بورصة البيضاء تبدأ التداولات بانخفاض    باريس.. قاعة "الأولمبيا" تحتضن أمسية فنية بهيجة احتفاء بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء    إصابة حكيمي تتحول إلى مفاجأة اقتصادية لباريس سان جيرمان    مكتب التكوين المهني يرد بقوة على السكوري ويحمله مسؤولية تأخر المنح    البرلمان يستدعي رئيس الحكومة لمساءلته حول حصيلة التنمية في الصحراء المغربية    وقفة احتجاجية في طنجة دعما لفلسطين وتنديدا بحصار غزة    لفتيت: لا توجد اختلالات تشوب توزيع الدقيق المدعم في زاكورة والعملية تتم تحت إشراف لجان محلية    انطلاق عملية بيع تذاكر مباراة المنتخب الوطني أمام منتخب أوغندا    الركراكي يستدعي أيت بودلال لتعزيز صفوف الأسود استعدادا لوديتي الموزمبيق وأوغندا..    الدكيك: المنتخب المغربي لكرة القدم داخل القاعة أدار أطوار المباراة أمام المنتخب السعودي على النحو المناسب    العالم يترقب "كوب 30" في البرازيل.. هل تنجح القدرة البشرية في إنقاذ الكوكب؟    كيوسك الإثنين | المغرب يجذب 42.5 مليار درهم استثمارا أجنبيا مباشرا في 9 أشهر    توقيف مروج للمخدرات بتارودانت    ساعة من ماركة باتيك فيليب تباع لقاء 17,6 مليون دولار    دراسة تُفنّد الربط بين "الباراسيتامول" أثناء الحمل والتوحد واضطرابات الانتباه    توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين بالمغرب    زايو على درب التنمية: لقاء تشاوري يضع أسس نموذج مندمج يستجيب لتطلعات الساكنة    العيون.. سفراء أفارقة معتمدون بالمغرب يشيدون بالرؤية الملكية في مجال التكوين المهني    احتجاجات حركة "جيل زد " والدور السياسي لفئة الشباب بالمغرب    حسناء أبوزيد تكتب: قضية الصحراء وفكرة بناء بيئة الحل من الداخل    مؤسسة طنجة الكبرى: معرض الطوابع البريدية يؤرخ لملحمة المسيرة الخضراء    هنا المغرب    وفد قضائي وطني رفيع يزور جماعة الطاح بطرفاية تخليداً للذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء واستحضاراً للموقع التاريخي للملك الراحل الحسن الثاني    لقاء الجيش و"الماص" ينتهي بالبياض    تراجع عجز السيولة البنكية إلى 142,1 مليار درهم    تتويج المغربي بنعيسى اليحياوي بجائزة في زيورخ تقديرا لالتزامه بتعزيز الحوار بين الثقافات    بنكيران: "البيجيدي" هو سبب خروج احتجاجات "جيل زد" ودعم الشباب للانتخابات كمستقلين "ريع ورشوة"    نبيل باها: عزيمة اللاعبين كانت مفتاح الفوز الكبير أمام كاليدونيا الجديدة    "أونسا" ترد على الإشاعات وتؤكد سلامة زيت الزيتون العائدة من بلجيكا    الدار البيضاء تحتفي بالإبداع الرقمي الفرنسي في الدورة 31 للمهرجان الدولي لفن الفيديو    ست ورشات مسرحية تبهج عشرات التلاميذ بمدارس عمالة المضيق وتصالحهم مع أبو الفنون    المنتخب المغربي الرديف ..توجيه الدعوة ل29 لاعبا للدخول في تجمع مغلق استعدادا لنهائيات كأس العرب (قطر 2025)    كرة القدم ..المباراة الودية بين المنتخب المغربي ونظيره الموزمبيقى تجرى بشبابيك مغلقة (اللجنة المنظمة )    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    أسيدون يوارى الثرى بالمقبرة اليهودية.. والعلم الفلسطيني يرافقه إلى القبر    بين ليلة وضحاها.. المغرب يوجه لأعدائه الضربة القاضية بلغة السلام    توقيف مسؤول بمجلس جهة فاس مكناس للتحقيق في قضية الاتجار الدولي بالمخدرات    حصيلة ضحايا غزة تبلغ 69176 قتيلا    مديرة مكتب التكوين المهني تشتكي عرقلة وزارة التشغيل لمشاريع مدن المهن والكفاءات التي أطلقها الملك محمد السادس    عمر هلال: اعتراف ترامب غيّر مسار قضية الصحراء، والمغرب يمد يده لمصالحة صادقة مع الجزائر    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    الكلمة التحليلية في زمن التوتر والاحتقان    الرئيس