يعتبر عيد الشباب ذكرى وطنية مهمة؛ فهو ليس كباقي الأعياد أو محطة عابرة، بل مناسبة مهمة نسلط فيها الضوء على العناية الملكية السامية بقضايا الشباب، من خلال تشجيع انخراطهم في الحياة المجتمعية وتعزيز مشاركتهم السياسية والاقتصادية. فالشباب هم عماد الأمة والثروة الحقيقية للمغرب. إن الاحتفال بعيد الشباب ليس وليد اللحظة، بل تم تكريسه منذ سنة 1956 على يد الملك المجاهد محمد الخامس، قدس الله روحه، حيث أعطى تعليماته بالاحتفال بعيد الشباب في 9 يوليوز من كل سنة؛ وهو احتفال بميلاد ولي عهده آنذاك، جلالة الملك الراحل الحسن الثاني، طيب الله ثراه. وهنا تظهر لنا عبقرية الملوك العلويين الكرام؛ فاختيار كلمة "الشباب" لها دلالات وأبعاد قوية، باعتبار أن نسبة الشباب المغربي أكبر مقارنة مع نسبة الشيوخ. في العهد الجديد، جرى الاحتفال بعيد الشباب يوم 21 غشت من كل سنة، وهو تاريخ ميلاد صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله وأيده. سنعمل من خلال هذا التحليل على تسليط الضوء على الشباب المغربي في العهد الجديد: ماذا تغير؟ "الشباب المغربي في قلب الدستور الجديد": باستقرائنا للدستور الجديد، نجد أنه جاء بمجموعة من المستجدات لم تكن في الدساتير السابقة المتعاقبة منذ سنة 1962 إلى غاية 1996. ومن بين الأمور التي جاء بها، نجد الاهتمام بقضايا الشباب، ولعل أبرزها قضية التشغيل من خلال الفصل 31. أما الفصل 33 فقد نص على ما يلي: "على السلطات العمومية اتخاذ التدابير الملائمة لتحقيق ما يلي: توسيع وتعميم مشاركة الشباب في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية للبلاد؛ مساعدة الشباب على الاندماج في الحياة النشيطة والجمعوية، وتقديم المساعدة لأولئك الذين تعترضهم صعوبة في التكيف المدرسي أو الاجتماعي أو المهني؛ تيسير ولوج الشباب للثقافة والعلم والتكنولوجيا، والفن والرياضة والأنشطة الترفيهية، مع توفير الظروف المواتية لتفتق طاقاتهم الخلاقة والإبداعية في كل هذه المجالات. يُحدث مجلس استشاري للشباب والعمل الجمعوي، من أجل تحقيق هذه الأهداف." إذن، ولأول مرة، تمت دسترة مؤسسة جديدة تهتم بالشباب، تعتبر سابقة من نوعها في التاريخ الدستوري المغربي، وهي المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي، الذي تم التنصيص عليه في الباب 12 المعنون بالحكامة الجيدة، حيث نص الفصل 170 على: "يعتبر المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي، المحدث بموجب الفصل 33 من هذا الدستور، هيئة استشارية في ميادين حماية الشباب والنهوض بتطوير الحياة الجمعوية. وهو مكلف بدراسة وتتبع المسائل التي تهم هذه الميادين، وتقديم اقتراحات حول كل موضوع اقتصادي واجتماعي وثقافي، يهم مباشرة النهوض بأوضاع الشباب والعمل الجمعوي، وتنمية طاقاتهم الإبداعية، وتحفيزهم على الانخراط في الحياة الوطنية، بروح المواطنة المسؤولة." "الشباب في صلب أولويات النموذج التنموي الجديد" بعد خطاب افتتاح البرلمان سنة 2016 التاريخي، الذي انتقد فيه جلالة الملك، أسماه الله وأعز أمره، الإدارة العمومية، وبعد خطاب العرش المجيد سنة 2017 الذي انتقد فيه جلالته الأحزاب السياسية، جاء خطاب افتتاح البرلمان سنة 2017 الذي أعلن فيه جلالة الملك، حفظه