أخنوش من اختتام مسارات الإنجازات بطنجة: علاقتنا بالمواطن تعاقد أخلاقي وليست حملة موسمية        الدرهم في ارتفاع أمام اليورو والدولار    إحداث مكاتب قضائية بالملاعب المحتضنة لكأس إفريقيا    بوريطة ولقجع وموتسيبي يفتتحون منطقة المشجعين بالرباط    الجيش ينشئ 3 مستشفيات ميدانية    صحيفة تركية تصفع النظام الجزائري: القبائل لم تكن تاريخيا جزائرية    بابا الفاتيكان يستشير "كرادلة العالم"    حكيمي يطمئن الجماهير المغربية    الركراكي يدعو الجماهير لصنع الفارق: "بغيت المدرجات تهدر"    سهرة في الرباط قبيل افتتاح "الكان"    كأس إفريقيا .. مطارات المغرب تحطم أرقاما قياسية في أعداد الوافدين        القوات المسلحة الملكية تنشئ ثلاث مستشفيات ميدانية    القوات المسلحة الملكية تقيم مستشفيات ميدانية في أزيلال والحوز وميدلت    "جبهة دعم فلسطين" تدعو إلى التظاهر تزامنًا مع الذكرى الخامسة لتوقيع اتفاقية التطبيع    مهرجان ربيع وزان السينمائي الدولي في دورته الثانية يشرع في تلقي الأفلام    نشرة إنذارية.. تساقطات ثلجية وأمطار قوية أحيانا رعدية وطقس بارد من اليوم السبت إلى الاثنين المقبل    تساقطات ثلجية وأمطار قوية بعدد من مناطق المملكة    برقية تهنئة من جلالة الملك إلى أمير الكويت    روبيو: هيئات الحكم الجديدة في غزة ستشكل قريبا وستتبعها قوة دولية    بعد مرور 5 سنوات على اتفاقية التطبيع..دعوات متواصلة لمقاطعة أي تعاون ثقافي مع الكيان الصهيوني    الملك محمد السادس يهنئ أمير الكويت    مطالب بتخفيض عمل أساتذة التعليم الابتدائي إلى 18 ساعة أسبوعيا    إيداع نزهة مجدي سجن العرجات بسلا    منيب تتقدم بمقترح للعفو العام عن المعتقلين على خلفية حراك "جيل زيد"    البنك الدولي يوافق على منح المغرب أربعة ملايين دولار لتعزيز الصمود المناخي    الفنانة سمية الألفي تغادر دنيا الناس    المنتخب الوطني يواصل تحضيراته لكأس إفريقيا للأمم    ناسا تفقد الاتصال بمركبة مافن المدارية حول المريخ    بريد المغرب يصدر طابعاً بريدياً تذكارياً احتفاء بمئوية مهنة التوثيق بالمغرب    ترامب يعلن شن "ضربة انتقامية" ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا    وفاة الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    كأس السوبر الإيطالية: بولونيا يضرب موعدا مع نابولي في النهائي بعد فوزه على إنتر    انخفاض في درجات الحرارة وبحر هائج.. تفاصيل طقس السبت بالمغرب    احتراق عدد من السيارات في محيط ملعب طنجة (فيديو)    إنذار جوي يدفع تطوان إلى استنفار شامل    فتح الله ولعلو يوقّع بطنجة كتابه «زمن مغربي.. مذكرات وقراءات»    تنظيم الدورة السابعة عشر من المهرجان الوطني لفيلم الهواة بسطات    الشجرة المباركة تخفف وطأة البطالة على المغاربة    هاتوا الكأس للمغرب    الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والدولة الاجتماعية    هل تنجح فرنسا في تقنين وصول القاصرين إلى شبكات التواصل الاجتماعي؟    في أداء مالي غير مسبوق.. المحافظة العقارية تضخ 7.5 مليارات درهم لفائدة خزينة الدولة    وجدة .. انخفاض الرقم الاستدلالي للأثمان عند الاستهلاك    العاصمة الألمانية تسجل أول إصابة بجدري القردة    كالحوت لا يجتمعون إلا في طاجين !    البورصة تبدأ التداولات على وقع الأخضر    هياكل علمية جديدة بأكاديمية المملكة    السعودية تمنع التصوير داخل الحرمين خلال الحج    من هم "الحشاشون" وما صحة الروايات التاريخية عنهم؟    