"الاشتراكي الموحد" يقترح منع الاحتكار الانتخابي مع شرط الإجازة للبرلمانيين    الخارجية الليبية تتدخل لتصحيح خريطة المغرب مبتورة بمقر غرفة التجارة    معسكرات مكثفة وإدارة جديدة.. النادي المكناسي يستعد للبطولة الاحترافية بعين على إفريقيا    تشكيلة المنتخب المغربي أمام زامبيا    أمطار رعدية تصل 35 ملم مرتقبة في مناطق مختلفة من المغرب    برادة يفتتح الموسم الدراسي.. أكثر من 8 ملايين تلميذ ومدارس الريادة تتوسع    ربيع القاطي يطرق باب العالمية مجددًا عبر سلسلة "Atomic"    الراضي تتوج أفضل ممثلة إفريقية    "كناش الحشمة".. أسطورة الرحل فوق خشبة المسرح الكبير بنمسيك    في مواجهة حملات الاستهداف.. يقظة وطنية والتفاف شعبي حول الملك    مراكش تستيقظ على حريق مأساوي أودى بحياة شخصين    ناصر الزفزافي... رسائل من فوق السطح إلى قلب الوطن    اسبانيا تٌغلق مجالها الجوي وموانئها أمام الطائرات والبواخر التي تحمل أسلحة لإسرائيل والناقلات التي تزود جيشها بالوقود    أكادير تخصص أزيد من 500 مليون درهم لتأهيل محيط ملعبها الكبير استعدادا ل"كان 2025″    مقتل 6 إسرائيليين في عملية إطلاق نار بالقدس واستشهاد المنفذين وسط تصعيد بالضفة الغربية    اللغة والهوية في المغرب: خمسون عاماً بين الأيديولوجيا والواقع    فضيحة الخطأ المطبعي.. شركة تعدين تخفض مردودية ذهب كلميم من 300 إلى 30 غراما فقط    قرية لمهيريز... صيادون منسيون في قلب الصحراء يطالبون بالكرامة والإنصاف    زخات رعدية وهبات رياح مرتقبة اليوم الاثنين بعدد من المناطق    ميناء طنجة المتوسط يربك مدريد.. وحزب "فوكس" يرفع منسوب التصعيد ضد المغرب    الركراكي: نحترم جميع الخصوم وهدفنا الفوز أمام زامبيا    النقابات التعليمية بالحسيمة تنتقد تدبير الادارة للدخول المدرسي وتدعو إلى احترام المقاربة التشاركية    الحكومة تصادق على مشروع قانون تعويض المصابين في حوادث سير    الكلمة أقوى من الدبابة ولا مفر من الحوار؟..    مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان يحذّر من انهيار قواعد الحرب حول العالم    القدس الشرقية.. هجوم مسلح يوقع خمسة قتلى إسرائيليين        الموقف الأمريكي يعزز المبادرة المغربية كخيار وحيد لتسوية نزاع الصحراء    الدريوش.. هزة أرضية خفيفة تثير القلق بسواحل تمسمان    سقوط 8 متهمين في قضية "شرع اليد" بعد مقتل مختل عقلي    بورصة البيضاء تبدأ الأسبوع ب"الأخضر"        ألكاراز يتوج بلقب أمريكا المفتوحة للتنس للمرة الثانية    المنتخب المغربي يواجه زامبيا وعينه على مواصلة سلسلة انتصاراته    تل أبيب تتهم إسبانيا بمعاداة السامية    ميناء الحسيمة : انخفاض بنسبة 9 في كمية مفرغات الصيد البحري مع متم يوليوز الماضي        فرنسا.. تصويت حاسم على الثقة في الجمعية الوطنية يهدد بسقوط حكومة بايرو    وسط استقبال "مهيب"... سفن "أسطول الصمود" القادمة من إسبانيا تصل إلى تونس            تيزنيت : وقفة احتجاجية غاضبة من تردي أوضاع المستشفى الإقليمي و المراكز الصحية بالإقليم ( فيديو )    زلزال الحوز .. دينامية متواصلة لإعادة الإعمار في جميع الأقاليم المتضررة    الإصابات تربك حسابات الركراكي    جديد الشاعرة المغربية سعاد الرايس: «لوحات