الله ورعاه، بكل صراحة عن فشل النموذج التنموي السابق، وتطرق فيه لقضية الشباب المغربي، حيث قال جلالته، نصره الله وأيده: "إن التقدم الذي يعرفه المغرب لا يشمل مع الأسف كل المواطنين، وخاصة شبابنا، الذي يمثل أكثر من ثلث السكان، والذي نخصه بكامل اهتمامنا ورعايتنا. فتأهيل الشباب المغربي وانخراطه الإيجابي والفعال في الحياة الوطنية يعد من أهم التحديات التي يتعين رفعها. وقد أكدنا أكثر من مرة، ولاسيما في خطاب 20 غشت 2012، بأن الشباب هو ثروتنا الحقيقية، ويجب اعتباره كمحرك للتنمية وليس كعائق أمام تحقيقها. والواقع أن التغيرات المجتمعية التي يشهدها المغرب قد أفرزت انبثاق الشباب كفاعل جديد له وزنه وتأثيره الكبير في الحياة الوطنية. ورغم الجهود المبذولة، فإن وضعية شبابنا لا ترضينا ولا ترضيهم؛ فالعديد منهم يعانون من الإقصاء والبطالة، ومن عدم استكمال دراستهم، وأحياناً حتى من الولوج للخدمات الاجتماعية الأساسية. كما أن منظومة التربية والتكوين لا تؤدي دورها في التأهيل والإدماج الاجتماعي والاقتصادي للشباب. أما السياسات العمومية القطاعية والاجتماعية، فرغم أنها تخصص مجالاً هاماً للشباب، إلا أن تأثيرها على أوضاعهم يبقى محدوداً لضعف النجاعة والتناسق في ما بينها، وعدم ملاءمة البرامج لجميع الشرائح الشبابية. واعتباراً للارتباط الوثيق بين قضايا الشباب وإشكالية النمو والاستثمار والتشغيل، فإن معالجة أوضاعهم تحتاج إلى ابتكار مبادرات ومشاريع ملموسة تحرر طاقاتهم، وتوفر لهم الشغل والدخل القار، وتضمن لهم الاستقرار، وتمكنهم من المساهمة البناءة في تنمية الوطن. وأخص بالذكر هنا، على سبيل المثال، وضعية الشباب الذين يعملون في القطاع غير المهيكل، والتي تقتضي إيجاد حلول واقعية قد لا تتطلب وسائل مادية كبيرة، ولكنها ستوفر لهم وسائل وفضاءات للعمل في إطار القانون، بما يعود بالنفع عليهم وعلى المجتمع. وعلى غرار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، فإننا ندعو لبلورة سياسة جديدة مندمجة للشباب، تقوم بالأساس على التكوين والتشغيل، قادرة على إيجاد حلول واقعية لمشاكلهم الحقيقية، وخاصة في المناطق القروية والأحياء الهامشية والفقيرة. ولضمان شروط النجاعة والنجاح لهذه السياسة الجديدة، ندعو لاستلهام مقتضيات الدستور، وإعطاء الكلمة للشباب، والانفتاح على مختلف التيارات الفكرية، والإفادة من التقارير والدراسات التي أمرنا بإعدادها، وخاصة حول "الثروة الإجمالية للمغرب" و"رؤية 2030 للتربية والتكوين"، وغيرها. وفي أفق بلورة واعتماد هذه السياسة، ندعو للإسراع بإقامة المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي كمؤسسة دستورية للنقاش وإبداء الرأي وتتبع وضعية الشباب." وهذا ما تم بالفعل؛ فالتقرير الصادر عن اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد، التي عينها جلالة الملك سنة 2019، ركز بالأساس على الشباب المغربي في إطار الرؤية الجديدة، وجل السياسات العمومية والقطاعية والمشاريع والبرامج العمومية المبرمجة تعطي حيزاً كبيراً للشباب. "الشباب والتشغيل": يعتبر التشغيل من أهم المواضيع الراهنة، لاسيما بالنسبة لحاملي الشهادات العليا وخريجي التكوين المهني. وبما أن المؤسسة الملكية لها رؤية