطق ‬الأشياء، ‬ولما ‬تحقق ‬الإمكان ‬واستوفيت ‬القدرة، ‬تحققت ‬الزيارة ‬‮..‬
هل ‬أزعم ‬بأنني ‬لم ‬أكن ‬عرضة ‬للشك، ‬أو ‬لتنسيب ‬الاعتقاد، ‬أو ‬حتى ‬للابتعاد ‬عن ‬نشأتي ‬الدينية ‬وسط ‬أسرة ‬تسكن ‬بالقرب ‬من ‬المسجد، ‬تولت ‬القيام ‬بشؤون ‬هذا ‬المعبد ‬من ‬جيل ‬لجيل، ‬من ‬جد ‬وعم ‬وخال ‬وأخ؟
لا ‬يمكن ‬لهذا ‬الادعاء ‬أن ‬يكون ‬صادقا ‬‮..‬ربما من ‬بين ‬كل ‬الملايين ‬من الذاهبين ‬إلى ‬المكان ‬المقدس، ‬كنت ‬موزعا ‬بين ‬دعة ‬وسكينة ‬حياة ‬ألفتها، ‬وحياة ‬تتراءى ‬في ‬مستقبل ‬مثير ‬أو لعله ملغز‮…‬
كنت ‬مقبلا ‬على ‬قطيعة ‬أنثروبولوجية‮.‬ ‬بين ‬اليومي ‬المتكرر ‬وبين ‬الجدول ‬الزمني ‬العام ‬والأفكار ‬التي ‬لا ‬تمتحن ‬بميزان ‬العدم‮!‬
‮.‬لكن ‬كنت ‬أحدس ‬أن ‬قلوبنا ‬التي ‬نضعها ‬مؤتمنة ‬عند ‬صاحب ‬القيامة ‬، ‬تعرف ‬كيف ‬تلتفت ‬للنظر ‬في ‬الحياة ‬والنظر ‬إليها ‬من ‬جهة ‬أخرى‮.‬
كنت ‬مثل من ‬وجد ‬الجواب ‬عن ‬معنى ‬حياته، ‬لكن ‬الذي ‬يقلقه ‬هو ‬السؤال ‬الذي ‬يكون ‬بعده‮!‬ ‬أو ‬قُلْ‮ ‬صرت‮ ‬ ‬لا ‬أجزم ‬بأن ‬الإيمان ‬أو ‬الارتكاز ‬إلى ‬حقائق ‬، ‬يُعفي ‬من ‬‮…‬ ‬القلق ‬الأنتروبولوجي‮!‬
التحول ‬كان ‬في ‬الخطوة ‬نفسها، ‬مع ‬تدقيق ‬النظر ‬في ‬الهوية ‬الدينية ‬على ‬مشارف ‬الستينيات ‬‮..‬كهوية ‬في ‬الموقف ‬من ‬الحياة اليومية في‮ ‬سريانها:كيف ‬أعيشها ‬وقد ‬تخليت ‬عن ‬بعضها ‬الكثير‮…‬؟كيف ‬أواصل ‬العيش، ‬ولم ‬تعد ‬الحياة ‬أولوية، ‬وقد ‬تجاوزتها ‬مشاغل ‬الموت ‬في ‬الجولة ‬السادسة ‬من ‬العقد ‬السابع ‬من ‬العمر وكيف لا أساير جسدا تعود على‮ ‬الجموح‮ ‬،‮ ‬كنمط وحيد في‮ ‬الكينونة؟ جسد الإيروس الطافح،‮ ‬وهو‮ ‬يستدرج نفسه الى الطيطانوس الغابر؟
كنت ‬أعرف ‬أيضا ‬أن ‬هناك ‬تيارا ‬من ‬المقادير ‬يجرني‮:‬ ‬لقد ‬أصبحت ‬محاطا ‬بالموت ‬والموتى ‬من ‬الأصدقاء ‬والأهل ‬‮.‬لا ‬يمكن ‬أن ‬أسلُّم ‬بأنهم ‬ذهبوا ‬إلى ‬اللامكان، ‬اللاعالم ‬صنو ‬العدم ‬الجليل، ‬أو ‬تبخروا ‬في ‬الثقب ‬الأسود ‬لما ‬قبل ‬الخليقة، ‬كما ‬يشاء ‬علماء ‬الفيزياء ‬الكوانطية ‬ووجدتني ‬في ‬مفترق ‬المشاعر ‬لا ‬القناعات ‬أتساءل، ‬أي ‬طريق ‬سأسلك ‬إلى ‬ذلك‮..‬
