تغير مفاجئ.. هكذا نشرت قناة "فرنسا 3" خريطة المغرب    فلقاء الخطاط مع وزير الدفاع البريطاني السابق.. قدم ليه شروحات على التنمية وفرص الاستثمار بالأقاليم الجنوبية والحكم الذاتي    مجلس المنافسة كيحقق فوجود اتفاق حول تحديد الأسعار بين عدد من الفاعلين الاقتصاديين فسوق توريد السردين    برنامج "فرصة".. عمور: 50 ألف حامل مشروع استفادوا من التكوينات وهاد البرنامج مكن بزاف ديال الشباب من تحويل الفكرة لمشروع    الغالبية الساحقة من المقاولات راضية عن استقرارها بجهة طنجة-تطوان-الحسيمة    أول تعليق من الاتحاد الجزائري على رفض "الطاس" طعن اتحاد العاصمة    جنايات الحسيمة تدين "مشرمل" قاصر بخمس سنوات سجنا نافذا    خلال أسبوع.. 17 قتيلا و2894 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية    نشرة إنذارية.. أمطار قوية أحيانا رعدية مرتقبة بتطوان    طابع تذكاري يحتفي بستينية السكك الحديدية    مقتل فتى يبلغ 14 عاماً في هجوم بسيف في لندن    الأمثال العامية بتطوان... (586)    المهمة الجديدة للمدرب رمزي مع هولندا تحبس أنفاس لقجع والركراكي!    نقابي: الزيادة في الأجور لن تحسن القدرة الشرائية للطبقة العاملة والمستضعفة في ظل ارتفاع الأسعار بشكل مخيف    الدوحة.. المنتدى العربي مع دول آسيا الوسطى وأذربيجان يؤكد على ضرورة الالتزام باحترام سيادة الدول واستقلالها وضمان وحدتها    محطات الوقود تخفض سعر الكازوال ب40 سنتيما وتبقي على ثمن البنزين مستقرا    لأول مرة.. "أسترازينيكا" تعترف بآثار جانبية مميتة للقاح كورونا    هجرة/تغير مناخي.. رئيس الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا يشيد بمستوى التعاون مع البرلمان المغربي    من يراقب محلات بيع المأكولات بالجديدة حتى لا تتكرر فاجعة مراكش    في عز التوتر.. المنتخب المغربي والجزائري وجها لوجه في تصفيات المونديال    ليفاندوفسكي: "مسألة الرحيل عن برشلونة غير واردة"    بلينكن يؤكد أن الاتفاقات الأمنية مع السعودية لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل شبه مكتملة    مساء اليوم في البرنامج الأدبي "مدارات" : المفكر المغربي طه عبد الرحمان.. بين روح الدين وفلسفة الاخلاق    ستة قتلى في هجوم على مسجد في هرات بأفغانستان    وزارة الاقتصاد: عدد المشتركين في الهاتف يناهز 56 مليون سنة 2023    توقيف نائب رئيس جماعة تطوان بمطار الرباط في ملف "المال مقابل التوظيف"    دل بوسكي يشرف على الاتحاد الإسباني    مساعد الذكاء الاصطناعي (كوبيلوت) يدعم 16 لغة جديدة منها العربية    تعبئة متواصلة وشراكة فاعلة لتعزيز تلقيح الأطفال بعمالة طنجة أصيلة    الدورة ال17 من المهرجان الدولي مسرح وثقافات تحتفي بالكوميديا الموسيقية من 15 إلى 25 ماي بالدار البيضاء    مقاييس الأمطار بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    استهداف المنتوج المغربي يدفع مصدرين إلى التهديد بمقاطعة الاتحاد الأوروبي    توقيت واحد فماتشات البطولة هو لحل ديال العصبة لضمان تكافؤ الفرص فالدورات الأخيرة من البطولة    تم إنقاذهم فظروف مناخية خايبة بزاف.. البحرية الملكية قدمات المساعدة لأزيد من 80 حراك كانوا باغيين يمشيو لجزر الكناري    "الظاهرة" رونالدو باع الفريق ديالو الأم كروزيرو    الريال يخشى "الوحش الأسود" بايرن في ال"كلاسيكو الأوروبي"    "أفاذار".. قراءة في مسلسل أمازيغي    أفلام بنسعيدي تتلقى الإشادة في تطوان    الملك محمد السادس يهنئ عاهل السويد    ثمن الإنتاج يزيد في الصناعة التحويلية    صور تلسكوب "جيمس ويب" تقدم تفاصيل سديم رأس الحصان    دراسة علمية: الوجبات المتوازنة تحافظ على الأدمغة البشرية    ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34 ألفا و535 شهيدا منذ بدء الحرب    التنسيق الوطني بقطاع الصحة يشل حركة المستشفيات ويتوعد الحكومة بانزال قوي بالرباط    فرنسا تعزز أمن مباني العبادة المسيحية    العثور على رفاة شخص بين أنقاض سوق المتلاشيات المحترق بإنزكان    عرض فيلم "الصيف الجميل" للمخرجة الإيطالية لورا لوتشيتي بمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    فيلم من "عبدول إلى ليلى" للمخرجة ليلى البياتي بمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    "النهج" ينتقد نتائج الحوار الاجتماعي ويعتبر أن الزيادات الهزيلة في الأجور ستتبخر مع ارتفاع الأسعار    مدينة طنجة توقد شعلة الاحتفال باليوم العالمي لموسيقى "الجاز"    تكريم الممثل التركي "ميرت أرتميسك" الشهير بكمال بمهرجان سينما المتوسط بتطوان    توقعات طقس اليوم الثلاثاء في المغرب    حمى الضنك بالبرازيل خلال 2024 ..الإصابات تتجاوز 4 ملايين حالة والوفيات تفوق 1900 شخص    المفاوضات بشأن اتفاق الاستعداد للجوائح بمنظمة الصحة العالمية تدخل مرحلتها الأخيرة    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جدلية القبلي والسياسي


تقديم:
إن المتتبع للمشهد اليمني في الوقت الحاضر يجده مشهدا معقدا، تتقاطع فيه صراعات قبلية وثقافية جهوية ودينية طائفية، فضلا عن الصراعات الإقليمية والدولية، مما يجعل عملية تحليل ومحاولة فهمما يجري داخل المجتمع اليمني أمرا صعبا، خصوصا إذا انساق المتتبع للمشهد ولمجريات الأحداث الدائرة في فلكه مع التحليلات الضيقة التي لا تستند إلى معطيات علمية دقيقة ومضبوطة أو على الأقل تقريبية، لأنه لا يمكن الحديث عن عملية داخل مجال مقاربة الظواهر الإنسانية لاعتبارات تخص الظواهر لا يتسع المجال لذكرها الآن.
