حين كان مصطفى الكثيري، المندوب السامي للمقاومة وأعضاء جيش التحرير، يلقي كلمة في اختتام فعاليات مهرجان وادي المخازن، المنظم الأسبوع الماضي بجماعة السواكن نواحي القصر الكبير، مستعرضا "الاهتمام" الذي توليه الدولة للمقاومين، كان بعض هؤلاء، وذوو حقوقهم، يُنصتون إليه ويقارنون ما تلتقطه آذانهم من "كلام جميل" مع ما هو معاش على أرض الواقع. يقول المندوب السامي للمقاومة وأعضاء جيش التحرير بحماس، متحدثا عن "التفاتة" تكريم عدد من المقاومين بمناسبة مهرجان وادي المخازن، "لقد كرّمنا خلال ستة عشرة سنة الأخيرة 5200 من قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، لنجسّد ثقافة الاعتراف لأهل الفضل وحُسْن الصنيع"، لكنّ "ثقافة الاعتراف" التي تحدث عنها الكثيري لا تتعدّى الأوسمة والتذكارات التي توزع على بعض المقاومين. يلخص الحسن المفضل الحساني، وهو من قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، ويبلغ من العمر 91 عاما، وضعية المقاومين المغاربة بقوله "حنا مْذلولين، فين ما مشيتي يقولو لك ارجع اللور؛ السلطة كان عليها تعزّنا وتحترمنا، ولكن حتى واحد ما عاطينا قيمة"، مضيفا: "حنا ما كنطلبوشي الفلوس، المعيشة عايشين بإذن الله، ولكن خصّنا رد الاعتبار باش نوليو بحال المقاومين في دول أخرى". حفاظ المقاوم الحسن المفضل الحساني، الذي حصل على وسام ملكي، على أنفته وعزته التي ورثها من زمن مقاومة الاستعمار، وقوله بأنه لا يطلب من الدولة مالا، لم يمنعه من الحديث عن الدعم المالي الذي يحصلون عليه بعد الاعتراف بهم في سبعينيات القرن الماضي، ولخّص كل كلامه عن هذا الدعم في عبارة واحدة ترشح سخرية: "لا كان المقاوم نفّاح طابا داكشي اللي كنشدو ما يقدوشي يشري النفحة". في البدْء كان التعويض المخصص لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير لا يتعدّى 400 درهم، ثم ارتفع مبلغ التعويض إلى 600 درهم، وقبل سنة أضيفت إليه 340 درهما، ليصير 940 درهما، لكن هذا المبلغ، حسب الحساني، لا يكفي لشيء، "شناهي ربعا وتسعين ألف فرنك؟ ما فيها حتى تنفيحة"، يقول بسخرية ممزوجة بجدّية، مضيفا: "هذا هو المقاوم المغربي". وإذا كان هذا المقاوم التسعيني المتحدر من مدينة العرائش يتلقى 940 درهما، وقبلها 600 درهم، فإنّ تعويض بعض من قدماء المقاومين لا يصل حتى إلى هذا المبلغ. يروي ابن أحد المقاومين من الذين كُرّموا في مهرجان وادي المخازن لهسبريس أنّ التعويض الذي كان والده يحصل عليه قبل وفاته سنة 2012، لا يتعدّى 400 درهم، متسائلا "ديالاش هاد أربعين ألف فرنك، واش غايدير بها بنادم؟". يوم 24 فبراير 2006، صدر مرسوم وزاري تحت رقم 2.04.892، جاء "تنفيذا للتوجيهات الملكية السامية... الهادفة إلى تحسين أوضاع أسرة المقاومة وجيش التحرير، وإدماج أبنائهم في المجهود الوطني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية؛ وذلك عبر توفير الرعاية لهم، ومساعدتهم على اقتناء أراضي وبناء دور سكنية واقتصادية، وتوفير شروط الإدماج الاقتصادي لأبنائهم في سياق التشغيل الذاتي على إحداث مشاريع اقتصادية واجتماعية ومقاولات صغرى ومتوسطة وتعاونيات". لا شيء ممّا جاء في هذا المرسوم نُفِّذ على أرض الواقع، بحسب عبيدة محمد، رئيس جمعية وادي المخازن لأبناء المقاومة وأعضاء جيش التحرير، وهو أيضا ابن مقاوم، مضيفا: "ما كاينش العناية بالمقاومين، ممن لا يزال منهم على قيْد الحياة، ولا بذوي حقوقهم. حتى حصة 25 في المئة من التوظيف في الوظيفة العمومية المخصصة للمقاومين لم نستفد منها نحن ذوو حقوقهم". "بزاف ديال أسَر أعضاء المقاومة وجيش التحرير مُهملة، والمخيّر فالمقاومين كان كيشدّ ألف درهم فالشهر"، يقول محمد عبيدة، قبل أن يقاطعه ابن أحد المقاومين وصاح في وجهه متسائلا: "فين شتّي ألف درهم؟ أنا بّا كان كيشدّ أربعين ألف فرنك"، ويضيف هذا الرجل الخمسيني: "حْتى العْزو ديالنا دّاوها لينا وما عطاونا منو ريال"، في إشارة إلى المنحة التي تقدمها المندوبية السامية للمقاومة وأعضاء جيش التحرير لأبناء المقاومين الذين يتوفون للمساعدة في مصاريف دفنهم. يسود غضب كبير وسط ذوي حقوق المقاومين بسبب استفادة من يصفونهم ب"الخونة" من امتيازات، في حين إن كثيرا منهم مقصيّون، وفق إفاداتهم، "الناس اللي عندهم علاقة بالمقاومة ما استافدو من تا حاجة؛ اللي توظف هوما أولاد الخونة، حنا عمّر شي واحد فينا ما توظف"، يقول ابن أحد المقاومين لهسبريس. ويضيف المتحدث ذاته: "كاينين أرامل ديال المقاومين كيشدّو عشرين ألف فرنك فالشهر، آش غايديرو بها؟"؛ مضيفا "هوما (يقصد المسؤولين) كيهضرو على لاصورانص ديال المرض، غير ياخدوها، هاديك غير خدعة سينمائية، تمشي تدوّز بميّة درهم، وباش توصل عند الطبيب خاصك مية درهم أخرى ديال الطرونسبور؛ حنا بغينا الدولة تعتاني بنا عناية د بصحّ". يقارن الحسن المفضل الحساني وضع المقاومين المغاربة بنظرائهم في بلدان أخرى، قائلا: "فبلادات أخرى المقاومين عندهم اعتبار كبير، وعندهم راندات (علامات) كيكونو معروفين بها في القطار وفي كل مكان. هنا المقاوم مسكين مذلول"، ويتابع المقاوم التسعيني: "حْنا عشنا في زمن المغاربة ما كانش عندهم حتى سروال، حتى صباط، وحنا عشنا فتمارة، وصبرنا للجوع، والعذاب حتى جبنا الاستقلال وما عندناش اعتبار".