"إعلان البحرين" يُشيد بأدوار المغرب في لجنة القدس وأزمة ليبيا والتصدي للإرهاب    أسرة الأمن بالجديدة تخلد الذكرى 68 لتأسيس المديرية العامة للأمن الوطني    ميارة يشيد بالشراكة المغربية البرتغالية    الأمن الإقليمي بسلا يحتفي بالذكرى ال68 لتأسيس المديرية العامة للأمن الوطني    سعر الذهب يتراجع بعد مكاسب الدولار    الملك محمد السادس: الأعمال الانتقامية في غزة تتعارض مع القانون الدولي    القمة العربية تدعو إلى نشر قوات دولية في الأراضي الفلسطينية المحتلة لحين تنفيذ حل الدولتين    موظفو الجماعات الترابية ينسحبون من الحوار مع وزارة الداخلية    اختناقات في صفوف عشرات التلاميذ بالبيضاء .. والسلطات تشكل لجنة للتقصي    ميناء طنجة.. تراجع كمية مفرغات الصيد البحري بنسبة 30% حتى متم أبريل    الملك: التهجير القسري للفلسطينيين أمر مرفوض وقطاع غزة جزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية الموحدة    محمود عباس يتهم حماس ب"توفير ذرائع" لإسرائيل لتهاجم قطاع غزّة    مقترح "إلغاء الفار" ينتظر تصويت الأندية الانجليزية    تقرير: إحداث أزيد من 42 ألف مقاولة ذات شخصية معنوية نشطة بجهة الشمال    برئاسة المغرب .. مجلس حقوق الإنسان الأممي يرفض الإعادة القسرية للمهاجرين    بسبب عدم الامتثال.. شرطي مرور يشهر سلاحه والسلطات تحقق    حادثة غريبة.. استخراج جثة شابة بعد أكثر من سنة على وفاتها    المغاربة أكثر العمال الأجانب مساهمة في نظام الضمان الاجتماعي بإسبانيا    طقس الجمعة.. أمطار ضعيفة و متفرقة وتشكّل سحب بالشمال وحرارة بالجنوب    المغرب يثير من جديد موضوع استقلال الشعب القبايلي في الامم المتحدة    القمة العربية: الملك محمد السادس يعتبر محاولة إسرائيل فرض واقع جديد في غزة "أمرا مرفوضا"    على هامش تكريمه.. البكوري: مهرجان الريف يسعى لتقريب الإبداعات الناطقة بالأمازيغية إلى الجمهور التطواني    عائلات "مغاربة ميانمار" تحتج بالرباط .. وناجية تكشف تفاصيل "رحلة الجحيم"    هذه حجم الأموال التي يكتنزها المغاربة في الأبناك.. ارتفعت بنسبة 4.4%    وفاة الفنان أحمد بيرو أحد رواد الطرب الغرناطي    "حماة المال العام" يستنكرون التضييق على نشاطهم الفاضح للفساد ويطالبون بمحاسبة المفسدين    أخنوش يتباحث مع رئيس الحكومة اللبنانية    هذه العوامل ترفع خطر الإصابة بهشاشة العظام    إطلاق مجموعة قمصان جديدة لشركة "أديداس" العالمية تحمل اللمسة المغربية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    تصفيات مونديال 2026: الحكم المغربي سمير الكزاز يقود مباراة السنغال وموريتانيا    بعثة نهضة بركان تطير إلى مصر لمواجهة الزمالك    كأس العرش.. مولودية وجدة يضرب موعدًا لمواجهة الرجاء في النصف النهائي    السعودية تطلق هوية رقمية للقادمين بتأشيرة الحج    إيقاف مسؤول بفريق نسوي لكرة القدم ثلاث سنوات بسبب ابتزازه لاعباته    يوفنتوس يتوّج بلقب كأس إيطاليا للمرّة 15 في تاريخه    مانشستر سيتي يهدد مشاركة جيرونا التاريخية في دوري الأبطال    ظاهرة "أسامة المسلم": الجذور والخلفيات...    