العثماني.. الوجه الدبلوماسي لحزبه: الدكتور العثماني حاضر في عدد من كتاباتي المنشورة؛ أذكر هنا فقط بموضوعي المعنون ب: "هل فتحت بشاشة العثماني الجزائر؟" مع كامل الأسف، تلاحقت الأحداث لتجيب على التساؤل بالنفي. ليس تقصيرا من الرجل؛ اذ بادر بقيادة جرافة الثلج صوب قصر المرادية، وإنما لقصور سياسي لدى الجنرالات النافدين هناك، حمر العيون، الذين يعتبرون كل مبادرة مغربية، ولو مجرد ابتسامات وزير خارجيتنا، تحرشا بنياشينهم وأرصدتهم "القتالية". ربما، من يدري؟ فقد تنضج بساتين سياسية، في المستقبل، تغري السيد العثماني، وهو رئيسا للحكومة، بمعاودة الكرة، والرحلة شرقا، صوب جزائر مدنية تفهم في أصول الأخوة والجوار، ولا تبني المساجد فوق أراضي مغصوبة؛ لآن الصلاة بها لا تجوز، رغم أنف وشريعة الاتحاد الإفريقي التي تقر الغصب وتحميه، مستدلة بعنعنات المارشال "ليوطي" وكبار رجالات حديثه. وذكرتُ السيد العثماني في معرض آخر؛ إذ بدا لي أن هواية بنكيران أن يملأ الدنيا ويشغل الناس، بل خلته يجسد عشرة رؤساء، في وقت نحن فيه بحاجة إلى واحد فقط، على شاكلة الهادئ العثماني. ولعل هذا كان مني توقعا لما هو آت؛ لأن الرعد ينتهي بالمزن، يروي وينعش. لماذا القفز على عراك تشكيل الحكومة، الذي يلجه نفساني هادئ، إلى عراك الحدود مع الجيران ومن والاهم؟ لأن نسائم إفريقية هبت على المغرب، في ركاب الجالس على العرش، الذي تعلقت به الشعوب الإفريقية، خصوصا ذات الثراء الروحي القيمي، حتى خلناها ستبايعه في غفلة من المغاربة الذين شغلهم بنكيران، صخبا وعجعجة، كما لم يحدث أبدا في تاريخ حكوماتهم. القيادة المتكافئة للنهضة الاقتصادية الإفريقية، ما بعد تبعات الانتهازية الكولونيالية التي أفقدت القارة الثقة في نفسها ومؤهلاتها، تقتضي فعلا بأن يشد كل رؤساء الانبعاث الجادين الرحال إلى بعضهم البعض، عساهم يجمعون على خارطة طريق _ جنوب جنوب_ لا رجعة فيها، تشتغل اقتصاديا، ديموقراطيا، وثقافيا. ذهب من تاريخ مضى: ها هو المغرب يعيد ذهب أحمد المنصور الذهبي، بل ويسهر، عيانا، على أوجه إنفاقه، ويقترح نقل تجارب تنموية، ونموذجا دينيا متفردا. فهل ستكون الاستجابة في مستوى الطموح الملكي، بل والشجاعة الأدبية والسياسية التي تجعل ملكا لا يكترث لطول غيابه عن مملكته، مادام مغامرا في شرف مروم؟ نعم استعادة الكرامة المهدورة في إفريقيا شرف عظيم. و"يا خجل الإنسانية"، كيف يجوع الإفريقي وهو يطأ الخصب الطبيعي بقدميه؟ أقولها ولا أتفاداها: كم من متعجب من مملكة، غير ثرية، اتسعت انشغالاتها لتشمل فقراء القارة؛ حيث هم هناك، وحتى حيث هم هنا، معنا في حاراتنا. لا أملك كل عناصر الرد-لسكوت الخطاب الرسمي عن التفاصيل-على هذا التعجب المشروع، وكل ما يمكن قوله الآن هو عدم التسرع في الحكم؛ لأننا إزاء أداء ملكي استراتيجي كبير، وبمدى شاسع، يقتضي تعدد المتدخلين وميزانيات ضخمة، كما يقتضي الصبر في انتظار النتائج؛ لأن زمن التدمير السياسي والاقتصادي للقارة طال كثيرا. خطاب دكار الذي أعفى: لعلنا نتذكر جميعا خطاب دكار بمناسبة عيد المسيرة الخضراء، وهو الخطاب المتفرد عن جغرافية كل الخطب الملكية، قديما وحديثا. رغم أهمية كل محاوره، فإن الحيز الذي خصص لتشكيل الحكومة، استرعى انتباه المتتبعين، وإن كانت أغلب التحليلات التي اطلعت عليها لا تشفي الغليل. من دكار أكد الملك أن الحقائب الوزارية ليست ريعا لأحد، يوزعه على هواه. وأكد أيضا أنه لن يتساهل بخصوص شرط الكفاءة لتولي مسؤولية الوزارة، وبكيفية ضمنية، ومن باب أولى، رئاسة الحكومة. أما واسطة العقد في الخطاب، فكانت