استشرافية حكيمة، فقد عملت على وضع مخططات وبرامج. فإذا عدنا لخطاب ثورة الملك والشعب سنة 2018، قال جلالة الملك: "لقد سبق أن أكدت، في خطاب افتتاح البرلمان، على ضرورة وضع قضايا الشباب في صلب النموذج التنموي الجديد، ودعوت لإعداد استراتيجية مندمجة للشباب، والتفكير في أنجع السبل للنهوض بأحواله. فلا يمكن أن نطلب من شاب القيام بدوره وبواجبه دون تمكينه من الفرص والمؤهلات اللازمة لذلك. علينا أن نقدم له أشياء ملموسة في التعليم والشغل والصحة وغير ذلك. ولكن قبل كل شيء، يجب أن نفتح أمامه باب الثقة والأمل في المستقبل... فتمكين الشباب من الانخراط في الحياة الاجتماعية والمهنية ليس امتيازاً؛ لأن من حق أي مواطن، كيفما كان الوسط الذي ينتمي إليه، أن يحظى بنفس الفرص والحظوظ من تعليم جيد وشغل كريم. غير أن ما يحز في نفسي أن نسبة البطالة في أوساط الشباب تبقى مرتفعة. فمن غير المعقول أن تمس البطالة شاباً من بين أربعة، رغم مستوى النمو الاقتصادي الذي يحققه المغرب على العموم. والأرقام أكثر قساوة في المجال الحضري. ورغم المجهودات المبذولة، والأوراش الاقتصادية، والبرامج الاجتماعية المفتوحة، فإن النتائج المحققة تبقى دون طموحنا في هذا المجال. وهو ما يدفعنا، في سياق نفس الروح والتوجه الذي حددناه في خطاب العرش، إلى إثارة الانتباه مجدداً، وبكل استعجال، إلى إشكالية تشغيل الشباب، لاسيما في علاقتها بمنظومة التربية والتكوين. إذ لا يمكن أن نقبل لنظامنا التعليمي أن يستمر في تخريج أفواج من العاطلين، خاصة في بعض الشعب الجامعية، التي يعرف الجميع أن حاملي الشهادات في تخصصاتها يجدون صعوبة قصوى في الاندماج في سوق الشغل. وهو هدر صارخ للموارد العمومية ولطاقات الشباب، مما يعرقل مسيرات التنمية، ويؤثر في ظروف عيش العديد من المغاربة. والغريب في الأمر أن الكثير من المستثمرين والمقاولات يواجهون، في نفس الوقت، صعوبات في إيجاد الكفاءات اللازمة في مجموعة من المهن والتخصصات. كما أن العديد من الشباب، خاصة من حاملي الشهادات العليا العلمية والتقنية، يفكرون في الهجرة إلى الخارج، ليس فقط بسبب التحفيزات المغرية هناك، وإنما أيضاً لأنهم لا يجدون في بلدهم المناخ والشروط الملائمة للاشتغال، والترقي المهني، والابتكار والبحث العلمي. وهي عموماً نفس الأسباب التي تدفع عددا من الطلبة المغاربة بالخارج لعدم العودة للعمل في بلدهم بعد استكمال دراستهم. وأمام هذا الوضع، ندعو للانكباب بكل جدية ومسؤولية على هذه المسألة، من أجل توفير الجاذبية والظروف المناسبة لتحفيز هذه الكفاءات على الاستقرار والعمل بالمغرب." وفي نفس السياق، أكد جلالة الملك، شافاه الله وعافاه، في خطاب افتتاح البرلمان سنة 2019 على: "ولهذه الغاية، نوجه الحكومة وبنك المغرب، للتنسيق مع المجموعة المهنية لبنوك المغرب، قصد العمل على وضع برنامج خاص بدعم الخريجين الشباب، وتمويل المشاريع الصغرى للتشغيل الذاتي. وذلك على غرار التجارب الناجحة، التي قامت بها عدة مؤسسات، في مجال تمويل المشاريع التي يحملها الشباب، وتسهيل إدماجهم المهني والاجتماعي. وهو ما كانت له نتائج إيجابية عليهم، وعلى أسرهم، وعلى المجتمع. وإننا نتطلع أن يقوم هذا المخطط، الذي سأتابع مع الحكومة وكل المنخرطين فيه مختلف