"المستشارين" يقر مشروع قانون المالية    مجلس المستشارين يصادق على مشروع قانون المالية لسنة 2026    التامني: غلاء أسعار السكن و"النوار" يفرغان الدعم المباشر من أهدافه وعلى الوزارة التدخل    العنف النفسي يتصدر حالات العنف المسجلة ضد النساء    سانشيز يشيد بالروابط القوية مع المغرب    المغرب وإسبانيا يطلقان حقبة جديدة من الشراكة الاقتصادية بدعم المشاريع ذات الأولوية    الصحراء المغربية .. إسبانيا تشيد بالمصادقة على القرار 2797 الذي يؤكد أن حكما ذاتيا حقيقيا تحت السيادة المغربية هو الحل الأكثر قابلية للتطبيق    المحكمة الإدارية بطنجة تؤجّل النظر في ملف عزل رئيس جماعة تزروت بسبب "اختلالات تدبيرية"    مفاجآت في ملف "إسكوبار الصحراء"    مبادرة "Be Proactive" تعزّز الوقاية من حساسية الأسنان في عيادات المغرب    الخطوط الملكية المغربية تفتتح أول خط جوي مباشر بين الدار البيضاء ولوس أنجلوس            اعتقال المعارض التونسي أحمد نجيب الشابي    وزير الخارجية الإسباني يستقبل بوريطة ويؤكد: العلاقات مع المغرب تعيش لحظة تاريخية    حملة إنسانية لسلطات العرائش لإيواء أشخاص في وضعية الشارع    مونديال 2026 .. أنظار العالم تتجه صوب واشنطن لمتابعة سحب قرعة مرتقب بشدة    الصحراء المغربية .. إسبانيا تشيد بالمصادقة على القرار 2797 الذي يؤكد أن حكما ذاتيا حقيقيا تحت السيادة المغربية هو الحل الأكثر قابلية للتطبيق    بين الراي والراب الميلودي... Wrapped 2025 يرصد التحولات الموسيقية بالمغرب    المغرب وإسبانيا يُعززان تعاونهما القضائي عبر مذكرة تفاهم جديدة            مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    تعزيز التعاون المائي محور مباحثات مغربية–صينية في المؤتمر العالمي التاسع عشر للمياه بمراكش        بورصة البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    تقرير يكشف ضغط ترامب على نتنياهو بشأن غزة وسوريا    ‬ بميزانية ‬100 ‬مليون ‬درهم ‬قيوح ‬يطلق ‬برنامجاً ‬لوجستياً ‬واعداً..‬    البنك الإفريقي للتنمية يمنح ضمانة 450 مليون أورو لدعم "الاستثمار الأخضر" ل"أو سي بي"    كورتوا: محظوظ لأن مبابي يلعب معي وليس ضدي    "فيفا" يعلن عن منع الزمالك من التعاقدات لثلاث فترات    قرار قضائي يهزّ جامعة الكراطي... والصباري يعيد الاعتبار لجهات الجنوب    قضية بشرى كربوبي تتفجر.. الحكمة الدولية تقاضي مسؤولا بعصبة سوس ماسة بالتشهير    قافلة نحتافلوا كاملين تحط الرحال ببرشيد    "حبيبتي الدولة".. من تكون؟!: في زمن التشظي وغياب اليقين    ماكرون قلق بعد سجن صحافي بالجزائر    الشيخي القيادي ب"العدالة والتنمية" يوجّه رسالة شديدة اللهجة لوهبي ويتهمه ب"الإساءة للبرلمان وانحدار الخطاب السياسي"    "قمة دول الخليج" تشيد بجهود الملك    مشاهير عالميون يطالبون إسرائيل بإطلاق سراح القيادي الفلسطيني البارز مروان البرغوثي    إصابتان في معسكر "المنتخب الوطني" بقطر..    وقفة احتجاجية في المحمدية للتنديد بانتهاك إسرائيل لاتفاق وقف النار بغزة    الصين: مدينة ايوو تسجل رقما قياسيا في حجم التجارة يتجاوز 99 مليار دولار    دراسة: الرياضة تخفف أعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه    من الكروج إلى داحا.. أربعة عمال تعاقبوا ومحطة الطرقية الجديدة ما تزال مغلقة    الشرفي يلقي خطاب عضوية "أكاديمية المملكة" ويرصد "غزو علمنة المجتمع"    المدينة الحمراء : من جامع الفنا إلى قصر المؤتمرات .. ألف عام من الفرجة!        يسرا : فخري الأكبر هو الرصيد الفني الذي ستتناقله الأجيال القادمة    مهرجان مراكش يكرم راوية ويمنحها "النجمة الذهبية" اعترافا بمسار حافل    نصائح صحية: هذه الأغذية تهددك ب"النقرس"!    "الصحة العالمية" توصي بأدوية "جي إل بي-1" لمكافحة السمنة    التهراوي : انخفاض حالات الإصابة الجديدة بالسيدا خلال السنوات العشر الأخيرة    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    الأوقاف تكشف عن آجال التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    موسم حج 1448ه... تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    إصدار جديد من سلسلة تراث فجيج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فكرنا التقدمي خدعة للجميع وظلم لإخواننا من المسلمين
نشر في هسبريس يوم 23 - 01 - 2014


هذا المقال محاولة لنقد الأستاذ محمد بوديك
في اليوم ال 20 من يناير2014، نشرت هسبريس مقالا للأستاذ محمد بوديك يشتكي فيه ندرة أمثاله ويصور معاناة ومكابدة وتمزق المثقف الحر بالبلدان الإسلامية وكثرة الناس المنقادين وراء الفقهاء والمتحدثين باسم الدين.