منظمة الصحة العالمية تدق ناقوس انتشار سريع لسلالة جديدة من الإنفلونزا    7 طرق كي لا يتحوّل تدريس الأطفال إلى حرب يومية    سلالة إنفلونزا جديدة تجتاح نصف الكرة الشمالي... ومنظمة الصحة العالمية تطلق ناقوس الخطر    التحكم في السكر يقلل خطر الوفاة القلبية    استمرار إغلاق مسجد الحسن الثاني بالجديدة بقرار من المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية وسط دعوات الساكنة عامل الإقليم للتدخل    سوريا الكبرى أم إسرائيل الكبرى؟    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ﭐلِﭑقْتصاد ﭐللُّغوِيّ
نشر في هسبريس يوم 06 - 05 - 2015

«تعريفُ المَقْبُوليّة [اللُّغويّة] ليس [مُعْطًى] في المَقام، بل هو قائمٌ في العَلَاقة بين سُوقٍ ومَلَكةٍ [لُغويّةٍ] هي نفسُها نِتاجُ كُلِّ تاريخِ العَلاقة مع أَسواقٍ ما. ذلك بأنّ المَلَكةَ [ﭐللُّغويّةَ] ليستْ أَقلَّ ﭐرتباطًا بالسُّوق لا من جهة شُروط ﭐكتسابها ولا من جهة شُروط ﭐستعمالها. إذْ لَمْ نَتعلَّمْ أنْ نَتكلّم فقط ونحن نَسمع كيف يُتكلَّم بطريقةٍ مُعيَّنةٍ في الكلام، بل أيضا [تَعَلَّمنا الكلامَ] ونحن نَتكلّم؛ أَيْ إِذًا بعَرْضِ طريقةٍ مُحدَّدةٍ للكلام في سُوق مُعيَّنةٍ، أَيْ في التّبادُلات ضمن أُسْرةٍ تَشْغَلُ وَضْعًا خاصًّا في الفضاء الاجتماعيّ وتَعْرِضُ، من ثَمّ، على المُحاكاة العَمليّة للنّاشئ الجديد نَماذجَ وجَزاءاتٍ بعيدةً بهذا القدر أو ذاك عن الاستعمال المشروع. ولقد تَعلَّمْنا [كذلك] القيمةَ التي تَحْظَى بها في أَسواق أُخرى (مثل سُوق المدرسة) المُنْتَجاتُ المعروضةُ، مع كُلِّ السُّلْطة المُتعلِّقة بها، في السُّوق الأَصْليّة. وهكذا، فإنّ نسقَ التّعْزيزات أو التّكْذيبات المُتعاقبة قد أَنْشأَ في كُلٍّ منّا نوعًا من الحِسّ المُرتبط بالقيمة الاجتماعيّة للاستعمالات اللُّغويّة وبالعَلاقة بين الاستعمالات المُتباينة والأسواق المُختلفة التي تُنظِّم كل الإدراكات اللّاحقة حول المُنْتَجات اللُّغويّة، وهو الأمر الذي يَنْزِع إلى أن يَضمن له ﭐستقرارًا كبيرًا جدًّا.» (ﭙيير بُورديو، ما معنى أن تَتكلّم: ﭐقتصاد التّبادُلات اللُّغويّة، 1982، ص. 83)
لعلّ أَفضلَ تعريفٍ يُمْكنُ أن يُعطَى ل«ﭐللُّغة» هو وصفُها بأَنّها «ﭐقْتصادٌ». ذلك بأَنّها تُمثِّلُ - بما هي إنتاجٌ وﭐستهلاكٌ لقيمٍ ﭐستعماليّة وتبادُليّة- نسقًا ﭐقتصاديًّا بﭑمْتيازٍ. ويَتجلّى هذا «الطّابعُ الاقتصاديّ» المُميِّزُ ل«ﭐللُّغة» في كُلِّ مُستوَياتها (صوتيّا/صرفيّا وتركيبيّا ودلاليّا وتداوُليّا). وقد يكفي، بهذا الصّدد، أن يُشار إلى «الألفباء» وقابليّة عناصره القَلِيلة للائتلاف فيما بينها لتَكْوين ما لا نهاية له من "الكلمات" و"الصُّرَيْفات"، وإلى تَعدُّد معاني اللّفظ الواحد، وإلى "الحَذْف" و"الإضْمار"، وإلى كون الأقوال والجُمل تَقْبلُ أن تُستعمَل لأداءِ ما لا نهايةَ له من المَعاني حسب ﭐختلاف القرائن الحاليّة والمَقامات السِّياقيّة. فالإنسان لا يَستعمل «اللُّغة» بالاقتصاد في الجُهد فقط (النُّفُور من المُسْتَثْقل وتفضيل الأَخَفّ، الميل إلى "الإدْغام" و"الإبْدال" و"التّرْخيم" و"التَّسْهيل"، قَبُول السّمَاع المُخالف للقياس)، بل يَستعملُها مُقْتصِدًا بمُقتضى ما يُناسب أَغْراضَه في "التّدْليل" و"التّوْجيه" وما يُراعي أَحوالَ مُخاطَبه في تَلقِّي "التّبْليغ" (بإحْكام الأساليب البيانيّة والآليّات البلاغيّة التي تَتحوّل «ﭐللُّغة» بمُوجَبها إلى «نَسقٍ من ﭐلْحِيَل» لتعاطي أحد أَشَدّ وأَعْقد أشكال «ﭐلسِّحْر ﭐلاجتماعيّ»).
