"السًّوق طايْحْ وعيّانْ"، عبارة تكرّرت على لسان مجموعة من بائعي الأغنام بمناسبة انطلاق عملية بيع أضاحي العيد بمدينة خريبكة، نهاية الأسبوع المنصرم، معبّرين عن أملهم في انتعاش الرواج التجاري خلال الأيام المتبقية لبلوغ "العيد الكبير"، ومبدين تخوّفهم من استمرار التجارة بالوتيرة الضعيفة التي تسير عليها في الوقت الراهن. وفي جولة أجرتها جريدة هسبريس الإلكترونية برحبة بيع الأضاحي، الواقعة على مساحة ترابية بين السوق الأسبوعي وثانوية الموحدين التأهيلية، بدا جليا حجم الكساد الذي طبع تجارة الأكباش؛ إذ ظل أغلب مربّيي الماشية ممسكين بما استقدموا من رؤوس في الساعات الأولى من صباح الأحد، وعلامات خيبة الأمل تعلو وجوههم التي نالت منها أشعة الشمس في انتظار وصول مشترٍ حقيقي. ومن بين مظاهر ضعف الرواج التجاري، اصطفاف عدد من العربات المدفوعة والمجرورة والدراجات ثلاثية العجلات عند باب الرحبة، دون أن تبرح أغلب تلك الوسائل مكانها لإيصال الأضاحي إلى منازل المشترين، فيما عجز بعض الأطفال والشبّان عن بيع كمية الحبال التي حرصوا على توفيرها وسط المرفق. وأجمع بائعو المواشي الذين استقت هسبريس تصريحاتهم على أن تجارة الأضاحي انطلقت بشكل ضعيف، وعبّر أحدهم عن موقفه بتكرار عبارة "السّوق ميّت، والكسّاب تياكل العصا"، مستنكرا في الوقت ذاته غياب التنظيم وسط الرحبة، نظرا إلى اختلاط الأغنام والماعز مع السيارات، وولوج العربات المجرورة بالخيول والبغال إلى المرفق المخصص لبيع أضاحي العيد. وعن أسباب ضعف الرواج التجاري، ربط بعض المصرّحين الأمر بغياب "الشّاري دْيالْ المَعْقول"، واكتفاء المواطنين بالاستفسار عن الأسعار دون نية الشراء؛ إذ عبّر أحد الفلاحين عن نظرته للسوق بالقول: "الشّاري باقي مخْلُوعْ، وتيسَايْن السّوقْ ينْزلْ أكثرْ من هادْ الحالة"، مؤكّدا أن التجارة إذا استمرت على النهج نفسه، فإن الكسّاب سيتكبد خسائر كبيرة، ولن يقف أحد بجانبه. "الكسابة محنين، والله يخلف ليهم وخلاص"، عبارة أوردها أحد بائعي الأغنام ضمن تصريحه للجريدة، مشيرا إلى أن "الكساب ينفق الأموال في الأعلاف والأدوية والتنقل وغيرها من المصاريف، والمواطن يشتري بالثمن الذي يريده"، مضيفا: "إذا ما بقيت حيا للسنوات المقبلة، فلن أتاجر في الأضاحي التي تكلفنا ماديا ومعنويا دون فائدة تذكر". v كساب آخر لم يجد عبارة للتعبير عن رأيه في الموضوع سوى بالقول: "السّوق عيّانْ بْزافْ ومْكَرْمَصْ في الغنم والمْعِيزْ وكلشي"، قبل أن يقاطعه فلاح آخر لم يتمالك نفسه قائلا: "الكسّاب مْكَرْفَصْ ومضْرورْ، والعلف غالي، وتامارا والشّمْش، وتنبيعو بأقل من ثمن الشرا، وهادشي ما خدّامش"، في إشارة إلى المشاكل التي يعيشها الفلاح مع انطلاق الفترة المخصصة لبيع الأضاحي. وبنبرة يطبعها التذمر والاستياء، قال فلاح شاب إن "المسؤولين مطالبون بالنزول إلى البوادي، ومعرفة المعاناة الحقيقية والواقع الحقيقي الذي يعيشه الفلاحون، واتخاذ ما يرونه مناسبا لمساعدتهم قبل أن يغادروا البلاد هربا من الخسائر التي يتكبدونها كل سنة"، ضاربا مثالا بكبش اشتراه في شهر مارس الماضي بثلاثة آلاف درهم، وبعد أشهر من الرعاية والعلف والمصاريف، يساومونه اليوم بألفين وخمس مئة درهم فقط. وجاء في تواصل المتحدث ذاته مع الجريدة أن الإحصائيات التي تشير إلى توفر رؤوس الأغنام بأعداد تفوق الطلب من شأنها المساهمة في إثارة حقد المواطنين تجاه الفلاحين، وتدفعهم إلى التكبّر على بائعي الأضاحي، ونهج أسلوب الاستعلاء في شراء الأضحية على اعتبار أن "لخْير موجود"، ما يتسبب في ضعف الرواج التجاري وتعميق معاناة الفلاحين. وبما أن "مصائب قوم عند قوم فوائد"، فإن الآراء التي استقتها هسبريس من بعض المشترين القلائل، أو بعض قاصدي السوق بهدف معرفة الأسعار، تشير أغلبها إلى أن الأثمنة في متناول كل راغب في شراء أضحيته، خاصة في صنف الأكباش المتراوح ثمنها بين 1800 و2800 درهم؛ إذ يصل الفرق إلى 500 درهم في الأكباش متوسطة الحجم، مقارنة مع الفترة نفسها من السنة الماضية. وعن سبب ضعف الرواج التجاري من جهة المستهلكين، ربط بعض المواطنين الأمر برفضهم شراء الأضحية قبل خمسة أيام من العيد، ودأبهم على اقتنائها قبل يوم أو يومين فقط من المناسبة الدينية، فيما عبّر آخرون عن أملهم في انخفاض الأسعار خلال الأيام القادمة أكثر مما هي عليه في الوقت الراهن، دون الاكتراث بما يتسبب فيه ذلك من معاناة لمربّيي الماشية.