تم يوم الاثنين 7 مارس 2016 تدشين محطتي القطار بالعاصمة من طرف العاهل المغربي بغلاف قدر بما يفوق مليار درهم في إطار التهييئ لاستقبال القطار فائق السرعة الرابط بين طنجة والدارالبيضاء والذي أثار جدلال سياسيا حول أولوية إنجازه خاصة وأن نصف تراب المغرب الجنوبي ما زال لحد الآن لم يربط بشبكة السكك الحديدية التي أنجزت في عهد الحماية .وهذا ما يطرح التساؤل عن خفايا عدم امتداد هذه الشبكة إلى هذه الأقاليم في الوقت التي وصلت فيه شبكة الطرق السيارة إلى أكادير ، في انتظار أن تصل إلى كلميم في إطار مخطط الجهوية الموسعة. مما يشكل مفارقة بين توجه المغرب نحو استكمال وحدته السياسية ومحاربته على مختلف الواجهات لإدماج أقاليمه الجنوبية بما فيها الأقليم الصحراوية المسترجعة ، وتأخره لحد الآن في مد شبكته السككية إلى هذه الأقاليم ؟؟ !!! - المغرب واستكمال الوحدة السياسية ارتبط تكون الدول العصرية وتوسعها السياسي والاقتصادي بالشبكة السككية التي أقامتها . فالولايات المتحدة شرعت ، منذ تحقيق وحدتها السياسة ، بمد خطوط السكك الحديدية لتربط ولايات الشمال الأمريكي بولايات جنوبه مجندة لأجل ذلك جيوشا من العمال الآسيويين استقدموا خاصة من اليابان والصين وسخروا لمد آلاف الكيلومترات من سكة الحديد التي كانت تقام في مناطق تقتلع منها قبائل الهنود الحمر المتمردة مما ساعد على ضمان وتوطيد الاندماج الاقتصادي والسياسي لدولة أصبحت منذ سقوط جدار برلين الامبراطورية العظمى الوحيدة في عالم القرن21 ، بعد تداعت أركان الامبراطورية الروسية التي امتد نفوذها ليشمل كل دول المعسكر الشرقي بفضل ضخامة وتوسع الشبكة السككية التي كانت تتوفر عليها والتي كانت تسهل عليها التحكم في الأطراف الروسية المترامية بين سيبريا ومشارف أسيا الوسطى من خلال استخدام خطوط هذه الشبكة في نقل فلول الجيش الامبراطوري السوفياتي ( أوماكان يسمى بالجيش الأحمر) واستجلاب كل ثروات وسلع الدول الشرقية التي كانت تابعة لهذه الامبراطورية. كما أن الشبكة السككية قد استعملت في تحكم الامبراطورية البريطانية في مستعمراتها خاصة في شبه الجزيرة الهندية ، حيث استطاعت قوات الاحتلال البريطاني أن تقيم شبكة سككية ضخمة ربطت بين أرجاء بلاد الهند الممتدة ، مما مكنها من استغلال ثرواتها والتحكم في سكانها. ولم تشذ فرنسا عن هذه القاعدة ، فاحتلال هذه الدولة الاستعمارية للمغرب قد بدأ بسماح فرنسا لبعض شركاتها بإقامة خطوط سكك حديدية ابتداء من سنة 1916 لنقل خيرات البلاد ، خاصة الفوسفاط ، إلى ميناء الدارالبيضاء ، و من ثمة تصديرها إلى الميتروبول . ولعل إحساس المغاربة الغريزي بخلفية هذا الاحتلال ، هو الذي دفع سكان الدارالبيضاء إلى تخريب خطوط سكة الحديد الشيء الذي جر عليهم الانتقام العسكري لقوات الاحتلال . وقد تمكنت سلطات الحماية الفرنسية من التحكم في مناطق نفوذها من خلال مد خطوط الشبكة السككية عبر المفاتيح الاستراتيجية الرئيسة والتي تمتد من مراكش إلى فاس، فتازة إلى وجدة لترتبط بالشبكة السككية التي أقيمت في كل من الجزائر وتونس . في حين أن عدم وجود الفوسفاط في مناطق سوس والصويرة ، ومناطق الاطلس الصغير ، جعل فرنسا لاتفكر في إقامة أية شبكة سكككية للربط بين هذه المناطق. كما أن هذا العامل ، إضافة إلى وعورة المناطق الصحراوية ، وتخلف الاستعمار الإسباني هو الذي دفع هذا الأخير إلى عدم التفكير جديا في مد خطوط سكك حديدية يمكن أن تربط بين المدن الرئيسية للمنطقة كطانطان والعيون ، والسمارة ، وبوجدور . وقد ورث المغرب المستقل هذا الوضع الذي بقي يتأرجح بين البحث عن استكمال الوحدة السياسية وضعف الشبكة السككية. فبخلاف دول المنطقة المغاربية التي استطاعت كلها أن تستكمل وحدتها السياسية بشكل مكثف وسريع ، خاض المغرب مواجهات سياسية ودبلوماسية متعددة ومضنية لاستكمال وحدته السياسية. فبعد الاتفاق السياسي مع فرنسا تم استرجاع مناطق النفوذ الفرنسي ، ثم منطقة طنجة الدولية، ليدخل المغرب من جديد في مفاوضات مع المستعمر الإسباني ، حيث تم استرداد المناطق المغربية التي كانت تابعة له ، باستثناء منطقتي سيدي إيفني وطرفاية اللتين لم يتم استرجاعهما إلا في سنتي 1957 و1958 . في حين بقيت منطقتي الساقية الحمراء ووادي الذهب تحت السيطرة الإسبانية إضافة إلى مدينتي سبتة ومليلية .وإذا كان من الممكن تفسير عسر و تعثراسترجاع المغرب لمختلف مناطقه المحتلة ، إلى طبيعة التقسيم الاستعماري الثلاثي لذي خضع له المغرب ، والسياسة المتدرجة التي تبناها القادة المغاربة لتحرير الأجزاء المحتلة ، إضافة إلى الصراع حول السلطة الذي احتدم بين مختلف الفرقاء السياسيين والخلاف الذي نشأ بينهم حول الطريقة الذي يمكن بها استرجاع المغرب لمختلف أقاليمه المغتصبة ، فيمكن أن يضاف إلى هذه العوامل عدم انتهاج الطبقة السياسية التي تسلمت الحكم في المغرب سياسة مد خطوط السكك الحديدية على طول مساحة الحيز الجغرافي الذي تم استرجاعه . فعلى عكس الاتفاق السياسي الذي تم بين مكونات النخبة السياسية لبناء طريق الوحدة الذي ربط جزءا من مناطق الاحتلال الفرنسي مع شمال المغرب الذي كان تابعا للنفوذ الإسباني ، لم يتم التفكير في الربط بين شمال المغرب مع جنوبه من خلال التفكير في مد خطوط السكك الحديدية لتخترق جبال الاطلس الكبير لتصل إلى مدن الجنوب المغربي مثل أكادير أو ورزازات وغيرها . إذ بدل ذلك تم الاكتفاء بالشبكة السككية التي تركتها الحماية الفرنسية ، واستعمالها في عملية شحن وتصدير الفوسفاط ، ونقل المسافرين دون أن تتعدى محاور الدارالبيضاء -خريبكة ، والدارالبيضاء -فاس- سيدي قاسم – وجدة أو طنجة، أو الدارالبيضاء –سطات-مراكش. وقد بقي هذا الوضع قائما حتى بعدما تم نقل ملكية خطوط هذه الشبكة، التي كانت تستغلها ثلاث شركات فرنسية خاصة منذ 1923 ، إلى المكتب الوطني للسكك الحديدية الذي تم إنشاؤه في سنة 1963 للعمل تحت وصاية وزارة النقل والملاحة التجارية . فالبرغم من هذا التحول في الملكية استمر هذا المكتب في استعمال نفس العتاد والعربات التي خلفتها هذه الشركات في نقل السلع والمسافرين ، دون العمل على تطوير أو تحسين من وسائل استغلاله أو من جودة خدماته أو العمل على توسيع خطوطه ، التي كانت تنتهي بتوقف قطاراته بدرجاتة الأربعة والغير المكيفة في محطة مدينة مراكش. وقد تجلى هذا الوضع ، عندما تم الإعلان عن المسيرة الخضراء لاسترجاع الاقاليم الصحراوية حيث كان يتم نقل الأعداد الكبيرة من المتطوعين بالقطارات إلى مراكش ليتم بعد ذلك نقلهم بالحافلات والشاحنات إلى المناطق الجنوبية