مراحله، على التوجهات التالية: • أولا: تمكين أكبر عدد من الشباب المؤهل، حاملي المشاريع، المنتمين لمختلف الفئات الاجتماعية، من الحصول على قروض بنكية لإطلاق مشاريعهم، وتقديم الدعم لهم لضمان أكبر نسبة من النجاح؛ • ثانيا: دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة، العاملة في مجال التصدير، وخاصة نحو إفريقيا، والاستفادة من القيمة المضافة للاقتصاد الوطني. • ثالثا: تسهيل ولوج عموم المواطنين للخدمات البنكية، والاستفادة من فرص الاندماج المهني والاقتصادي، خاصة بالنسبة للعاملين في القطاع غير المنظم." ومنذ ذلك الوقت إلى اليوم، شاهدنا العديد من المبادرات من قبيل مشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في نسختها الثالثة، ثم برنامج "انطلاقة"، وبرنامج "فرصة"... إلخ. كل هذه المشاريع تهدف إلى خلق فرص الشغل ومحاربة البطالة. دون أن ننسى شيئاً مهماً، أنه بفضل السياسة الملكية الرشيدة في مجال التدبير اللاممركز للاستثمار سنة 2002، لاحظنا تدفق نسبة الاستثمارات الأجنبية المباشرة على المغرب، مما انعكس إيجاباً على سوق الشغل، عبر تشغيل الشباب في العديد من الشركات، كشركة "رونو" على سبيل المثال لا الحصر، التي تشغل يداً عاملة هائلة. أضف إلى ذلك سياسة الموانئ التي تم نهجها في العهد الجديد، ميناء طنجة المتوسطي نموذجاً، الذي شغل العديد من الشباب. كما أن تطوير منظومة التكوين المهني ساهمت في الرفع من نسبة تشغيل الشباب؛ فورش مدن المهن والكفاءات الذي دشنه جلالة الملك، حفظه الله ورعاه، سنة 2019 قد أعطى أكله وثماره. "العناية الملكية الفائقة بشباب العالم القروي": إذا كنا قد تحدثنا عن تشغيل شباب المدن، فإن جلالة الملك يحرص أشد الحرص على الاهتمام بشباب العالم القروي، في إطار تكريس العدالة المجالية، وأن جلالته لا يريد مغرباً يسير بسرعتين، كما أكد على ذلك في خطاب العرش 2025. إن الهدف من تشغيل شباب العالم القروي هو تكوين طبقة متوسطة قوية، والمساهمة بشكل فعال في الحد من الهجرة القروية واكتظاظ المدن. حيث قال جلالة الملك، أسماه الله وأعز أمره، في خطاب افتتاح البرلمان سنة 2018: إننا نضع النهوض بتشغيل الشباب في قلب اهتماماتنا، ونعتبر أن هناك العديد من المجالات التي يمكن أن تساهم في خلق المزيد من فرص الشغل. ويعد التكوين المهني رافعة قوية للتشغيل إذا ما حظي بالعناية التي يستحقها، وإعطاء مضمون ومكانة جديدين لهذا القطاع الواعد. وهو ما يقتضي العمل على مد المزيد من الممرات والجسور بينه وبين التعليم العام، في إطار منظومة موحدة ومتكاملة، مع خلق نوع من التوازن بين التكوين النظري والتداريب التطبيقية داخل المقاولات. وعلاوة على دور التكوين في التأهيل لسوق الشغل، فإن القطاع الفلاحي يمكن أن يشكل خزاناً أكثر دينامية للتشغيل، ولتحسين ظروف العيش والاستقرار بالعالم القروي. لذا ندعو لتعزيز المكاسب المحققة في الميدان الفلاحي، وخلق المزيد من فرص الشغل والدخل، وخاصة لفائدة الشباب القروي. غايتنا انبثاق وتقوية طبقة وسطى فلاحية، وجعلها عامل توازن ورافعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، على غرار الدور الهام للطبقة الوسطى في المدن. وإننا ندرك ما تعرفه الأراضي الفلاحية من تقسيم