يعيش العديد من مؤطري ومؤطرات محو الأمية بالمساجد وضعية استثنائية بسبب عدم توصلهم بتعويضاتهم المادية الهزيلة، ونتيجة "تماطل" الجهات المعنية في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في تسوية الملف الاجتماعي والإداري الذي يهم عددا من مؤطري محو الأمية بمساجد المملكة. ويتعلق الأمر خاصة بشباب حاملين لشهادات الإجازة الجامعية سبق لهم أن اجتازوا المراحل المطلوبة التي استوجبها العمل كمؤطرين لمحاربة الأمية في عدد من مساجد البلاد، وهي العملية الوطنية الطموحة التي انطلقت بعيد الخطاب الملكي في غشت 2000. وتحولت آمال المؤطرات والمؤطرين إلى خيبة أمل كبيرة بتوالي السنوات، بعد أن استفاد بعضهم من "اتفاق" مع وزارة الأوقاف، فيما ظل آخرون دون نظام يحدد عملهم ولا حقوق لهم، ينتظرون أن تنظر إليهم الوزارة بعين الإنصاف" تقول مؤطرة تعمل بأحد مساجد الرباط. وتابعت المؤطرة، التي فضلت عدم ذكر اسمها، بأنه بعد خضوع العديد من مؤطرات محو الأمية لدورات تكوينية في مجال محو الأمية وتعليم الكبار، انغمسوا بجد في العمل لإدراكهم بأن الدور المنوط يتعلق بورش اجتماعي وتنموي كبير، يهم إزالة غشاوة الجهل والأمية عند المغاربة. وأفادت مؤطرة أخرى بأحد مساجد ضواحي الرباط بأنها لم تتلق تعويضها المالي الهزيل، حوالي 900 درهما في الشهر، منذ حوالي أربعة أشهر، مثل عدد من المؤطرات الأخريات، دون أن يجدن تبريرا أو مسوغا لهذا الوضع المادي والاعتباري المقلق. وأضافت المتحدثة بأنها، مثل عدد من زميلاتها، تتنقل من بيتها في أحد الأحياء الشعبية بالرباط إلى المسجد الذي تعمل به مؤطرة، والذي يوجد في أطراف المدينة، يوميا في الحافلات للحضور في الوقت، وعدم خذلان السيدات اللائي يأتين للمسجد لمحاربة أميتهن في القراءة والكتابة والحساب، متجشمة عناء المصاريف التي تستوجب ذلك رغم انقطاع تعويضها الشهري. وطالب مؤطرات ومؤطرو محو الأمية بالمساجد، المتضررون من التماطل في صرف تعويضاتهم المالية الهزيلة منذ بضعة أشهر، أحمد التوفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، بالتدخل العاجل لحل مشكلتهم ومعاناتهم اليومية التي يقاسونها، متشبثين بقيام بمهامهم رغم كل الصعاب" وفق تعبيرهم. أداء الحقوق وتعليقا على هذا الموضوع، قال الدكتور محمد بولوز، الباحث في العلوم الشرعية وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، إن وظيفة محو الأمية وتعليم الناس الخير وظيفة جليلة وعظيمة، مضيفا أن "هؤلاء أحق بالتكريم وحفظ الحقوق، فإذا كان الإسلام يفرض احترام الأجير والموظف مهما كان شغله المشروع، فمن باب أولى أداء حقوق هذه الفئة ممن يساهمون في محو الأمية من النساء والرجال". وتابع الواعظ الديني بأن "المفروض في ديننا وقيمنا وحتى قيم وقوانين عقلاء البشرية أداء حقوق الأجير والموظف من طرف مشغله، سواء كان فردا أو شركة أو دولة، وعدم تحميله ما لا طاقة له به، وعدم ظلمه أو الاعتداء عليه وأداء حقوقه كاملة غير منقوصة". وسرد المتحدث بعض تلك الحقوق، ومنها "منح الأجير وقتا للراحة والصلاة، ومراعاة أحواله المرضية، وتوفير الظروف الملائمة لصحته أثناء الشغل، ومن ذلك إعطاؤه أجره كاملا بانتهاء العمل الموكول إليه، وعدم التماطل في ذلك. واستدل بالحديث النبوي الشريف "أعطوا الأجيرَ أجرَهُ قبلَ أن يجفَّ عرقُهُ". وشدد بولوز على أن "الساهرين على صرف أجور الموظفين والأجراء يجب أن يستحضروا مقدار المعاناة والمشقة التي يجدها من تأخرت عنه أجرته، ومدى ما يسببونه من ارتباك في حياة الآخرين". وتابع "وأما من بلغ به الأمر إلى حرمانهم من حقهم، فلينظر إلى من سيكون خصمه يوم لا ينفع مال ولا بنون"، مستدلا بالحديث "ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يوفه أجره".