الاطمئنان ‬على ‬قسطي ‬الإنساني ‬من ‬الروحانيات ‬كان ‬يتطلب ‬أن ‬تكون ‬الكعبة ‬رمزًا ‬لقلبي ‬كما ‬يشاء ‬الشيخ ‬ابن ‬عربي‮!‬
سبق ‬لي ‬التوجه ‬إلى ‬العربية ‬السعودية، ‬أكثر ‬من ‬مرة‮.‬ ‬أهم ‬الرحلات ‬كانت ‬في ‬مارس ‬2013، ‬ثم ‬بعد ‬خمس ‬سنوات ‬على ‬ذلك ‬التاريخ، ‬عندما ‬كنت ‬ضيفا ‬ضمن ‬وفد ‬عربي ‬واسع ‬التركيبة، ‬ضمن ‬برنامج ‬ضيوف ‬الملك ‬سلمان‮.‬ ‬كان ‬الموعد ‬وقتها موعد ‬ربيع ‬في ‬الزيارة ‬الأولى، ‬مع ‬شهر ‬مارس، ‬وأما ‬الموعد ‬الثاني ‬فقد ‬تزامن ‬مع ‬شهر ‬يناير ‬القارس ‬هنا‮.‬ ‬ووجدتني ‬في ‬أنتروبولوجيا البدايات ل«إيلاف‮»‬ ‬قريش، ‬إيلافهم ‬رحلة ‬الشتاء ‬والصيف‮!‬
‬وسبق ‬لي ‬أن ‬حصلت ‬على ‬التأشيرة ‬بالطريقة ‬المعتادة‮:‬ ‬دفع ‬الجواز، ‬مع ‬الوثائق ‬المطلوبة، ‬ثم ‬انتظار ‬الموعد، ‬والتوجه، ‬عند ‬الموعد، ‬إلى ‬مقر ‬السفارة ‬بشارع رباطي ‬لتسلم ‬الجواز‮.‬ ‬والتأشيرة‮.‬ ‬أو ‬عندما ‬تكون ‬الزيارة ‬ضمن ‬وفد ‬رسمي، ‬كما ‬حدث ‬بمناسبة ‬المعرض ‬الدولي ‬للكتاب2013، ‬تتولى ‬الجهات ‬الرسمية ‬كل ‬الإجراءات، ‬ويقتصر ‬دور المسافر ‬على ‬تسليم ‬الجواز ‬لمن ‬يهمه ‬الأمر‮.‬
حدث ‬شيء ‬جديد ‬هاته ‬المرة.السعودية ‬تفتح ‬السبيل ‬الإلكتروني ‬إلى ‬الحج‮.‬ ‬إلى ‬بيت ‬الله‮.‬ ‬وقد ‬بدأت ‬الطريق ‬من ‬الرباط‮..‬ ‬
بعد ‬أن ‬تأكد ‬قبول ‬اسمي ‬واسم ‬الأهل ‬للحج ‬المبرور، ‬توصلنا ‬ككل ‬الحجاج ‬الميامين، ‬برابط ‬يخص ‬التأشيرة ‬باسم ‬فيزا ‬السعودية‮.‬ ‬يدخل ‬طالب ‬التأشيرة ‬إلى ‬الموقع، ‬ويقوم ‬بكل ‬الإجراءات ‬الخاصة ‬لرقمنة ‬معطياته، ‬ومنها ‬بالأساس ‬البصمات، ‬والتقاط ‬الصور ‬الخاصة ‬بالبورتريه‮…‬ ‬وملف ‬المعطيات ‬المتعلقة ‬بالهوية ‬ورقم ‬الجواز ‬‮..‬ ‬وبذلك ‬يحصل ‬التسجيل ‬ضمن ‬لائحة ‬السفارة ‬ومن ‬ورائها ‬الخارجية ‬السعودية، ‬وما ‬يرتبط ‬بسلامة ‬الدولة ‬من ‬أجهزة ‬أمنية ‬ولا ‬شك‮.‬
لم ‬أدرك ‬وقتها ‬بأن ‬هاته ‬العملية ‬هي ‬التي ‬ستكون ‬حجر ‬الزاوية، ‬أولا ‬في ‬تسليم ‬الفيزا، ‬ثم ‬في ‬كل ‬أطوار ‬السفر، ‬بدءا ‬من ‬المطار ‬في ‬المدينة ‬المنورة ‬إلى ‬باقي ‬العمليات ‬التي ‬تتطلب ‬المعطيات ‬الشخصية‮…‬ ‬ستتضح ‬أهمية ‬هاته ‬العملية ‬في ‬دورة ‬الشؤون ‬العامة ‬للحج‮.‬
