لا تخلو مناسبة في حياة العراقيين من إطلاق النار، سواء كان احتفالاً بحادث سعيد أو حزناً على فقدان حبيب، ويصل الأمر إلى استخدام أسلحة متوسطة أيضاً. ظاهرة إطلاق النار من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة باتت تقليداً عشائرياً وشعبياً في العراق، لا يمكن الإستغناء عنه في جميع المناسبات، رغم تسببه بمقتل العشرات سنوياً، ليغلب رصاص القبيلة على قانون الدولة. أحد أبرز التقاليد العشائرية التي أخذت بالإتساع، خصوصا في وسط وجنوب العراق، هي ظاهرة "العراضة" المقترنة بإطلاق العيارات النارية .. وتعّد العراضة أحد ألوان الشعر الشعبي التي تمارس من قبل العشائر تعبيراً عن تضامنها فيما بينها، وتتم بزيارة وفد عشائري لقبيلة أخرى لديها مناسبة حزينة أو سعيدة. اللافت للنظر أن المسؤولين في الدولة العراقية هم أيضا لم يتجردوا من "التقاليد القبلية" التي تختلف بشكل صارخ مع قانون الدولة الذي شرعوه بأنفسهم. وشهدت محافظة النجف، الأسبوع الماضي، إطلاق نار كثيف، استمر لساعات، حزناً على وفاة والد أحد اعضاء مجلس المحافظة، لتأتي الواقعة كدليل على تجذر التقاليد والأعراف القبلية لدى الطبقة السياسية، فضلا عن العشيرة. ورغم أن "حادثة النجف" خلفت نحو 20 جريحاً بينهم أطفال، بحسب شرطة المنطقة، ولاقت استياءً شعبياً، وعرضت حركة الطيران المدني للخطر بسبب قرب موقع إطلاق النار من مطار النجف الدولي، لكن أي شخص لم يتم توقيفه، ولم تصادر أي قطعة سلاح، واكتفى الأمنيون بمطالبة رجال الدين بالتدخل لمنع الظاهرة. أفراح العراقيين هي الأخرى اقترنت بإطلاق الأعيرة النارية، كمناسبات الزواج والعودة من الحج، والحصول على شهادة جامعية عليا، وفوز المنتخب الوطني لكرة القدم، والحصول على رتبة عسكرية، وفي بعض الأحيان يقترن إطلاق النار باستقبال مولود جديد. انتشار السلاح بشكل عشوائي وضعف الأجهزة الأمنية في بعض المحافظات من أبرز الأسباب وراء اتساع الظاهرة بحسب موفق الربيعي، عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي. وقال الربيعي، في تصريح صحافي، إن "هناك انتشاراً للسلاح، الخفيف والمتوسط، لدى العشائر.. والأخيرة أصبحت قوية مقابل ضعف الحكومة الاتحادية"، مشيراً إلى أن "التوجه الحالي للحكومة ينصب على تحرير الموصل، ولا يمكن فتح جبهة أخرى مع العشائر". أما اللجان الحكومة والبرلمانية التي أوكلت لها، على مدى السنوات الماضية، مهمة التصدي لظاهرة إطلاق الأعيرة النارية فقد استطاعت أن توقع على مواثيق مع زعماء القبائل بمنع أفراد قبائلهم من إطلاق النار، لكن تلك التوقيعات لم تحدٍ من الظاهرة بحسب محمد الصيهود، عضو لجنة العشائر في البرلمان العراقي. وأضاف الصيهود، ضمن تصريح صحافي، أن "ظاهرة إطلاق النار سيئة جدا، وتسببت بقتل وجرح العشرات، وقد اتفقنا مع العشائر على أن مطلق النار تتبرأ العشيرة منه، لكن هذا الإجراء لا يحد من الظاهرة، وسحب الأسلحة الثقيلة والمتوسطة يبقى الخيار الأسلم للحد من الظاهرة". ولا توجد أرقام رسمية حول حصيلة ضحايا إطلاق النار في المناسبات العراقية، غير أن سقوط قتلى ومصابين وسطها بات امراً عادياً ومتوقعاً. وأوضح الصيهود بقوله: "لابد من تشكيل قوة أمنية اتحادية تتولى مهمة سحب الأسلحة من العشائر، حيث هناك أسلحة تمتلكها بكمّ يفوق أسلحة بعض وحدات الجيش والشرطة". وعلى مدى الأشهر الماضية، أصدرت بعض المحافظات الجنوبية قرارات وتوصيات تتضمن عقوبات مالية وقانونية ضد مطلقي النار، لكن تنفيذها يصطدم ب"التأثيرات السياسية العشائرية". ويقول محمد شويع، عضو مجلس محافظة ميسان بالجنوب، في تصريح صحافي، إن "قراراً سابقاً صدر من مجلس المحافظة تضمن فرض غرامة مالية قدرها 5 ملايين دينار عراقي على كل من يطلق النار، الى جانب عقوبات بالحبس لعدة أشهر". وأضاف شويع أن "تطبيق القرارات من قبل الأجهزة الأمنية يصطدم بتدخل المسؤولين في المحافظة والعشائر لتسوية أي حادثة في هذا الإطار". وتابع المسؤول المحلي: "المحافظة قدمت طلباً للحكومة الاتحادية لإرسال قوة أمنية خاصة من بغداد تتولى مهمة نزع سلاح العشائر الثقيل، ومن المقرر أن تصل القوة قريباً لتباشر مهامها"، من دون تحديد موعد بعينه. ويجيز القانون العراقي احتفاظ كل أسرة بقطعة سلاح خفيفة، بعد تسجيلها لدى السلطات المعنية، غير أن العراقيين يحتفظون، بموجب الأعراف العشائرية، بالكثير من الأسلحة في منازلهم، وبعضها أسلحة ثقيلة؛ مثل مدافع "هاون" وقذائف مضادة للدروع. * وكالة أنباء الأناضول