إهداء إلى أستاذي الكبير الدكتور محمد كلاوي متمنيا له الشفاء لم يكن للشعب المغربي أن ينتفض سنة 1965 إلا عندما فاض المغرب بالفساد والرشوة والزبونية، وهي السلوكات التي انتشرت داخل الجهازين الإداري والحكومي، وتسلطت "البرجوازية المتعفنة" على مقاليد الأمور، أما "الطغمة العسكرية" فنشرت الفساد والاستبداد والإرهاب بين أفراد المجتمع، كما شجعت حالة الاستثناء هؤلاء وهؤلاء على الاسترخاء وبسط أيديهم واقتسام خيرات المغرب. في ظل هذه الأجواء، وبعد فشل حالة الاستثناء في تقوية النظام وكذلك بعد فشل المؤامرتين العسكريين، فاحت رائحة الفساد، لكن الملك الراحل الحسن الثاني تدخل ليضع حدا لهذه الوضعية المتردية وليضع اليد على العطب، وليكشف أولئك الذين يختفون وراء اسمه وينهبون في الظل، معتبرا أن الوقت قد حان "في هذه المدة التي كنا نجتازها كيفما كانت الجريمة المرتكبة فيما يخص الرشوة أو استعمال النفوذ، وكيفما كان المستوى الذي ارتكبت فيه، حتى إن لم يكونوا يشيرون مباشرة إلى من بيده مقاليد الأمور في هذه الأمة، كانوا يشيرون ويقولون على كل حال فلان أو فلان يعملون في ظل كذا، وبقيت أنا في الشمس وعدد من الناس في الظل، والذين استظلوا به للسرقة، للنهب، للرشوة، للفتك بأعراض الناس وأموالهم". وعليه يقول الملك: "وفي الأخير تم تغيير بعض الأعضاء، بل أقول عددا كبيرا من كبار موظفي الدولة... تمت إحالتهم على العدالة". وبالفعل تمت محاكمة وزراء وشخصيات سامية ورجال أعمال؛ حيث بلغ العدد أربعة عشر شخصية، توبعوا بتهمة الارتشاء واستغلال النفوذ والمشاركة في ذلك. أما القضايا التي مستها خروقات مالية فمجموعها 27 قضية توزعت بين "المكتب الوطني للري" في إطار صفقة دولية بقصد تشييد معمل السكر بسوق السبت بتادلة؛ بحيث أثارت حلاوة السكر لعاب المرتشين الكبار للملايير. بيد أن القضية الثانية تمثلت في سمسرة أعلنت عنها وزارة الأشغال العمومية بواسطة المكتب الوطني للكهرباء ترمي إلى بناء المجموعتين 1 و2 من المركز الكهربائي بجرادة. أما الثالثة، فمتعلقة ببناء سد بالجنوب بزاوية بوريار. في حين تتلخص وقائع الرابعة في قضية دراسات تخطيط ومراقبة الأشغال والمواد بمناجم الريف والناضور المعروفة بقضية "ورايت". وصدرت الأحكام في حق المسؤولين كالتالي: يحيى الشفشاوني: 12 سنة سجنا وغرامة قدرها 10 آلاف درهم. المامون الطاهري: 10 سنوات سجنا وغرامة 10 آلاف درهم. محمد الجعيدي وعمر بن مسعود: 08 سنوات سجنا وغرامة قدرها 09 آلاف درهم. عبد الحميد كريم وعبد العزيز بنشقرون وإدريس بلبشير ومحمد سيناصر: أربع سنوات سجنا. عبد الكريم والأزرق: البراءة. وتصعد وقائع قضية محاكمة الكبار إلى اعتقال سمسار ورجل أعمال كبير كان شريكا ومستشارا لوزير الداخلية الأسبق المستشار الملكي أحمد رضا اجديرة، أما السمسار فهو عمر بن مسعود؛ وذلك في ملف سمسرة لشركة "بان أمريكان" (BAN AMERICAIN) التي أرادت بناء سلسلة من الفنادق في المغرب وطلبت أرضا معروضة لتنازل الدولة هي الثكنة العسكرية المقابلة لولاية الدارالبيضاء، وكانت تسمى "ثكنة هوت"، فطلب مجموعة من الوزراء من الشركة الأمريكية رشوة بواسطة عمر بن مسعود. لكن الأمريكان سيخبرون الجنرال المذبوح عند زيارته إلى أمريكا سنة 1970 بأن الرشوة متفشية بين الوزراء وكبار الإداريين في الحكومة المغربية، والملك الحسن الثاني يؤكد تفاصيل القضية معتبرا أن الرشوة والفساد كانا من بين أسباب تمرد الجيش، قائلا: "لقد كانت الفضيحة التي تورط فيها هؤلاء الوزراء أحد الأسباب؛ فالمذبوح هو الذي أطلعني على الاتهامات الموجهة إليهم". كما كان الجنرال الدموي أو فقير، وزير الداخلية، كان على علم بموجة الفساد التي تجتاح الحكومة ووزاراتها وإداراتها، ولكنه كان يهدد بالفضيحة كورقة ضغط على الوزراء المرتشين، فقد "جاء... يوما لاجتماع وزاري وهو يتأبط بعض الملفات، وضعها على طاولة الاجتماع... ثم قال للوزراء المجتمعين: سادتي الوزراء لدي هنا بعض الفضائح الكبيرة والصغيرة التي انغمرتم فيها خلال الآونة الأخيرة، فهل تريدون أن أفتحها؟ إن فيها ما هو كفيل بإرسال كل واحد منكم للسجن لبضع سنوات!". ولقد اعتبر الحسن الثاني أنه بالرغم من الدماء التي سالت والدموع التي ذرفت والضحايا الذين سقطوا خلال مؤامرتي 1971 و1972، فإن المشيئة الربانية شاءت أن تطهر البلاد من الفساد والمفسدين. *أستاذ علم السياسة والقانون الدستوري بكلية الحقوق – جامعة الحسن الأول بسطات