تأسست ‬في ‬تزامن ‬مع ‬القيام ‬بكل ‬الإجراءات ‬واستيفاء ‬شروطها، ‬مجموعة ‬واتساب، ‬وتتكون ‬من ‬49 ‬حاجا ‬وحاجة‮.‬ ‬سيتبين ‬من ‬بعد ‬أن ‬الوزارة ‬كانت ‬قد ‬غيرت ‬طريقتها ‬في ‬التأطير ‬‮.‬ ‬وكان ‬أن ‬المجموعة ‬تشبه ‬مجموعات ‬أخرى، ‬لإخضاع ‬الحجاج ‬لتأطير ‬مكثف ‬بشكل ‬مبكر ‬مع ‬تخصيص ‬مؤطر ‬مرافق ‬لكل ‬49 ‬حاجا ‬تعرفوا ‬عليه ‬بأرض ‬الوطن ‬مدة ‬تقارب ‬ستة ‬أشهر ‬قبل ‬السفر ‬ورافقهم ‬طيلة ‬رحلة ‬الحج‮.‬
وجدتني ‬بين ‬الفينة ‬والأخرى، ‬أشارك ‬المجموعة ‬ما ‬تتبادله ‬من ‬معلومات‮.‬ ‬وأحيانا ‬من ‬دروس،‮ ‬ومن خدماتها الإعلان عن أسماء ‬المساجد كي‮ ‬يتمكن أعضاء هذه ‬المجموعة من ‬تلقي‮ ‬الدروس ‬‮ ‬الخاصة بالحج، ‬أتابع ‬بغير ‬قليل ‬من ‬الدهشة ‬طبيعة ‬الأسئلة ‬التي ‬يكون ‬علينا ‬أن ‬نطرحها ‬كما ‬لو ‬أننا ‬لم ‬نسافر ‬أبدا‮:‬ ‬ما ‬وزن ‬الحقيبة؟ وكم ‬من ‬حقيبة تلزمنا؟؟وما ‬هو ‬الأليق لنا هل‮ «‬الباليزا‮» ‬أم‮ «‬الصاك‮»‬ ‬إلخ‮!!!‬
كنت في‮ ‬برزخ بعيد مع ذلك:أقيم في‮ ‬المسافة‮ ‬بين شك ما زال‮ ‬غروبه مشوبا بغير قليل من الاضاءة،‮ ‬ويقين‮ ‬يتقدم مبتسما ولكنه بخطى‮ ‬غير واثقة في‮ ‬القدرة على مجاراة‮ ‬التحول العميق.تنتابني‮ ‬الاسئلة في‮ ‬لحظات مفارقة‮: ‬عندما توجهت مثلا الى لحبوس،‮ ‬من أجل أن أتبضع ملابس تقليدية للحج‮! ‬فقد اكتشف أن لي‮ ‬زادا قليلا للغاية من حاجيات اللباس التقليدي‮ ‬الذي‮ ‬لا‮ ‬يمكن أن تتم بدونه طقوس الحج‮!‬
ذات أمسية‮ ‬،‮ ‬وموعد السفر‮ ‬يقترب توجهت الى منطقة الحبوس،‮ ‬بالقرب من المسجد المحمدي‮ ‬ومقر الجهة والقصر الملكي،بالدار البيضاء رفقة الزوجة والابنة‮ «‬آية‮» ‬من اجل التبضع‮. ‬بل قل إن زوجتي‮ ‬اجبرتني‮ ‬على ذلك،‮ ‬وهي‮ ‬تعرف بأنني‮ ‬لا أجيد التجول زو الاختيار‮ ‬بتاتا شراء ما‮ ‬يلزمني‮ ‬من الالبسة‮ ‬وفي‮ ‬الغالب كنت أجدني‮ ‬في‮ ‬ملابس كلاسيكية او شبة رسمية عصرية تفرضها شروط المناسبات الرسمية اكثر من الاناقة اليومية.وفي‮ ‬كل خطوة اتسلل الى مكتبة من المكتبات،‮ ‬بحثا عن مفاجأة ما لا اعرفها‮. ‬وأطيل الشرط الى العناوين،‮ ‬خصوصا ذات الصلة بالمعتقد الديني‮ ‬واكتشف كتبا ومجلدات ما خطرت من قبل في‮ ‬بالي‮.‬