السوري أحمد الشرع يبدأ زيارة رسمية غير مسبوقة إلى الولايات المتحدة    مقتل ثلاثة أشخاص وجرح آخرين في غارات إسرائيلية على جنوب لبنان    "حماس" تعلن العثور على جثة غولدين    دراسة أمريكية: المعرفة عبر الذكاء الاصطناعي أقل عمقًا وأضعف تأثيرًا    فرنسا.. فتح تحقيق في تهديد إرهابي يشمل أحد المشاركين في هجمات باريس الدامية للعام 2015    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    مخاوف برلمانية من شيخوخة سكانية بعد تراجع معدل الخصوبة بالمغرب    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض إبداعات المواهب المحلية في برنامج "صُنع في قطر" من خلال عشر قصص آسرة    الداخلة ترسي دعائم قطب نموذجي في الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في الوضعية القانونية لمعتقلي تيندوف
نشر في هسبريس يوم 12 - 06 - 2014

من بين الإشكالات التي وجدت الدبلوماسيىة المغربية نفسها منصاعة إلى التعامل معها والتخبط في متهاتها، ملف ما يسمى باللاجئين في مخيمات تيندوف. وهو ملف استطاعت بموجبه الجزائر أن تمرر على المنظمات الدولية ذات الصلة مغالطات في ملف ذي بعد إنساني له من التداعيات السياسية ما قد يشوش على الطروحات المغربية، وذلك من خلال استدراج تلك المنظمات إلى التعامل مع واقع لا علاقة له بما يجري على الأرض. وإذ الأمر كذلك، كان على المغرب أن ينهج سياسة صارمة لا تسمح للخصم بهامش المناورة، وإبداء الحزم والمثابرة في الكشف عن زيف الجزائر ودحض إدعاءاتها بالارتكاز على الحجج والأدلة التي تجد لها سندا في المعايير والمرجعيات الدولية.
ومن خلال هذه الورقة، نتوخى الإسهام في ما يمكن أن يساعد على إعادة ترتيب أوراق الدبلوماسية المغربية على ضوء قراءة جديدة ذات مرتكزات قانونية وسياسية والاستعاضة عن النهج الحالي بمقاربة مغايرة في التعاطي مع هذا الملف، وبالتالي مواجهة الخصم ليس من منطلقات دفاعية وإنما باقتحام مربعه وبعثرة أوراقه. هذه المقاربة تستدعي معالجة الوضع من خلال المحاور التالية:
1 هل الصحراوي المعتقل في تيندوف تنطبق عليه صفة لا جئ؟:
بداية كل المرجعيات الدولية والإقليمية من مواثيق ومعاهدات وإعلانات وبيانات تجمع على وجوب توفر معايير في إطار تحديد من هو اللاجئ. والتعريف الذي يكاد أن يكون حوله الإجماع يقضي بأن اللاجئ هو "كل شخص أجبر على مغادرة موطنه لخشيته مما قد يتعرض له من اضطهاد لأسباب ترجع لدينه أو جنسه أو عرقه أو انتمائه لفئة اجتماعية أو لآرائه السياسية، ولا يستطيع أو لا يريد بسبب ذلك التخوف أن يستظل بحماية دولته". (الاتفاقية الدولية لوضع اللاجئين). وإجمالا، فإن كل المواثيق الدولية والإقليمية أوضحت بنسب متفاوتة وضعية اللاجئ في تعريفها، وهي:
فرار وهروب الأشخاص وبحثهم عن ملجئ أو مأوى بسبب حرب أهلية أو عدوان خارجي اضطرارهم إلى ترك دولتهم بالجنسية أو بالإقامة المعتادة بسبب خوف أو خطر مؤكد
شخص تنقصه الحماية الدولية وليس مجرد الحماية الدبلوماسية
الخوف من الاضطهاد بسبب العرق أو الجنس أو الدين أو الرأي
الفقر والمجاعات والأمراض والكوارث الطبيعية
فقدان الجنسية
وباعتمادنا على هذه المعايير التي وضعها المنتظم الدولي في تحديد المفاهيم وقياسها على وضعية ذلك الصحراوي المعتقل، فإننا نلاحظ بما لا يدع مجالا للشك بأن صفة اللاجئ لا تنطبق بتاتا على ساكنة مخيمات تيندوف، وذلك لعدة أسباب نوضحها كما يلي:
أ حينما استكمل المغرب وحدته الترابية عام 1975 فقد استكملها بالتفاوض وبموجب قرار من المحكمة الدولية، ودخل أقاليمه الصحراوية سلميا بمسيرة خضراء قوامها 350 ألف مدني وليس عسكري حاملين كتاب الله وليسوا مدججين بأسلحة، ومن دون حرب أو اقتتال قد يقال من شأن ذلك أنه قد أثار الرعب والخوف لدى ساكنة هذه الأقاليم وحملهم على النزوح الفردي أو الجماعي.
