انخفاض غير مسبوق في معدلات الاعتقال الاحتياطي بالمغرب    "واتساب" يضيف ميزة إنشاء خلفيات بواسطة الذكاء الاصطناعي    المغرب يكثف جهود الإنذار والتوعية من مخاطر موجات الحر خلال صيف 2025    سلا.. إحباط محاولة لتهريب المخدرات وحجز أربعة أطنان و924 كيلوغراما من مخدر الشيرا    شهرزاد محمود الادريسي فنانة مغربية تسير على خطى الرواد    فوضى ''الدراجات النارية''.. تحد وعبء ثقيل على الشرطة والدرك بإقليم الجديدة    المغرب يجدد التزامه بنظام عالمي منصف للملكية الفكرية في اجتماع الويبو بجنيف    في بيان المؤتمر الإقليمي السابع لأكادير إداوتنان دعا إلى توحيد الصف واستنهاض كافة الطاقات من أجل استعادة الريادة تنظيميا وسياسيا بالإقليم    لوكا مودريتش يعزز صفوف ميلان الإيطالي    قطاع الإسمنت بالمغرب يسجّل أداء إيجابيا في النصف الأول من 2025    تشيلسي يختبر صلابة فلومينينسي في نصف نهائي كأس العالم للأندية    استمرار ‬ارتفاع ‬أسعار ‬الأسماك ‬والخضر ‬والفواكه ‬يزيد ‬من ‬إثقال ‬كاهل ‬المغاربة    نزار بركة يؤكد من العرائش: اهتمام خاص بقطاع الموانئ والنقل الجوي بجهة الشمال        المغرب ‬يواصل ‬تعزيز ‬صمود ‬المقدسيين ‬في ‬مواجهة ‬الاحتلال    توقعات احتياجات الخزينة تتراوح بين 12 و12,5 مليار درهم في يوليوز الجاري    عودة المياه بشكل طبيعي إلى إقامة النجاح بسلا بعد تدخل عاجل    جواد الزيات يعود لرئاسة الرجاء الرياضي لكرة القدم    عواصف وأمطار غزيرة تتسبب في فيضانات وانهيارات أرضية بعدة مناطق بإيطاليا    المغرب وألمانيا يبحثان الارتقاء بعلاقتهما إلى "شراكة استراتيجية"    مجلة أوليس الفرنسية: المغرب يجذب بشكل متزايد كبار المستثمرين    جمود في مفاوضات الدوحة بشأن وقف إطلاق النار في غزة    توقعات أحوال الطقس غدا الأربعاء    وفاة الطالبة آية بومزبرة يُخيم بالحزن على قلوب المغاربة        مبابي يسحب شكوى المضايقة الأخلاقية ضد سان جرمان        بايرن ميونخ على أعتاب توجيه ضربة لبرشلونة الإسباني في الميركاتو الصيفي    إلغاء مباراة المركز 3 بمونديال الأندية    "كان" السيدات.. المنتخب المغربي يختتم تحضيراته تأهبا لمواجهة الكونغو في ثاني الجولات    مقتل 5 جنود إسرائيليين بكمين لكتائب القسام في شمال قطاع غزة    شرطة السياحة بأكادير تؤكد قانونية تدخلاتها ضد الإرشاد العشوائي    أمريكا تلغي تصنيف هيئة تحرير الشام منظمة إرهابية أجنبية    بورصة البيضاء تبدأ التداول بالتراجع    بعودة حنان الابراهيمي.. سعيد الناصري يصور "تسخسيخة"    مؤسسة منتدى أصيلة تسدل الستار على الدورة الصيفية لموسم أصيلة الثقافي الدولي ال46 (صورة)    بتوجيه من نظام تبون.. مدرب الجزائر يُجبر على إخفاء اسم المغرب من شارة كأس إفريقيا    بنعلي: غياب تمثيلية الجالية غير مبرر    ممارسة الرياضة بانتظام تقلل الشعور بالاكتئاب والتوتر لدى الأطفال    حزب "فوكس" الإسباني يهاجم معرضًا مؤيدًا للبوليساريو: ترويج لعدو إرهابي قتل مئات الإسبان    أوزين: الصحة تنهار وشباب المغرب يفقد ثقته في الدولة    مهرجان ثويزا يشعل صيف طنجة بالفكر والفن والحوار    ارتفاع الفقر في فرنسا إلى مستويات غير مسبوقة منذ 30 عاما    التوقيع على مذكرة تفاهم بين المغرب والمنظمة العالمية للملكية الفكرية للحماية القانونية للتراث الثقافي المغربي    بلاغ إخباري حول تجديد مكتب جمعية دعم وحدة حماية الطفولة بالدارالبيضاء    حين تصعد وردية من رمادها وتمشي فوق الخشبة    لقاء تواصلي أم حفل فولكلوري؟    