صدمة للجزائر.. غاريدو يختار قناة مغربية لإعلان استقالته    مونديال 2030.. اجتماع موسع للتنسيق بين القطاعات الحكومية    قرار بعدم اختصاص محكمة جرائم الأموال في قضية اليملاحي وإرجاع المسطرة لمحكمة تطوان    أمطار طوفانية تغرق الإمارات وتتسبب في إغلاق مدارس ومقار عمل    مركز دراسات.. لهذا ترغب واشنطن في انتصار مغربي سريع في حال وقوع حرب مع الجزائر    تركيا تعلق المعاملات التجارية مع إسرائيل    بوريطة يتباحث مع وزير الخارجية وشؤون المغتربين اليمني في بانجول    أوروبا تصدم المغرب مرة أخرى بسبب خضر غير صالحة للاستهلاك    أول تعليق من حكيمي بعد السقوط أمام بوروسيا دورتموند    هل ينهي مجلس المنافسة تلاعب "لوبيات" الصيد البحري ويضع حدا لارتفاع أسعار الأسماك بالناظور؟    أنور الخليل: "الناظور تستحق مركبا ثقافيا كبيرا.. وهذه مشاريعي المستقبلية    جامعيون ومتخصصون يحتفون بشخصية أبي يعزى في ملتقى علمي بمولاي بوعزة    مجلس النواب يعقد الأربعاء المقبل جلسة عمومية لمناقشة الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة    ارتفاع حصيلة القتلى في غزة.. واعتقالات في الضفة الغربية    "الأمم المتحدة" تقدر كلفة إعادة إعمار غزة بما بين 30 إلى 40 مليار دولار    ندوة بطنجة تناقش مكافحة غسل الأموال    ها التعيينات الجديدة فمناصب عليا لي دازت اليوم فمجلس الحكومة    بايتاس رد على لشكر والبي جي دي: الاتفاق مع النقابات ماشي مقايضة وحنا أسسنا لمنطق جديد فالحوار الاجتماعي    گاريدو طج من اتحاد العاصمة بسبب حماق الكابرانات    المخزون المائي بسدود الشمال يناهز مليار و100 مليون متر مكعب    فوضى «الفراشة» بالفنيدق تتحول إلى محاولة قتل    مصرع سائق دراجة نارية في حادثة سير مروعة بطنجة    أزمة طلبة الطب وصلت ل4 شهور من الاحتقان..لجنة الطلبة فتهديد جديد للحكومة بسنة بيضاء: مضطرين نديرو مقاطعة شاملة    النقابة الوطنية للصحافة المغربية تصدر تقريرها السنوي حول الحريات والحقوق الصحافية بالمغرب للفترة 2023-2024    باحثون يكتشفون آليات تحسّن فهم تشكّل الجنين البشري في أولى مراحله    حمد الله يحرج بنزيما    بذور مقاومة للجفاف تزرع الأمل في المغرب رغم انتشارها المحدود    المكتب الوطني للمطارات كيوجد لتصميم بناء مقر اجتماعي.. وها شنو لونصات لقلالش    طاهرة تودع مسلسل "المختفي" بكلمات مؤثرة    النفط يتراجع لليوم الرابع عالمياً        جامعة في نيويورك تهدد بفصل طلاب تظاهروا تأييداً للفلسطينيين    مؤسسة المبادرة الخاصة تحتفي بمهرجانها الثقافي السادس عشر    البرلمان يستعرض تدبير غنى الحضارة المغربية بالمنتدى العالمي لحوار الثقافات    حادثة سير خطيرة بمركز جماعة الرواضي باقليم الحسيمة    إلقاء القبض على إعلامية مشهورة وإيداعها السجن    آبل تعتزم إجراء تكامل بين تطبيقي التقويم و التذكيرات    بورصة الدار البيضاء : تداولات الافتتاح على وقع الانخفاض    تسرب الوقود من سفينة بميناء سبتة كاد يتسبب في كارثة بيئية    الطيب حمضي ل"رسالة24″: ليست هناك أي علاقة سببية بين لقاح أسترازينيكا والأعراض الجانبية    "الراصد الوطني للنشر والقراءة" يعلن عن