ب إن النزوح الذي طال بعضا من ساكنة هذه الأقاليم، وليس كلها، كان إجباريا فرضته عليهم بالتهديد فئة معارضة للنظام المغربي احتضنها النظام الجزائري، واقتاذت الناس بالقوة إلى خارج الحدود حيث كانت، وبتخطيط مسبق، المخيمات معدة لهم على الأراضي الجزائرية. فيما لم يكن هناك في الأقاليم الصحراوية ما يهدد على الإطلاق حياتهم أو ينغص عليهم عيشهم.
ج ما يجري بداخل مخيمات تيندوف لا يوحي على الإطلاق بوجود لاجئين. فهي مخيمات مغلقة تساوي أو تزيد في قساوتها عن "الغيتوهات" التي عرفتها جنوب إفريقيا في أوج عنصريتها ضد السود. إنها سجون أو معتقلات مطوقة بمرتزقة البوليساريو والجيش الجزائري. ولا يحق لأي كان من الموصوفين باللاجئين مغادرة المخيمات إلا باتجاه نقلهم إلى معسكرات التدريب في كوبا.
د اللاجئ له حقوقه، كما هو متعارف عليها دوليا، من أبرزها حرية التنقل. وهو الأمر الذي لا يتمتع به الصحراوي في معتقلات تيندوف. وإن سمح له بذلك فهو لا يتنقل إلا لأغراض أو مهام عسكرية أو دبلوماسية على شرط أن يظل ذووه كرهينة داخل المخيم لضمان عودته واتقاء أي نشاط مناوئ لطروحات البوليساريو والجزائر. ولنا في ذلك نموذج من التسلط والعقاب الذي ما فتئت الجزائر تمارسه ضد المعتقلين يتمثل في الحالة المعروفة بحالة مصطفى ولد سلمى، أحد القادة الأمنيين في البوليساريو،الذي منعته السلطات الجزائرية من العودة إلى أهله في إحدى مخيمات تيندوف بسبب تصريحاته المناوئة لطروحات البوليساريو التي ترعاها الجزائر. وهو ما يتنافى مع المادة 28 من النظام الأساسي للاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين والذي يعطي الحق لللاجئ بالسفر إلى خارج البلد الذي منحه صفة اللاجئ.
ه إن اللاجئ ليس له أي خيار في العودة إلى وطنه ما لم تسقط الأسباب الموجبة التي حملته على النزوح. والحالة التي نحن بصددها لا تشير أصلا إلى وجود تلك الأسباب الموجبة، بل بالعكس من ذلك، وعلى افتراض أنه لو سلمنا بوجود حالة لجوء في موضوع بحثنا، فإن المغرب سبق له أن أطلق نداءه المدوي تجاه من غرر بهم بأن الوطن غفور رحيم، وأن باب العودة مفتوح في وجههم. ولقد تأتى للعديد من قيادات البوليساريو أن عادوا إلى ذويهم فوجدوهم في رغد من العيش ، بل أكثر من ذلك أسندت إليهم مسؤوليات سواء على الصعيد المحلي أو على الصعيد الوطني للمساهمة في البناء والتشييد التي تعرفها الأقاليم الصحراوية منذ عودتها إلى الوطن الأم، على خلاف الإقصاء والاضطهاد والفقر المذقع والتصرف في المساعدات الانسانية بتحويلها إلى الأسواق الجزائرية بدلا من المخيمات وهو ما زاد من معاناة المعتقلين في تيندوف.
و المواثيق الدولية ذات الصلة باللجوء تشدد على أن كل طالب لحق اللجوء إذا ما ثبت ضلوعه في أي نشاط معاد للسلم والأمن الدوليين أو الٌليميين يحرم من هذه الصفة وتسقط عنه إذا ما كان حائزا عليها. وبالفعل أبانت الأحداث في منطقة الساحل تورط العديد من قيادات البوليساريو في عمليات إرهابية هزت استقرار المنطقة وأمنها الإقليمي واستهدفت الأجانب في إطار تنظيم إرهابي عرف باسم فصيل "قاعدة المفرب الإسلامي".