الإبحار» اهتمامات إنسانية وعشق للكتابة بقلق وجودي    أمير المؤمنين يصدر أمره إلى المجلس العلمي الأعلى بإصدار فتوى شاملة توضح للناس أحكام الشرع في موضوع الزكاة    البيئة ليست قضية اختيارية أو محلية بل هي قضية وجود الإنسان والحياة    روسيا تعلن جاهزية أول لقاح ضد السرطان    فيلم مريم التوزاني يمثل المغرب بأوسكار 2026    إطلاق خط بحري جديد بين المغرب وأوروبا الغربية بإشراف دي بي وورلد    "غروب".. مسرحية تفتش في وجع الإنسان وتضيء انكساراته بلوحات شعرية    المغرب يسجل واحداً من أعلى معدلات السمنة في إفريقيا.. والنساء الأكثر تضرراً    دراسة: عصير الشمندر يُخفّض ضغط الدم لدى كبار السن    دراسة : السلوك الاجتماعي للمصابين بطيف التوحد يتأثر بالبيئة    نقد مقال الريسوني    الملك محمد السادس يأمر بإصدار فتوى توضح أحكام الشرع في الزكاة    المجلس العلمي الأعلى يعلن إعداد فتوى شاملة حول الزكاة بتعليمات من الملك محمد السادس    مبادرة ملكية لتبسيط فقه الزكاة وإطلاق بوابة رقمية للإجابة على تساؤلات المواطنين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حَاجزُ المُقدَّس
نشر في هسبريس يوم 15 - 04 - 2018

يشكل الموروث المقدس قناعة راسخة يصعب علينا مناقشتها والتعامل معها على أنها مجرد اعتقاد مبني على مسلمات غيبية. ويزيد من صعوبة الوضع اعتمادنا على معرفة جاهزة للاستهلاك تشكل التوجه الغالب والمتعارف عليه لمجتمع ما. هذه القناعات المتوارثة والتي تقوم عليها، في كثير من الأحيان، هويتنا الجماعية، تفرز لنا تلقائيا تعصبا فكريا يصل مداه حين تكون هويتنا على المحك. ومن الطبيعي أن يؤدي بنا هذا التعصب للفكر والعقيدة إلى الجدال والمواجهة العنيفة، لفظية كانت أو جسدية، ما دمنا نعتبرها دفاعا عن المقدس وعن الهوية.
ففي مجتمع البشرية، اليوم، مقدسات بالجملة، تخالف كل واحدة منها الأخرى وأحيانا تعارضها، وتدعي كل منها امتلاكها للحقيقة المطلقة. ورغم ذلك، يبقى اختلافها في المجمل يتمحور حول وجود الآخرة من عدمه وكيف تصور لنا هذه "الآخرة" أو هذه الحياة المفترضة بعد الموت. وكل هذه المقدسات تستمد قوتها بطبيعة الحال من ارتباطها بالخالق الموجد لهذا الكون، ولكل واحدة منها تعريفها أو بالأحرى تمثيلها لماهية هذا الارتباط ونوعيته. وبعد ذلك تأتي التفاصيل الأخرى من عبادات وقيم ومعاملات لتزيد من هوة الاختلاف وتجسده بمظاهر بادية للعيان، بعد أن كان الاختلاف مجرد أفكار مخزونة في الوجدان.
لكن، ما الذي يجعلنا لا نشك ولو للحظة في أن ما وصل إلينا من معرفة متوارثة أبا عن جد، تشكل بالنسبة لنا قناعة "مقدسة"، هي بالأصل مبنية على إشاعة كاذبة أو اجتهاد خاطئ؟ هل سبق وتحرينا عن مصداقية المصادر ونوعية المراجع التي اعتمدناها في ما نتداوله من معرفة تاريخية وعقائدية؟ وكيف لا، ونحن نتحدث عن أشياء محورية تحدد معالم هويتنا الجماعية ومدى فهمنا للوجود والمصير؟ ألم تكن الأرض منبسطة والشمس تغرب في عين حمئة؟ ألم يُعدَم غاليلي فقط لأنه خالف المقدس بمعرفته العلمية التي اعتمدت على البحث والتجربة حين صرح بأن الأرض هي التي تدور حول الشمس وليس العكس؟ فكم من مقدس يا ترى ليس بالصورة التي نتصورها؟ وكم من غاليلي يلزمنا لندرك هذه الحقيقة؟.