أعتقد أن نمط السيد بوديك في التفكير والكتابة مشهور ومتفشي بالأوساط المغربية والعربية كما كانت مشهورة كتب ومقالات المرحوم محمد عابد الجابري المليئة بدعوات للتعقل ولإعادة النظر في التراث دون التخلص من القيود الداخلية العريقة في القدم التي يقبع تحت سلطتها كل مفكر عربي مسلم. يدور مثل هذا الفكر في حلقة مفرغة منذ ما يسمى عصر النهضة وما تلاها من فكر يصف نفسه بالتقدمي بينما هو طواف مع الطوافين منذ أربعة عشر قرنا أو يزيد، إذ الطواف -كما نعلم من- طقوس العرب قبل الهجرة.
فمطلع مقال السيد بوديك رائع للغاية إذ يقدم لنا جملة للمعري نفهم منها أن الشرائع (اليهودية أو الإسلامية مثلا) صبت الحقد في قلوبنا وعلمتنا العداوة. وقد يكون من المفيد ملاحظة أن الفرق المختلفة تضيف بغضاء داخلية لبغضاء سببها الشرائع. وتوخيا للنزاهة الفكرية ننبه إلى أن الشرائع السماوية ليست الوحيدة التي من شأنها أن تربي على الحقد وأن تؤجج الكراهية بين البشر حيث لا تقل الإيديولوجيات عنها عنفا وصداما ودموية.
لكن مقال السيد بوديك لا يسائل المشرع الأول وإنما يكرر لعبة المثقفين الذين ينهالون، عوض ذلك، على المفتين وعلى الفقهاء ويأسفون لانخراط الشعوب وراء أهل الحل والعقد المتحدثين باسم السموات. وكأنما لا يفرق مفكرنا (ومفكرونا التقدميون) بين بني البشر من جهة وبين القرآن والتوراة والأناجيل من جهة ثانية.
هذا هو مكمن الخطأ الفادح الذي يكرره التقدميون، خطأ لربما غير متعمد، لكنه يشكل منطلقا لخصومات ولعداوات لا حاجة للشعوب العربآمازيغية والمسلمة إليها. تناطحات وصدامات يمكن تجاوزها بسهولة إن تحلينا بالصدق وتخلينا عن التقليد للسلف، الديني والتقدمي على حد سواء. فالتقدميون، كخصومهم، مستعدون لتقديم فدية من بني جلدتنا لكي لا يسائلوا الشرائع ومشرعها.
فطقوس التقدميين هذه أصبحت اليوم تقليدا يردد على مدى السنين والصفحات، طقوس لا تختلف عن تقديم الأضحيات الإسلامية، واليهودية قديما، تضرعا بآلهتهم المتعالية واتقاء ل... ؟ اتقاء لماذا يا ترى ؟ كلنا نعرف الجواب ولكن لا نريد تسميته باسمه المرهب : اتقاء للعنف ولزبانيته، ذلكم القهار، الجبار، المهيمن، المسيطر والمتكبر على بني البشر، المسالمين منهم والمشاغبين على حد سواء. وما نعاينه أو نعايشه اليوم بالشرق الأوسط يجبرنا على الاعتراف بأن العنف (بزبانيته) على كل شيء قدير : يحيى من لم يصبه ويميت من لم يواته الحظ وتواجد بالطريق أثناء غضبه وتخبطه الأعمى.
والطقوس التقدمية تبدأ دائما بقصيدة المدح للأخلاق الإسلامية، كما يفعل ذلك السيد بوديك بمقاله وكما فعل ذلك الأستاذ الجابري بكتاب ضخم خصصه لإنقاد وليس لنقد الفكر الأخلاقي العربي.
إلا أن كل إنسان عاقل وصادق، يعلم أن ذلك المدح تملق ونفاق وتكرار لمراوغة أنفسنا وإخواننا المسلمين، مراوغة لم تعد ذات فائدة سوى اتقاء مواجهة العنف الذي تربينا عليه ورضعناه مع حليب أمهاتنا المسلمات منذ أن انتهكت حرمة ضمائرنا جميعا بأمر مشهور كان المؤسس لتوسعنا ولنفوذنا التاريخي : “كتب عليكم القتال وهو كره لكم”.