ز الزيارات المتبادلة عن طريق الجو بين الأهالي في مخيمات تيندوف وفي الأقاليم الصحراوية التي تشرف عليها المندوبية العليا لشؤون اللاجئين تؤكد أننا لسنا بصدد التعامل مع قضية اسمها اللاجئون. فالأصل في اللاجئ أنه لا يصل الرحم مع ذويه في بلده الأصلي الذي يدخله ويخرجه من دون إكراه أو مضايقة. فالصحراوي مرحب به في بلده المغرب حيثما شاء ومتى شاء. وهذا دليل آخر أن صفة اللاجئ التي يحاول النظام الجزائري إلصاقها بمعتقلي تيندوف يدحضها التعامل المغربي السلس والإنساني مع هؤلاء الضحايا.
2 المندوبية السامية للاجئين وإشكالية التعاون مع الجزائر:
ما تدعيه الجزائر من مقاربات ذات بعد إنساني أوحقوقي لا تعدو أن تكون سوى عملية در الرماد على العيون لإخفاء مآرب سياسية ودبلوماسية يراد بها تطويق المغرب وعزله والتشويش عليه في إنجاز مشروعه السياسي المقترن بمبادرة الحكم الذاتي لأقاليمه الصحراوية، وهو مشروع لقي استحسانا من المنتظم الدولي والعديد من الدول التي لها وزنها ولها باع طويل في مجال الإدارة اللامركزية .
ومن أجل ذلك، تقوم الجزائر وبشكل تعسفي وبتحايل من قبيل شراء الذمم، بتوظيف قضايا إنسانية من صلب اهتمامات وانشغالات الدبلوماسية العالمية في مواجهتها للمغرب. وهي قضايا ليس للجزائر فيها أي سبق على المغرب، بل إنها تشكل نقاطا سوداء في الحياة السياسية للجزائر سواء فيما يتعلق ببعدها الإنساني أو الحقوقي.
وإذ الخروقات على أشدها وأنواعها في المسرح السياسي الجزائري، فإن المشهد الشائك من هذا النوع يطرح على المندوبية السامية للاجئين جملة من العراقيل والتحديات في التعاطي مع ملف ما يسمى بلاجئي تيندوف.
فالجزائر التي تعد من بين الدول المتعاقدة في المنظومة الدولية للاجئين، يفترض بحكم ما ارتضته من التزامات في إطار الاتفاقية ذات الصلة، إبداء التعاون اللازم وتقديم كل التسهيلات الضرورية لتمكين المندوبية السامية من القيام بالمهام والمسؤوليات الجسام الموكولة إليها في الملف المتصل بمخيمات تيندوف. وفي هذا الصدد تنص المادة 35 من الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين المعتمدة من طرف مؤتمر الأمم المتحدة بشأن اللاجئين وعديمي الجنسية على أن "تتعهد الدول المتعاقدة بالتعاون مع مندوبية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في ممارسة وظائفها ، وتتعهد على وجه الخصوص بتسهيل مهمتها في الإشراف على تطبيق أحكام هذه الاتفاقية من اجل جعل المندوبية قادرة على تقديم تقارير إلى الهيئات المختصة في الأمم المتحدة، وبتزويدها من قبل الدول المتعاقدة بالمعلومات والبيانات الإحصائية..."
تلكؤ النظام الجزائري في تعاونه مع المندوبية الأممية أبانت عنه عدة مستندات دولية أفرزتها قرارات أممية على مستوى مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة. ومن أبرز Sهذه القرارات التي كشفت عن التملص الجزائري، تقرير مجلس الأمن رقم 75\2010\بتاريخ 6 أبريل 2010 ، وهو القرارالذي دعا إلى إيلاء مزيد من الاهتمام بإجراء إحصاء اللاجئين وتنفيذ برنامج المقابلات الشخصية. وقد عمل مجلس الأمن على تعزيز هذا التقرير بقرار جديد تحت رقم 1979 كلف بموجبه المندوبية السامية للأمم المتحدة القيام بإحصاء الساكنة المحتجزة في مخيمات تيندوف من أجل ضمان حماية دولية لها وتمكينها من التعبير عن إرادتها السياسية عن طريق إجراء مقابلات شخصية مباشرة.