الاستعادة الخلدونية    المغربي محمد وسيل ينجح في تسلق أصعب جبل تقنيا في سلوفينيا    العسري يدخل على خط حملة "تزوجني بدون صداق"    وزارة "الحج والعمرة السعودية" توفر 15 دليلًا توعويًا ب16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    "أديداس" تطلق قمصانا جديدة بلمسة مغربية    كلاب ضالة تفترس حيوانات وتهدد سلامة السكان بتطوان    من أجل خارطة طريق لهندسة الثقافة بالمغرب    أشجار عتيقة تكشف السر الذي جعل العام الماضي هو الأشد حرارة منذ 2000 عام    مدريد في ورطة بسبب الإمارات والجزائر    أكاديمية المملكة تُسائل معايير تصنيف الأدباء الأفارقة وتُكرم المؤرخ "هامباتي با"    محكي الطفولة يغري روائيين مغاربة    زيلنسكي يلغي زياراته الخارجية وبوتين يؤكد أن التقدم الروسي يسير كما هو مخطط له    "تسريب أسرار".. تفاصيل إقالة وزير الدفاع الروسي    المشروع العملاق بالصحراء المغربية يرى النور قريبا    زعيم المعارضة في إسرائيل: عودة الرهائن أهم من شن عملية في رفح    ما حاجة البشرية للقرآن في عصر التحولات؟    "الصحة العالمية": أمراض القلب والأوعية الدموية تقتل 10 آلاف شخص يوميا في أوروبا    جمعية علمية تحذر من العواقب الصحية الوخيمة لقلة النوم    دراسة: الحر يؤدي إلى 150 ألف وفاة سنويا على مستوى العالم    السعودية: لاحج بلا تصريح وستطبق الأنظمة بحزم في حق المخالفين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"العدل والإحسان" والمشاركة السياسية: قطيعة أم مقاطعة؟
نشر في هسبريس يوم 05 - 10 - 2011


بسم الله الرحمن الرحيم
يرجع اتخاذ موقف من المشاركة السياسية والانتخابية إلى ضرب من ضروب الاجتهاد المؤسس
أولا :على المبادئ الناظمة للعمل السياسي،
وثانيا:على تقدير ظروف المشاركة
المبادئ الناظمة للعمل السياسي
وبيان هذه المبادئ يقتضي:
- أولا:إعادة النظر في الفقه السياسي الإسلامي التقليدي:وهو فقه طرأ بعد الانقلاب على الحكم الرشيد الذي جسده الصحابة الأربعة الكبار- رضي الله عنهم- ،وتقعد ب"الأحكام السلطانية" التي بررت الانقلاب وأجازت انقضاض العصبيات الأسرية على الحكم من غير استحقاق،وأوصت بالطاعة المطلقة للحاكمين مهما ظلموا وجاروا وخرجوا عن جادة العدل والصواب،بدعوى الحفاظ على الوحدة والحيلولة دون الوقوع في الفتن،حتى أنها أوشكت أن تجعل الرسول دون "السلطان"،وانحدرت إلينا عبر الأجيال تقاليد الاستقالة غير المشروطة أمام الحاكم، ولا نتجنى على أحد إذا قلنا إن الإسلاميين المشاركين انتخابيا(ولهم أجر الاجتهاد) يمتحون- بقصد أو بغير قصد- من الموروث السياسي التقليدي الطارئ،عندما يعتقدون خطأ أن توجيه النقد "للمؤسسة الملكية" هو تكريس لعقلية الاصطدام مع الحكام، أو أن تلك المؤسسة تشكل"دراقة" يتقون بها سوء الظنون بهم ،وتآمر خصومهم"الحداثيين والعلمانيين" عليهم،ولا يمر يوم إلا ويرون فيه تنكر تلك المؤسسة "لجميل" دفاعهم عنها عبر اللعب بمنهجية تنظيم الانتخابات قصد التحكم والضبط والبلقنة وعبر حملات التشويه والتصوير "الكاريكاتوري"،وعبر إصدار البيانات الحكومية التي توبخهم ظلما وعدوانا إن هم رفعوا أصواتهم منددين أو كتبوا مستنكرين لأن قواعد "اللعبة" لا تقبل ذلك،أما الفقه السياسي الأصيل فإنه لا يجيز بتاتا مصادرة حق الأمة في اختيار الحاكم الذي تحاسبه وتراقبه،وإذا أراد ألا يحاسب ولا يراقب فلا يتلبس بشيء من أمور السياسة،ولا يجبز ذلك الفقه أيضا "ولاية العهد" للصبيان وهم في خرقهم،لأن المواطنين كلهم مرشحون لولاية العهد،وذلك الفقه بحاجة ماسة إلى التجديد والتعديل والتطوير لينهض بمتطلبات الحراك الثوري التغييري في منطقتنا الإسلامية.
ثانيا:الوعي بأساليب تدبير الدولة للعمل السياسي:وهو تدبير يحيل أيضا على الفقه السياسي الإسلامي التقليدي عبر استحضار عدة مفاهيم منها :
- مفهوم"البيعة" بالتركيز فقط على وجوب بذل الشعب لطاعة مطلقة في كل الأحوال،وإهمال الإشارة إلى البعد التعاقدي الاشتراطي "للبيعة".