لذلك إذا أردنا تحليل ظاهرة الصراع الدائر اليوم في اليمن يجب علينا العودة إلى الدراسات الجادة، التي حاولت أن تصف وتحلل بعمق هذه الظاهرة بهدف معرفة أسبابها وتمظهرانها الحقيقية. ولذلك سننطلق في مقاربتنا لهذا الموضوع من دراستين هامتين أنجزتا حول المجتمع اليمني.
الأولى: أنجزها الدكتور قائد نعمان الشرجبي بعنوان "الشرائح الاجتماعية التقليدية للمجتمع اليمني" تشمل الفترة ما بين 1900 و1962م من تاريخ اليمن الحديث وهي التي تهمنا أكثر.
الثانية: أنجزها الدكتور عادل الشرجبي بعنوان "القصر والديوان׃ الدور السياسي للقبيلة" والتي بانفتاحنا عليها سنحاول أن نفهم طبيعة التحولات التي شملت العلاقة بين القبلي والسياسي، لذلك سنسعى من خلال هذه المقاربة بعد اطلاعنا على الدراستين، إلى إبراز أوجه التداخل والارتباط بين القبلي والسياسي، منطلقين من التساؤلات التالية: ما معنى السياسة؟ وما معنى القبيلة؟ وكيف ساهم النظام السياسي والنظام القبلي في تشكيل التركيبة الاجتماعية للمجتمع اليمني؟ ما الثابت والمتحول في العلاقة بين القبيلة والسلطة المركزية؟ ثم كيف انعكست طبيعة هذه العلاقات على برامج ومشاريع التنمية في اليمن الحديث والمعاصر؟
قبل البدء في مقاربة هذا الموضوع، لابد أن نقف مع بعض الإشارات حول الكتاب أو الدراسة، والقصد هنا "الشرائح الاجتماعية التقليدية للمجتمع اليمني" للدكتور قائد نعمان الشرجبي لأهميتها فيما سيأتي.
أولى هذه الإشارات׃ أن الكاتب استعمل كعنوان لكتابه "الشرائح الاجتماعية التقليدية في المجتمع اليمني" بمعنى أنه استعمل مفهوم الشرائح الاجتماعية ولم يستعمل مفهوم الطبقات الاجتماعية، واستعمل أيضا مفهوم مجتمع تقليدي ولم يستعمل صيغة مجتمع حديث، وهو نفسه قد بين مبررات هذا الاستعمال حينما أشار إلى أن شريحة اجتماعية couche social تستخدم كمرادف لمجموعة من الناس، منفصلة عن بعضها البعض، ومتسلسلة بشكل هرمي بحيث أن هناك صفات تحدد مركزهم، قد تكون بيولوجية (عرق، نوع،ر عمر، قرابة) أو صفات اجتماعية (أنشطة اقتصادية، سياسية، مهنية، اجتماعية، معتقد ديني) وقد أشار أيضا إلى هذا التمييز في نهاية الفصل الثاني عندما قال: "عندما نبحث عن نموذج التدرج الاجتماعي الذي تنبني عليه البنية الاجتماعية للمجتمع اليمني نجد أنه من بين نماذج التدرج التي حددها علماء الاجتماع إلى جانب النظام العبودي والإقطاعي والطائفي، هناك النظام الطبقي الاجتماعي الحديث. وبما أن المجتمع اليمني هو مجتمع تقليدي (ما قبل رأسمالي) فإن البنية الاجتماعية لا تنتمي بالتالي إلى النظام الطبقي الاجتماعي الحديث، وما دام مفهوم الطبقة هو أحد سمات هذا النظام بمعنى حسب محمود عودة في كتابه "أسس علم الاجتماع" مجموعة من الناس تشرك في موقف اقتصادي "بمعنى آخر الانجاز وليس الانتماءات الاجتماعية التقليدية" فان استعمال شريحة اجتماعية يكون أكثر تعبيرا عن طبيعة المجتمع وبناءه الاجتماعي.
