يواجه ميناء الجزيرة الخضراء الإسباني تحديا متزايدا في الحفاظ على موقعه كمركز لوجستي رائد في غرب المتوسط، وذلك في وقت يواصل فيه ميناء طنجة المتوسط ترسيخ تفوقه على مستوى الربط البحري وحجم التبادل العابر، مستفيدا من مرونة بنيته وتكامل وظائفه الصناعية واللوجستية. فقد كشفت بيانات رسمية صادرة عن هيئة ميناء خليج الجزيرة الخضراء ان حجم البضائع المعالجة بين يناير وماي 2025 بلغ 42.6 مليون طن، بتراجع قدره 5.7 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية. كما سجلت حركة الحاويات انخفاضا بنسبة 6.3 في المئة لتستقر عند 1.88 مليون وحدة مكافئة لعشرين قدما، رغم التحسن الطفيف الذي عرفه شهر ماي بفضل ارتفاع التصدير نحو الأسواق الأمريكية والآسيوية. وفيما يُعزى هذا التراجع جزئيا إلى تباطؤ التجارة العالمية، يرى عدد من الفاعلين ان الميناء الإسباني يواجه صعوبات بنيوية تحد من قدرته التنافسية، لا سيما محدودية التوسع الناتجة عن تموقعه داخل نسيج حضري كثيف، وتعقيد الإجراءات المرتبطة بالقوانين الأوروبية، التي تقلّص هامش المناورة في التكيّف مع التحولات المتسارعة لسوق النقل البحري. وعلى الجهة المقابلة من المضيق، يواصل ميناء طنجة المتوسط فرض حضوره كمحور إقليمي صاعد، حيث تشير المؤشرات الأولية إلى تسجيل أداء مستقر بل ومتنامٍ في حركة الحاويات والشاحنات، رغم غياب الأرقام الرسمية المفصلة للفصل الأول من السنة. ويعزز الميناء المغربي جاذبيته بفضل بنيته المفتوحة للتوسعة، وإدارته ذات الطابع السيادي، وسرعة اتخاذ القرار على مستوى تدبير العمليات واستقطاب المستثمرين. ولا يقتصر تفوق طنجة المتوسط على حجم المعالجة فقط، بل يشمل أيضا الرؤية المندمجة التي تجمع بين الميناء، المناطق الحرة، المناطق الصناعية، ومشاريع الاستدامة البيئية، مثل المحطة الشمسية العائمة قيد الإنجاز فوق سد طنجة المتوسط، ما يمنحه أسبقية نوعية في استشراف نماذج الموانئ الذكية. ويرى خبراء النقل الدولي ان التحول الجغرافي في موازين الملاحة بين الضفتين لا يتوقف عند الفوارق في البنية، بل يعكس تحولا أعمق في نماذج الحوكمة والاستثمار. فبينما تراهن إسبانيا على صيغ تقليدية تحكمها اعتبارات تنظيمية معقدة، يعتمد المغرب مقاربة أكثر مرونة، مدفوعة برؤية ملكية تهدف الى تمكين المملكة من موقع استراتيجي في سلاسل الإمداد الدولية.
وبينما يترنح ميناء الجزيرة الخضراء في مواجهة هذا التحول، يبدو ان موازين المنافسة البحرية في المضيق بدأت تميل بثبات لصالح الضفة المغربية.