وإذَا ظَهَر أنّ "اللُّغة" تشتغل كنسق ﭐقتصاديِّ، فإنّ تحدُّدَها في ذاتها ك«بِنْيةٍ رمزيّةٍ» يقتضي أنّها – فضلا عن كونها، كما يُقال عادةً، وسيلةً للتّواصُل والتّبْليغ بين المُتكلِّمين/المُتخاطِبين- تشتغل بالأساس بصفتها «بِنْيةً صُوْريّةً» لإنْتاج وتداوُل «قِيَمٍ رَمْزيّة» (أيْ، بالتّحديد، «غير ماديّة») بما يَجعلُها تَتعيّن – في الواقع العمليّ- كوسيلة لمُمارَسة «الفِعْل» و«التّأْثير» في العالَم (بل كأَدوات تَعملُ ذِهْنيًّا لِﭑبْتناء وﭐخْتلاق عَوالم مُتخيَّلة بالتّوازي أو مَعيشة بالتّناوُب مع «العالَم الفِعْليّ»).
وهكذا، فإنّ الطّبيعة الرّمْزيّة والصُّوْريّة المُحدِّدة ل«ﭐللُّغة» لا تُمثِّل إِلَّا الجانب الظّاهر منها، لأَنّها تَتحدّد في العُمق بصفتها «مُؤسَّسة ﭐجتماعيّة وتاريخيّة» تَتعلّق بإنتاج وتداوُل قِيَمِ الوُجود والحياة؛ مِمّا يَدُلُّ على أنّ طبيعتَها التّداوُليّة والعَمَليّة تَحْضُر في المَقام الأوّل. وبالتّالي، فإنّ النّظر إلى «ﭐللُّغة» كنسق رَمْزيّ وصُوْريّ يَشتغل من خلال «بناء الفُرُوق» تَرْتيبيًّا وتراتُبيًّا بين عناصره (أو وَحداته) المُكوِّنة يُثْبت "التّساوِي" و"التّكافُؤ" بين مُختلِف الأَلْسُن المُستعمَلَة بَشريًّا. غير أنّ النّظر إلى «اللُّغة» بالنِّسبة إلى الشُّرُوط الموضوعيّة المُحدِّدة لِﭑكْتسابها وﭐستعمالها في الواقع العمليّ يَجعلُها تندرج ضمن «أَشكال الحياة» التي تُعاش كَلَعِبٍ دَالٍّ وتُمارَس كَحِسٍّ مُلْتبس. ولذا، فالأَمرُ يَتعلّق ب«ﭐقْتصاد لُغويّ» يَشمل مجموع العَلاقات الاجتماعيّة المرتبطة بإنتاج وتداوُل «الخَيْرات الرّمْزيّة» ذات القيمة في كُلّ مجال ﭐجتماعيّ وثقافي مُتميِّز.
