رغم تعاقب الأزمات الاقتصادية والبيئية على المغرب خلال السنوات الأخيرة، يُظهر الاقتصاد المغربي علامات صمود لافتة في بيئة إقليمية مضطربة. فقد نجحت السياسات العمومية، بحسب دراسة صادرة عن إدارة الدراسات الاقتصادية لمجموعة "كريدي أغريكول" الفرنسية، في الحفاظ على التوازنات الماكرو-اقتصادية، بما في ذلك استقرار العملة والتحكم في المالية العامة، رغم الضغوط المتتالية الناجمة عن جائحة كوفيد، وارتفاع أسعار الغذاء والطاقة جراء الحرب في أوكرانيا، فضلا عن الزلازل والجفاف المتكرر. ومع أن هذا الاستقرار يُعد مكسبا مهما في محيط إقليمي يعاني من هشاشة واضحة، كما هو الحال في مصر وتونس اللتين تعانيان أزمات مالية عميقة، أو الجزائر التي لا تزال رهينة نموذج ريعي متآكل، أو ليبيا الغارقة في مرحلة انتقالية لم تكتمل، إلا أن المغرب يواجه تحديا جوهريا يُهدد استدامة ديناميته الاقتصادية: تفاقم البطالة، خصوصا في صفوف النساء والشباب.
وفي دراسة فرعية ستُنشر لاحقا، وتحيل عليها الوثيقة، تم إجراء مسح يُظهر أن 81 بالمائة من المغاربة يُقرون بحق النساء في العمل، لكن هذه النسبة تنخفض إلى 21 بالمائة فقط حين يتعلق الأمر بعمل المرأة التي لديها طفل يقل عمره عن ثلاث سنوات. كما أن 54 بالمائة فقط يؤيدون عمل النساء إذا لم يكن هناك دافع اقتصادي. الأخطر من ذلك هو التباين بين الرأي الشخصي والتصور الجماعي: فبينما يدعم الأفراد الفكرة، يظنون أن المجتمع لا يُشاركهم هذا الرأي، ما يخلق فجوة تُغذي الخوف من الحكم الاجتماعي، وتُعمّق الفجوة بين النساء وسوق الشغل. وتقترح الدراسة حلولا عملية لتجاوز هذه المعضلة، من بينها إطلاق حملات توعية مُركّزة تستهدف تغيير المواقف الاجتماعية من خلال التعليم ووسائل الإعلام، إضافة إلى تشجيع السياسات التحفيزية، مثل الحوافز الضريبية للمؤسسات التي توظف النساء، أو تطبيق حصص (كوطا) كما فعلت المملكة العربية السعودية، حيث ساهمت هذه الإجراءات في خفض معدلات البطالة بشكل ملموس خلال السنوات الأخيرة رغم الطابع المحافظ للمجتمع. تشير بيانات الدراسة إلى أن معدل النمو الاقتصادي قد تراجع من متوسط 4.3 بالمائة في الفترة ما بين 2004 و2014 إلى متوسط 2.5 بالمائة فقط في الفترة ما بين 2015 و2024، وهو ما يدفع لطرح تساؤل جوهري: هل أصبح الحفاظ على الاستقرار السياسي والاقتصادي يُشكل كلفة على حساب الحيوية الاقتصادية؟ فمع تباطؤ خلق فرص الشغل، ارتفع معدل البطالة إلى 13.3 بالمائة في 2024، وهي أعلى نسبة مسجلة خلال العقد الأخير، مقارنة ب13 بالمائة فقط في 2023. تعزو الدراسة هذا الواقع إلى مجموعة من العوامل الهيكلية، مثل ضعف ارتباط النمو بخلق مناصب الشغل، حيث ارتفع عدد السكان في سن العمل بأكثر من 10 بالمائة خلال العقد الماضي، بينما لم ترتفع فرص العمل إلا ب1.5 بالمائة فقط. وتضيف أن الضغوط البيئية – خاصة الإجهاد المائي – أدت إلى فقدان وظائف كثيرة في القطاع الفلاحي، في وقتٍ لا تزال فيه القطاعات الحضرية عاجزة عن تعويض هذا الفقدان. على الرغم من ذلك، فإن المغرب شرع منذ 2021 في تنفيذ خطة إصلاحية طموحة تُعرف ب"النموذج التنموي الجديد"، وهي، حسب الدراسة، مبنية على تشخيص واقعي دقيق يُلامس عن قرب عنق الزجاجة المؤسساتي والاختلالات البنيوية التي تُعيق النمو. تتقاطع هذه الخطة مع توصيات المؤسسات الدولية، مثل البنك الدولي، الداعي إلى تحسين مناخ الأعمال، وتحفيز الاقتصاد المهيكل، وتعزيز المنافسة، ورفع جودة الخدمات العمومية. ورغم أن المؤشرات الأولية تظهر تحسنا في بعض المجالات – لا سيما على مستوى الصادرات التي قفزت إلى معدل 41 بالمائة من الناتج الداخلي الخام ما بين 2021 و2024 مقارنة ب33.5 بالمائة ما بين 2016 و2020، إلا أن هذا التقدم لم ينعكس بشكل ملموس على مستوى البطالة. وتبرز الدراسة معطى صادما فيما يتعلق بمشاركة النساء في سوق الشغل، حيث انخفضت من 30 بالمائة في 1999 إلى 19 بالمائة في 2024، وهو من أدنى المعدلات عالميا، رغم تحسن مؤشرات التعليم وتراجع معدل الخصوبة. وتؤكد أن النساء يُواجهن تحديات مركبة، ليس فقط في المجال القروي حيث القطاع الفلاحي هو المُشغل الأكبر لهن، بل أيضا في المدن بسبب غياب سياسات داعمة، مثل توفير حضانات للأطفال وتكييف ظروف العمل، ناهيك عن أعراف اجتماعية لا تزال تُقيّد دور المرأة خارج المنزل. وتؤكد الدراسة أن المغرب، رغم كل التحديات، أظهر قدرة كبيرة على التكيف وإدارة الأزمات، ويملك الآن فرصة تاريخية لتحويل هذه القدرة إلى زخم تنموي فعلي، شرط أن تُستكمل الإصلاحات الجارية بسياسات اجتماعية واقتصادية جريئة تعالج الاختلالات البنيوية، وعلى رأسها ضعف إدماج النساء في الاقتصاد الوطني. لأنه، كما تُشير الوثيقة، فإن الحل الفعلي لتحفيز النمو وتقليص البطالة قد لا يكمن فقط في مزيد من الاستثمارات أو التصدير، بل في استغلال الطاقات البشرية المُهمّشة داخل المجتمع.