رسم مساحة جديدة في خارطة الانشغالات الحكومية المقبلة، ويتعلق الأمر بوجوب الحضور الإفريقي في أنشطة الحكومة. وهذا من المفردات الأساسية في المشروع الملكي الاستراتيجي. إن الالزام الملكي يسائل جهلنا جميعا بقارة نحتل فيها موقع الرأس من الجسد، ورغم هذا لا نشرئب، ولا نفكر إلا شمالا، كأن الحنين إلى مستعمري الأمس قدرنا. يومها أيقنت أن بنكيران لن يكمل مساره في تشكيل الحكومة؛ لأن مؤهلاته، وليس إخلاصه، ومؤهلات العديد من الأسماء المرشحة_ تداولا وقتها_ للاستوزار دون ما ينتظره الملك، وهو يقود مشروعا تنمويا وإنبعاثيا استراتيجيا. في حديث "البلوكاج" يتم السكوت عن أسبابه وروده، التي لن تجدوها سوى في "وصف إفريقيا" ل "ليون الإفريقي". كل عناصر وسمات الحكومة المقبلة كانت برفقة الملك في تغريبته، ولم يتبق لبنكيران غير مفاوضين ومتقمصين من درجات أقل. في هذا أحرق خمسة أشهر دون أن ينتبه، من كثرة صخبه، أن الوفود الملكية العابرة للقارة لا تتضمن ولو رجلا من رجاله الرسميين. كيف لرئيس حكومة مقبلة ألاّ يعلم بخطط وشراكات مهمة، واستراتيجيات دولية، سترهن مستقبل حكومات مغربية مقبلة، وليس حكومته فقط. وبعد هذا أتساءل: هل الرجل كان كفئا لها؟ لحكومة ينتظر منها الملك أن تكون في مستوى الطموح القاري الملكي، والدولي في بعض أوجهه. كان الرجل ينتظر عودة رجال، لم يعرف حتى في ماذا غابوا. ثم أصبح ينتظر الملك، وهو بمنزله لا علم له بما يجري هناك بعيدا. ألم يكن كل هذا كافيا ليعرف أن الأمر لا يتعلق بما سماه "البلوكاج"، بل بعدم أهليته السياسية والدبلوماسية لتدبير الطموح الملكي القاري. كل المؤشرات تؤكد بزوع عصر جديد أخذ منذ الآن في الحلول محل الاقتتال والتشرذم، ومحل كل المصائب وأبواب جهنم التي فتحها التشدد الديني الذي يريد العودة بالإنسانية إلى الكهوف الغابرة. إن لم يكن الأمر هكذا، وبيد السياسيين والاقتصاديين العالميين، والمبدعين والمغامرين الشجعان، فلم يتبق لنا إلا انتظار الأنبياء، وكل الحروب التي جاءت في ركابهم، منذ أن قتل قابيل هابيل. إن المغرب يعتبر نفسه، ويعتبره عقلاء هذا العالم، حامل نموذج تنموي وروحي، يمكن، إذا توفر له السند الدولي، أن يجتث الكراهية العابرة للقارات، التي يزرعها التطرف ويسقيها. إلى متى ستتواصل هجرات الشعوب المنكوبة، فقرا وحروبا؟ هل ستصمد الجدران والحدود لزحف الفقر والتطرف؟ وإذا صمدت، فهل ستصد الأوبئة وجريان الحقد أنهرا؟ هل يستجيب العثماني لشرط التعيين؟ قد لا يكون الرجل استمع إلى شروط ملكية، ورغم هذا فخطاب دكار لا يترك له ما يحاجج به. كل شيء واضح، وثقل السمع عند بنكيران يجب ألا يتكرر، حتى لا تضيع شهور أخرى في انتظار "غودو". شرط الكفاءة، حيثما وجدت، "ولو في الصين"، كما يقول الحديث الشريف، مقدم على مجرد الحزبية. أقول هذا وأنا أحبذها تكنوقراطية مقتدرة، تستفز الأحزاب حتى تنتفض من عبثيتها الحالية. يعلم المتتبعون أن جلالة الملك يوجد الآن بين رئيسين من حزب واحد، وهذا ما يصعب مهمة العثماني؛ لأن حمل الجميع على نسيان بنكيران أصعب من تشكيل حكومة محددة المهام ملكيا. إن الحالة نفسية، ومن لها غير طبيب نفساني؟ لطالما كتبت في انتقاد بنكيران حتى ظن البعض أنني أخدم أجندة آخرين، فوالله ما أخدم ولن أخدم غير الوطن، الذي طالبت له، سابقا، بحقيبة وزارية، حينما تأكد لدي أن بنكيران لا يفكر فيه. اليوم أطالب ابن سوس العالمة بكل الحقائب للوطن، بكل شساعته الإفريقية. ولو أنصف بنكيران نفسه وحزبه لوظف، مستقبلا، طاقته الهائلة في الدفاع عن حدودنا الجنوبية. Sidizekri.blogvie.com