أسماء الفائزات والفائزين بجائزة "الشاعر محمد الجيدي" الإقليمية في الشعر    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الرئيس الكولومبي يعلن قطع العلاقات مع إسرائيل    الداخلية تكشف موعد إجراء انتخابات جزئية ببنسليمان وسيدي سليمان    مسؤولة في يونيسكو تشيد بزليج المغرب    "دراسة": زيادة لياقة القلب تقلل خطر الوفاة بنحو 20 في المائة    السجن لبارون مخدرات مغربي مقيم بشكل غير قانوني بإسبانيا    نادي الشباب السعودي يسعى لضم حكيم زياش    قمة "نارية" بين حامل اللقب نهضة بركان ومتزعم البطولة الجيش الملكي في دور السدس عشر    العربية للطيران ترفع عدد رحلاتها بين أكادير والرباط    عبد الجبّار السحيمي في كل الأيام!    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    دورة مدريد لكرة المضرب: الروسي روبليف ي قصي ألكاراس حامل اللقب    دراسة: مجموع السجائر المستهلكة "يلتزم بالثبات" في إنجلترا    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    الأمثال العامية بتطوان... (586)    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا أُصوتُ؟ وعلى مَن أصوت؟ صوت على ضميرك
نشر في هسبريس يوم 02 - 09 - 2015

في يوم 20 غشت كنتُ في الطريق إلى الشمال أقلِّب الإذاعات باحثا عن أي حديث عن هموم الساعة، عن الانتخبات. وعلى مشارف العرائش شد انتباهي برنامج يحاور مجموعة من الطلبة في الموضوع. كانت لغةُ طلبتِنا، مع الأسف، مليئة بالاستعلاء على الواقع، وبتجريح اليسار واليمين والوسط.
لو كنتُ أعيشُ في ملتقى الستينيات والسبعينيات لما شَكَكْتُ أنهم يفكرون مَثْلما فكرنا في الثورة أو الانقلاب. كانت سيكولوجيا "زمن الطلبة والعسكر" مسيطرة عليهم، ولكن بدون محتوى أو مرجع: ليس لديهم بديل، ولا أي تصور. كنت أتحرقُ رغبةً في طرح سؤال عن تجربتهم التي وصلوا منها إلى هذا "العماء الأسود/لكحل". وقُبيل نهاية البرنامج تدخل مَنْ حقق لي هذه الرغبة، تدخل شخص متمكن من الموضوع فسألهم، أول ما سألهم، عن التسجيل: هل هم مسجلون؟ فجاء جوابهم عبارة عن "رقصةِ مذبوح"، تخبطوا ولم يجدوا جوابا يرفع رؤوسهم، حتى المذيع تنكر لهم ولم يعد يترك أحدهم يكمل جملة، وربما انتبه إلى أنه كان عليه هو أن يطرح السؤال. ولا أقول أكثر. لقد "بُهِتُوا"، اكتشفوا أنهم ليسوا على شيء، خاصة حين قال لهم المتدخل، بلغة عامية مقصودة، ما صورته: هل تريدون أن ندعوَا "النصاري" أيضا ليناضلوا مكاننا ويحققوا لنا الديمقراطية؟ يا له من سؤال جارح لكل من يعلم أن الاستعمار دخل المغرب لأسباب، منها سبب مباشر: هو عجز المغاربة عن تدبير جماركهم لتأدية ديونهم، فتولاها عنهم "النصارى"؟! فهؤلاء الذين يُسمعونك ما لا يُسمع عن الوطنية والغرب المُختلف (أو الكافر)...الخ غيرُ مسجين في اللوائح الانتخابية!! ليس في دولة استقرت ديمقراطيتها، مثل فرنسا أو أمركا، بل في بلد تهنز سفينتُه في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب أسود.
بَقِيتُ من تلك اللحظة، إلى حين الدخول إلى حمامة الشمال، أتأمل عينات الممتنعين عن التصويت عموما، فوجدتهم ثلاثة أنواع: مُهمِلون، وهَمَلٌ، و"نَقَّادون"؛ بدرجة "فهايمية".