متزايد، مع ما ينتج عن ذلك من ضعف في الإنتاجية. كما أن استقرار الشباب بأرضهم يبقى رهيناً بتمكينهم من فرص الشغل." أما في خطاب ثورة الملك والشعب سنة 2019، قال جلالته: "وبموازاة ذلك، يجب استثمار كافة الإمكانات المتوفرة بالعالم القروي، وفي مقدمتها الأراضي الفلاحية السلالية، التي دعونا إلى تعبئتها، قصد إنجاز مشاريع الاستثمارية في المجال الفلاحي. وهنا ينبغي التأكيد على أن جهود الدولة وحدها لا تكفي لضمان النجاح لهذه العملية الكبرى. بل لابد من دعمها بمبادرات ومشاريع القطاع الخاص، لإعطاء دينامية قوية للاستثمار الفلاحي، وفي المهن والخدمات المرتبطة به، وخاصة في العالم القروي. وفي هذا الإطار، نشدد على ضرورة التنسيق الكامل بين القطاعات المعنية. وفي نفس السياق، ندعو لاستغلال الفرص والإمكانات التي تتيحها القطاعات الأخرى غير الفلاحية، كالسياحة القروية، والتجارة، والصناعات المحلية وغيرها، وذلك من أجل الدفع قدماً بتنمية وتشجيع المبادرة الخاصة، والتشغيل الذاتي. وهنا أؤكد مرة أخرى على أهمية التكوين المهني في تأهيل الشباب، وخاصة في القرى وضواحي المدن، للاندماج المنتج في سوق الشغل، والمساهمة في تنمية البلاد." وفي خطاب افتتاح البرلمان سنة 2020، أكد جلالته على نفس المعطى حيث قال: "ونود التأكيد هنا على الأهمية التي يجب أن تعطى للفلاحة والتنمية القروية ضمن عملية الإنعاش الاقتصادي. ففي الظروف الحالية، يتعين دعم صمود هذا القطاع الوازن، وتسريع تنفيذ جميع البرامج الفلاحية. وهو ما سيساهم في تحفيز الاستثمار والتشغيل، وتثمين الإنتاج الفلاحي الوطني، وتسهيل الاندماج المهني بالعالم القروي، وفقاً للاستراتيجية الفلاحية الجديدة. وتشكل عملية تعبئة مليون هكتار من الأراضي الفلاحية الجماعية، لفائدة المستثمرين وذوي الحقوق، رافعة أساسية ضمن هذه الاستراتيجية. ويقدر حجم الاستثمارات المنتظرة في إطار هذا المشروع بما يقارب 38 مليار درهم على المدى المتوسط. وهو ما سيمكن من خلق قيمة مضافة، لتمثل حوالي نقطتين إضافيتين سنوياً من الناتج الداخلي الخام، وإحداث عدد هام من مناصب الشغل خلال السنوات القادمة. لذا، يجب تعزيز التنسيق والتعاون بين القطاعات المعنية، مع العمل على تحفيز الشباب في العالم القروي، عن طريق خلق المقاولات، ودعم التكوين، لاسيما في المهن والخدمات المرتبطة بالفلاحة." فجلالة الملك، بفضل رؤيته المتبصرة، يريد تحسين ظروف عيش الساكنة القروية عبر دعم برامج التكوين المهني التي تسهل اندماجهم في سوق الشغل، ومن ثم الاستقرار بالعالم القروي وتحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية. "ورش تعميم الحماية الاجتماعية: هيكلة القطاع غير المهيكل": بما أن نسبة كبيرة من الشباب هي المستحوذة في مجال اليد العاملة بالشركات، وفي جائحة كورونا، أكد جلالة الملك، حفظه الله ورعاه، في خطاب العرش سنة 2020 عن هشاشة الوضع الاجتماعي، وبأن هناك نسبة كبيرة من القطاع غير المهيكل. وعليه، جاءت المبادرة الملكية المتمثلة في ورش تعميم الحماية الاجتماعية، التي تعتبر بكل صدق وموضوعية ثورة اجتماعية حقيقية، وثورة جديدة للملك والشعب، تم الإعلان عنها في خطاب العرش 2020، وتم تحديدها بكل دقة في خطاب افتتاح البرلمان في نفس