يبدو واضحًا أن الاتفاق الذي وافقت عليه حماس هو أقرب إلى إعلان استسلام. وهذا طبيعي بالنظر إلى التكلفة الباهظة التي دفعها المواطن الغزي، ومن الأكيد أنه سيتكبدها إذا تمادت حماس في تجاهل المعطيات الجديدة، التي أفرزتها مغامرة "طوفان الأقصى"، على الأرض، التي غيرت بالكامل قواعد الاشتباك مع الجانب الإسرائيلي. كما أنها شكلت لحظة فارقة في الإطاحة بما كان يُسمى محور المقاومة الذي تلقى ضربة قاسية يستحيل معها إعادة ترميم أركانه على المدى القصير والمتوسط. الحسنة الوحيدة إذا ما أردنا الحديث عن حسنات لهذه الحرب الهمجية أنها قضت على التفوق الأخلاقي المزعوم لدولة إسرائيل، بما أنها خسرت كامل رصيدها من تعاطف الحكومات والشعوب الغربية التي كانت تعيش حالة من الابتزاز العاطفي اتجاه المأساة اليهودية متمثلة في المعتقلات النازية المقيتة (ليس لي أي عقدة في التعاطف مع مأساة اليهود الذين اضطهدهم النازيون)، واصطفاف العالم إلى الجانب الفلسطيني وتنديده بمأساته الراهنة، توج باعتراف تاريخي للدول الأوروبية الوازنة بالدولة الفلسطينية. نعود الآن إلى السؤال أعلاه. من الطبيعي أن يكون السؤال استنكاريًا، فمادام الاحتلال قائمًا فإن فعل المقاومة باقٍ لن يتوقف أبدًا. السؤال موجه إلى أحد خيارات المقاومة، أي خيار المقاومة المسلحة. بالنسبة لي الجواب سيكون بالإيجاب. وإذا كان بالإيجاب فما البديل؟ البديل هو المقاومة المدنية والسياسية. لكن كيف؟ السؤال مطروح بالأساس على العقل السياسي الفلسطيني، ولنا نحن داعمي حقوق الشعب الفلسطيني، بما أن القضية الفلسطينية تعد من القضايا المركزية المطروحة على الشعوب العربية والإسلامية ويمكن إضافة شعوب العالم التي عبرت بشكل لا لبس فيه أنها تناصر الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في الحرية والكرامة، بإقامة دولته المستقلة على كامل جغرافيا ما قبل 67 وعاصمتها القدس الشرقية. من الضروري في المرحلة القادمة أن يلتف الشعب الفلسطيني بجميع أطيافه حول السلطة الفلسطينية، وندع جانبًا كل المؤاخذات التي يمكن توجيهها للسلطة في ما يخص الشرعية الانتخابية، وقصور النجاعة التدبيرية وضعف الحكامة المؤسساتية، لأنها الممثل الوحيد والشرعي للشعب الفلسطيني المعترف به من طرف المنتظم الدولي. بطبيعة الحال لا يمكن أن يوقع الجميع شيكًا على بياض لصالح السلطة الفلسطينية، وإذا كانت هناك معارضة فلتكن من داخل المؤسسات الفلسطينية أو التنظيمات الأهلية والعشائرية، والدفع بالإصلاح من الداخل، واستخلاص العبر من تجربة حكم حماس لقطاع غزة. يجب أن تنتهي أوهام البعض، ومن يدعمهم من القوى الإقليمية، بالسعي لتقويض أركان السلطة الفلسطينية والحلول مكانها. بطبيعة الحال على السلطة الفلسطينية أن تباشر إصلاحات حقيقية على هياكلها وتسمح لجميع الأطياف بالمشاركة في إدارة الشأن المحلي، لكن تحت سقف واحد متمثل في الدولة الفلسطينية ومؤسساتها الدستورية وحصر السلاح بيد السلطة الفلسطينية. إن مساري التحرير والتحرر في الحالة الفلسطينية، من المؤمل أن يسيرا بشكل متواز، فلا يجب أن يشغلنا التحرر من الاحتلال الإسرائيلي، عن بناء ركائز الدولة الفلسطينية المدنية الديمقراطية التعددية وفي إطار اختيارات المواطن الفلسطيني، لكي لا نعيد استنساخ التجارب الفاشلة للدولة الوطنية في العالم العربي بعد الاستقلال.