أما صيغة مجتمع تقليدي فقد استعملها الكاتب بمبرر اقتبسه من كتاب "التقليد والتحديث في علم الاجتماع المعاصر" للدكتور الحسني الذي يرى أن صيغة مجتمع تقليدي تستعمل للدلالة على «أن مثل هذا النمط من المجتمعات ينتمي إلى مرحلة ما قبل الصناعة، أو ما قبل الاستعمار، أو ما قبل الرأسمالية"[1].
ويرى الكاتب أن توظيفه لصيغة شريحة تقليدية يدل على أنها وليدة ظروف وأحوال مجتمع تقليدي، ثم أنها توارثت -بمجرد الولادة-المكانة الاجتماعية والمهن في الغالب.
وقد وجدنا في كتاب للدكتور ثناء فؤاد عبد الله "آليات التغيير الديمقراطي في الوطن العربي" إيراد لمعنى تقليدية حسب أحد علماء الاجتماع الغربيين اسمه ولش، يقول "التقليدية تعني عدم القابلية للتغيير بمعدلات زمنية معقولة، وسيادة النظرة المحافظة للحياة وللبيئة والطبيعة، والنظرة للوراء وتبجيل الماضي، والاعتماد على مصادر خارجية في كفاية الحياة الاقتصادية ومعادلة الحكمة في الحياة بالسن والخبرة،وليس بعنصر الشباب والمعرفة والعلم والقدرة على تطوير المستقبل، وعدم شيوع الإيمان بضرورة التغيير وعدم الثقة بقدرة الإنسان على تغيير الحياة وفي العموم ضيق منافذ الحرية والإرادة الإنسانية" [2].
ثاني الإشارات: هوأن هذا الكتاب كتاب أكاديمي أو دراسة أكاديمية لأن صاحب الكتاب يعلن قبل المقدمة عن المنهجية التي اتبعها للإنجاز هذه الدراسة، والمتمثلة في محاولة الكاتب تحري العلمية واعتماد المنهج العلمي بحثا عن الموضوعية من خلال وضع مسافة مع العواطف والمصالح الشخصية، وتبني موقف الحياد اتجاه كل الحساسيات الموجودة في المجتمع اليمني، وإن كنا نرى من موقعنا كمنشغلين بالبحث السوسيولوجي والأنثروبولوجي أن مسألة "الموضوعية" عندما يتعلق الأمر بالظاهرة الاجتماعية الإنسانية أمر يصعب تحقيقه نظرا لعوائق متعددة تحدث عنها جون بياجي في كتاب له بعنوان "ابستمولوجيا علم الإنسان" حيث قال أن "الوضعية الابستمولوجيا في علم الإنسان تكمن في كون الإنسان ذاتا وموضوعا، بل وذاتا واعية ومتكلمة وقادرة على أنواع من "الترميز"* مما يجعل الموضوعية وشروطها الأولية المتمثلة أساسا في إزاحة تمركز الذات حول ذاتها تعترضها صعوبات... فالعالم لا يكونا أبدا عالما معزولا بل هو ملتزم بشكل ما بموقف فلسفي أو إيديولوجي" [3].
ثالث الإشارات: أن الكاتب اعتمد لإجراء هذه الدراسة على المنهج التاريخي ومنهج تحليل المضمون والوثائق التاريخية والرواية الشفوية.
وبالعودة إلى التساؤلات التي انطلقنا منها لمقاربة هذا الموضوع، نبدأ بتحديد معنى كل من السياسة والقبيلة، ثم نمر إلى دور كل من السياسي والقبلي كفاعلين في تشكيل التركيبة الاجتماعية للمجتمع المدني، وبعد ذلك إلى العلاقة بين السياسي والقبلي: الثابت والمتحول فيها، مع إبراز انعكاس طبيعة هذه العلاقة على عملية التنمية في المجتمع اليمني.
أولا׃ تحديدات مفاهيمية
ü معنى السياسة:
ارتبط مفهوم السياسة مع ظهوره عند اليونان بمعنى تدبير شؤون المدينة/الدولة (polis).
فالسياسة هي الطريقة التي بها يتم تنظيم حياة الأفراد داخل مجتمع ما اعتمادا على مؤسسات مختلفة يتشكل منها جهاز السلطة، وهي ممارسة تكشف عن بعد أساسي للإنسان، يمكنه من إضفاء النظام والاستقرار على حياته الاجتماعية عبر مبادئ وقواعد تشرف عليها سلطة معينة، ومن ثم فهو بعد يميز الإنسان عن الحيوان.
لكن ما يهمنا في هذا الموضوع، هو أن نحدد السياسة داخل حقل الأنثروبولوجيا، لذلك سيكون المدخل هو الأنثروبولوجيا السياسية "لكونها تفرض نفسها كطريقة لاكتشاف الغرابة السياسية والأشكال السياسية الأخرى والتعرف عليها، إنها وسيلة لاكتشاف ودراسة مختلف المؤسسات والممارسات التي تؤمن حكم الناس... ولكنها تواجه مشكلة المجتمعات المجزأة المفتقرة إلى سلطة سياسية مركزية والتي هي موضوع جدال قديم ومتجدد باستمرار"[4] ولعل هذه إشارة إلى أن موضوع مقاربتنا لا يخرج عن هذا الإطار.