هنا تتسلل الاسئلة،‮ ‬وتعود المعرفة المكتسبة في‮ ‬تدبري‮ ‬شوون الدنيا،‮ ‬لكي‮ ‬تمتحن الإيمان الذي‮ ‬يسكننا،‮ ‬فطرة او اختيارا‮ ‬لتدبير‮ ‬شؤون الدين‮! ‬وقد تتفاجأ وانت تحدث نفسه بأنه إيمان لتدبير شؤون‮ … ‬الموت‮! ‬بالرغم من كل ما تراكم من معرفة متعددة المشارب،‮ ‬من بيرغسون الى سبينوزا،‮ ‬ومن فيبر الى علي‮ ‬شريعتي،‮ ‬من الزمخشري‮ ‬الي‮ ‬جلال الدين وابن عربي‮ ‬من كون الايمان هو قدرة الحفاظ على انسانيتك في‮ ‬حياة تفرض عليك شروط تجار الاستهلاك والسلطة،من أجل‮ «‬اقتراضها‮« ‬لخدمة شهيات ورغبات قاتلة لديهم والقدرة على السمو الاخلاق والنبل الانساني‮!..‬
‮ ‬الغنائم التي‮ ‬عدت بها،‮ ‬لم أضعها كلها في‮ ‬حقائب السفر،‮ ‬الجلباب التقليدي‮ ‬الضروري،‮ ‬كاند الخياط،‮ ‬الذي‮ ‬تزامن حجه مع حجنا قد هيَّأه مشكورا في‮ ‬الوقت المناسب‮. ‬لأنه كان‮ ‬يريد‮ ‬أن‮ ‬يوفي‮ ‬بالتزاماته ويغلق الحانوت ليتفرغ‮ ‬الي‮ ‬الزيارة وطقوسها وتراتيلها،‮ ‬هو الذي‮ ‬شارك اكثر من مرة في‮ ‬القرعات الخاصة بالحج،‮ ‬ولم‮ ‬يتيسَّرْ‮ ‬له ذلك الا بعد لأْيٍ‮ … ‬وانتظار طويل‮. ‬وهومن المغاربة الذي‮ ‬يؤمنون بأن الحج‮ ‬يجب أن‮ ‬يناديك‮. ‬واذا لم تسعفهم المحاصصة المتفق عليه بين الدول الاسلامية‮ ‬،‮ ‬يشعرون بالقلق وربما‮ ‬يتوجسون من‮ ‬غضب العلي‮ ‬القدير،‮ ‬علما أن شوقهم‮ ‬يكشف عن كونهم آكثر الناس ايمانا وتقربا اليه في‮ ‬كل ساعة وحين.هناك قناعة أنه هو الذي‮ ‬يجرك إليه،‮ ‬لا أنت الذي‮ ‬تذهب الى هناك.لايكفي‮ ‬أن تستطيع الحج‮ ‬،‮ ‬بل‮ ‬يجب أن‮ ‬يريدك هو أيضا‮!‬
‮ ‬قوة الجاذبية‮ ‬،‮ ‬وإسْباغ‮ ‬الطابع البشري‮ ‬الانساني‮ ‬على مكان هو مكة وعلى شعيرة هي‮ ‬الحج،‮ ‬تحول‮ «‬لامادي‮» ‬وغيبي‮ ‬لم نفكر فيه كثيرا،حسب علمي‮ ‬في‮ ‬نطاق سوسيولوجيا‮ ‬روحانية إذا اردنا التسمية‮..‬
طوال الاستعداد للزيارة،ظلت الأسئلة‮ ‬،‮ ‬حتى تلك التي‮ ‬لم أكن أتوقعها تلح علي‮. ‬لكني‮ ‬كنت أجاريها قليلا فقط،ثم اعود الى ما‮ ‬يتعلق بالقدرة الجسدية لاداء المناسك‮: ‬أنا الذي‮ ‬يعاني‮ ‬من وهن في‮ ‬القلب،تطلب دخولي‮ ‬الى المصحة مرتين،‮ ‬ويعاني‮ ‬من السكري‮ ‬،يصاب احيانا بانخفاض‮ ‬يسبب التعرق والوهن‮ ‬تدل عليه ارقام الخزان،‮ ‬والذي‮ ‬يزند صدره بالألم،‮ ‬ملما بذل مجهودا،‮ ‬هل أضمن فعل القدرة على الطواف وعلى السعي‮ ‬والمروة وعلي‮ ‬الجمرااات وسط حرارة عالية؟