السنة، وتمت ترجمتها في شكل القانون الإطار 09.21. وبالتالي، تم إدماج الشباب في النسيج الاقتصادي والاجتماعي ومحاربة القطاع غير المهيكل. "الشباب والسياسة": لقد نص الدستور الجديد في فصليه 7 و29 على الحقوق السياسية المتمثلة أساساً في الانخراط في العمل السياسي. وجاء القانون التنظيمي للأحزاب السياسية 29.11، كما وقع تغييره وتتميمه، بمستجدات مهمة، لعل أهمها "التداول على المناصب الحزبية". ويعتبر هذا المعطى تكريساً للديمقراطية والشفافية داخل هياكل الحزب. ومنذ ذلك الوقت إلى اليوم، نلاحظ انخراط الشباب في السياسة وتموقعهم في المكاتب السياسية واللجان والمجالس الوطنية الحزبية. حيث قال جلالة الملك، حفظه الله ورعاه، في خطاب العرش سنة 2018: "والواقع أن الأحزاب تقوم بمجهودات من أجل النهوض بدورها. إلا أنه يتعين عليها استقطاب نخب جديدة، وتعبئة الشباب للانخراط في العمل السياسي؛ لأن أبناء اليوم هم الذين يعرفون مشاكل ومتطلبات اليوم. كما يجب عليها العمل على تجديد أساليب وآليات اشتغالها." إن الأمر لم يقتصر فقط على انخراط الشباب في السياسة، بل أصبحنا نراهم في مواقع مهمة، من قبيل وزراء شباب في الحكومات المغربية، ورؤساء جماعات ترابية شباب. وهذا المعطى مهم؛ فالقوانين التنظيمية للجماعات الترابية نصت أنه في حالة تعادل الأصوات بين المترشحين لرئاسة مجالس الجماعات الترابية، يعتبر المرشح الأصغر سناً هو الرئيس. هذا مستجد مهم يشجع على تشجيع الشباب على الانخراط في العمل السياسي. بالإضافة إلى هذا وذاك، نجد العديد من الفصول الدستورية التي تشجع على الديمقراطية التشاركية كوسيلة مباشرة في إعداد وتنفيذ وتقييم السياسات العمومية والسياسات الترابية، وذلك من خلال ما يلي: الفصل 12 تُؤسس جمعيات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية، وتمارس أنشطتها بحرية، في نطاق احترام الدستور والقانون. لا يمكن حل هذه الجمعيات والمنظمات أو توقيفها من لدن السلطات العمومية، إلا بمقتضى مقرر قضائي. تُساهم الجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام، والمنظمات غير الحكومية، في إطار الديمقراطية التشاركية، في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، وكذا في تفعيلها وتقييمها. وعلى هذه المؤسسات والسلطات تنظيم هذه المشاركة، طبق شروط وكيفيات يحددها القانون. يجب أن يكون تنظيم الجمعيات والمنظمات غير الحكومية وتسييرها مطابقاً للمبادئ الديمقراطية. الفصل 13 تعمل السلطات العمومية على إحداث هيئات للتشاور، قصد إشراك مختلف الفاعلين الاجتماعيين، في إعداد السياسات العمومية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها. الفصل 14 للمواطنين والمواطنات، ضمن شروط وكيفيات يحددها قانون تنظيمي، الحق في تقديم ملتمسات في مجال التشريع. الفصل 15 للمواطنين والمواطنات الحق في تقديم عرائض إلى السلطات العمومية. ويحدد قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسة هذا الحق. الفصل 139 تضع مجالس الجهات، والجماعات الترابية الأخرى، آليات تشاركية للحوار والتشاور، لتيسير مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في إعداد برامج التنمية وتتبعها. يُمكن للمواطنات والمواطنين والجمعيات تقديم