تعيش طنجة على إيقاع نقاشات سرية في الصالونات المغلقة بشأن السياسة ومستقبلها في المدينة، حيث بدأت تظهر مبكرا معالم مواجهة انتخابية ساخنة في الانتخابات التشريعية المرتقبة العام المقبل. وتروج في الكواليس أنباء قوية عن إمكانية عودة أسماء سياسية وازنة إلى الساحة السياسية، لكن هذه المرة في لون سياسي جديد أو في الثوب الذي كان المعني اضطر لخلعه أو الابتعاد عنه بشكل مؤقت وظرفي. يبدو أن رياح التغيير باتت تهب وتهدد مختلف الأحزاب السياسية في عروس الشمال، خاصة القوية منها، التي تتصدر المشهد منذ انتخابات 2021، وفي مقدمتها حزب الاتحاد الدستوري، الذي بات مهددا بفقدان رمزه في المدينة محمد الزموري، المرجح أن يلتحق بحزب الحركة الشعبية في الاستحقاق الانتخابي، عقب الخلاف الذي نشب بينه وبين أمين عام "حزب الحصان" محمد جودار، ولم تنفع معه وساطات حتى الآن. في التجمع الوطني للأحرار لا يبدو الوضع أفضل من باقي الأحزاب السياسية، خاصة أن الاسم الأبرز في الحزب ومنسقه الإقليمي عمر مورو يشغل رئاسة جهة طنجةتطوانالحسيمة، ما يجعله خارج سباق الانتخابات التشريعية المقبلة؛ وعليه سيكون التنظيم مضطرا للبحث عن بروفايل جديد لترشيحه، خصوصا مع الحصيلة التي يصفها الكثير من أعضاء "الأحرار" ب"المتواضعة"، من طرف البرلماني الحالي حسين بن الطيب. وتفيد المعطيات التي تتوفر عليها الجريدة بأن الحزب دخل في سباق مع الزمن للبحث عن اسم وازن يمكن ترشيحه للانتخابات التشريعية المقبلة. ويتم الحديث عن عودة يوسف بنجلون إلى صفوف "الحمامة"، إلا أنه هو الآخر يبقى التحاقه غير ممكن قبل نهاية ولاية مجلس المستشارين المستمرة إلى غاية 2027. حزب الأصالة والمعاصرة يعاني بدوره من أجل إيجاد اسم قادر على المنافسة بقوة على مقعد في انتخابات 2026. ويجري الحديث عن إمكانية الدفع بالوزير يونس السكوري، ابن المدينة، في السباق الانتخابي، لتعزيز حظوظ التنظيم في الحفاظ على المقعد الذي حجزه في انتخابات 2021 الوجه الشاب عادل الدفوف. في بيت "الجرار" لا يوجد سيناريو واحد فقط، بل تروّج سيناريوهات عديدة، منها ما أسرّت به مصادر عليمة لهسبريس بشأن العودة المحتملة للقيادي السابق في الحزب ورئيس جماعة اكزناية أحمد الإدريسي، الذي بات يعد العدة من أجل العودة للساحة ويتوعد خصومه بالانتقام في الاستحقاقات المقبلة. غير أن الرجل القوي سابقا في "البام" لا يبدو حاسما في موقفه، إذ رجحت المصادر انتظاره إشارة واضحة لإعادة فتح الباب أمام عودته المحتملة للحزب في المرحلة المقبلة، فيما اعتبر البعض أن حالة الرجل الصحية لا تسعفه في العودة، ورجحت أنه يسعى إلى الدفع بابنه إلى معترك السياسة التي اكتوى بنار دسائسها. حزب الاستقلال يوجد بدوره في موقف معقد بعروس الشمال، خصوصا أمام المشاكل الكبيرة التي يتخبط فيها برلماني المدينة محمد لحمامي، إذ يدرس "الميزان" ترشيح اسم جديد لكنه متردد في ذلك بسبب عدم توفره على اسم قادر على ملء الفراغ الذي سيخلفه إبعاد رئيس مقاطعة بني مكادة في حال تم ذلك. محمد يحيا، الأكاديمي والأستاذ بجامعة عبد المالك السعدي، يرى أن التغييرات المنتظرة في الوجوه السياسية بمدينة طنجة في الانتخابات المقبلة من المواضيع التي تكتسي أهمية خاصة في هذه المحطة. وأضاف يحيا، في تصريح لهسبريس، أن "خطاب العرش الأخير، خاصة عندما أكد الملك أنه 'حان الوقت لإحداث نقلة حقيقية في التأهيل الشامل للمجالات الترابية وتدارك الفوارق الاجتماعية والمجالية'، يدعو إلى الانتقال من المقاربة التقليدية للتنمية الاجتماعية إلى مقاربة التنمية المجالية المندمجة". وأفاد المتحدث ذاته بأن "الهدف من هذه التنمية هو أن تشمل كل المواطنين في جميع المناطق والجهات دون تمييز أو إقصاء"، معتبرا أن "هذا الخطاب يمثل خارطة طريق ونظرة استباقية وتأطيرية للأحزاب السياسية في أفق إعادة النظر فيمن تقوم بترشيحه". وتابع الأكاديمي القاطن بمدينة طنجة بأن "التجربة الحالية التي بدأت في شتنبر 2021 تحتاج إلى تقييم"، وزاد: "جلالة الملك حينما تحدث عن إعادة النظر في القوانين الانتخابية فهذا معناه أن على الأحزاب السياسية أن تبذل مجهودات كبيرة في أفق ترشيح النخب التي باستطاعتها إعادة تأهيل الشأن العام المحلي الترابي، بما من شأنه إعادة تأهيل المجال من خلال إعطاء أولوية خاصة للتنمية البشرية، ثم كذلك للأوراش الكبرى، خصوصا أن للمغرب التزامات دولية، منها تنظيم نهائيات كأس العالم". كما أشار المتحدث إلى أن "الأحزاب السياسية أصبحت لها مسؤولية في ترشيح كفاءات ووجوه جديدة من شأنها أن تحدث تغييرات جوهرية على المستوى البرلماني أو تدبير الشأن المحلي"، ودعا إلى "استحضار أن الوطن لا يمكن أن يوفق ما لم يؤسس النجاحات الاقتصادية والاجتماعية على ما يحدث على المستوى المحلي، لأن إنجاح الوطني يمر بالضرورة عبر النجاحات على مستوى الجهات والعمالات والأقاليم". وشدد يحيا على أن "التجارب العالمية كلها أصبحت تعطي الأولوية للقاعدة، بمعنى أن الجماعات المحلية هي التي تؤسس للنجاح على المستوى الوطني"، مبرزا أن "خطاب الملك كان واضحا، وبالتالي على الأحزاب السياسية أن تعيد النظر في النخب التي ستقدمها في ترشيحاتها برسم الانتخابات المقبلة". وختم الأكاديمي ذاته: "لا بد أن تكون هناك جدية في التعامل لإحقاق التنمية وجعل المغرب من بين الدول الرائدة واستدراك الاختلالات الحاصلة؛ ولاسيما على المستوى المجالي على المديين المتوسط والبعيد".