وفي المدى الذي لا تشتغل «ﭐللُّغة» فقط كوسيلة للتّواصُل والتّبْليغ بين المُتكلِّمين/المُتخاطِبين في مجال تداوُليّ مُعيَّن (بل تشتغل أيضا كواسطة لمُمارَسة السُّلْطة والنُّفوذ)، فإنّ التّفاعُل اللُّغويّ يَحكُمه توزُّعُ الخَيْرات الرّمْزيّة والثّقافيّة المُتعلِّقة ب«ﭐلمَلَكة اللُّغويّة» في تحدُّدها بالنِّسبة إلى كُلِّ حقلٍ على حِدَةٍ. وهذا معناهُ أنّ توجُّهات النّاس اللُّغويّة تَخضعُ لمُقتضيَات «السُّوق اللُّغويّة» حيث يُمْكنُهم، عادةً، أن يَستجيبوا للحاجات المُرتبطة بمُمارَستهم الكلاميّة بما هي مُمارَسة عَمَليّة تتجاوز حُدود التّجْريد النّظريّ الذي تُتصوَّر «اللُّغة» في إطاره كما لو كانت نسقًا لا يَتحدّد إِلَّا بالنِّسبة إلى نفسه ولا يُفيد، بالتّالي، إِلَّا بصفته موضوعًا مَوْقوفًا من أجل الفْهَم فقط.
ونجد، في سُوق الألسن الغالِبة والمُهيمنة بالعالَم حاليًّا، أنّ خمسة عشر لُغة (الصِّينيّة، الإنجليزيّة، الهنديّة، الإسﭙانيّة، العربيّة، البُرتغاليّة، البَنْغاليّة، الرُّوسيّة، الفرنسيّة، الملاويّة، الألمانيّة، اليابانيّة، الفارسيّة، الأُرْدية، البَنْجابيّة) تُمثِّل أوسعَ اللُّغات ﭐستعمالًا بين أكثريّة النّاس في القارّات الخمس (نحو أكثر من خمسة ملايير نسمة، أيْ ثلاثة أرباع البشريّة المُقدَّر عددُها الآن بنحو سبعة ملايير نسمة). ومعنى هذا أنّ أهمّ ما يُنْتَج ويُتداوَل من قِيَمٍ رَمْزيّة وثقافيّة على مُستوى العالَم إنّما يَتِمّ في مجموعاتٍ لُغويّة يَبتدئ تَعْدادُ كُلِّ واحدة منها بمئة مليون نسمة وقد يتجاوز مليار نسمة.
وما ينبغي تأكيدُه، هُنا، هو أنّ تلك الألسن لا تفرض نفسَها في مَجالاتِ تداوُلها الخاصّة (و، أيضا، خارجها) بفعل ﭐمْتيازاتٍ ما مُتعلِّقة ببِنْياتها الصوتيّة/الصرفيّة أو التّرْكيبيّة/النَّظْميّة أو المُعجميّة/الدّلاليّة (كُلّ الألسن مُتكافئة من هذه النّاحية)؛ وإنّما هُناك جُملةٌ من العوامل «التّداوُليّة» هي التي تَجعلُها كذلك، عوامل تُحدَّد بأنّها تاريخيّة وﭐجتماعيّة وثقافيّة وﭐقتصاديّة وسياسيّة وتُعَدّ مُتداخلةً ومُتكاملةً على نحوٍ شديدِ التّعقُّد بما لا تَتبيّن حقيقتُه إِلَّا على أساس البحث العلميّ في قيامه على التّوْصيف الموضوعيّ والتّفسير التّعْليليّ. وكونُ الألسن لا تُهيْمِن إلَّا على أساس تداوُليّ هو الذي يجعل من بين أَوسُع الألسُن ليستْ هُناك سوى أَلْسُن قليلة ذات قُوّة ونُفوذ على المُستوى العالَميّ (بالخُصوص: الإنْجليزيّة، الإسﭙانيّة، العَرَبيّة، الفرنسيّة).
ولأنّ الشُّروط المُحدِّدة واقعيًّا لِﭑكتساب وﭐستعمال «ﭐللُّغة» ليستْ شيئًا آخر غير مجموع الشُّروط «التّداوُليّة» التي تَفْرِض على المُتكلِّمِين/المُتخاطِبين أن يَستثْمرُوا من طاقاتهم وإمْكاناتهم ما يَكْفُل لهم التّمكُّن من وسيلةِ التّواصُل المُناسبة عمليًّا، فإنّ «الاقتصاد اللُّغويّ» لا يَشتغل إِلَّا على نحوٍ تنازُعيٍّ وتمييزيٍّ؛ بما يُفيد أنّ النّاس في أيِّ مجالٍ تداوُليٍّ لا يَتقاسمُون «ﭐللُّغة» أبدًا على نحوٍ مُتساوٍ كما لو كانت شيئًا مُشاعًا بينهم، بل تبقى «ﭐللُّغة» موضوعًا للاحتكار بما هي «لُغة مَشْرُوعة» (مقبولة وذات نُفوذ)، مِمّا يَسمَحُ بمُمارَسةِ «السُّلْطة الرَّمْزيّة» وَفْق مجموع الشُّرُوط المُحدِّدة موضوعيًّا للسَّيْطرة/الغَلَبة الاجتماعيّة (في كل مجال تداوُليّ ثمّةَ دائمًا «مُسيْطِرُون/غالِبُون» و«مُسيْطَر عليهم/مَغْلُوبون» حتّى على مُستوى اللِّسان الواحد).
