المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان تنظم ورشة تحسيسية للصحفيين بالشمال حول تغطية التظاهرات الرياضية الكبرى واحترام حقوق الإنسان    ندالا يقود لقاء المغرب وجزر القمر    التشكيك في الحصيلة الرسمية لفيضانات آسفي يضع شابا في قبضة الأمن    تنظيم الدورة السابعة عشر من المهرجان الوطني لفيلم الهواة بسطات    بلمو يحيي امسيتين شعريتين بسلا    المغرب بطل العرب اليوم وبطل العالم غدا إن شاء الله    افتتاح «كان» المغرب... عرض فني باهر يزاوج بين الهوية المغربية والروح الإفريقية    حموشي يقرر ترقية شرطي مُتوفٍ    توقيف هولندي بميناء طنجة المدينة بموجب مذكرة بحث دولية    8 ملايين دولار القيمة الإجمالية لمشاريع وكالة بيت مال القدس الشريف برسم سنة 2025    مجلس الحكومة يتدارس الدعم الاجتماعي ومشاريع مراسيم جديدة الثلاثاء المقبل    نقابات عمالية مغربية تنتقد الحد الأدنى للأجر في خضم الغلاء والتضخم    حملة شتاء بمدينة شفشاون تواصل احتضان الأشخاص في وضعية الشارع لمواجهة موجة البرد    جلالة الملك يهنئ أبطال العرب ويشيد بالجماهير المغربية    تساقطات ثلجية وأمطار قوية أحيانا رعدية وطقس بارد من اليوم الجمعة إلى الاثنين المقبل بعدد من مناطق المملكة (نشرة إنذارية)    أخبار الساحة    أكديطال تستحوذ على مستشفى بمكة    المغرب يقترب من استكمال استيراد 280 ألف رأس من الأبقار مع نهاية 2025    دعوى أمام القضاء الإداري لحث أخنوش على إعلان آسفي "مدينة منكوبة" وتفعيل "صندوق الكوارث"    تكريم الوفد الأمني المغربي في قطر    إنفانتينو يهنئ المغرب بلقب كأس العرب    إحباط محاولة تهريب كمية مهمة من "المعسل" ومكملات غذائية بميناء طنجة المتوسط    رئاسة النيابة العامة تؤكد إلزامية إخضاع الأشخاص الموقوفين لفحص طبي تعزيزا للحقوق والحريات    بعد جدل منصة التتويج.. لاعب المنتخب الأردني سليم عبيد يعتذر لطارق السكتيوي    في أداء مالي غير مسبوق.. المحافظة العقارية تضخ 7.5 مليارات درهم لفائدة خزينة الدولة        تقلبات جوية وأجواء باردة تهم عدة جهات    لحسن السعدي يترأس اجتماع مجلس إدارة مكتب تنمية التعاون    وجدة .. انخفاض الرقم الاستدلالي للأثمان عند الاستهلاك    توقيف الأستاذة نزهة مجدي بمدينة أولاد تايمة لتنفيذ حكم حبسي مرتبط باحتجاجات "الأساتذة المتعاقدين"    الكاف يعلن عن شراكات بث أوروبية قياسية لكأس أمم إفريقيا    أسماء لمنور تضيء نهائي كأس العرب بأداء النشيد الوطني المغربي    العاصمة الألمانية تسجل أول إصابة بجدري القردة    كالحوت لا يجتمعون إلا في طاجين !    الشرطة الأمريكية تعثر على جثة المشتبه به في تنفيذ عملية إطلاق النار بجامعة براون    البورصة تبدأ التداولات على وقع الأخضر    تقرير: المغرب من أكثر الدول المستفيدة من برنامج المعدات العسكرية الأمريكية الفائضة    "الصحة العالمية": أكثر من ألف مريض توفوا وهم ينتظرون إجلاءهم من غزة منذ منتصف 2024    زلزال بقوة 5.7 درجات يضرب أفغانستان    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    حمداوي: انخراط الدولة المغربية في مسار التطبيع يسير ضد "التاريخ" و"منطق الأشياء"    انخفاض الذهب والفضة بعد بيانات التضخم في الولايات