ü معنى القبيلة:
تحدد القبيلة بكونها تنظيم اجتماعي يرتبط أفرادها، بروابط عائلية ولغوية ومصالح مشتركة اقتصادية، ووحدة الأرض والثقافة والتقارب والتمازج الاجتماعي والنفسي، ويعتبرها لويس مورغان "تنظيما لم يصل بعد إلى مستوى المجتمع السياسي، أي الدولة، لأنها خاضعة بقوة لنظام القرابة والعلاقات الدموية، فهو يرى أن الدولة لا يمكن تأسيسها إلا على تجمعات تمثل وحدة نظام سياسي وليس على أساس الأشخاص والوحدة الاجتماعية والقرابة الأولية التي تشكل وحدة النظام الاجتماعي في القبيلة."[5]
ثانيا˸دور النظام السياسي والنظام القبلي في تشكيل التركيبة الاجتماعية في المجتمع اليمني.
عندما نتأمل الدراسة التي قام بها الدكتور قائد نعمان الشرجبي و التي حاول أن يحلل فيها بعمق طبيعة التركيبة الاجتماعية للمجتمع اليمني، من بداية القرن التاسع عشر إلى حدود .1962. يعني قبل الثورة اليمنية، معتمدا في ذلك على المنهج التاريخي كأداة علمية في القيام بهذه الدراسة، نجد أن طبيعة السلطة سواء السلطة السياسية أو السلطة القبلية كان لها الدور الكبير والبارز في تشكيل التركيبة الاجتماعية للمجتمع اليمني، وتعطيل عملية التنمية في هذا المجتمع.
فالحديث عن السلطة السياسية في الفترة التي شملتها الدراسة، هو حديث عن سلطة الإمامة، بمعنى أن الذي كان يوجد على رأس هرم السلطة هو الإمام ، ويقصد الكاتب أسرة حميد الدين (الإمام يحيى وأحمد ومحمد) وهؤلاء ينتمون إلى المذهب الزيدي والطائفية الزيدية لأن المجتمع اليمني توجد فيه ثلاث مذاهب: المذهب الشافعي والمذهب الإسماعيلي الذي يرتكز في صنعاء وهو فرقة شيعية تقر بانتسابها إلى إسماعيل ابن جعفر الصادق، ثم المذهب الزيدي وهو فرقة شيعية أيضا، لكنهم يعتبرون أنفسهم من صفوة الشيعة لاعتبار انتسابهم الى آل البيت، ويرتكز هذا المذهب على مبدأ جواز إمامة المفضول مع وجود الفاضل، لذلك رأوا أن إمامة علي مقدمة على غيره، والأئمة في نظرهم يقومون مقام الأنبياء في تبليغ الرسالة كما يبين الكتاب.
لذلك ستسهم هذه التشكيلة المذهبية في إنتاج شريحة اجتماعية عليا، هي شريحة السادة وهي شريحة في المجتمع اليمني تمثلها الطائفة الزيدية وبعض الشافعية.
هذه الطائفة الموجودة في سدة الحكم ولاعتبارات الانتساب، ستحكم البلاد حكما فرديا مطلقا ووراثيا وهو ما يوضحه تعاقب أسرة حميد الدين على الحكم في نظر الكاتب. هذه الطائفة يرى الكاتب أنها اجتمعت في يدها السلطة التشريعية والتنفيذية و القضائية، واستقى الإمام سيطرته هاته من السلطة الروحية المبثوثة تعاليمها في المذهب الزيدي، والتي تلزم الناس بضرورة الطاعة العمياء للإمام، وتجسد الدين في صورة الإمام المعصوم "عنوان الاعتبار والجلال، روضة المجد رفيع العمادة، فخر العرب والإسلام... إلى غير ذلك. وهي ألقاب يختارها الإمام بعناية لشرعنة سلطته، وبالتالي تكون سلطة الإمامة في نظرنا قد جسدت نظرية الحق الإلهي التي تعتبر أقدم نظرية في تفسير أصل الدولة، والتي يطلق عليها أحيانا مبدأ "حق الملوك المقدس" ومؤداها أن مصدر وأصل الدولة هو فكرة دينية، مفادها: أن الحاكم خليفة الله في الأرض، فهو يحكم باسم الله الذي فوض له السلطة، ومن تم سميت النظرية أيضا بنظرية "التفويض الإلهي" وهكذا فبمقتضى هذه النظرية للملك الحق في حكم رعاياه حكما مطلقا استبداديا، دون أن يكون لأي فرد من أفراد الشعب الحق في أن يعارض أو يثور ضده، طالما كان هذا الملك مفوضا من قبل الله لحكم هذا الشعب أو ذاك، ولذا لابد أن يطاع في كل أوامرهوأحكامه.
لاستبدادية سلطة الإمامة مظاهر متعددة يمكن أن نفهم من خلالها طبيعة الهرم التراتبي للشرائح الاجتماعية في المجتمع خلال فترة الدراسة، ويمكن أن نفهم من خلالها أيضا الصراع الدائر بين الفاعل السياسي والقبلي وذلك من خلال مظاهر وصور هذا الاستبداد اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.