عرائض، الهدف منها مطالبة المجلس بإدراج نقطة تدخل في اختصاصه ضمن جدول أعماله. "العناية المولوية بشباب المهجر": مثلما يعطي جلالة الملك، حفظه الله ورعاه، الاهتمام بشباب المغرب داخل الوطن، فإن ذلك لا يقل نسبة تجاه شباب المهجر. حيث قال جلالته في خطاب ثورة الملك والشعب سنة 2022: "وهنا، نجدد الدعوة للشباب وحاملي المشاريع المغاربة، المقيمين بالخارج، للاستفادة من فرص الاستثمار الكثيرة بأرض الوطن، ومن التحفيزات والضمانات التي يمنحها ميثاق الاستثمار الجديد." وعليه، فالعديد من شباب مغاربة العالم دخلوا إلى أرض الوطن واستثمروا في العديد من المجالات، نظراً لمناخ الأعمال المحفز، والإطار التشريعي الجيد المتمثل في القانون الإطار 03.22 المتعلق بميثاق الاستثمار، وكذا الإطار المؤسساتي المتمثل في المراكز الجهوية للاستثمار. "الشباب المغربي والرياضة": لعل الإنجاز الكروي غير المسبوق الذي حققه المغرب في بطولة كأس العالم سنة 2022 يعتبر خير دليل على العناية الملكية بالرياضة المغربية؛ حيث أن ذلك الإنجاز لم يأت من فراغ، بل هو نتاج لمجهودات. فالدولة قامت بتدشين ملاعب القرب كوسيلة للترفيه، وفي نفس الوقت لاكتشاف المواهب. دون أن ننسى أكاديمية محمد السادس لكرة القدم التي لعبت منذ إحداثها دوراً مهماً في إفراز مواهب كبيرة. كما أن الأمر لم يقتصر فقط على كرة القدم؛ نجد أيضاً رياضة الجري، مثلاً، سفيان البقالي الذي شرف المغرب كبطل شاب رفع راية المملكة في المحافل الدولية. إن الرياضة أصبحت في العهد الجديد رافعة أساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وشاهدنا كيف عملت المؤسسة الملكية على تعزيز الإشعاع القاري والدولي للرياضة المغربية من خلال تدشين ملاعب بمعايير دولية، والفوز بتنظيم كأس إفريقيا سنة 2025، وكذا تنظيم كأس العالم سنة 2030 بشراكة مع إسبانيا والبرتغال. وقد تم إحداث مؤسسة المغرب 2030 مكلفة بمتابعة جميع المشاريع الكبرى المرتبطة بكأس العالم. وفي إطار تكريس المناصفة والمساواة بين الجنسين، فقد حظي المنتخب الوطني النسوي لكرة القدم باستقبال من طرف جلالة الملك، أسماه الله وأعز أمره، في احتفالات عيد العرش هذه السنة. كما عرفت سنة 2025 تسريع تعميم شبكة الجيل الخامس على الصعيد الوطني، مما رفع من مكانة المغرب كمحور إفريقي للرياضات الإلكترونية؛ إذ تميز شباب مغاربة في بطولات عالمية للألعاب الرقمية. "تربية الشباب على روح المواطنة": نص الفصل 38 من الدستور الجديد على: "يُساهم كل المواطنين والمواطنات في الدفاع عن الوطن ووحدته الترابية تجاه أي عدوان أو تهديد." ومن هنا جاءت المبادرة الملكية في إقرار التجنيد الإجباري كوسيلة للتربية على حب الوطن، واكتساب مهارات جديدة عبر برامج تكوينية نظرية وتطبيقية تمكنهم من سهولة الاندماج في الحياة المهنية. حيث صدر القانون 44.18 المتعلق بالخدمة العسكرية سنة 2019. ويعتبر خطاب افتتاح البرلمان سنة 2018 هو الإطار المرجعي للتجنيد الإجباري، حيث قال جلالة الملك، أسماه الله وأعز أمره: "إن التوجيهات الهامة التي قدمناها بخصوص قضايا التشغيل، والتعليم والتكوين المهني، والخدمة العسكرية، تهدف للنهوض بأوضاع المواطنين، وخاصة الشباب، وتمكينهم من المساهمة في خدمة وطنهم