- مفهوم "ولاية العهد" ومعناها ومبناها قول الحاكم: أيها الشعب لا يوجد في أوساطك من هو أحق بالحكم إلا ابني وعائلتي،والمعلوم فقها وقضاء أن الحكم ليس مما يرثه الولد عن أبيه.
- مفهوم"إمارة المؤمنين" الذي ارتبط ظهوره بحاكم عادل هو الفاروق عمر رضي الله عنه،وله تعلق بالأمة الإسلامية كلها لا بقطر مخصوص،وإطلاقه على حاكم معين مبني على "الاستحقاق" لا على مجرد "الزينة" التي تجعل منه "مِقمعة" لكبح الاجتهاد واحتكار الفتوى عملا بسياسة "تدبير الكلام في الدين".
وبعد "الاستقلال"ارتبط تدبير الدولة للعمل السياسي بإقرار تعددية وهمية،بينما كان الحاكم الحقيقي والفعلي والمستفرد بالقرار هو "الحزب الوحيد" أي"القصر" فتم نسج شبكة من العلاقات تقوم على هذا الأساس :
- في المجال الاقتصادي حيث تم التمكين"اقتصاد الريع"،وأصبحت"المؤسسة الملكية" طرفا أساسيا في القرارين السياسي والاقتصادي(ثروة العائلة الملكية وتدخلاتها الاقتصادية)
- وفي المجال السياسي عبر شراء الولاءات وصناعة أحزاب واتجاهات،وتزوير الانتخابات والإرادة الشعبية ،وإقرار دساتير "تدستر" الحكم الفردي الاستبدادي ،كان آخرها دستور 2011 الذي جاء معيبا من حيث المنهجية التي اعتبرت"غير تشاورية مبنية على الاستفراد والاستحواذ وليس الحوار...وغير تفاعلية اقتصرت على الاستماع وتلقي المذكرات...وإقصائية لأنها أقصت جزءا كبيرا من المعنيين بتغيير الدستور...واختزالية لأنها تختزل مشاكل البلاد في الوثيقة الدستورية...وتمويهية لأنها أحدثث آلية سياسية لم يكن لها من دور إلا المصادقة والمباركة...وتقنية حصرت مهمة اللجنة في مهمة تقنية...واستباقية لأنها تتوقع النتيجة مسبقا"[1] وكانت الدعاية للتصويت عليه دعاية"ابتزازية" عندما أصبح التصويت على الدستور تصويتا على الملك،لأنه دستور ملكي يرأس بموجبه الملك:المجلس الوزاري والمجلس الأعلى للأمن والمجلس العلمي الأعلى والمجلس الأعلى للسلطة القضائية،كما يتوفر على سلطة التعيين في الكثير من المناصب.
لذلك في كثير من الأحيان يصير العمل الحكومي عبثا ويفتقد إلى برنامج جدي أولا عندما تُستحدث مؤسسات تتطاول على اختصاصات القطاعات الحكومية للنفخ في الإنجازات الملكية،وثانيا عندما يتولى التوجيه الحقيقي للحياة السياسية "حكومة الظل" أي "مستشارو الملك" الذين ارتبط بهم بعض رموز اليسار السبعيني المتطرف الذي يشكل الآن رأس الحربة في المؤامرة على الإخوة في "العدالة والتنمية" .
- وفي المجال الديني عبر اختزال الإسلام في مجرد شعائر تعبدية،وتحويله إلى مقولات للتبرير واكتساب الشرعية،واصطناع فئة من الفقهاء والعلماء تبرر ولا تقرر وتصدر الفتاوى تحت الطلب والمدفوعة الأجر،وغيرهم أصناف منهم المهووسون بالتعويضات المالية في "الداخل" و"الخارج"،ومنهم من أفرط في إحسان الظن بنفسه،فقال هي فرصة لتبليغ دعوة الله عبر المنابر الرسمية ومزاحمة العلماء الرسميين لكنه بعد حين وجد نفسه أسوأ حالا منهم،ومنهم متنورون متضلعون من العلم منخرطون في مؤسسات دينية رسمية يحسب لهم حساب،لا يعطون الولاء بشكل فج كما يفعل غيرهم،لهم تلامذة ومعجبون،لهم تماس بالإسلام الحركي،لكنهم تشوفا لمناصب قادمة قد يتلبسون بلغة انهزامية في اللقاءات العامة،قد يتهكمون بدون مناسبة من معارضة إسلامية جذرية ليعلنوا "تبرأهم" منها،هؤلاء إن لم يستطيعوا أن يكبحوا جماح طموحاتهم وعواطفهم فلا أقل من أن يعملوا بقاعدة" قد لا نقول الحق كله ولكن لا نقول باطلا".