لذلك فاقتصاديا سيبين لنا الكاتب كيف أن الإنتاج الاقتصادي قد تأثر بشكل سلبي بسياسة الإمام، خصوصا بالنسبة لعلاقات الإنتاج وقوى الإنتاج، فبالنسبة لعلاقات الإنتاج فأكبر الملكيات تتقاسمها بالتراتب عائلة الإمام بفعل مركزيتها في السلطة، ثم عائلة كبار الملاكين باعتبار قربها من الإمام، وقد حصلت على امتيازات اقتصادية وسياسية.... متعددة، وهو ما جعلها تكون الشريحة الثالثة في سلم التراتب الاجتماعي في المجتمع اليمني بعد شريحة القضاة. ومن مظاهر استبدادية سلطة الإمامة أيضا، يبين الكاتب: اللجوء إلى الطرق غير المشروعة في استخلاص الضرائب رغم إقرارها بالطابع الإسلامي للنظام الضريبي لليمن، من هذه الطرق الغير مشروعة حسب الكاتب "تقدير المحصول" والضريبة قبل الحصاد، والأبشع في الأمر هو أن تلك الضرائب تبقى في خزانة الدولة تحث سيطرة الإمام لا تنفق على المحتاجين ولا المصلحة المشتركة.
فيما يخص الإنتاج الصناعي وخوفا من الطبقة العاملة، عارض الإمام كل تحديث أو تصنيع، وهو ما سيجعل الكثير من أصحاب المبادرات الفردية يتراجعون عن انجاز مشاريعهم في غياب ضمانات أساسية، خوفا من أن تحجز السلطة أموالهم.
وبالتالي هذا الأمر لم يشجع المشاريع الصناعية الكبرى مما جعل الإنتاج الصناعي اكتفائيا يعتمد على بعض الصناعات التقليدية "النسيج، الملابس الجلدية، صناعة الزيوت..." وحتى هذه الصناعات ستتأثر وستتراجع مكانتها بفعل سياسة الاستبداد التي اعتمدها الإمام من خلال جلبه لبعض المنتوجات الرخيصة، والتي كان اغلبها استهلاكيا. هذا الوضع سيخلق لنا شريحة اجتماعية متدنية في سلم التراتب الاجتماعي هي شريحة الصناع والحرفيون التقليديون.
من تجليات استبداد السلطة السياسية أيضا هو احتكارها للتجارة، فالتجارة الخارجية كلها كانت محتكرة من طرف العائلة المالكة وبعض كبار التجار والموظفين، ومعظمهم مقرب من عائلة الإمام، أما التجارة الداخلية فقد اعتمدت على المقايضة، وكانت معظمها مؤسسات تقليدية، تأثرت بشكل كبير بالمستوى المنخفض للمستوى الاقتصادي ولاستمرارية العلاقات الإقطاعية والتشتت القبلي حسب الباحثة جولوبوفسكيا، وبالتالي لم تنموا حركة تجارية لانعدام الأسواق والمؤسسات المالية.
هذا الوضع أيضا سيخلق شريحة اجتماعية ستحتل مرتبة متميزة في سلم الهرم الاجتماعي وهي شريحة كبار التجار، بينما الشريحة الصغرى من التجار فستلجأ للهجرة إلى بعض المدن، لان اغلبها يسكن في الأرياف، أو إلى بعض الدول المجاورة لليمن، لكنها ستبقى على ارتباط بأوضاع المجتمع اليمني وستعمل على تشكيل تنظيم من الخارج سيكون له حسب الكاتب الدور الكبير في احداث ثورة 1962، لأنها حملت معها معانات وظلم واستغلال تعرضت له من قبل السلطة الحاكمة.
قبل أن ننتقل إلى تبيان مظاهر الاستبداد الاجتماعي والثقافي كما رصدته الدراسة، لابد أن نشيروقد تحدثنا عن الجانب الاقتصادي، إلى أن الكاتب في نهاية تحليله لأنماط الإنتاج في المجتمع اليمني، وذلك في الفصل الثاني قد توصل إلى أنه يصعب انطباق نمط من أنماط الإنتاج المختلفة (العبودي أوالأسيوي أوالإقطاعي أوالرأسمالي) بشكل منفرد على خصائص المجتمع اليمني، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، يوضح الكاتب وجود بعض السمات من مختلف الأنماط الإنتاجية تقريبا، بمعنى أن من أنماط الإنتاج المذكور لم توجد في اليمن في حالتها النقية ، وعليه فالمجتمع اليمني يشكل تكوينا اجتماعيا امتزجت فيه سمات من أنماط إنتاجية عدة، بالإضافة إلى التأثير الواضح للبناء القبلي الديني على ذلك التكوين.