فالخدمة العسكرية تقوي روح الانتماء للوطن. كما تمكن من الحصول على تكوين وتدريب يفتح فرص الاندماج المهني والاجتماعي أمام المجندين الذين يبرزون مؤهلاتهم، وروح المسؤولية والالتزام. وهنا يجب التأكيد أن جميع المغاربة المعنيين، دون استثناء، سواسية في أداء الخدمة العسكرية، وذلك بمختلف فئاتهم وانتماءاتهم الاجتماعية وشواهدهم ومستوياتهم التعليمية." صحيح أن الدولة قامت ببناء مراكز تكوين وتأهيل وإدماج الشباب، ومراكز سوسيو-تربوية، ومركبات سوسيو-رياضية، ومراكز معالجة الإدمان، وقامت بتكوين الشباب في مجال التكنولوجيات الحديثة لمواكبة تحديات الألفية الثالثة، إلا أن التجنيد الإجباري قد أعطى ثماره منذ إطلاقه سنة 2019، باعتباره وسيلة فعالة ومجدية في التربية على الحس الوطني، ومحاربة الفراغ والبطالة، وخلق فرص الشغل، عبر إنتاج شباب مغربي وطني، رياضي، مثقف وواع. "إمارة المؤمنين والعناية بالأمن الروحي للشباب": يأتي الاهتمام بالجانب الروحي للشباب، باعتبار أن جلالة الملك هو الضامن للأمن الروحي للأمة المغربية؛ فهو أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين بموجب الفصل 41 من دستور 2011. وقد لاحظنا المجهودات المبذولة من طرف الدولة لمحاربة التطرف والإرهاب، من قبيل تنظيم دروس دينية في المساجد برعاية وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والمجالس العلمية المحلية، وتعليم الشباب مبادئ الدين الإسلامي الحنيف والسمح، وإنشاء معهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات، وقناة محمد السادس للقرآن الكريم، وإحداث مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، وتنظيم مسابقات دينية كتجويد القرآن العظيم، ومنصة محمد السادس للحديث الشريف... إلخ. كل هذا ساهم في الحفاظ على الأمن الروحي للشباب، عبر تشبعهم بأفكار تدعو إلى الوسطية والاعتدال، وإلى التسامح والحوار، بعيداً عن التشدد والتطرف. خاتمة عامة: لقد أولى جلالة الملك، نصره الله وأيده، عناية فائقة لموضوع الشباب، سواء في خطبه السامية منذ اعتلاءه عرش أسلافه المنعمين، أو من خلال الأوراش الكبرى التي دشنها، وكذا من خلال توجيه مختلف الفاعلين كالحكومة والبرلمان والأحزاب والمجتمع المدني والقطاع الخاص... إلخ إلى الاهتمام بقضايا الشباب في مختلف السياسات العمومية، باعتبار أن الشباب هم عماد الأمة وحاضرها ومستقبلها. وكما قال جلالته، حفظه الله ورعاه، في خطاب ثورة الملك والشعب سنة 2012: "فالأوراش الكبرى التي أطلقناها لاستكمال بناء نموذج المجتمع المغربي المتميز، المتشبث بهويته، القائم على التضامن بين كل فئاته، لا يمكن أن تحقق أهدافها إلا بسواعد الشباب المغربي وإبداعاته، واستثمار طاقاته. فأنتم معشر الشباب، تشكلون الثروة الحقيقية للوطن، اعتباراً للدور الذي تنهضون به كفاعلين في سياق التطور الاجتماعي. فأنتم تتمتعون بكامل المواطنة، بما تعنيه من حقوق وواجبات، ومن انخراط إيجابي في التحولات التي يعرفها المجتمع، وذلك في تشبث بثوابت الهوية الوطنية، وانفتاح على القيم الكونية. ومن ثم، ما فتئنا نحرص على الإصغاء إلى انشغالاتكم الخاصة، والتجاوب مع تطلعاتكم المشروعة، أينما كنتم، ومهما كانت انتماءاتكم." -دكتور في القانون العام