في المقابل، نجد أن بعض الذين لا يؤمنون بوجود الآخرة يتعصبون لكل ما هو "علمي"، متناسين أو غير مدركين لحقيقة ما يحمله هذا المفهوم من نسبية؛ وذلك بسبب تغير المعايير الأساسية التي يعتمدها وتطورها من زمن لآخر، وأيضا بسبب قصور المعرفة العلمية في تفسير البداية والنهاية بشكل دقيق لا لبس فيه. وبما أن كلا منا يؤمن بشيء ما يصعب علينا إدراكه بعقولنا، ونبني فهمنا للوجود على مسلمات أو فرضيات حسب ما استقر عليه وجداننا، فإن الاختلاف يصبح ضرورة عضوية، وسنة لا يمكن تجاوزها كأي قانون من قوانين الطبيعة.
وهنا يأتي السؤال المنطقي: لماذا نرفض الاختلاف؟ هل لأنه يزعزع قناعاتنا الموروثة؟ تلك المعرفة التي ندافع عنها بما أوتينا من قوة دون أن ندرك كيف وصلت إلينا وتشكلت حتى أصبحت قناعة لا يمكن المساس بها؟ هل لأنه يهدد وجودنا في الأصل؟ هل اختلاف الفكر والعقيدة هو الذي يخيفنا حقا؟ أم ما ينتج عنه من تحول في الانتماء والولاء؟ هل هو صراع أفكار أم هو نفس الصراع الأزلي من أجل البقاء؟ وهل نحن من يرفض الاختلاف؟ أم هو صراع بالوكالة يحركه من له هدف ومآل؟ أصبح السؤال الواحد أسئلة كثيرة، وصار الجواب يختبئ خلف كل سؤال.
ورفض الاختلاف لا يكون دائما بشكل معلن ومباشر، لأنه قد يختبئ أحيانا خلف ادعاءات وهمية مثل هاجس الاستقرار والأمن الروحي وزعزعة العقيدة والمس بالثوابت والمقدسات؛ وبالتالي قد يُلزَمُ المرء بعدم إظهار اختلافه عن العادات والممارسات الشائعة في المجتمع والاحتفاظ بأفكاره وقناعاته ومعتقداته لنفسه، ما يفرز لنا انفصاما خطيرا بين الهوية الفردية والهوية الجماعية، حيث يعيش الأنا صراع التواجد والاعتراف ومرارة الشعور بعدم الانتماء إلى الأنا الجماعي. وأساس المشكل يكمن في نظري في فهمنا للهوية الجماعية أو المجتمعية على أنها شيء ثابت لا يتغير، في وقت نجد أن جُلّ الدول الحداثية التي أمضت شوطا طويلا في مسار التقدم والتنمية باتت تؤمن بأن الهوية المجتمعية ليست بالمنظومة الجاهزة والنهائية، وإنما هي مشروع مفتوح على المستقبل.
إنَّ المجتمعات البشرية التي كانت في ما مضى منعزلة عن بعضها البعض، تدافع كل واحدة منها عن ثقافتها وتحاول فرضها على الثقافات الأخرى كلما سنحت لها الفرصة لذلك، مقتنعة بأنها الأسمى والأحق، ومدفوعة بالرغبة في السيطرة والقيادة، أصبحت اليوم تعيش في عالم موحد المفاهيم والقيم، مترابط الأركان والنُّظُم. وفي عالم كهذا لا بد لنا من تقبل الاختلاف شئنا أم أبينا؛ بل إن اتحادنا في ظل تنوعنا ضرورة حياتية من أجل بقائنا واستمرارنا في هذا الوجود. ولا داعي لاستغلال مفهوم المقدس لخلق الحواجز والثنائيات الزائفة، أو اللعب على وتر الهوية وما يسببه من صراعات لا تنتهي تخوضها أجيال متعاقبة لم ترث عن أسلافها سوى تعصب أعمى وحروب دموية.
لقد تطورت الحضارة الإنسانية وهي تشق طريقها بعُسر في منحى الزمن، ومنذ اللحظة التي تشكل فيها جنين النظام العالمي لم تعد أي مقارنة ممكنة بين عالمي الأمس واليوم في شتى المجالات. وإن كنا نعيش الآن مرحلة انتقالية تتخللها بعض مظاهر العالم القديم، فإن ما نقاسيه من ألم ومعاناة ما هو إلا المخاض الذي يسبق ولادة ذلك الجنين. وطبعا كلما اشتد ألم المخاض إلا واقتربت ساعة الولادة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.