المتحدة    استمرار تراجع أسعار النفط للأسبوع الثاني على التوالي    هياكل علمية جديدة بأكاديمية المملكة    "الكان" يربك حسابات الأندية الأوروبية    انخفاض جديد في أسعار الغازوال والبنزين بمحطات الوقود    البرلماني رفيق بناصر يسائل وزير الصحة حول العرض الصحي بمدينة أزمور والجماعات المجاورة    شبهة تضارب مصالح تُقصي إناث اتحاد طنجة لكرة اليد من قاعات التدريب    الدولة الاجتماعية والحكومة المغربية، أي تنزيل ؟    السعودية تمنع التصوير داخل الحرمين خلال الحج    من هم "الحشاشون" وما صحة الروايات التاريخية عنهم؟    منظمة الصحة العالمية تدق ناقوس انتشار سريع لسلالة جديدة من الإنفلونزا    7 طرق كي لا يتحوّل تدريس الأطفال إلى حرب يومية    سلالة إنفلونزا جديدة تجتاح نصف الكرة الشمالي... ومنظمة الصحة العالمية تطلق ناقوس الخطر    التحكم في السكر يقلل خطر الوفاة القلبية    استمرار إغلاق مسجد الحسن الثاني بالجديدة بقرار من المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية وسط دعوات الساكنة عامل الإقليم للتدخل    سوريا الكبرى أم إسرائيل الكبرى؟    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الطبيعة القانونية للهدم التعميري في التشريع والقضاء الفرنسي
نشر في هسبريس يوم 20 - 01 - 2017

أرسى المشرع الفرنسي عدة عقوبات في مجال التعمير والبناء ، نذكر منها ،العقوبات السالبة للحرية ، العقوبات المالية ، نشر الاحكام النهائية في الجرائد ، مصادرة مواد وأدوات البناء ، إغلاق اوراش البناء ، وضع الأختام ، إيقاف الأشغال ، الغرامة التهديدية ، إلغاء عقود البيع والكراء والتقسيم . لكن الطبيعة القانونية للهدم بالخصوص كان موضوع سجال قضائي وفقهي متكرر، كما اثارت علاقة الهدم، كإجراء خاص بالعقوبات التقليدية عدت نقاشات قضائية وجامعية. وللإشارة، يهدف القانون الجنائي التعميري إلى حماية إطار الحياة وقيم الصحة والأمن والسكينة العامة والبيئية والجمالية والتراث والتنمية المستدامة. وعليه، تعتبر المنظومة الزجرية بمثابة دركي أو شرطي السياسات العمومية خاصة في مجال البناء والتعمير والسكنى والبيئة.
وتدخل العقوبات السالبة للحرية والعقوبات المالية ونشر الاحكام النهائية في الجرائد في زمرة العقوبات التقليدية المنصوص عليها في القانون الجنائي العام، بينما يعتبر الهدم وباقي الإجراءات الرامية إلى إنهاء المخالفات، تدبيرا خاصا جاء به قانون التعمير. وبالمناسبة، أذكى تنزيل القانون الجنائي التعميري عدة تساؤلات جوهرية ومسطرية. وطيلة زمن غير يسير، سار القضاء يبني عدة تصورات للطبيعة القانونية للهدم. فتارة، كان يرجح التصور المدني الصرف للهدم، وتارة اخرى، تبنى القضاء أطروحة الطابع الجزائي الصرف للهدم. ثم اخيراً، تخلى عن هذا المنحى ليتبنى تصورا مختلطا ومركبا للهدم يقوم على اعتبار الهدم تدبيرا عينيا يرمي إلى إزالة المخالفات المرتكبة بعيدا عن كل عقوبة صرفة. ولتسليط الأضواء على التطورات التشريعية والقضائية المتعلقة بالهدم في مجال التعمير على مستوى التجربة الفرنسية، لابد من التدقيق في التوجهات الثلاثة التي تبناها القضاء للحسم في الطبيعة المعقدة للهدم التعميري مع التركيز على الأسس القانونية للأطروحات المتضاربة.