كل هذه القرارات والتقارير الأممية ضربت الجزائر بها عرض الحائط، ولم تف بالتزاماتها سواء كدولة متعاقدة في إطار المنظومة القانونية للاجئين أو كدولة عضو في الأمم المتحدة. ولعل هذا السلوك الأرعن للجزائر قد يصنفها بالدولة المارقة التي ترى في نفسها أنها فوق القوانين الدولية وتتصرف في المسرح الدولي كما لو أنها "في غرداية" أو تيزي أوزو وغيرها من المحافظات التي كشفت عن ممارسات مشينة ومخلة بآدمية الإنسان وأبسط حقوقه المنصوص عليها في المواثيق الدولية.
ورفضها التجاوب مع القرارات والنداءات الأممية ، يشير إلى حقيقة واحدة وهي أن الجزائر تعلم جيدا أنه في حالة الامتثال إلى تلك القرارات فإنه سيتم الكشف عن الحقائق التي طالما تستر عليها القادة الجزائريون. وما دعا إليه مجلس الأمن الدولي من إحصاء لاجئي مخيمات تيندوف فهو عمل أولي كان على المندوبية السامية للاجئين أن تقوم به مع بداية طرح المشكل من أجل حصر عدد الساكنة والبناء على ذلك لتحديد الحاجيات وطبيعة المساعدات.
ولعل ذلك لا يروق الجزائر و لايخدم المصالح التي تريد أن تصل إليها من استخدامها لورقة اللاجئين. والأخطر بالنسبة للجزائر في ذلك الإحصاء إجراء المقابلات الشخصية مع ساكنة المخيمات والتي أكد مجلس الأمن على ضرورة القيام بها من طرف المندوبية السامية للاجئين. وما دامت سياسة الجزائر قائمة على التمويه والزيف، فإن كل آلية أممية تشدد على التعامل المباشر مع تلك الساكنة لن تر النور من منظور السياسة الجزائرية. وهي بذلك تخشى من أن تكون تلك المقابلات المباشرة فرصة لمعتقلي تلك المخيمات كي يعبروا من دون أية وصاية أو هاجس أو تهديد للموظفين الأمميين عن حقيقة معاناتهم، الأمر الذي قد يساعد المنتظم الدولي على الوقوف على حقائق الوضع كما هي، لا كما يريد النظام الجزائري أن يوهم بها العالم الخارجي.
وإذ الأمر على ما هو عليه من رعونة وتلكؤ واستهتار بالإرادة الدولية، فإنه بات من أوجب واجبات الدبلوماسية المغربية إطلاق حملة واسعة النطاق بتوظيف الانجازات المغربية في مجال حقوق الإنسان من داخل المنظمات الدولية ذات الصلة بهذا الموضوع على مدار كل ساعة وكل يوم وكل شهر ضد سياسة الجزائر من جهة، ومن جهة أخرى التشهير بنوايا النظام الجزائري ومخططاته المناوئة ونقاط ضعفه في المجال الحقوقي من تجاوزات وانتهاكات. فدبلوماسية المواسم ودبلوماسية ردود الفعل لم يعد لها مكان في مواجهة خصم يتربص بك في كل آونة وأخرى. فالمعركة طويلة والنفس ينبغي أن يكون أطول وأن يتجاوز المجالات التي تختارها الجزائر كساحة للمواجهة.
3 البعد الحقوقي: رهان معركة حقيقية بين المغرب والجزائر:
التفاوت الحاصل بين المغرب والجزائر على مستوى الانجازات في مجال حقوق الإنسان يمكن اختزاله في ضوابط معيارية مع أول تقييم موضوعي بين دولة الحق والقانون والمتمثلة في المغرب، وبين دولة الثكنات العسكرية والجنرالات التي تأسر البلاد والعباد.
الأشواط التي قطعها المغرب في مجال حقوق الإنسان تجعل منه نموذجا يحتدى به في العوالم الإسلامية والإفريقية والأسيوية . ورصيده في هذا المجال تراكم بفعل إنجازات متتالية عبر عقود خلت بدءا من تسعينيات القرن الماضي. وهو بذلك يوجه بوصلته صوب أعرق الدول الديمقراطية كي يحدو حدوها، ويرى في نفسه أكبر من أن يقارن بدولة يتحكم فيها العسكر ويمسك برقاب المدنيين.
