عندما شاهدت كريستوفر روس الذي أرسله بان كي مون كمبعوث له في شؤون الصحراء المغربية ، وهو يجري محادثات مع الملك ووزراء حكومة عباس متدثرا بسلهام مغربي أسود ، قلت مع نفسي بأن المسؤولين المغاربة ربما ، لم يعد في جعبتهم ما يقدمونه من مقترحات بخصوص وحدتنا الترابية ، خصوصا وأن خيار الاستفتاء أصبح حلا مستحيلا ، فيما مقترح الحكم الذاتي يواجَه بمعارضة شرسة من طرف الجزائر التي جعلت من "الپوليزاريو" شوكة حادة تعرف جيدا كيف تحركها داخل الحذاء المغربي . "" حفاوة الاستقبال التي حظي بها روس في الرباط ، جعلت مسؤولي الجبهة الانفصالية يُلبّسون الرجل بمجرد وصوله إلى تندوف ضراعية صحراوية بيضاء ، ووضعوا على كتفيه شالا أسود من ذلك النوع الذي يغطي به رعاة الإبل وجوههم تفاديا لأشعة شمس الصحراء الحارقة . هكذا لكي يبرهن الانفصاليون في "الپوليزاريو" أنهم ليسوا أقل كرما من مسؤولي الرباط . وهنا التقى الطرفان من حيث لم يشعروا . فقد أبانوا جميعا عن كرم الضيافة الذي يشتهر به المغاربة . إيوا الحمد لله را كلكم مغاربة . المشكل هو أن هاد كرم الضيافة ما كايحلش المشاكل السياسية المستعصية ، بحال المشكل ديال الصحراء! وبما أن الذي يهمنا نحن كمغاربة ، ليس هو ما تقوم به " الپوليزاريو" ، وإنما الذي يهمنا هو ما يقوم المسؤولون في الرباط ، فليسمح لنا هؤلاء أن نقول لهم بأن ديپلوماسية السلهام ولا الجلابة أو حتى الفوقية لا تنفع ، و "التطمينات" التي يسمعونها من مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة ، والتي سمعوا آلافا منها من المبعوثين الذين سبقوه ، من قبيل : "المباحثات المفيدة والمعمقة " ، والتي تسهر وكالة المغربي على نشرها في قصاصات عاجلة ، لا تفيد بدورها في شيء . فقواعد الديپلوماسية هاكّا دايرة . لا بد فيها من المجاملات ، ولكن هاد المجاملات الواحد يلا بغا يكون واقعي خاصو يدوزها فوق وذنيه ! كي لا يظل غارقا في الأحلام التي تنتهي في الغالب بكوابيس مرعبة . المغرب يوجد في منطقة استراتيجية وحساسة ، ويعتبر شريكا مهما للاتحاد الأوروپي والولايات المتحدةالأمريكية في ما يتعلق بالهجرة السرية والمخدرات والإرهاب . والجزائر التي تقف خلف " الپوليزاريو" لديها النفط والغاز ، اللذين تذهب عائداتهما إلى حسابات مصانع الأسلحة الأمريكية والأوروپية . لذلك فأي مبعوث أممي جاء إلى الصحراء لا يمكنه إلا أن يحرص على "إرضاء" الطرفين بمثل هذه العبارات المستمدة من قاموس المجاملات . داكشي علاش ما خصكومش تصدقو هاد التطمينات حيت فيها بزاف ديال النفاق السياسي! المغرب ليس لديه نفط ولا غاز ، (وإن كانوا يتحدثون عن العثور على ثلاثة آبار في الغرب ، ولكن ما قاضية والو !) وعدم توفرنا على الذهب الأسود لا يعني أن أمرنا قد انتهى . فجارنا الشمالي ، اللي هو اسپانيا ، هو أيضا لا يملك نفطا ولا غازا ، ومع ذلك عندما حضرت الإرادة السياسية الحقيقية لإخراج البلاد من ظلمات الحرب الأهلية التي غرقت فيها لما يقارب أربعة عقود ، والرقي بها إلى مصاف البلدان الديمقراطية ، لم يتطلب تفعيل هذه الإرادة أقل من 15 عاما فقط . ففي الفترة الفاصلة بين 1975 ، تاريخ انتهاء ديكتاتورية فرانكو ، وبداية التسعينات ، استطاعت اسپانيا ، بفضل إرادة خوان كارلوس ومن معه من المؤمنين بالديمقراطية ، أن تتسلق المراتب بسرعة قيااسية ، حتى أنها استطاعت أن تنظم الألعاب الأولمپية عام 1992 بمدينة برشلونة . وبعد ذلك صارت اسپانيا "جنة" يدفع مقابلها المغاربة أموالا طائلة وأحيانا أرواحهم من أجل بلوغها . وأكثر من ذلك ، صارت اسپانيا دولة لها تأثير كبير في ملف الصحراء ، بفضل مكانتها المرموقة بين القوى العالمية ، وصار المغاربة يخطبون ودها من أجل أن تقف إلى جانبهم . حيت مساكن ما بيدهم ما يقدمو ولا ما يوخرو . وبجانبنا في الجهة الشرقية جار آخر ، لديه الغاز والنفط ، ولكنه من ناحية الوضع الإقتصادي والاجتماعي لا فرق بينه وبين الوضع المغربي . علاش ؟ لأن نفس الطريقة التي يفكر بها مسؤولو الجزائر العاصمة هي نفس الطريقة التي يفكر بها نظراؤهم في الرباط ! هذا إذا فترضنا أنهم أصلا يفكرون . فلو كانوا يفكرون قليلا لما وصلنا إلى عنق الزجاجة حيث نتواجد الآن ! والنتيجة التي انتهينا إليها هي أن "قوة" الجزائر تكمن في نفطها وغازها ، و"قوة" المغرب في لعبه دور الدركي الذي يراقب حدود أوروپا ، وقاعدة لاستنطاق الارهابيين الذين ترسلهم إلينا أمركيا . شي حاجة اخرى من غير هادشي الله يجيب . يعني حنا واقفين غير على الخوا الخاوي . الجزائر نهار يخطاها الپترول والغاز هزها الما . والمغرب نهار ما يبقاوش الحراگة والإرهابيين حتى هو غادي يهزو الما ! دابا ما تضحكوش علينا . لو كان المغرب يريد أن يسترجع صحراءه لفعل ذلك منذ زمان ، والفرصة ما تزال قائمة إلى اليوم . ولكن خاص الإرادة والنية الحسنة . مقترح الحكم الذاتي مقترح جيد ، ولكن كيف يمكن إقناع القوى المؤثرة على الساحة العالمية بتبنيه وهم يرون كيف يتم الزج بالصحفيين والطلبة الجامعيين والحقوقيين في سجون المملكة . فقط لأنهم يعبرون عن آرائهم بصراحة . كيف سيثق فينا العالم وعملية الاختطاف ما تزال قائمة في "المغرب الديمقراطي الحداثي" . وكيف سيثقون فينا ومؤشرات البنك الدولي والمنظمات الحقوقية تضعنا دوما في مقدمة البلدان التي تغيب فيها الحرية وينتشر فيها الفقر والرشوة والفساد على جميع الأصعدة والمستويات . عرفتو اشنو ؟ إذا أردتم أن تسقطوا " الپوليزاريو" بالكاو ، هناك حل واحد : خاصكم الإرادة بحال ديال السبليون ، باش العالم كامل يتيق فينا . بلا منها سيظل هذا المشكل الذي يستنزف ميزانيات ضخمة من أموال دافعي الضرائب معلقا إلى أجل غير مسمى ! [email protected]