مع ما كان يكلف ذلك من مشاق وتكاليف في الطاقة والتنظيم وبطء في التحرك. - المغرب واستكمال الوحدة السككية بعدما استعاد المغرب سيادته على هذه الأقاليم ، وبسط نفوذه الإداري على مختلف مدنها بمقتضى اتفاقية مدريد التي تم إبرامها مع كل من إسبانيا ، وموريتانيا ، وعبأ عدة تمويلات من أجل تنمية البنيات التحتية في هذه الأقاليم . وبعدما دخل في حرب عسكرية ضارية مع قوات البوليزاريو ممولة ومجهزة من القيادة الجزائرية ، فإنه لم يتم التفكير في توسيع الشبكة السككية لاستخدامها في نقل الجنود والسلع بدل اللجوء إلى الشاحنات و الطيران الجوي . فقد كان هذا الظرف ملائما لمد خطوط سكك حديدية تمتد من مراكش إلى أكادير، ومن أكادير إلى طانطان ، ومن طانطان إلى العيون ثم السمارة وبوجدور . فجو التعبئة الوطنية الذي خلقته قضية الصحراء والتضحيات البشرية الكبرى التي قدها الشعب المغربي ، والتكاليف المالية التي صرفت من أجل تحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية والخدماتية لسكان الأقاليم الصحراوية كان من الممكن أن يوظف لإنجاز مشاريع مهمة في مجال إقامة هذه الشبكة . ولعل هذا ماتنبه له الملك الراحل الملك الحسن الثاني عندما أعلن في خطاب ملكي في سنة 1984 ، عن ضرورة مد خطوط سكة حديدية انطلاقا من مراكش إلى حدود الصحراء ملمحا إلى الانعكاسات الاقتصادية التي ستنجم عن هذا المشروع خاصة من خلال فرص الشغل التي كان سيوفرها . لكن يبدو أن هذا القرار الملكي بقي حبرا على ورق . إذ بدل من الشروع في تنفيذ هذا المشروع ، اهتم المكتب الوطني للسكك الحديدية بتطوير أسطول عرباته وقاطراته ، حيث تم في هذه السنة استيراد عدد من القطارات السريعة التي أصبحت تربط بين الدارالبيضاء والقنيطرة تتحرك بالطاقة الكهربائية. كما تم العمل على تجديد مجموعة من المحطات ، وتثنية بعض الخطوط السككية ، و الاستغناء عن العربات الخشبية للدرجة الرابعة. أما بالنسبة للجنوب ، فقد اكتفى المكتب بوضع حافلات تابعة له لنقل المسافرين من مدينة مراكش إلى كل من الداخلة ، وبوجدور، والعيون ، والسمارة ، وطانطان ، وورزازات ، وتنغير ، وآساالزاك وكلميم ، وأكادير ، وتزنيت ، والصويرة . الشيء الذي فوت الفرصة لتمتين عرى الإدماج السياسي مع هذه المناطق ، خاصة تلك المسترجعة في منتصف السبعينات من القرن الماضي . فالبرغم من الجهود التي بذلتها الدولة في المجال السياسي ، من خلال إجراء انتخابات واستفتاءات في الأقاليم الصحراوية أو من خلال إدماج بعض النخب الصحراوية سواء في الأحزاب أو في عضوية المؤسسات السياسية كالبرلمان والمجالس الحكومية والبعثات الدبلوماسية ، وفي المجال الإداري من خلال إسناد مهام المسؤولية المحلية لبعض الشخصيات الصحراوية أو بعض القيادين السابقين في جبهة البوليزاريو، وفي المجال الاقتصادي من خلال تقديم تراخيص للصيد البحري و استغلال مقالع الرمال وإعفاءات ضريبية لشرائح من الأعيان الصحراويين، وإعطاء منح وتعويضات عن النقل للطلبة الذين يتابعون دراساتهم العليا بالجامعات والمعاهد في مراكش أو الرباط وغيرها من المدن الجامعية، والعمل على إيجاد وظائف لشباب المناطق الصحراوية في أسلاك الإدارة العمومية الجماعات المحلية، باللإضافة إلىالمشاريع الكبرى التي دشنها الملك محمد السادس خلال زيارتيه الأخيرتين لكل من العيون والداخلة ...