لا أظن أن اختيار مصطلح " التويزة" كإسم لمهرجان الأمازيغية بهولندا في يونيو الجاري كان اعتباطيا..لأنه أصلا مصطلح أمازيغي (ويز ) ويعني كل صورالتعاون والتضامن الاجتماعي يهدف الى انجاز عمل اجتماعي معين.. ومن هنا فقد انتشر وسط القبائل الأمازيغية ( الريف مثلا) واتخد عدة صورمن الحياة كجني الزيتون أو بناء مسجد أو الحصاد أو الزفاف... ولم يكن اعتباطيا اختيار هولندا أيضا حيث توجد نسبة عالية من مغاربة العالم من أصول أمازيغية..ولم يكن اعتباطيا التوقيث كذلك,في ظل ظروف دولية وسياسية وثورة رقمية.. فقيام مجلس الجالية بتنظيم مهرجان "التويزة " والخاص بالثقافة الأمازيغية لم يكن بالشيء المجاني.. بل يدخل في صُلب اختصاصاته الدستورية ..أولا لأن دستور 2011 في الفصل 5 رفع اللغة الأمازيغية الى لغة رسمية الى جانب العربية بل جعلها رصيدا مُشتركا لكل المغاربة وبدون استثناء...كما أن الفصل 163 جعل من اهتمامات المجلس "...تأمين الحفاظ على علاقات متينة مع هويتهم المغربية..." وبالتالي فمهرجان هولندا يحمل هاجس الهوية ورسالة الى شباب الجيل الثاني والثالث وتذكيره بثقافة وقيم التضامن كمُكون مُهم للموروث الثقافي الحضاري المغربي..حيث التعدد والتنوع والذي برز في الشق الفني للمهرجان حيث شارك فنانين..أمازيغ..شعبي..وصحراوي..ولعل حضور 12 ألف مُشارك هو حقيقة نجاح وليس إدعاء... لكن الأجمل هو الدقة في اختيار مواضيع للنقاش العمومي المفتوح كندوة "السياسات العمومية للهجرة" حيث دُعيت حساسيات حزبية مختلفة تمثل الأغلبية والمعارضة اتفقت كلها بداية على أن اشكالية الهجرة يجب أن تبقى بعيدة عن كل مُزايدة أو تصفية حسابات سياسية..إلا أن مناقشتهم طغت عليها مواقف اديولوجية وأيضا البُعد أو القُرب من موقع المسؤولية والقرار..الشباب الحاضر للندوة حمل أسئلة حارقة وانتظارات وقلق جيل كامل من الأداء الحكومي..حيث شكلت المشاركة السياسية حصة الأسد من النقاش..فبالاظافة الى تذكير المتدخلين بمقترحات قوانين فقد ركز البعض على مسألة حق التصويت للجاليات المقيمة بالمغرب حتى نصل للمعاملة بالمثل..(الفصل 30) وكم وددنا صراحة رؤية وُجوه مافتئت تُنادي بالمشاركة السياسية كحل لكل مُعْضلات الهجرة..كُنا نريدها هناك في هولندا لتصرخ في وجه السياسيين بأن المشاركة هي ثابت دستوري.. وتُدلي بالحجج وتُقنع المُترددين خاصة في ظل حضور وُجوه حزبية مختلفة وفضاء للنقاش الديمقراطي المفتوح..وغيابها عن الموعد هو دليل عن ضُعف حجتها وأنها احترفت المُنولُوغ ..و"حكاوي القهاوي.." نهمس للمُنظمين على أهمية دعوة الصديقي وزير الشغل من خلال علاقته بمؤسسة الضمان الاجتماعي المغربي مما يُحيل على مشكل أرامل هولندا مع الصندوق الاجتماعي الهولندي حيث كانت مناسبة للتذكير بمحنة الأرامل وأيضا جهود الحكومة وأيضا توقيع 200 برلماني لعريضة... إلا أن ندوة "الأمازيغية.." كانت الأقوى بحيث شكلت وبكل صدق فضاءا للحوار الديمقراطي مع بعض الانزلاقات والتي يمكن غظ الطرف عنها بدعوى حماسة الشباب أو لغياب الكثير من الحقائق والمصادر التاريخية الخاصة بحرب الريف مثلا وبهذا تحطم طابُو هذه الحقيقة التاريخية وأن النقاش مُمكن بين شباب من الجيل الثاني والثالث و المُنحذر من المنطقة من جهة وأكاديميون ومؤرخون من جهة ثانية..