بعْد أيام قليلة على ترحيل ناشطتيْن من "حركة فيمن" خارجَ المغرب، إثر إقدامهما على التعري بباحة مسجد حسان بالرباط، وكذا اعتقال شابّيْن مغربيّين مِثليّين في المكان نفسه، أقدمت السلطات على توقيف شابتين في مدينة إنزكان، إثرَ تجوّلهما في الشارع لابستين لتنّورتَين. وَوسَط أكبر شارع في مدينة إنزكان، مُحاذٍ ل"سوق الثلاثاء"، تمَّ حمْلُ الشابتين على متْن سيّارة الشرطة وسَطَ حشْدٍ من المواطنين، وَوَضعتا رهن تدابير الحراسة النظرية.. وبعْد إحالتهما على النيابة العامّة قررت متابعتهما، في حالة سراح، بتهمة "الإخلال العلني بالحياء العام"، بعدما اعتبرت أنّ "اللباس الذي ارتديتاه قد أثار غضبَ بعض المارّة لأنه غير لائق". ولمْ تمض سوى أيّامٍ قليلة على توقيف الفتاتين حتّى ظهرَ على شاطئ "أنزا"، ضواحي مدينة أكادير، شبابٌ وأطفال يحملون لافتة سوداء كتبت عليها بالإنجليزية عبارة مطالبة ب"احترام رمضان بعدم ارتداء البيكيني"، غيْر أنّ تنصيب اللافتة على رمال شاطئ "أنزا"، من لدن شباب ممارس لرياضة "السُّورْفْ"، لمْ يُعمّر طويلا بعدما تدخّلت السلطات لنزعها ومصادرتها. وفي حينِ طُويَ موضوعُ اللافتة المُطالبة بعدم ارتداء "البيكيني" فإنَّ تفاعلات محاكمة سناء وسهام بتهمة "الإخلال بالحياء العام" ما زالتْ مستمرّة، وتعدُ بمزيدٍ من التطوّرات مع اقتراب إحالتهما على المحكمة، يوم 6 يوليوز القادم، خاصّة بعد دخول نشطاء مدنيين ومنظمات مقربة من أحزاب سياسية على الخط. وسارَع ناشطون على الويب إلى إنشاء عريضة إلكترونية موجّهة إلى وزير العدل والحريات، وهي على موقع "أفاز" حاملة لعنوان "ارتداءُ تنّورة ليس جريمة"، في حينِ أعلنت ناشطات وناشطون على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" عنْ خوْض وقفة احتجاجية أمام وزارة العدل والحريات للمطالبة باحترام حريّة اللباس. وجُوبهَ قرَارُ متابعة الفتاتيْن بالرّفض حتى من طرف حزب التقدم والاشتراكية المشارك في الأغلبية الحكومة، وعبر عن ذلك الأمين العام للتنظيم، زيادة على الذراع النسائي للتنظيم، ممثلا في منتدى المناصفة والمساواة، الذي نبّه إلى أنّ متابعة الفتاتين "قد يصبح تراجعا خطيرا عن المبادئ الأساسية للحريات والمساواة بين المرأة والرجل، المنصوص عليها في دستور المملكة" بحسب بلاغ صادر عن الهيئة قال إن المواطنين الذين احتجّوا في مدينة إنزكان على التنورتين هم من "العناصر المحسوبة على التيارات الظلامية والرجعية"، معتبرا أنّ ما وقع "يشكل مساسا بالحريات الفردية وبحقوق الإنسان، وانتهاكا خطيرا لما قطعته بلادنا من أشواط على درب المسيرة الحقوقية، وتراجعا خطيرا عن توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة". وحفلت صفحة "صايتي حريتي"، التي أنشأتها ناشطات حقوقيات على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، بمواقفَ مؤيّدة لحريّة المرأة في اختيار لباسها، وأخرى معارضة لما سمي ب"العري".. كما فتحتْ قضيّة سهام وسناء مواجهةً جديدة بيْن الحداثيين والمحافظين، إذ يرى الطرف الأول أن منْ حقّ النساء أنْ يرتدين ما شئن من ملابس، بينمى أبدى السلفي محمد الفيزازي معارضة شديدة لهذا الموقف، وقال في حديث لهسبريس إنّ الحرية يجبُ أن تكون مؤطّرة دائما بمراعاة حُريّة الآخرين، عملا بالحديث النبوي "لا ضرَرَ ولا ضرار". وأضاف الفيزازي: "نحن لدينا قاعدة ذهبية تقول "أنت حُرّ ما لمْ تضُرّ"، وتابع "استفزاز مشاعر المسلمين في بلاد المسلمين من طرف أبناء المسلمين لا علاقة له بالحرية، بل هو تحرُّر من الحرية وإباحية، وهؤلاء الناس يجب أن يعلموا أن هذه المملكة الشريفة مملكة إسلامية، تاريخا ودستورا وأعرافا وعادات، ومعنى نسْبَتِها الإسلام نسبتُها إلى قيم الإسلام، وبالتالي فلا معنى لأنْ تُقْدم فتاتان أو أو أقلّ أو أكثر على التعرّي أمام الملأ باسم الحرية". ويطالبُ الحداثيون بوقف متابعة الفتاتيْن، معتبرون ما أقرته النيابة العامّة من تحريك للمقاضاة وجلساتها تراجُعا عن الحريات والحقوق، فيما قالَ الشيخ الفيزازي إنّ متابعتهما أمام القضاء "ربّما فيه تقصير"، واسترسل "المطلوب هو الضرب بيد من حديد على كل من يحاول ضرب الثوابت الوطنية، فهذه خطوط حمراء لا مجال للحرية فيها والعبث بها، وإذا حصل ذلك فهذا بمثابة عبث بذيل الغول، والشعب المغربي لا يمكن أن يقبل بذلك". في المقابل ترى فاطمة السباعي، رئيسة منتدى المناصفة والمساواة، أنَّ الذينَ يسْندون مواقفهم بكوْن المجتمع المغربيّ محافظا، وذلك منْ أجْل قمْع حرّية النساء في اختيار لباسهنّ، "إنّما يفتعلون مشاكل لم تكن موجودة في المجتمع المغربي حتى في ستّينيات وسبعينيات القرن الماضي، قائلة "هذا اللباس الذي أثار الزوبعة اليوم كان موجودا في سنوات السبعينات من القرن الماضي، وكانت الفتيات يرتدين ملابسَ عصرية، ولم تكن هناك ردود فعل مثلما يحدث اليوم". وانتقدتْ السباعي بشدّة المُطالبين بالحجْر على حقّ المرأة في حرّية لباسها، خصوصا وأن المغرب صادق على عدد من الاتفاقيات المتعلقة باحترام الحقوق والحريات، قائلة "حتّى لوْ أردْنا أنْ نعالج القضية من زاوية دينية فإنّ الله أمَرَ بغض البصر، وبالتالي منْ أرادَ تفادي ما لا يريدُ رؤيته فعليْه بغضّ بصره".