بركان جماهيري مغربي انفجر في ملعب "الثمامة" بالدوحة امتد صداه إلى أرجاء المعمورة مع دوي صافرة الحكم معلناً فوز المغرب على البرتغال بهدف نظيف وبلوغه الدور النصف نهائي من مونديال قطر 2022، في إنجاز تاريخي غير مسبوق لمنتخب عربي وإفريقي في نهائيات كأس العالم. سارع أمين بيدس، ابن ال 16 عاماً من فلسطين والقادم من دبي، في مقابلة مع وكالة "فرانس برس"، إلى التساؤل ضاحكاً "رونالدو فينو (أين هو)؟ أنا صراحة لم أشاهده". قبل ذلك تراقص اللاعبون وهتفوا ولوحوا بعلم بلادهم، فالحلم مستمر، والمغرب هو من كان صاحب الفضل في أن يكون للقارة السمراء والعرب كلمة على أرض عربية هي قطر. صورة اعتدنا على رؤيتها في كل مباراة، جماهير بالآلاف تصدح 90 دقيقة كاملة، وحتى أكثر إذا دعت الحاجة إلى ذلك، كما حصل أمام إسبانيا في ثمن النهائي في مباراة انتهت بسيناريو ركلات ترجيحية حابس للأنفاس. بدا الرقم القياسي للنجم البرتغالي كريستيانو رونالدو بمعادلته أكثر اللاعبين خوضاً للمباريات الدولية متساوياً مع الكويتي بدر المطوّع (196) بعد دخوله احتياطياً أمام المغرب، مجرد مذنّب مرّ بسرعة الضوء دون أن يلفت الأنظار. على أرض الملعب كتب يوسف النصيري التاريخ بأحرف من ذهب، فاللاعب الفارع الطول (1.88 م) سيبقى خالداً في القلوب بكونه مسجل هدف الفوز بضربة رأسية ذهبية عجز الحارس البرتغالي عن صدها. سيتذكره الجيل الحالي والأجيال القادمة، وسيروي قصته الأب لابنه والجد لحفيده والزوجة لابنتها. قصة نسجها من الخيال و"الحلم" الذي تردد على شفاه كل من تابع اللقاء. يقول فراس بيدس (48 عاماً): "للأمانة لم نكن نتوقع نتيجة المنتخب المغربي". وأضاف عندما سُئل عن رفع العلم الفلسطيني في احتفالات لاعبي المغرب "بشكل عام قطر قامت بعمل في هذه البطولة لم يحصل منذ زمان، وأنا هنا أتحدث عن الشعوب، كشعوب رأينا أنّ القضية الفلسطينية ما زالت تعيش في الجيل الثالث وليس بشكل عام.. هو الجيل الثالث بعد النكبة". المغرب بطل العالم؟ إلى جانبه، وقفت نجلته رولا ابنة ال 15 عاماً، وقالت والخجل في عينيها: "للصراحة توقعت فوز المغرب لأني جئت كمشجعة، وأنا سعيدة لأنهم يستحقون الفوز ولعبوا بطريقة جيدة.. الحارس (ياسين) بونو رائع". وعن الطموحات المقبلة، قالت: "أريد أن يفوز المغرب بكأس العالم". لم تكن أمسية عادية أو ليلاً داكن اللون، فالأسود تحول إلى الأحمر تماماً كلون العلم المغربي الذي تتوسطه نجمة خماسية باللون الأخضر. ترجم اللاعبون المغاربة علمهم ونشيد بلادهم إلى فوز تاريخي.. الأحمر يرمز إلى الجرأة والقوة والشجاعة، والأخضر إلى الحب والفرح والحكمة والسلام والأمل.. كلمات وعبر تحولت إلى كرة في المرمى وقتال داخل المستطيل الأخضر ودموع ومجموعة لم تبخل بقطرة عرق. لم يهتم اللاعبون كثيراً بإنجازات رونالدو أو حرفنة برونو فرنانديش أو مهارة جواو فيليكس أو حتى سنوات الخبرة للمدافع الصلب بيبي. جميعهم كانوا مجرد أسماء على قائمة المباراة. كيف لا بعدما أطاح المغرب بإسبانيا في ثمن النهائي، وجعل أسلوب ال تيكي تاكا" في تناقل الكرات مجرد أضحوكة تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي. زأر "أسود الأطلس" في ملعب "الثمامة"، فردت الجماهير بهتافات صدحت من حناجر لم يدركها التعب "سير، سير، سير... تماركي" (اذهب وسجل)، و"ديما (دائماً) مغرب". ذاد "الأسد" بونو عن عرينه رافضاً أن تهتز شباكه للمباراة الثالثة على التوالي بعد التعادل السلبي أمام كرواتيا في مستهل مبارياته في دور المجموعات، والفوز على إسبانيا بركلات الترجيح 3- 0 بعد تعادلهما سلباً في الوقتين الأصلي والإضافي، وإنجاز صده ركلتين ترجيحيتين. هشام (48 عاماً)، الذي أصرّ على ذكر أنه متزوج ولديه ثلاثة أطفال، قال: "الشعور لا يوصف، الحمد لله تمكن المغرب من الوصول إلى نصف النهائي. هذا ليس مجرد إنجاز عادي، بل إنجاز تاريخي. صراحة قبل المونديال لم يتوقع أي شخص أن يبلغ المغرب نصف النهائي، ونحن سعداء جداً". وأضاف وهو يضرب بيده على قلبه "رجال، لعبوا بقلب. الحمد لله استطاعوا الفوز على البرتغال والتأهل إلى نصف النهائي. عقبال اللي جاي". وأكد هشام أنه قام بتغيير تذكرة السفر خمس مرات وسيبقى حتى النهائي "إن فزنا نغير مرة أخرى". مريم الثلاثينية قالت: "الفرحة كبيرة جداً. فرحونا. نحن فخورون بأسود الأطلس، وإن شاء الله كأس العالم في يد المغرب". "عمري 100 سنة واليوم 10 سنوات" سفيان الرشيدي، صحافي في تلفزيون "الرياضية" المغربي، قال ممازحاً بشأن عمره في بداية اللقاء "عمري 100 سنة واليوم 10 سنوات". وتابع "فرحة استثنائية ويوم للتاريخ للمغرب كبلد عمره ما يقارب 12 قرناً، واليوم أهم يوم في تاريخ الرياضة المغربية والعربية والإفريقية أن يتأهل إلى نصف نهائي كأس العالم". وتابع "هنيئاً لكل من يتنفس هواء المغرب وللعرب وللجميع، هذا يوم للتاريخ والتاريخ يصنعه العظماء. اليوم كان أسود الأطلس عظماء أمام منتخب البرتغال، الذي يبقى واحداً من أبرز المنتخبات على الصعيد العالمي". في أمسية للتاريخ لم تكن قارة إفريقيا مجرد ضيف على عالم الكرة المستديرة، ولم يعد العرب يكتفون بالقولة الشهيرة: "شرف المشاركة"، فالمغرب رفع عالياً الراية وأسكت المشككين بقدرات صقلتها الموهبة على مسرح الكرة العالمية.