حيث ذكرعبد الله ساعف أن بناء الديمقراطية هو صيرورة صعبة ومعقدة وطويلة.. أما الدكتور عبد الله بوصوف أمين مجلس الجالية فقد كانت طريقته في الرد بتقاسيم وجه كُلها جدية والتخاطب باللغة الأمازيغية هي في "حده الحد بين الجد واللعب..." في موضوع الهوية باعتبارها مشكل عالمي أدى الى تفجير الهويات..وهو هم وهاجس شكل حيزا كبيرا في تدخلاته حتى في موضوع ندوة الرباط " تصور الاسلام في الاعلام الأوروبي " في ماي 2014 وتذكيره بخطر التطرف والقتال في مناطق ساخنة باسم الجهاد.. تلك الجدية والاحساس بخطورة اللحظة التاريخية بالغ بعض المتسولين الجمعويين والمراهقين السياسيين في توصيفها و كشروا عن أنياب ورقية وزاغوا عن جادة الموضوعية في ظل ثورة رقمية تُتيح للجميع الاطلاع على كل أشغال المهرجان والوقوف على تضخم "الأنا" عند فئة احترفت تسول المواقف...مُتناسين إطلاعه على العديد من الملفات بحكم مناصبه السابقة بأروبا..في حين ذكر أكثر من مرة أنه في تلك الندوة بمعطف الأكاديمي والمؤرخ أي الحجة بالحجة العلمية..وضرورة احترام الآخر رغم الاختلاف في الآراء.. ندوات مهرجان التويزة وقفت على غياب المُواكبة والمُصاحبة في البرامج الحكومية الخاصة بتأطير الشأن الديني رغم تخصيص ميزانية 120 مليون درهم..فالنتيجة هي وجود 30 الف مغربي مُتشيع ببلجيكا و ذهاب شباب مغاربة العالم للقتال بإسم الجهاد... أهمية ندوة الأمازيغية أنها كانت مناسبة للشباب بالبوح بكل شيء ومناسبة للأكاديميين للإنصات لكل شيء..كانت بالفعل فضاءا لتفريغ "كُبث معرفي.." تنقصه معلومات دقيقة ومصادر علمية موثوقة..حيث وقف الجميع على ضرورة تقوية المحافظة على روابط الهوية كما تقول المادة 16 من الدستور..فالإيمان بأن التنوع والتعدد الثقافي هو قاطرة الأمان للشباب المهاجر ودون الإنغلاق والانزلاق في اتجاهات متطرفة قد تقوده الى إرتكاب أفعال " بوكو حرام.." توفقت " التويزا" بهولندا في مناقشة ثُنائيات المتناقضات الى حد كبير,أي الانفتاح ضد الإنغلاق والتعدد والتنوع ضد التطرف والنقاش الأكاديمي ضد النقاش الشعبوي السياسوي..والاختلاف ضد الخلاف..والصراحة ضد الوقاحة..والحقيقة التاريخية ضد المحاكمة الشعبية.. الأكيد أن النسخة الثانية لمهرجان "التويزا" بهولندا في السنة المقبلة نريدها أكثر جُرأة وأكثر تميُزا من حيث مواضيع النقاش الأكاديمي العمومي أو من حيث عيار الحضور..وفي الأخير أذكر أنني أمازيغي مغربي أوروبي وبالتالي فموضوع اللغة الأمازيغية في مهرجان "التويزا" يهمني كمُشترك لجميع المغاربة وبدون استثناء بإسم دستور 2011.. *التجمع الديمقراطي للجمعيات المغربية بايطاليا