المنتدى العالمي الخامس للسوسيولوجيا بالرباط .. باحثون من أزيد من 100 بلد يناقشون «اللامساواة الاجتماعية والبيئية»    حق «الفيتو » الذي يراد به الباطل    دراسة ألمانية: فيروس التهاب الكبد "E" يهاجم الكلى ويقاوم العلاج التقليدي        التوصل إلى طريقة مبتكرة لعلاج الجيوب الأنفية دون الحاجة للأدوية    دراسة: ليس التدخين فقط.. تلوث الهواء قد يكون سببا في الإصابة بسرطان الرئة    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



استقلال المغرب
نشر في هسبريس يوم 18 - 11 - 2024

عيد الاستقلال فرصة جميلة للالتفات إلى الماضي، ليس لنصبح سجناء له، ولكن لأننا بلد عريق يحتل فيه التاريخ مكانة بارزة في فهم بنياته ومؤسساته السياسية والاجتماعية والتطورات التي مرت بها. ولأن حدث الاستقلال يحمل في طياته العديد من الدروس والأبعاد، يجدر بنا العودة إليه باستمرار.
فما هي أبرز الدروس المستفادة من حدث الاستقلال وما تلاه من تموجات طبعت الحياة السياسية بعده؟
أولها، الدور المحوري والبارز الذي لعبه السلطان محمد بن يوسف في قيادة الأمة نحو دحر الدولة الكولونيالية وإقناعها بأنه لا مستقبل لتواجدها، وأن لحظة الحرية آتية. رفض السلطان أن يساير الإقامة العامة في توجهاتها، وكان يعلم أن حياته وعرشه في خطر، لكنه اختار الانحياز إلى الشعب، وهي حالة فريدة في الأنظمة الوراثية آنذاك.
من المؤكد أن فهمًا عميقًا لمرحلة الحماية برمتها ولأسباب احتلال الإيالة الشريفة يمر عبر فهم الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية السابقة لسنة 1912. كان المغرب يموج، والضغط الاستعماري يتضاعف، والسلطة المركزية تئن تحت وطأة الفتن والصراعات والتمردات القبلية والحركات الاحتجاجية المطالبة بالحقوق. لم تفلح محاولات الإصلاح السياسي والدستوري والاقتصادي، ولا الوعي الديمقراطي الذي بدأ في التبلور، في تفادي القدر المحتوم الذي قاومه المغاربة لعقود طويلة.
شكل التحالف ما بين السلطان محمد الخامس والحركة الوطنية القاعدة القوية التي تمكن المغرب بفضلها من استعادة حريته وتمزيق معاهدة فاس. قاوم الشعب المغربي الحماية، وابتدع في سبيل ذلك العديد من الأشكال. ظلت الحركة الوطنية متشبثة بالعرش العلوي، ورفضت قيام الحماية بالاعتداء على العرش. وبعد إقدامها على نفي السلطان واستبداله بسلطان لا شرعية له، سُمِع نداء القاهرة في أرجاء المغرب، والذي ألقاه الزعيم علال الفاسي من إذاعة صوت العرب. كان التجاوب سريعًا، بعد أن اشتعلت مدن الرباط وفاس والدار البيضاء وسلا وغيرها من مدن وقرى المغرب.
طرحت العديد من الصيغ والمقترحات والحلول لحل "الأزمة المغربية"، كما سُميت آنذاك، غير أن الشعب المغربي والحركة الوطنية رفعا شعارها الخالد: "عودة السلطان إلى عرشه والاستقلال". وبعد مراوغات ومساومات، أذعنت فرنسا. كانت "مباحثات إكس ليبان" لحظة استماع إلى مختلف التعبيرات المجتمعية، بما فيها أولئك الذين تآمروا على السلطان الشرعي بزعم موالاته للأحزاب المتطرفة.