نعلم إذن أن أخلاقنا القويمة والفطرية تكره العنف وقتل أو بتر أو جلد أو تعذيب بشر مثلنا، ونعلم كذلك أن مقاصد الشريعة كانت وما زالت تهدف إلى إجبار أجدادنا (وإخواننا المسلمين المجاهدين اليوم) على الدخول في معاملات تمج له أخلاقنا الإنسانية. رغم هاته المعرفة البديهية لما هو أساسي ولا أخلاقي في تكوين هويتنا وعقليتنا، ما فتئ التقدميون يتشدقون بالمقاصد ويتوارون لتحمل مسؤولياتهم وراء السلف من أمثال الشاطبي. وكأنما لا يعلمون أن الخلق الطيب هو ألا نتقاتل وألا نقاتل إخواننا في البشرية مهما كان اعتداءهم، علينا إذ الجواب الصائب والمصيب هو أن نلجأ ونجنح للسلم والمسالمة كما فعل ذلك رجال أقوياء العزيمة من أمثال غاندي ومانديلا. أما الشعوب الإسلامية فإنها للأسف الشديد لم تتبرأ بعد من الأمر بالقتال وما نصت علية شريعة اليهود الأولية : "السن بالسن والعين بالعين" ... والموتى بالموتى إلى أن يفنى آل إبراهيم وموسى.
فمتى سننتقد المشرع الأول يا إخوة عوض تقديم فقهاء وأئمة وحكام ووعاظ ومفتين من بني جلدتنا كأكباش، فدية لجبننا الفكري واتقاء للعنف المؤسس لهوينا جميعا؟ متى سنغير يا ترى ما بأنفسنا ليستجيب القدر لتطلعاتنا ؟
متى سنتعقل لنفرق بين البشر من جهة والأفكار والعقائد والإيديولوجيات من جهة ثانية ؟
وليفهم القارئ أن هاته المغالطة الفكرية عتيقة ومتكررة، أود التذكير بقولة مشهورة لمحمد عبده : "ذهبت للغرب فوجدت إسلاما ولم أجد مسلمين، ولما عدت للشرق وجدت مسلمين ولم أجد إسلاما".
فهذا المفكر يقدم إذن مديحا للإسلام وينتقد معتنقيه فيمدح المسيحيين، أو الغربيين إن شئنا، دون أن يذكر المسيحية أو التخلص من قبضة الدين لدى الأوروبيين. مراوغة فكرية رائعة ووجيزة لا ينتبه لسحرها المفكرون العرب. وكأنما ليس للإسلام وحرمان المسلمين من انتقاده أي تأثير على معاملات المسلمين !
بات إذن من اللازم علينا تسمية الأشياء بأسمائها وأن نضحي بالعقائد والإيديولوجيات وأنماط التفكير وألا نمس أبدا بأعناق أو بكرامة إخواننا من البشر، خاصة منهم المعتنقين للإسلام. عندها سنؤسس لأخلاق تستحق أن نسميها أخلاقا. في انتظار ذلك يجب أن يعلم الجميع أن لا أخلاق لنا بل لنا محرمات تأسيسية تقيدت وتتقيد بها كل المجموعات البشرية، المتدينة منها وغير المتدينة، من أهل التوحيد ومن أهل الحرية والتعددية في الاعتقاد.
فكل دارس لعلم الإنسان يعرف أن تلك المحرمات تقيم طابوهات تدور كلها حول قضية القرابة والنسل : “من يتناكح مع من ؟”.
أما الدولة بالمعنى الحديث للكلمة فهي تلك التي تبدأ أولا بالتخلص من تحريم التناسل فيما بين الطوائف المختلفة عقائدها والقضاء على الطائفية الدينية داخل الأسر والعائلات.
أما ما يعتبره الإسلام غلطا كانتهاك للأخلاق الطيبة ليس أكثر من خجل مرضي أمام التعري وأمام جمال الأجساد. جمال رسمته ونحتته وصورته شعوب عديدة بكل براعة واعتبرته فنا بينما لم يتح الإسلام الفرصة لمعتنقيه كي يميزوا بين رسم ونحت للجمال من جهة وإبراز للعورات وتصوير للفحشاء من جهة ثانية. فالفرنسيون مثلا يفرقون بين العراء الجميل والعراء الفاحش (ٍٍbeau et porno) إذ يسمون عورة ما نسميه نحن الأعضاء التناسلية ومخرج البراز ولا يعتبرون باقي الأجساد كعورة.
إن المعضلة الفكرية العربية الإسلامية تتلخص إذن في قصة تمييز آدم للأسماء كلها كي يحرم توها من حقه في تمعن الأمور ومتابعة التمييز بقوة عقله وبالتالي مساءلة المعلم والمشرع والمميز الأول.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.