كان علي‮ ‬أن أضيف التمارين الراضية‮ ‬،‮ ‬الى التمارين الفسلفية والتمارين الروحية‮. ‬كي‮ ‬استطيع‮! ‬
القدرة هي‮ ‬كذلك الاستطاعة الجسدية‮.. ‬وبدات اتمرن واتريض،‮ ‬كيف ما اتفق‮ ‬،‮ ‬لأضمن لنفسي‮ ‬نفسا‮ ‬يجوب بها المناسك والشعائر‮!‬
في ‬بهو ‬المطار، ‬ونحن ‬ندفع ‬الأمتعة ‬نحو صف ‬التسجيل، ‬كان ‬المسؤولون ‬عن ‬الجماعات،‮ ‬موزعين ‬في ‬القاعة، ‬يرتبون ‬لكل ‬مرشح ‬حاج ‬أو ‬حاجة ‬إجراءات ‬الرحلة، ‬من ‬جوازات ‬السفر، ‬والتأشيرات ‬التي ‬تسلمها ‬كل ‬واحد ‬منفردة، ‬في ‬ورقة ‬خاصة ‬به، ‬ونسخ ‬عن ‬التذكرة ‬وصور ‬شمسية ‬للحاج ‬لتهييئ ‬ملفه‮.‬ ‬في ‬البداية، ‬كنت ‬مع ‬الأهل، ‬من ‬نصيب ‬المكلف، ‬أول ‬ما ‬رآني‮:‬ ‬قال ‬مازحا‮:‬ ‬هو ‬واللا ‬ما ‬شي ‬هو؟
وأجاب ‬نفسه، ‬هو‮!‬ ‬ثم ‬نظر ‬إلي ‬مداعبا‮:‬ ‬شفت ‬الشهرة ‬اش ‬كا ‬ادير ‬لمولاها؟ ‬طبعا ‬فطن من ‬بعد ‬أنه ‬ليس ‬المكلف ‬بمجموعتنا ‬لما سألته أنت‮ ‬ ‬السي ‬محمد ‬ياك؟
قال: ‬المكلف ‬بمجموعتكم هناك عند مدخل المطار.‬‮ ‬توجهت ‬حيث ‬أشار ‬لي، ‬فوجدت ‬شابا ‬في ‬مقتبل ‬العمر، ‬من ‬مواليد ‬الثمانينيات‮.‬ ‬حف ‬الشارب ‬وأرخى ‬اللحية، ‬وسيم، ‬وبشوش‮.‬ ‬تبادلنا ‬الحديث ‬قلت ‬له ‬مداعبا‮:‬ ‬أنت ‬أصغر ‬من ‬صوتك، ‬الذي ‬كان ‬يأتينا ‬مثل ‬شيخ ‬طاعن ‬في ‬التدين‮!‬ ‬المكلف ‬بالمجموعة ‬يملك ‬سعة ‬صدر ‬كبيرة، ‬سيبرهن ‬عليها ‬طوال ‬الرحلة‮.‬ ‬وفي ‬أوقات ‬يصعب ‬فيها ‬ضبط ‬الأعصاب ‬والتحلي ‬بالهدوء‮.‬ ‬أمزجتنا ‬تصبح ‬أكثر ‬تقلبا ‬كلما ‬زادت ‬غربتنا‮.‬ ‬كان ‬على ‬المكلف ‬أن ‬يجيب ‬عن ‬أسئلة ‬ساعات ‬السفر، ‬وعن ‬حمولات ‬الحقائب، ‬ويسأل ‬عن ‬الأدعية ‬وعن ‬ما ‬يقال ‬عند ‬الركن ‬اليماني ‬وعند ‬دخول ‬الحرم‮.‬ ‬وكان ‬يمتحن ‬المجموعة ‬بين ‬الفينة ‬والأخرى ‬ويتضح ‬بأن ‬أغلبنا ‬لم ‬يحفظ ‬دروسه ‬كما ‬يجب، ‬بالرغم ‬من ‬أنها ‬دروس ‬على ‬مر ‬العمر‮..!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.