المهمِلون أناس عاديون تشغلهم شؤون حياتهم اليومية عن الشؤون العامة التي لا يفكرون فيها إلا حين تواجههم مطالب أو رغبات، فيأتون يتوسلون بهذا وذاك، وإن سألتهم عن المشاركة وعدوا خيرا دون التزام. حاضرهم انغمار، ومستقبلهم "بيد الله". يوجد هؤلاء بكثرة في مجتمع الحرفيين والتجار. وهم مشتل مهم للأصوليات، آذانهم على الإذاعات الخاصة. يعانون من سؤال الهوية.
النوع الثاني: الهَمَلُ أشخاصٌ لا يحسون بأنهم معنيون أصلا، حاجاتهم، مقضية بدون تصويت. وهم موجودون في جميع الطبقات، يعيشون في المجتمع بطرقهم الخاصة. والمزيد من الحديث عنهم سيمس بإنسانيتهم، ولا حديث عن عما دون.
الفئة الثالثة: فئة "النقاد"، وهي التي تهمنا حقيقة، لأنها تضم الفئات التي يُفترضُ أنها واعيةٌ بما يجري، وتُصِر على المشاركة فيه، إلا أن مشاركتَها تقف عند النقد من الخارج، وهي فئة تعْقد مؤتمراتها في المقاهي، وتنتظر بفارغ الصبر نتائج استفتاءاتٍ لم تشارك فيها لكي تتشفى من هذا أو ذاك، وتُقيمَ الحجة على صدق تصورها في عدم التصويت أصلا.
وهي تَجْترُّ، منذ البداية، البؤسَ الذي تُروِّجه الصحافة المدفوعة الأجر. الصحافة التي تعادي العمل السياسي الحقيقي مُموِّهةً عداوتَها بالهجوم على الأحزاب السياسية. فمن المعلوم عندها، وعند من يحركها، أن هذا الهجوم على السياسة ينعكس سلبا على الأحزاب الديمقراطية التي تريد ممارسة السياسة كاختيار فكري مدني، ولا يَمس أبدا الأحزاب التي "تُقَيِّدُ" مرشحيها بالمال والدين. فهؤلاء يَكُونونَ، في الغالب، محسوبين مقيدين كما يُقيدُ دجاج يوم الخميس مساء لأربعاء . بل هو يَخدم مستعملي المال والدين: لأنه يؤدي إلى العزوف ويقلص عدد الناخبين، أي يسهل مهمة العدد القليل المرقم. فحين ينزل عدد المصوتين في مدينة متوسطة من حولي مائة ألف إلى حوالي عشرين ألفا تصبح مهمة المزورين سهلةً. وهذه معلومات ميدانية وليست فرضيات (الرتبة الأولى في هذه الحالة لا تعدو أربعة آلاف).
هذه الفئة المنتقدة، مُغفلة، وبعض مكوناتها تصل درجة أكثر من الغفلة (الغباء)، لأنها تُضيعُ مصالحها بأيديها.
كيف ذلك؟
أكثر المنتمين إلى هذه الفئة يحملون أفكارا حداثية، أو على الأقل، يميلون إلى حياة مدنية عصرية، تضمن حرية الفكر والوجدان والمبادرة، ومنهم تكنوقراط كثيرون يبكون ويشكون من غياب تكافؤ الفرص في جميع المستويات. ملايين منهم يملؤون الشواطئ الآن، يستحمون عائليا ولا يعلمون أن هناك من يتربص بهم، لطردهم منها، أو ليطلق النار عليهم، كما وقع في تونس، وملايين منهم يقصدون مهرجانات الموسيقى والترفيه ويظنون أنها فرصة طبيعية نزلت من السماء، وملايين منهم يقصدون صلاة التراويح والعيدين آمنين مطمئنين؛ وهم لا يعلمون أن هناك من يتربص بهم، ويفكر في التفتيش عن قلوبهم قبل السماح لهم بدخول هذا المصلى أو ذاك، كما يقع في كثير من بلاد المشرق. بل هم لا يذكرون، يا للعجب، أن الدولة المغربية لم تلجأ إلى تقنين الدخول إلى المساجد، وتعيين قيمين عليها برتبة إدارية، أوائل الثمانينيات، إلا حين أصبح بعضُ المصلين يضرب البعض بالمناكب والأكعاب...الخ، ويصلون فوجا بعد فوج.