كان لهذا الموقف التاريخي للسلطان أثر بالغ في تجديد وتوطيد مشروعية الأسرة الحاكمة في المغرب، بل وفي إقامة مشروعيات جديدة لها، تتمثل في قيادة الأمة نحو الاستقلال. بالإضافة إلى المشروعية الدينية والتاريخية التي جرتها وراءها لقرون، ستنضاف إليها المشروعية الديمقراطية والتنموية.
رفض المغاربة الحماية الفرنسية وقاوموها. ويذكر التاريخ مقاومات مسلحة شهيرة في الجنوب وفي الأطلس والريف. فما أن اعتقدت الإقامة العامة أنها تمكنت من القضاء على المقاومات المسلحة في أنحاء المغرب، حتى وجدت نفسها في مواجهة حركة سياسية تزعمها الشباب المثقف وعلماء القرويين. كانت قراءة اللطيف أبلغ جواب على شعور المغاربة بأن فرنسا تستهدف الهوية المغربية.
بعدما أدركت الحركة الوطنية أن إصلاح نظام الحماية أمر مستحيل، وبعدما لم تعر الإقامة العامة أي اهتمام لمطالب الشعب المغربي، تيقنت الحركة الوطنية الناشئة أن الحل يكمن في استقلال البلاد وجلاء الاستعمار. كانت "وثيقة المطالبة بالاستقلال"، في المنطقة الخليفية كما في المنطقة السلطانية، إعلانًا عن أن التحالف ما بين السلطان والحركة الوطنية بلغ مرحلة جديدة.
كان رد الإقامة العامة عنيفًا ودمويًا، وكان تصاعد المد التحرري في العالم فرصة لقادة الحركة الوطنية ليسمعوا صوت المغرب في عواصم العالم، في نيويورك وباريس والقاهرة. كان هناك عمل كبير لفضح سياسة الإقامة العامة، والتأكيد على أنها أخلت ببنود معاهدة فاس.
رفض الشعب المغربي جميع الصيغ التي كانت الإقامة العامة تتداولها لحل المسألة المغربية. رفض فكرة مجلس الوصاية، ورفض فكرة سلطان ثالث، كما رفض بن عرفة الذي نصبته الحماية بالبنادق والدبابات. ظل الشعب متشبثًا بالسلطان الشرعي، أب الأمة وبطل التحرير محمد الخامس رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.
على امتداد المرحلة الممتدة ما بين نفي السلطان في 20 غشت 1953 وعودته في 16 نونبر 1955، تعرض الشعب المغربي ورموز الحركة الوطنية لشتى أنواع التنكيل والبطش والنفي والقتل، لكنهم لم يذعنوا. ظل لسانهم يلهج: "عودة السلطان واستقلال المغرب".
كشف الاستقبال الشعبي الجماهيري الكبير الذي نُظم للسلطان محمد الخامس والعائلة الملكية يوم الأربعاء 16 نونبر 1955 عن تجذر حب الشعب له وللأسرة الحاكمة. كانت تلك العودة تعني انتصارًا ساحقًا للسلطان وللحركة الوطنية التي ناصرته ورفضت أي بديل عنه.
بنفس القوة التي قاد بها السلطان محمد بن يوسف حركة الاستقلال، قاد معارك بناء الدولة الوطنية بعد الاستقلال. دون إغفال أن المغرب لم يكمل استقلاله سنة 1956.
مكنت الثورة المغربية التي أعقبت اعتداء الحماية على العرش من عودة السلطان الشرعي وإنهاء عهد الحجر والحماية. وكما قادت الملكية المغرب نحو الاستقلال، ستقوده بكل قوة بعد الاستقلال إلى التنمية وبناء المؤسسات الديمقراطية والدستورية.
مكن الالتحام الدائم ما بين العرش والشعب من التغلب على الصعاب ومن ربح العديد من التحديات. ولا شك أن المغرب سيربح جميع التحديات الراهنة عبر استلهام روح الاستقلال، وعبر ذلك الالتحام المتجدد بين العرش العلوي والأمة المغربية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.