لا يكون، إِذًا، توجُّهُ النّاس نحو هذه اللُّغة أو تلك تبعًا لِما يُظَنّ ﭐمْتيازاتٍ مُلازِمةٍ لها بما هي لُغةٌ، وإنّما التّفاعُلُ التّداوُليُّ للمُتكلِّمين/المُتخاطِبين هو الذي يَحْكُم توجُّهاتهم اللُّغويّة في إطار أَسواقٍ لإنْتاج وتداوُل مجموع الخَيْرات الرَّمْزيّة والثّقافيّة المُتعلِّقة بالاستجابة للحاجات الحيويّة للنّاس بما هُمْ فاعلُون يَأْتُون الكلامَ كَلَعِبٍ ﭐجتماعيٍّ يُعاش، بالضّرُورة، وَفْق منطق «المُمارَسة العَمَليّة» بكُلِّ ﭐلْتباساتها وتناقُضاتها. ف«ﭐللُّغةُ» رِهانٌ وُجُوديٌّ يُلَاحَقُ (أو يُطْلَب) ضمن اللِّعب الاجتماعيّ الذي يُخاض بحِسٍّ عَمَليّ يَجعلُ «المُلَاعَبة» مشروطةً موضوعيًّا حتّى بﭑعْتبارها «مُنازَعةً/مُغالَبةً» بخصوص النّوع المُسيْطِر من «المَشْرُوعيّة» (وهو ما يقتضي أنّ المُناهَضة التي تتّخذ فقط شكل الاستنكار أو التّذمُّر تبقى غير مُجْدِية عَمَليًّا لكونها تَغفُل عن حقيقة الشُّرُوط الموضوعيّة المُحدِّدة لاشتغال السّيْطرة/الغَلَبة).
ومن ثَمّ، فكما أنّه لا يكفي لقيام «المَقْبُوليّة» حفظ القواعد الشّكْليّة (السّلامة النّحْويّة)، فإنه لا يُجْزئ أن يكون اللِّسانُ المُستعمَلُ بالغَ الابْتذال في الحياة العاديّة واليوميّة حتّى يَتبوّأُ مَقامَ «اللُّغة المشروعة». ذلك بأنّ «المَقْبُوليّة» ليستْ سوى صِنْفٍ من أصناف «المشروعيّة» التي تُمثِّل رهانَ مُختلف أنماط الإنتاج الماديّ والرّمزيّ من الحياة الاجتماعيّة. وبالتالي، فإنه لا سبيل لتحصيل «المقبُوليّة اللُّغويّة» إِلَّا بالخُضوع للشُّروط المُتعلِّقة ب«ﭐلاقتصاد اللُّغويّ» في تَحدُّده بالنِّسبة إلى «ﭐقتصاد الخَيْرات الرَّمْزيّة والثّقافيّة» وعدم ﭐنْفكاكه عن «ﭐقْتصاد المَوارد الماديّة» («المقبُوليّة اللُّغويّة» مُحدَّدة ﭐقْتصاديًّا وبِنْيويًّا في عَلاقتها بمجموع أَنْساق الاقتصاد الاجتماعيّ).
