يظل انتقاء الأفلام في المهرجان الوطني للفيلم بالمغرب موضوع نقاش دائم، نظرا لرمزية هذا الحدث الذي يشكل واجهة للسينما الوطنية. غير أن ما يغيب عن الكثيرين هو أن هذه العملية تخضع لمساطر دقيقة تسهر عليها لجان مستقلة مكوّنة من مهنيين، دون تدخل أو وصاية من أي جهة. هذه الاستقلالية، رغم ما تثيره أحيانا من جدل، تظل ضمانة لشفافية الاختيار واحترام قواعد المنافسة الفنية. بالرجوع إلى منظومة الدعم السينمائي العمومي، يتضح أن المركز السينمائي المغربي يتحمل في المتوسط ثلثي ميزانية الفيلم، بينما تتحمل شركة الإنتاج الثلث المتبقي. ما يعني أن الفيلم، في جوهره، إنتاج عمومي تموله الدولة، فيما تتحول شركة الإنتاج إلى منتج منفذ باسم الدولة، وإلى منتج مساهم فقط بالنسبة للجزء الذي استثمرته. هذا النموذج، وإن كان يضمن إنجاز الأفلام واستمرارية الصناعة، يطرح في المقابل أسئلة حول حدود استقلالية المنتج وموقع الإبداع الفردي أمام ثقل التمويل العمومي. تجدر الإشارة إلى أن الحقوق الثقافية للأفلام تعود للمركز السينمائي المغربي بعد مرور سنتين من عرضها التجاري الأول، ما يعني أن الدولة لا تكتفي بتمويل الإنتاج، بل تصبح شريكا في الذاكرة السينمائية الوطنية، مالكة للحقوق ومتحكمة في مصير هذه الأعمال على المدى الطويل. هذا المعطى، على أهميته في صون التراث السمعي البصري، يدفع للتفكير في توازن جديد بين دعم الدولة وضمان حرية المنتجين في الاستغلال الدولي لأفلامهم. في تجارب مقارنة، تخصص بعض المهرجانات الدولية فقرة "بانوراما" لعرض الأفلام التي ترقى إلى المعايير الجمالية والتقنية المعترف بها، كواجهة إضافية لتكريم السينما بصفتها فنا راقيا، وليس ملاذا للأفلام غير المطابقة لمفهوم الفيلم السينمائي،كما تعلمنا من كبار المخرجين وفقهاء الصناعة الذين رسخوا القواعد عبر أعمالهم الخالدة. لا يمكن فصل قرارات لجان الانتقاء عن طبيعة الجمهور المستهدف. هناك المشاهد الخبير الذي يقيم العمل بمعايير دقيقة، والمشاهد الناقد الذي يوازن بين التحليل والذائقة، ثم المشاهد العامي الذي يستهلك الفيلم كمنتوج ترفيهي بالدرجة الأولى. كل فئة تؤثر بطريقتها في مسار الفيلم وتلقيه، غير أن لجنة التقييم مطالبة قبل كل شيء بالاحتكام إلى القواعد الفنية والقانونية، لا إلى الأذواق الفردية. في الاجتهادات القضائية المقارنة، اتجهت المحاكم إلى اعتبار أن قرارات لجان التقييم غير قابلة للطعن طالما لم تخالف القوانين نصا وروحا، ويصبح الطعن ممكنا فقط في حال خرق المساطر القانونية أو وجود تمييز صريح في المعاملة. هذا التوجه يعزز استقلالية اللجان، لكنه يضع عليها مسؤولية كبرى في احترام الشفافية وتكافؤ الفرص. اليوم، تحتاج السينما المغربية إلى نقاش وطني هادئ يعيد تعريف علاقة المنتج بالدولة، ويؤسس لرؤية تجعل من الدعم العمومي أداة للتحفيز لا للوصاية. كما أن المهرجان الوطني مدعو إلى حماية استقلالية لجانه وتعزيز مصداقية اختياراته، بما يجعل من انتقاء الأفلام خطوة تعكس ثقة في الفنان المغربي وفي تطلعات جمهوره.