1- أطروحة الطبيعة المدنية للهدم التعميري: في البداية، كان القاضي الجنائي الفرنسي يميز بين العقوبات التقليدية المنصوص عليها في القانون الجنائي والواردة في قانون التعمير من جهة وبين الهدم كإجراء خاص جاء به قانون التعمير من جهة ثانية. فكان يطبق أنظمة مختلفة على هذين النوعين، وانطلاقا من هذا التقسيم الثنائي، اعتبر القضاء الهدم تعويضا مدنيا يهدف إلى التعويض العيني نتيجة للخطأ الجنائي، وسار يطبق قواعد المسطرة المدنية وقواعد القانون المدني على البت في مخالفات البناء في شق الهدم بينما كان يطبق قواعد المسطرة الجنائية ومقتضيات القانون الجنائي على مخالفات البناء في أفق الحكم بالغرامات والعقوبات السالبة للحرية ونشر الاحكام .
فكان القاضي يحتكم لقواعد التقادم في رفع المطالب المدنية وفي المطالبة بتنفيذ الحق في التعويض، وكان يعمل بمسطرة التعويض في إطار الدعوى المدنية التابعة والدعوى المدنية الصرفة. وللإشارة، أنشأ القضاء تصور الطبيعة المدنية للهدم على اساس الاضرار الناجمة عن المخالفات عِوَض الاخلال بالنظام العام بالرغم من غياب المتضرر وغياب تحديد طبيعة الضرر الموجب للتعويض عينا أو نقدا. وتعرض هذا التوجه لانتقادات قضائية وفقهية على اعتبار أن الهدم يهدف إلى رفع الاخلال بالنظام العام ولا يكتسي أية صبغة تعويضية وأن تطبيق القواعد المدنية على مخالفات البناء يشكل انحرافا قضائيا. فباشر القضاء ترجيح التصور الجنائي الصرف للهدم.
2- أطروحة الطبيعة الجزائية للهدم التعميري: في مرحلة ثانية، ادرج القاضي الفرنسي العقوبات التقليدية المنصوص عليها في القانون الجنائي والواردة في قانون التعمير في سلة واحدة من جهة وبين الهدم كإجراء خاص جاء به قانون التعمير من جهة ثانية. فكان يطبق نظاما قانونيا واحدا على هذين النوعين من التدابير الزجرية. فجنح القضاء الجنائي نحو التطبيق الكلي لقواعد المسطرة الجنائية والقانون الجنائي على مخالفات البناء، فكانت المحاكم تقتصر حصريا على الدعوى العمومية للبث في العقوبات المختلفة والنطق بالعقوبات المالية والسجنية ونشر الاحكام القاضية بالهدم. وفي هذا المضمار، أقام القضاء تصوره للطبيعة الجنائية للهدم على أساس الاخلال بالنظام العام مع استبعاد كل بعد تعويضي في شقيه المالي والعيني، وكان القاضي يحتكم إلى قواعد الدعوى العمومية من حيث التقادم والسقوط من ناحية أولى وكان يطبق قواعد تقادم العقوبات من ناحية ثانية وكان يلتزم بمبدأ شخصية العقوبة من ناحية ثالثة . فاصطدم التصور الجنائي المحض بعراقيل وانحرافات بسبب استبعاد خصوصيات الهدم بالمقارنة مع العقوبات التقليدية، فقاومت محكمة النقض تدريجيا الخلط المطلق بين الهدم والعقوبات الكلاسيكية. في هذا السياق، استبعدت عدة خيارات زجرية من صلاحيات القاضي الجنائي. وعلى سبيل المثال، عارضت محكمة النقض النطق بالهدم مع وقف التنفيذ، والنطق بالهدم كعقوبة بديلة عن الغرامات، و تطبيق الهدم كعقوبة رئيسية ثم تقرير الهدم كعقوبة تكميلية، وسار القضاء الجنائي ينظر إلى للهدم "كتدبير خاص" وإن كان ذات طبيعة شبيهة بعقوبة تابعة لا يمكن النطق بها إلا في حالة الادانة وبشكل موازي مع النطق بالعقوبات الكلاسيكية. فخلص القضاء، على ضوء عدة نوازل وقضايا، إلى الاعتراف بخصوصيات الهدم وعدم خلطه مع العقوبات التقليدية. ولقد أذكت قوانين العفو الشامل السجال حول الطبيعة القانونية للهدم .