سيشمل الاستبداد بالإضافة إلى المستوى الاقتصادي، المستوى الثقافي أيضا، وفي هذا الإطار سيتأثر التعليم بما هوديني وليس بما هو حديث، وبالتالي ستكون المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية قليلة جدا، وما يفسر ذلك في نظر الكاتب هو أن الدولة لم تحدد أي ميزانية لمواجهة الخدمات التعليمية، بل بعضها اعتمد على تبرعات الإمام ، وستظهر سياسة الإمام بشكل بارز في الاهتمام الذي سيوليه للتعليم الديني المتخصص، والذي كان الهدف منه هو: إعداد متخصصين في الحكم الشرعي والقضاة ، مما يمكن القول بأن السياسة التعليمية التي نهجها الإمام ساهمت في خلق شريحة اجتماعية عليا ، تحتل المرتبة الثانية في سلم التراتب الاجتماعي هي شريحة القضاة، والتي ستعتمد عليها سلطة الإمام في نشر ايديولوجيتها.
ثالتا ˸العلاقة بين القبلي والسياسي: الثابت والمتحول وانعكاس ذلك على عملية التنمية بالمجتمع اليمني.
فيما يخص العلاقة بين القبيلة والدولة يتحدث الكاتب في هذه الدراسة عن العلاقة بين القرية والمدينة، والتي هي في نظره علاقة توثر وعداء دائم نظرا لسيادة النظام القبلي، فالريفي بالنسبة له المدينة تمثل مركز الظلم وجباية الضرائب، بالإضافة إلى الاستغلال الذي يمارسه كبار الملاكين على الفلاحين الضعفاء.
يظهر هذا التوتر في كل من نظرة الريفي والحضري إلى بعضهم البعض، فالحضري ينظر إلى الريفي نظرة سخرية، من مظهره ولباسه وكلامه، وجهله وسذاجته، بينما ينظر الريفي القبلي إلى الحضري على انه إنسان خانع وخاضع وغير قادر للدفاع عن نفسه. ويرى الكاتب أن هذا الصراع هو إرث تاريخي قديم لازالت آثاره فاعلة ومستمرة... لذلك يشير الكاتب إلى أن النظام القبلي في اليمن لم يدرس بعد دراسة علمية وافية، لان هذا النظام متجدر في التاريخ، سابق على الاسلام، لدرجة أن مجموعة من الدول اليمنية كانت أصلا مسماة بأسماء قبائلها، واستمر تأثيرها حتى بعد دخول الإسلام، وفي هذه الفترة من ظهور الإسلام ستعرف اليمن أربعة اتحادات قبلية: حمير – مدجج – كندة – وهمدان.تجمع همدان ينقسم إلى قبائل حاشد وبكيل، وتستقر في الشمال بينما مدجج وقبائلها: عنس، ومراد، تستقر في الشرق، أما حمير فتستقر في الجنوب، لكن في العصر الحديث لليمن سيندمج اتحاد مدجج في اتحاد بكيل، وستنظم حمير إلى حاشد، وهذه الانضمامات في نظر "الكاتب" ارتبطت بمتغير القوة العسكرية في لحظة تاريخية معينة. وقد عبر الكاتب عن هذا التجدر التاريخي للنظام القبلي في اليمن بالخطاطة التالية.
قحطان بن عامر (هود عليه السلام)
يعرب ابن قحطان
يشجب ابن يعرب
عبد شمس بنيعرب الملقب ب (سبأ)
حمير: ومن قبائلها:قضاعة، الهميس كهلان
ودطون الهميس كثيرة منها: الاصابعمدجج همدان
– المعافر – القلاع –الشراعب– الحدأ عنس مراد بكيل حاشد
يخصب – رعين – حضرموت
- يافع – عدن ولحج...
والنظام القبلي الذي يتحدث عنه الكاتب في هذه الدراسة، ليس نمطا قبليا تقليديا يقوم على الرعي والترحال أو شبه الترحال، وإنما الغالبية العظمى من القبائل اليمنية مستقرة، تمارس الزراعة كمهنة رئيسية لزمن بعيد، وهو نظام تنبني فيه العلاقات الاجتماعية على منطق القرابة، كما انه يشكل أيضا بؤرة اجتماعية داخل مجتمع عام.
عندما نتحدث عن النظام القبلي، نتحدث عن عنصر أساسي وهو المشايخ، الذين يشكلون معادلة احتدت حولها النقاشات، لدورها وفاعليتها في دينامية الصراع. ان شريحة المشايخ ما هي إلا إفراز مباشر لذلك النظام الذي يتطلب وجود زعيم على رأس كل قبيلة، وبالتالي يحتل أعلى مكانة وأعلى سلطة في القبيلة، وهي مسألة متوارثة، ويتصف بمواصفات منها الحكمة والرأي السديد والصدق والالتزام بما يصدر عنه من تعهدات، كما انه لابد أن يكون على مستوى كبير من الفهم والإدراك للأعراف والعادات القبلية... وحياة هؤلاء المشايخ لا تخلو من وظائف وادوار، منها ما هو داخلي يتمثل في حفظ الأمن والاستقرار ويتم ذلك بواسطة العرف القبلي الذي يسهر على تطبيقه بحزم، ثم الفصل في الخلافات والنزاعات التي تحدث بين أفراد القبيلة، خاصة المتعلقة بمشاكل الإرث والمياه، ومنها ما هو خارجي يتعلق بأشكال التحالف التي يقيمها مع القبائل والمناطق الكائنة خارج نفوذ سلطته، ويتفاوت المشايخ حسب الكاتب في تأثير نفوذهم على المجتمع، ففي المنطقة الشمالية التي يعتنق سكانها المذهب الزيدي، تتميز قبائلها بتمسكها الشديد بالأعراف والتقاليد القبلية، حيث يوجد التضامن القبلي على أشده، بالإضافة الى كونها قبائل مقاتلة ومستعدة لان تتخلى عن كل شيء، من اجل تلبية نداء شيخها للحرب ضد أيا كان حتى لأتفه لأسباب. أما بالنسبة لنفوذ مشايخ المنطقة الجنوبية فهي ضعيفة مقارنة بالمنطقة الشمالية نظرا لضعف الروح القبلية، التي أضعفتها حكومة الإمام يحي من خلال سيطرتها على تلك المناطق.