هكذا، وبخلاف ما يتراءى لبعض المُهتمِّين، فإنّ خيرَ ما يُفعَلُ للسانٍ ما لا يَتأتّى بتأْسيس جمعيّاتٍ للدِّفاع عنه وحمايته، بل بالعمل الواقعيّ على تَوْفير وتَحْسين أَهمّ الشُّروط المُحدِّدة موضوعيًّا لِﭑكتسابه وﭐستعماله بحيث يَصيرُ بإمكان النّاس لا فقط ﭐمتلاكُه عَمَليًّا، بل تَصيرُ لهم أيضًا مَصْلَحةٌ فِعْليّةٌ في الاهتمام به طلبًا وﭐستثمارًا. ومعنى هذا أنّ أَنْجعَ السُّبُل تَتمثّل في إيجادِ وتقويةِ كُلِّ ما يَكْفُل للِّسان المَعْنيّ أن يكونَ وسيلةً ناجعةً لإنْتاج قيمٍ ﭐسْتعماليّةٍ وتداوُليّةٍ تَحْظى بﭑهتمامِ مُختلِف المُتكلِّمِين/المُتخاطِبين في «السُّوق اللُّغويّة» التي لا تَعْرف قانونًا آخر غير أنّ التّقْليل من تكاليفِ الإنْتاج لا يكون إِلَّا مع ضمان غياب الجَزاءات السَّلْبيّة، وهو الأمر الذي يَستلزمُ أَنّ جَوْدةَ العَرْض تتحدّد دائمًا بالنِّسبةِ إلى قُوّة الطّلَب في كثرته وتنوُّعه وتغيُّره.
ومن أجل ذلك، يَجدُر الانتباه إلى أنّ كونَ المُجتمعات المُعاصرة صارتْ تَتحدّد بالنِّسبة إلى واقع «العَوْلَمة» بكُلِّ مُقتضيَاته وتحدِّياته يفرض أن تُؤخَذ بالحُسبان عواملُ «التّحْرير» المُنْصَبّة على مُختلِف الأسواق بما لَمْ يَعُدْ مُمْكنًا معه ﭐستمرارُ وَضْعِ «السِّيادة المُطلَقة» الذي كانت تتمتّعُ به «الدّوْلةُ القُطْريّةُ» (بصفتها الضّامن للِّسان المعياريّ والرّسْميّ كأَساسٍ ل«ﭐللُّغة المَشْرُوعة») أو الطّمَع في مَزيدٍ من «الحِمائيّة» بالشّكل الذي يَحُدّ أو يُخفِّف من ضغط مُختلِف التّدفُّقات في مجال تبادُل المعلومات وإقامة العَلاقات من خلال شبكات التّواصُل المُعوْلَم بَثًّا تَلْفزيًّا وهاتفيًّا وحاسُوبيًّا. وفي ظِلِّ هذا الواقع، أصبح المُواطن يُواجِه - في كل حينٍ- إِغْراءات «الإبْحار» عبر أَلْسُنٍ شتّى تَطْرُق بإلحاحٍ سَمْعَه وتَلْفِتُ نَظرَه على الرّغْم منه.
وفي مثل هذا الخِضمّ، لن تَصمُد إِلَّا الألسُن التي عَرَف أَصحابُها أنَّ الانْخراطَ في «السُّوق اللُّغويّة العالَميّة» أساسُه التّمْكينُ لقُوَى الإنْتاج الماديّ والرَّمْزيّ بما يَجعلُ الفاعليّةَ اللُّغويّة مُمارَسةً عَمَليّةً تُخاض «مُغالَبةً عُمْرانيّةً» وليس على شاكلة «ﭐلانْطوائيّة الحالِمة». ومن هُنا، يُدْرَكُ كيف أنّ لِسانًا مثل اللِّسان الإنْجليزيّ صار يَفْرِضُ نفسَه عالميًّا بصفته اللِّسان الأوّل الذي يَجِدُ مُعظمُ المُهتمِّين بنجاحهم المِهْنيّ والعَمَليّ مَصْلَحةً أَكيدةً في طَلَبه وتجشُّم كُلِّ ﭐستثمارٍ لﭑكتسابه وﭐستعماله، فهو اللِّسان الكفيلُ حاليًّا بوُلُوج «السُّوق اللُّغويّة العالَميّة» والاستفادة منها إنْتاجًا وﭐسْتهلاكًا. ولن يُنافسه في هذا إِلَّا اللِّسانُ الذي يَقْتدرُ أن يَتحدّاه بالنُّزُول إلى ميدان المُغالَبة على كُلِّ مُستوَيات الحياة العَمَليّة حيث له في كُلِّ مَوْطِئٍ منها قَدَمٌ راسخةٌ لا يُنْكرُها إِلَّا غِرٌّ جاهلٌ أو جاحدٌ مُكابِرٌ!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.