سنة بعد سنة تتضاعف مشاكل سجون المملكة، وذلك باعتراف المسؤولين عن تدبيرها، وهو الواقع نفسه الذي أماط اللثام عنه محمد صالح التامك، المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج، خلال تقديمه للميزانية الفرعية لمندوبية السجون، ضمن مشروع قانون المالية، في لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان. وقدم التامك، اليوم الأربعاء بالبرلمان، ميزانيته، مشتكيا قلة "حيلة اليد" لكون "الإمكانيات المتاحة أمام المندوبية محدودة"، بالنظر للقطاع الكبير الذي يشرف عليه، معترفا بالصعوبات التي تعرقل تدبير الخدمات المقدمة لفائدة السجناء، منها ما له ارتباط بخصوصيات السجن والسجناء وظاهرة الاكتظاظ، ومنها ماله ارتباط بالنقص في الأطر الطبية وشبه الطبية وضعف البنية التحتية. وبعدما أكد التامك أن تكريس المعاملة الإنسانية للسجناء رهين بترسيخ ثقافة حقوق الإنسان لدى العاملين بالمؤسسات السجنية، كشف عن معطيات صادمة حول الساكنة السجينة، ومنها "ارتفاع ظاهرة الاكتظاظ بمعظم المؤسسات السجنية، والتي تصل في البعض منها إلى 300 في المائة"، مرجعا ذلك للارتفاع المتواصل لعدد المعتقلين، والذي وصل إلى 74 ألفا و759 سجينا خلال شهر شتنبر 2015. وعن أسباب الاكتظاظ، سجل التامك أن هناك ارتفاعا في عدد السجناء المتابعين في جرائم خطيرة تمس بالأمن العام، مضيفا إلى ذلك "استمرارية إشكالية المعتقلين الاحتياطيين الذين يشكلون نسبة 40.8 في المائة من مجموع الساكنة السجنية". من جهة ثانية، نبه "سجّان المملكة الأول" إلى "عدم توفر السجون على طاقة استيعابية كافية، وعدم توزيعها بشكل متوازن على مختلف جهات المملكة، ما يؤدي إلى صعوبة تقريب جميع النزلاء لأسرهم"، معلنا عن ارتفاع "تكلفة ترحيل المعتقلين من مؤسسة إلى أخرى، خاصة بين الأقاليم والجهات، مع الإشارة إلى أن عدد الترحيلات، إلى متم شهر شتنبر من هذه السنة، تجاوزت 23 ألفا و800 عملية، 90 في المائة منها تم لأجل تقريب المعتقلين من عائلاتهم وللاستفادة من البرامج التأهيلية". وللتغلب على الاكتظاظ، في ظل "عدم توفر كافة السجون على بنيات ملائمة لتنفيذ برامج التأهيل لإعادة الإدماج"، أوضح التامك أن مندوبيته ستعيد النظر في الخريطة السجنية، معلنا أنه "من المرتقب أن يرتفع العدد من 78 مؤسسة حاليا إلى 90 مؤسسة في أفق سنة 2020، حيث تمت برمجة بناء 12 مؤسسة سجنية جديدة". مشاكل السجون الكثيرة، اختار التامك أن يركز فيها على "إشكالية تدبير المواعيد والإمكانيات الاستشفائية المتاحة بالمستشفيات العمومية"، كاشفا أن "المصابين بأمراض عقلية واضطرابات نفسية حادة يتجاوز عددهم 5600 سجين، وبالأخص منهم الذين صدرت في حقهم أحكام قضائية تقضي بانعدام المسؤولية والإيداع بمستشفى الأمراض العقلية، والذين تضطر المؤسسات السجنية إلى الاحتفاظ بهم في غياب أسِرّة شاغرة بالمؤسسات الاستشفائية، يصل عددهم إلى 57 سجينا، علما أن 37 سجينا تم إيداعهم بهذه المستشفيات". ولمواجهة واحدة من الإشكالات الكبرى التي يعاني منها القطاع السجني، وهي تدبير تغذية المعتقلين باعتبارها أحد الخدمات الأساسية والحساسة داخل السجن، يتجه المندوب العام إلى تفويت التغذية للقطاع الخاص، معللا ذلك "بكون جودة الوجبات الغذائية تظل دون المستوى المطلوب، نظرا لقلة الخبرة في الطبخ الجماعي وظروف التوزيع غير الملائمة". وسجل المسؤول عن سجون المغرب، في هذا السياق، "أن تجربة إسناد تدبير تغذية السجناء للقطاع الخاص، والتي شملت 30 مؤسسة سجنية تضم حوالي 32 ألف سجين، أي ما نسبته 40 في المائة من مجموع الساكنة السجنية، أبانت عن نتائج إيجابية، ومنها رفع الحصة اليومية لكل سجين من 12 درهما إلى 21 درهما"، يورد التامك. وقال: "هناك تحسن ملموس سواء على مستوى جودة الوجبات الغذائية أو على مستوى توزيعها، الأمر الذي تم الوقوف عليه من خلال إقبال السجناء على الوجبات الغذائية المقدمة لهم على خلاف ما كان الأمر عليه سابقا"، معتبرا أن نجاح هذه التجربة رسخ لدينا قناعة بأن التدبير المفوض لهذه الخدمة هو السبيل الأمثل لضمان الجودة والاحترافية في إعداد وتوزيع الوجبات الغذائية. التامك شدد على ضرورة "تعميم هذه التجربة على كافة السجناء ابتداء من سنة 2016"، مخاطبا النواب بالقول: "نعول على دعمكم ومساندتكم، خاصة وأن عملية التعميم تتطلب رصد اعتماد إضافي يقدر ب 200 مليون درهم، في حين إن الغلاف المالي المقترح برسم مشروع 2016 لم يعرف أي تغيير مقارنة مع سنة 2015".