فقد بقيت عملية الإدماج السياسي لسكان هذه المناطق تشكو من هذا القصورالسككي . إذ من المعروف أن ترسيخ رموز الدولة العصرية في أذهان مواطنيها لا يتم فقط من خلال الأعلام الوطنية التي توضع فوق البنايات العمومية ، ولا من خلال تلقين التعليم الرسمي ،أو من خلال خلق قنوات إذاعية وفضائية ، بل أيضا من خلال مد شبكات النقل البرية والجوية ، والبحرية ، وخاصة السككية. فقضبان السكك الحديية لا تسهل فقط نقل الأشخاص والبضائع ، بل ترسخ أيضا الامتداد المجالي والرمزي للدولة ، وتزيد من توثيق الانتماء السياسي للمواطنين بدولتهم خاصة إذا كان هؤلاء المواطنين حديثي الاندماج بوطنهم. لذا من الضروري اتخاذ قرار سياسي حاسم من أجل تفعيل القرار الملكي المتخذ من طرف الملك الراحل الحسن الثاني في منتصف الثمانينات من القرن الماضي من أجل مد السكك الحديدية من مراكش إلى مختلف مدن الجنوب بما فيها مدن الأقاليم الصحراوية، والعمل بالتوازي ، لربح الوقت ، على مد هذه الخطوط انطلاقا من مراكش في اتجاه أكادير ، ومن بوجدور اتجاه العيون والسمارة والعمل على الوصل بينهما لتغطية كل المناطق الجنوبية الأخرى . وبذا يتمكن المغرب من تحقيق وحدته السككية بالتوازي مع وحدته السياسية . فالمعركة السياسية والدبلوماسية والإعلامية التي يخوضها المغرب من أجل تطبيق مبادرته حول الحكم الذاتي بالأقاليم الصحراوية ينبغي أن تكرس من خلال تواجده السككي عبر مختلف أطراف الجنوب المغربي ، بحيث أصبح من غير المعقول ألا تغطي هذه الشبكة بطول 1907 كلم سوى 15 بالمائة من مجموع مساحة التراب الوطني التي أصبحت تبلغ ، بعد استرجاع الأقاليم الصحراوية ، 710ألف كلم. فهذه النسبة لاتغطي بالكاد ربع المساحة الوطنية. كما أن استغلال المغرب لثرواته الفوسفاطية المتواجدة ببوكراع وباقي المناطق الصحراوية يتطلب بالأساس الإسراع بمد هذه الشبكة السككية وربطها بموانىء الداخلةوطانطانوأكادير على غرار ربط مناجم خريبكة واليوسفية والجرف الأصفر بمينائي الدارالبيضاء وآسفي . بالإضافة إلى أن اهتمام المغرب بربط علاقاته الاقتصادية مع عمقه الإفريقي يستوجب استكمال وحدته السككية ، والتنسيق مع موريتانيا من أجل مد هذه الخطوط السككية للاتصال مع السينغال ، الشيء الذي سيعوض طريق القوافل التقليدية التي كانت تربط تجارة المغرب مع باقي الدول الإفريقية والتي شكلت طيلة قرون موردا أساسيا للاقتصاد المغربي وموردا رئيسيا للدولة. وبالتالي ، فإذا كان المغرب قد أنجز مشروعه الضخم طنجة المتوسط، والذي يشتمل على مد خطوط سككية لربط هذا الميناء بالمنطقة الشمالية ، مما أضفى تغييرات هيكلية كبرى في هذه المنطقة بدأت تخلصها من التهميش الاقتصادي التي طالها لعدة عقود، فإن استكمال هذه الشبكة السككية سيخرج عدة مناطق من الجنوب من الركود ومن التهميش اللذان مازالا يجثمان عليها. وفي هذا السياق، حان الوقت لإطلاق مسيرة سككية على غرار المسيرة الخضراء تنطلق من مراكش، يتم فيها تعبئة كل التمويلات الخاصة والعمومية، والوطنية والدولية لإنجاز هذا المشروع، ويتم فيها تشغيل كل سواعد المنطقة المعروفة بجلدها ومثابرتها وقدرتها على تحمل كل مشاق العمل في الظروف الصحراوية الصعبة.