هؤلاء الذين تعمى أبصارهم عن رؤية مستقبلهم ينسون أيضا التضحيات التي بذلها آباؤهم في مقاومة الاستبداد الذي غرس الفساد في المغرب ورعاه بالسقي والتسميد حتى صار اجتثاث عروقه مستحيلات في نظر البعض، فاستسلم له، وشارك فيه.
التصويت مسؤولية
التصويت ليس هديةً، أو توكيلاً غيرَ مشروط! التصويت مدخل للنضال مع المصوَّت عليه بالمراقبة والتوجيه، وهذا حال من آنس من نفسه رغبة في النضال، والتصويت توكيل مشروطٌ بالنتيجة لمن لا تسمح ظروفه بالمتابعة والمحاسبة اللصيقة، فيحاسب بالتصويت العقابي.
المفروض في من يجد الوقت للانتقاد (في المقاهي والجرائد والإذاعات...) أن يقوم على الأقل بالتصويت على الأقرب إلى توجهه، أو الأقل سُوءا من الآخرين، إذا كان متشائما! ذلك أن امتناعه عن التصويت على الأقرب منه، مهما كان القرب الذي قد لا يعطيه شيئا، هو تصويت على الأبعد الذي سينزع منه ما بين يديه. الناس يعتقدون أن ما بين أيديهم جاء عفوا، أو لا يمكن زواله، ما لا ينمو يضمُر ويتقهقر. ومستقبل المغرب ووحدته مرهونان بتصليب عود الديقراطية، ولا تصليب في غياب أدنى حس وطني يدعو المواطن للتوجه إلى مكاتب التصويت، هذا أضعف الإيمان.
ليس هناك خيار ثالث! إذا منعتَ صوتك عن حزب يحمل شعار الحرية والدولة المدنية وتكافؤ الفرص، في امتداد نضال معروف، فقد أَعْطَيْته لإحدى الأصوليات التي تعادي هذه القيم. المطلوب من المنتقد أن يتابعَ ويحاسبَ ويوجِّه. التصويتُ المفيدُ هو التصويت على الأحزاب التي يُطلب منها أن تراقب أعضاءَه وتحاسبهم، فإذا جاء الشخص والحزب مُرضيين فتلك حسنى وزيادة.
أما الخيار الثالث (النقد غير المسؤول) الذي يتوهمه المنتقدون غير المصوتين فهو حالة نفسية غير سياسية؛ تولدت عن الشعور بتحول العمل السياسي إلى تجارة: المصوت الصغير يبيع صوته للمنتخب المتوسط (عضو بلدي)، والمتوسط يبيع صوته للمنتخب الكبير (رئيس بلدية أو جماعة)، والكبير يبيعه للأكبر (رئيس الجهة أو المستوزر) والأكبر يبيعه للمخزن فيضمن "مستقبله" بتقاعد مريح غير مستحق! إذا كان هذا واقعا فهو مأساة تجب محاربتها، والخروج منها، وليسَ تجارة رابحة، أو فلسفة سليمة، يُشرِّفُ الانتماء إليها: لا تخدع نفسك! حين تقول بنخوة زائفة: "لن أعطي صوتي"، فأنت تستبطنُ دون أن تشعر هذا المعنى الارتزاقي، وتساوم به الوطن، والوطن يقول مثل ما قال الله: "وما يخادعون (يخدعون) إلا أنفسهم وما يشعرون".
إن من لا يصوت من الأذكياء المنتقدين يسقط في سيكولوجية "بيع الشباب غالي"، وهي تجارة خاسرة حين تمارس مع الوطن: سيحتاج المغرب مستقبلا لاستيراد من يقوم بالديمقراطية. للذكاء حدود يتحول بعدها إلى غباء. هذه لحظة شهادة فلا تخذلوا طالبها: الوطن.
لا تصوت على من احتقر صوتك فأراد شراءه بالمال، مهما كثر.
لا تصوت على من احتقر ذكاءك فتملق عاطفتك الدينية، أو العصبية العنصرية.
لا تصوت على فاحش متفحِّش خبيثِ المنطق واللسان، ولا على لص خفيف اليد.
صوت على ضميرك، ولا تكتم صوتك فتكون من المغفلين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.