فإذا كان المغرب قد دخل في خانة الدول التي تعمل جاهدة في تطوير المنظومة الحقوقية بشهادة العديد من الجهات الدولية والإقليمية، سواء على مستوى الترسانة القانونية والتشريع الداخلي ورفع التحفظات المغربية على العديد من المعاهدات الأممية ذات الصلة بحقوق الإنسان، وعلى الأخص النهوض بوضعية المرأة، أو على مستوى المؤسساتي من خلال إنشاء مجالس حقوقية ولجان الإنصاف وإعادة الاعتبار إلى الإنسان، فإن المشهد السياسي الجزائري على العكس من ذلك يعج بسلسلة من التجاوزات والخروقات والتضييق على الحريات وكبتها وتشويه إرادة الشعب الجزائري الشقيق.
سيناريو تزوير الانتخابات والقفز على إرادة هذا الشعب ظلت آفة سياسية تلاحق المشهد الجزائري من بداية الاستقلال حيث بقي البلد رهينة الحزب الواحد إلى أواخر الثمانينيات التي شهدت انتفاضة شعب على الظلم والاستبداد وفتح المجال للتعددية الحزبية لكن سرعان ما تم الإجهاز عليها في انتخابات عام 1988 عندما أطيح بالشرعية التي أتت بها صناديق الاقتراع إلى يومنا هذا الذي تمكن فيه مقعد لا يفارق كرسيه المتحرك ولا يقوى على التحدث من أن يفوز في ولاية رابعة بكرسي الرئاسة من دون حملة انتخابية ولا حضور مراقبين محايدين، ولا أن يتجرأ في ان يطالع الشعب الجزائري بمحياه الذي لا لون له.
وعلى النقيض من ذلك، فإن الانتخابات التي شهدها المغرب عام 2011، وباعتراف المراقبين الدوليين الذين عاينوا مسار العملية عن كثب، كانت استحقاقا وضع الفارق بين دولة تحترم خيارات الشعب مهما كانت النخبة التي أفرزتها صناديق الاقتراع من إسلاميين وغيرهم، وبين دولة تعبث بإرادة شعب وترفع في المحافل الدولية أكذوبة تقرير مصير الشعوب، وهو شعار ليس معمولا لمقاس الجزائريين فهم آخر من قد يمسكون مصيرهم بأيديهم.
وإذا كان النظام الجزائري لا يومن بهذا المبدإ و يحرم شعبه من حق التمتع به، فكيف يمكن للمنتظم الدولي أن يثق في صدق النوايا الجزائرية بخصوص مزاعمها في تقرير المصير لما تسميه بالشعب الصحراوي. فنظام كنظام الجزائر يرفع مثل هذه الشعارات ليس همه في ذلك سوى المزايدة على المغرب بنية خلق متاعب له في المحافل الدولية. وإن كانت الجزائر تراعي بالفعل هذا المبدإ، فإنها قد وضعت في أول اختبار للنوايا وفشلت في الامتحان أمام الموقف الذي أعرب عنه مصطفى ولد سلمى و اختار مصيره ومصير عائلته بعيدا عن الهيمنة الجزائرية، وحالة ولد سلمى ليست حالة معزولة فهناك العديد من الحالات المشابهة التي أقبرت في مهدها تشهد عنها الحركات الاحتجاجية التي يتستر عليها النظام الجزائري ويحيطها بسياج من حديد يحول دون وصول الخبراء الأمميين إليها. وبالتأكيد إرادة الفرد من إرادة الجماعة ومن لم يحترمها فهو ينزع عن الشعوب الحق في اختياراتها وتقرير مصيرها.
واعتبارا لكل ما تقدم في المحاور الثلاث التي تناولتها هذه الورقة، ينبغي على الدبلوماسية المغربية كي تكون فاعلة وذات مردودية أن تتحلى أولا بالجرأة والتخلص من مشاعر التردد، وثانيا الاجتهاد والبحث والتنقيب في مرابط دبلوماسية الخصم، وثالثا تكريس مبدإ انفتاح الإدارة المركزية على البعثات الدبلوماسية المغربية وتداول المعلومة على مستوى رؤسائها، رابعا مساءلة رؤساء تلك البعثات بحصيلة دورية فيما يخص قضيتنا الوطنية، خامسا تحيين المعطيات بواسطة خلية وطنية دائمة على مستوى كافة المتدخلين لرصد كل ما له صلة بالقضية وبتحركات المناوئين لها. فالقضية قضية أمة قالها وكررها ملك البلاد، فهل من مجيب؟
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.