حين يختار حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أن يجعل من الصعود عنوانا لمؤتمره الوطني، في لحظة وطنية مشحونة بالأسئلة والرهانات، واعدة بالآمال، ومفعمة بحاجة المغرب إلى فكر مسؤول ورؤية تقدمية متبصرة، فالأمر يتجاوز الشعار الظرفي أو الدعائي، ليصبح تعبيرا عن رؤية متكاملة لوطن يريد أن ينهض على ثلاث ركائز مترابطة: الاقتصاد، المجتمع، والمؤسسات.. مشروع نهوض وطني يستمد قوته من الإيمان بأن كل إصلاح اقتصادي لا معنى له إن لم يترجم إلى عدالة اجتماعية تقوم على مؤسسات قوية، شفافة، وديمقراطية، تترجم رؤية سياسية وفكرية عميقة، تستحضر مسار الوطن بكل تعقيداته، وتستشرف مستقبله بما يليق بتضحيات أجياله وطموحات شبابه.. في شقه الاقتصادي يشير الشعار إلى ضرورة تحرير الطاقات الإنتاجية وتوجيهها نحو تنمية مستدامة تخلق الثروة وتوزعها بعدل، وتدمج الشباب والنساء في دينامية النمو بدل أن تتركهم على هامشه، في صعود اقتصادي يتجاوز لغة الأرقام في تقارير مالية، إلى تحسن ملموس في حياة الناس.. اجتماعيا، يذكرنا الشعار بأن التنمية الحقيقية إنما هي في الإنسان، في كرامته، في قدرته على التعلم والعمل والإبداع، مجتمع صاعد هو مجتمع متماسك، متضامن، تحكمه قيم المواطنة والمساواة، ويعيد الاعتبار للفئات الهشة والمهمشة.. أما مؤسساتيا، فإن المغرب الصاعد لا يمكن أن يقوم إلا على دولة المؤسسات والقانون، دولة حديثة، قوية بشرعيتها الديمقراطية، قادرة على ضمان التوازن بين السلط، وصون الحريات، وربط المسؤولية بالمحاسبة.. فكل تقدم اقتصادي أو اجتماعي يبقى هشا إن لم تسنده مؤسسات صلبة تمثل إرادة الأمة.. إن الشعار في جوهره دعوة إلى بناء مغرب متكامل الأبعاد، يزاوج بين النجاعة الاقتصادية، والعدالة الاجتماعية، والصلابة المؤسساتية، وفق رؤية اشتراكية ديمقراطية تضع الإنسان في قلب كل مشروع.. بهذا المعنى، يتحول المؤتمر الوطني للحزب من محطة تنظيمية إلى لحظة فكرية وتعاقدية يجدد فيها الاتحاد الاشتراكي التزامه التاريخي بخدمة الوطن من موقع الفكر المسؤول والممارسة الديمقراطية. وإذا كانت الاحتجاجات الأخيرة التي عرفها المغرب قد عبرت بصوت مرتفع عن أزمة العدالة الاجتماعية وتحديات المعيشة وطلب الكرامة والمساواة، فإن الاتحاد الاشتراكي يرى في تلك المطالب صدى طبيعيا لتاريخه النضالي، وترجمة ميدانية لما ظل ينادي به منذ عقود: توزيع عادل للثروة، تعليم عمومي منصف، شغل كريم، ومؤسسات تصغي للمواطن وتحمي حقوقه.. فما يطالب به الشارع اليوم، هو ما كتبناه بالأمس في أدبياتنا، وما نناضل من أجله اليوم داخل المؤسسات، وما نعتبره جوهر مشروعنا الاشتراكي الديمقراطي. إننا في الاتحاد الاشتراكي نرى في تلك الأصوات نداء إضافيا لتجديد التعاقد الاجتماعي على أسس العدالة والتكافؤ، وهي نفس الدعوة التي يحملها شعار مؤتمرنا: مغرب صاعد لا يترك أحدا خلفه، مغرب يستجيب لمطالب شبابه ونسائه وطبقاته العاملة، مغرب يجعل من العدالة الاجتماعية رافعة للنهوض دون تأجيل أو مماطلة.. إن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وهو يفتتح مؤتمره الوطني، يجدد وفاءه لرسالته التاريخية في خدمة الوطن، ويؤكد أن رهانه اليوم هو مغرب الصعود الجماعي، مغرب يقوده العقل الإصلاحي والضمير الاجتماعي، مغرب ناهض بثرواته، عادل في توزيعها، ديمقراطي في تدبيرها. ذلك هو أفق شعارنا، وذلك هو جوهر رسالتنا الاتحادية المتجددة.