يؤكد الكاتب على أن الموقف المبدئي للمشايخ هو أنهم لا يميلون للخضوع لأي سلطة مركزية. ففي الوقت الذي كان ينوي فيه الإمام نشر سلطته، كان المشايخ والقبائل يقاومون ذلك، وللخروج من هذا الوضع وتحليله ، كان الإمام يلجأ إلى استمالة القبائل من خلال استمالة مشايخها ويمنحهم امتيازات، ويستغل الفرص لتأجيج الخلافات بين القبائل لإضعاف قوتها، ولإغراقهم في مشاكل لا حل لها.
لذلك يبين الكاتب أن من الوسائل التي لجأت إليها سلطة الإمامة للحفاظ على سلطتها واستمراريتها، هي الاعتماد على القبائل وإخضاعها، لذلك عندما نتأمل تاريخ الإمامة في نظر الكاتب نجده اعتمد عبر أكثر من ألف عام على رجال القبائل في الوصول إلى السلطة وتثبيت حكمها.
ويطرح الكاتب سؤالا هو: كيف استطاع الإمام السيطرة على القبائل المائلة أصلا إلى الاستقلال ومقاومة السلطة المركزية؟
يجيب الكاتب على أن الإمام اعتمد على أساليب المكر والخداع في استمالته لمشايخ القبائل، ونهجه سياسة فرق تسد، ونهج سياسة التجهيل، من خلال بث أسطورة الإمام في عقول الناس، ونهجه أيضاأسلوب السيطرة المتمثل في الظلم والإرهاب والقسوة الشديدة في معاقبة كل من خرج عن سلطة الإمام.
إذن الظلم والإرهاب والقسوة والتفرقة السلالية الطائفية بين المواطنين، وسياسة فرق تسد بين القبائل والطوائف الدينية ونهج سياسة التجهيل ومحاربة العلم والتطور الحديث، شكلت وسائل حالت دون تكوين تنظيمات سياسية كالنقابات والجمعيات، خشيت أن تستعمل سياسيا ضد النظام، مما مكن الإمام من حفظ النظام.
لكن السؤال الجوهري والأساسي: هو لماذا يطول عمر استمرار النظام القبلي في الوجود؟
بعد طول التحري والبحث يجد الكاتب أن هناك عوامل متعددة تطيل في عمره، أولها العامل السياسي: بمعنى غياب الاستقرار السياسي بفعل الحروب والصراعات بين الدويلات والطوائف الدينية المختلفة، والطامحين للسلطة الإمامة والمطالبين بها، وهذا الغياب للاستقرار السياسي في نظر الكاتب غيب سلطة الدولة، مما أدى إلى تقوية العرف والعصبية.
ومما قوى هذا النظام القبلي أيضا هو ظلم السلطة المركزية للفلاحين، والفلاحون معظمهم يسكنون في الريف والريف معظمه قبائل. ثاني هذه العوامل، العامل الاقتصادي: بمعنى أن وجود مناطق خصبة وأخرى غير خصبة، أدى إلى التضامن بين المناطق الغير خصبة وشن حروب ضد المناطق الخصبة، وذلك من أجل توفير الطعام، كما يضيف الكاتب عاملا آخر وهو العامل الاجتماعي والثقافي والمتمثل في النزعة الاستقلالية للقبائل وتوجيه الولاء للقبيلة ولشيخها، بالإضافة إلى الجهل والأمية، وقلة الاحتكاك بالخارج وبالتطورات الحديثة في مجالات الحياة المختلفة.
