الخط : إستمع للمقال يُعدّ كتاب "الذاكرة، الجيوسياسة والسيادة" (الذي تم نشره بالإسبانية وسيتم تقديمه يوم السبت 7 يونيو بمعرض الكتاب بمدريد) للحسن حداد عملاً فكريًا ونقديا وفلسفيا يجمع بين العمق التحليلي، والرؤية الجيوسياسية، والرسالة الدبلوماسية. في أربعين مقالة مترابطة، يتناول الكاتب قضايا السيادة المغربية، والعلاقات المغربية–الإسبانية، والتحيز الإعلامي، والتحديات العالمية من منظور مغربي سيادي ومستنير. المحور المركزي للكتاب هو قضية الصحراء المغربية. يدافع حداد بقوة عن سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، ويؤكد على شرعيتها التاريخية والجغرافية والدبلوماسية. ويربط الكاتب بين ماضي المغرب "الإمبراطوري"، خصوصاً منذ دولة المرابطين، وحاضره كدولة مستقرة تلعب دوراً محورياً في شمال أفريقيا. ويصف جبهة البوليساريو بأنها كيان مُفتعل أو أداة جيوسياسية في الجزائر تُستغَلُّ لأهداف إقليمية تتعارض مع الاستقرار والتكامل المغاربي. كما يندد بوضعية مخيمات تندوف باعتبارها منطقة خارجة عن نطاق القانون الدولي ويفتقر سكانها لأبسط الحقوق، وفضاءً تسوده انتهاكات خطيرة، خاصة ضد الأطفال. ينتقد حداد بعض وسائل الإعلام الإسباني بشدة، معتبراً أنه يواصل تناول المغرب ضمن سرديات استعمارية قديمة، حيث يُصوّر كعدو أبدي أو كمصدر تهديد، بدلاً من اعتباره شريكًا استراتيجيًا في الاستقرار والتنمية. كما يسلط الضوء على الخطاب المتناقض لصحف فرنسية مثل لوموند، وعلى التوظيف الإعلامي المنحاز والمسيء لقضايا مثل بيغاسوس أو أزمة مليلية لتشويه صورة المغرب. ويؤكد أن الاعتراف الإسباني بسيادة المغرب على صحرائه مثّل نقطة تحول أربكت العديد من الأصوات المعتادة في الإعلام الإسباني ممن يروجون لروايات تقليدية سلبية حول المغرب. كما يدعو إلى قراءة جديدة ومشتركة للتاريخ المغربي–الإسباني، تقوم على الحقيقة لا على الأساطير أو بقايا النظرة الاستعمارية المترددة أو الشعور بالتفوق الأخلاقي الموروث. فالعلاقات بين البلدين يجب أن تتجاوز إرث "الاسترجاع" والحروب القديمة إلى شراكة مستقبلية تقوم على الاحترام المتبادل، والتكامل الجغرافي، والمصالح المشتركة. في الجانب الدولي، يفضح الكاتب ازدواجية المعايير في تعامل الغرب مع قضايا اللاجئين، خاصة من خلال مقارنة استقبال الأوكرانيين مع تهميش لاجئي دول الجنوب. وينتقد بشدة الصمت الغربي إزاء معاناة غزة، وتواطؤ بعض المثقفين الغربيين مع خطابات مبرِّرة للعنف، ويتساءل إن كانت حقوق الإنسان ما تزال كونية وشاملة، أم أنها تخضع للاعتبارات السياسية. كما يقدّم تصوراً شاملاً للسياسة المغربية الجديدة، القائمة على التنويع، والتحالفات الذكية، والانفتاح على إفريقيا جنوب الصحراء، وآسيا، وأمريكا اللاتينية. رؤية "إفريقيا الأطلسية" الذي دعا إليها العاهل المغربي كفضاء جديد للتكامل الاقتصادي والسياسي، لا يجب أن تكون متعارضة مع علاقات حسن الجوار والتكامل مع أوربا. ويطرح الكاتب نموذج آلية 5+5+5 بوصفه مسارًا مبتكرًا للتعاون الإقليمي الثلاثي بين أوروبا، والمغرب العربي، ومنطقة الساحل. ولا يهمل الكتاب القضايا الداخلية، بل يشيد بمسار الإصلاحات الذي عرفه المغرب على مدى ربع قرن، من حيث البنية التحتية، والتنمية البشرية، والحكامة المحلية. كما يركز على ضرورة دمج المرأة في سوق العمل، ودعم الشباب، والتوجه التدريجي نحو اقتصاد مستدام قائم على الطاقة النظيفة والممارسات البيئية الرشيدة. في الختام، يُعتبر كتاب "الذاكرة، الجيوسياسة والسيادة" بيانًا فكريًا وفلسفيا ودبلوماسيًا في آن واحد. إنه دعوة لإعادة التفكير في الجغرافيا السياسية من منظور الجنوب، وللتصالح مع التاريخ من دون حرج فكري أوسياسي أو أيديولوجي، ولبلورة نظام دولي أكثر عدالةً وتوازنًا، يكون فيه المغرب فاعلاً لا مفعولاً به، شريكًا لا تابعًا، وصوتًا يُسمع في معارك السيادة، والعدالة، والكرامة. الوسوم المغرب سياسة لحسن حداد