3-أطروحة الطابع المزدوج والمختلط للهدم التعميري: في المرحلة الأخيرة، أدرج القاضي الفرنسي الهدم في سلة العقوبات الاستثنائية والتدابير الخاصة. وأصبح يميز بين العقوبات التقليدية المنصوص عليها في القانون الجنائي والواردة في قانون التعمير من جهة وبين الهدم كإجراء خاص جاء به قانون التعمير من جهة ثانية، وعلى ضوء هذه المسلمة القانونية، أعطى القضاء تعريفا خاصا بالهدم، اعتبره تدبيرا عينيا يهدف إلى محو المخالفات المرتكبة بعيدا عن كل بعد زجري محض. وبالتالي، خلع القاضي الطابع العقابي الكلاسيكي للهدم وتحفظ عن منحه صفة التعويض المدني المحض، وأدرجه في خانة التدابير العينية الرامية إلى إزالة المخالفات المترتبة عن عدم احترام ضوابط البناء والتعمير. وانطلاقا من هذه القناعات، توصل القضاء إلى إرساء نظرة جديدة لطبيعة الهدم تقوم على أساس البث في مخالفات التعمير حصريا في إطار الدعوى العمومية واتباع مسطرة استثنائية للبث في المخالفات العالقة في حالة سقوط الدعوى العمومية أمام المحكمة المدنية بناء على طلب النيابة العامة. ونظرًا للخصوصيات التي اعترف بها القضاء للهدم، لقد استبعدت محكمة النقض عدد كبير من قواعد المسطرة الجنائية وقواعد القانون الجنائي الكلاسيكية. ونذكر على سبيل المثال، نفي صفة العقوبة البديلة للهدم، منعت الحكم بالهدم موقوف التنفيذ، واستبعدت إعمال شروط التخفيف والتشديد في النطق بالهدم، قاومت صبغ الهدم بصفة عقوبة تكميلية، وتبنت إبعاد السقوط المطلق للدعوى العمومية في حالة وفات المخالف وتعمدت عدم الامتثال المطلق لمبدأ شخصية العقوبة. ولعل التنصيص التشريعي على اتباع مسطرة استثنائية للنطق بالهدم وتنفيذه بالرغم من وفات المخالف أو صدور قانون العفو الشامل من مساهمة القضاء في إرساء القاعد الناجعة في محاربة جرائم التعمير والبناء. وبالمناسبة، تقوم مسطرة محاكمة جرائم التعمير مدنيا على طلب النيابة العامة مع إعمال بعض قواعد المسطرة المدنية.
هكذا، أرسى القضاء والمشرع الفرنسيين الاقتباس من قواعد القانون الجنائي والمسطرة الجنائية من جهة ومن قواعد القانون المدني والمسطرة المدنية من جهة ثانية، وأنشأوا إطارا مركبا ومختلطا لمحاكمة المخالفين والمخالفات في مجال البناء والتعمير.
*باحث وخبير في السياسة الجنائية في مجال التعمير


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.