وبخصوص طبيعة التحول الذي وقع على مستوى العلاقة بين القبلي والسياسي يبحث الدكتور عادل الشرجي من خلال الدراسة السالفة الذكر والتي ارتكزت على المنهج التاريخي لتحليل الدور السياسي للقبيلة وعلاقتها بالدولة في اليمن، فقد توصل إلى انه بالرغم من استمرارية البنية القبلية وتعاظم تأثيرها السياسي، إلا أنها شهدت خلال العقود الماضية تغيرات كثيرة أهملها الباحثين السابقين، خصوصا الأجانب الذين ظلوا يصفون القبائل اليمنية بأنها تشكل وحدات اجتماعية واقتصادية وثقافية مستقلة عن الدول، وأنها تشكل تنظيمات متساوية وتنظيمات بدون رأس، دون مراعاة للتحولات التي عرفها المجتمع اليمني في العقود الخمس الأخيرة، وما ترتب عليها من تغيير في طبيعة العلاقة بين الدولة والمجتمع بشكل عام، وعلى البنية القبلية وتركيبها الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية في المجتمع القبلي، فقد تحولت العلاقة بين الدولة والقبائل من علاقة تعايش إلى علاقة تمفصل، ومن علاقة صراع إلى علاقة تحالف، وهو ما يبرر اختيار عنوان لهذه الدراسة الموسوم "بالدور السياسي للقبيلة" فهذا العنوان يشير إلى ما تمارسه القبائل من تأثير على عمليات صنع القرار، وتخصيص الموارد على المستوى الوطني، ولم يعد هذا التأثير مقتصرا على المستوى المحلي. ويبين الدكتور عادل الشرجبي أن العلاقة بين القبيلة وسلطة النظام علاقة تكاملية تنتقص من السلطة المركزية عن جزء من اختصاصاتها للقبيلة، وتحول المشايخ إلى ممثلين للدولة في قبائلهم بعدما كانوا ممثلين لقبائلهم في الدولة. لقد مكنتهم الدولة يبين الكاتب من السيطرة على المجلس التشريعي، فنسبة القبائل في المجالس النيابية حسب الكاتب، لا تقل عن %50 عن جملة الأعضاء، وهو ما مكن القبيلة من إدماج الأعراف القبلية في البنية التشريعية.
هذه العلاقة النفعية بين شيوخ القبائل والدولة خلفت طبقة وسطى متعلمة من أبناء القبائل، تسربت إلى مفاصل الدولة، فلم تعد الدولة تتعامل بشكل مباشر مع المواطنين وإنما عن طريق الوسيط القبلي، فالقبيلة أصبحت تمارس دور أقوى من سلطة الدولة، والعرف القبلي فوق القانون وقبله.
ويذهب الدكتور عادل الشرجبي في هذه الدراسة إلى أن الدور التنامي لما هو قبلي في مجال السياسة في تاريخ اليمن الحديث، ارتبط بضعف الدولة، مستشهد بتمكن أئمة الدولة الزيدية على قلتهم من بسط سيطرتهم وقدرتهم على إخضاع قبائل حاشد وبكيل وبقية القبائل، وهوما يجعل الأئمة مضطرين لدفع إتاوات مالية سنوية للمشايخ، وبالتالي ما ساهم في تعزيز قوة السياسي للقبيلة هو ضعف بناء الدولة، وأجهزتها الأمنية، وضعف مستوى إنفاذ القانون والإفلات من العقاب، فالمجتمع القبلي طور نظاما مختلا لتحقيق العدل يقوم على التسوية وليس على العقاب مما ولد مواجهات التأثر لأن أهل القتيل لا يرضون بالتسوية، كما يبين الشرجبي أن البنية القبلية مسؤولة عن تأصيل مبدأ التوريث السياسي، فالتوريث تأصل في مجلس النواب منذ الستينيات، حيث أعضاء مجلس النواب هم أولئك المشايخ أو أبناءهم باستثناء تغيرات بسيطة جدا.
فالتقسيم الإداري الحالي للجمهورية يبين الكاتب لا يقوم على أسس تنموية، مشيرا إلى أن الدوائر الانتخابية تم توزيعها بالشكل الذي يؤدي إلى نجاح المشايخ في الانتخابات البرلمانية، ويبين في جانب آخر أنه عندما أصبح الشيخ ممثلا للدولة أصبح يتغاضى عن قمع الدولة للمواطن، والدولة تتغاضى عن الانتهاكات التي يمارسها المشايخ، ولم تعد القبيلة تستطيع توفير الحماية للمواطنين، ولم يعد بإمكان المواطن الإدلاء برأيه في ديوان الشيخ فهو يمدح أو يصمت.
لقد حدث تواطأ في نظر الكاتب، بين المشايخ والنخبة الحاكمة، فاستمرار السلطة مرهون باستخدام قوة القبائل واستمرار مشايخ القبائل في الحصول على المنافع مرهون بإقرار السلطة المركزية. هذا الأمر أضعف القبيلة والدولة معا.
فمن ناحية الدولة، أدى إلى فشلها التام في انجاز تنموي، فقد صارت الأحزاب مسرحا للصراعات القبلية، وليست أحزابا تحمل رؤى وبرامج تنموية.
ومن ناحية القبيلة، اختفت العلاقات المساواتية التاريخية لتظهر العلاقات التميزية بين العشائر.
وفي الأخير يمكن أن نقول إن نمطامن التنظيمات ما قبل الدولة يظهر جليا في الدولة اليمنية، حيث العلاقة بين القبيلة والدولة يقوم بينهما صراع وجودي، فولادة الدولة كما يقول ماكس فيبر يشكل نهاية الوراثة، وأن ولادة الوراثة، تعتبر نهاية للتنظيمات الحديثة.
[1]- الدكتور الحسني "التقليد والتحديث في علم الاجتماع المعاصر" دراسة خاصة مع إشارة إلى مجتمعات الخليج العربي، منشورات دراسات الخليج العربي بجامعة البصرة 1979 ص 430.
[2]- الدكتور ثناء فؤاد عبد الله "آليات التغيير الديمقراطي بالوطن العربي" مركز دراسات الوحدة العربية. بيروت يناير 1997 ص 285.
*الترميز: إنتاج الرموز
[3]- Jean-Piaget Epistémologie des sciences de l'homme.
- [4]str


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.