واكتسب المخزن تجربة كبيرة في تجديد نخبه و"خدمه"،وفي "ترويض الأسود" سواء أكانوا من اليسار أم من الإسلاميين،وفي تنظيم الانتخابات،وإحدى أهم "الخُدع"التي عمل بها وانطلت لعبتها على الكثيرين خدعة "إرسال الإشارات" و"تمنية" المتمنعين بالوعود،حتى إذا انخرطوا في مشروعه وأعطوه كل شيء انقلب عليهم ولم يعطهم أي شيء،كما برعت مخابراته في تكوين ملفات عن السياسيين لها علاقة ب"الخصوصية" يتم إخراجها عند الحاجة للي الذراع والضغط والإخضاع والإسكات.
ثالثا: التفريق بين المشاركة السياسية والمشاركة الانتخابية،فبينهما علاقة عموم وخصوص،فكل مشاركة انتخابية هي مشاركة سياسية وليست كل مشاركة سياسية هي مشاركة انتخابية،ومن تم ليس من الصحيح اختزال المشاركة السياسية في المشاركة الانتخابية،وإذا كانت السياسة تعني في دلالتها اللغوية الاصطلاحية هي القيام على الأمر بما يصلحه
- فإن الانخراط في جمعيات المجتمع المدني للرقي بالذوق الفني للجمهور مشاركة سياسية،
- والانخراط في العمل الخيري التطوعي للتخفيف عن المستضعفين الذين تطحنهم تكاليف الحياة مشاركة سياسية،
- والانصراف إلى الحفاظ على جمالية أحيائنا وتنظيف أزقتها وشوارعها مشاركة سياسية،
- والقيام بواجب المعارضة من موقع القوة الهادئة المقترحة من دون تملق أو مجاملة أو خوف أو وجل مشاركة سياسية،
- والنزول السلمي إلى الشوارع للمناداة بإسقاط الفساد والاستبداد مشاركة سياسية،
وهكذا لا بنقضي عد مشمولات المشاركة السياسية فما بال البعض يعتبرون المقاطعين انتخابيا بأنهم غير مشاركين سياسيا،متى كانت الديمقراطية تعني فقط المشاركة الانتخابية مع الغفلة عن استحضار:
- السياقات السياسية من حيث انتفاء الاستبداد ووجود الحاكم العادل والمنتخب من الناس بكل حرية واختيار،
- والاجتماعية والاقتصادية من حيث انتفاء الفوارق الطبقية الفادحة وحصول الناس على الكفاية في أرزاقهم وعدم تحكم لوبيات العقار والاستثمار والأبناك في تحديد مستويات معيشتهم،
- والثقافية من حيث انتفاء أهم العوائق المتجلية في ارتفاع نسب الأمية،ورسوخ قدم نخبة "حزب فرنسا" في المغرب،بينما تعاني النخبة الوطنية من كل صنوف التهميش والسخرية والاحتقار في المهرجانات الكبرى التي تنظم في "المملكة السعيدة".
تقدير ظروف المشاركة
إن ما يغنينا عن ذكر المبررات الشرعية للمشاركة سببان،الأول تمة وفرة في الحديث عن تلك المبررات،والثاني اختلاف زوايا النظر إليها ،بل إن المبرر الواحد قد يحتج به دعاة المشاركة ودعاة المقاطعة في آن،كمسألة "صلح الحديبية" ومسألة رغبة يوسف عليه السلام في المشاركة في "حكومة " فرعون مصر،ولذلك نعتقد أن الكشف عن مآلات المشاركة في الواقع هي التي تعطي لتلك المشاركة معانيها السلبية أو الإيجابية،ولا أنفع من تحديد الواقعة التي نطبق عليها هذا المنهج،ولا أنسب من اتخاذ "النقاش الدستوري" الأخير مثالا ومثلا،وهذا ما يستدعي رسم أمور:
1. أبدى المشاركون موافقتهم لإظهار حسن النوايا،ولترجيح "المصلحة الوطنية" على أي مصلحة أخرى،وللحفاظ على "الثوابت الوطنية" و"الاستقرار" ،كان المخزن في حاجة إلى تعبئة عامة تقطع الطريق على "20 فبراير" وداعميها،وكانت حاجته أمس إلى "المشارك الإسلامي" ،لا حرج عند "المخزن" من كثرة الخرجات الإعلامية ما دامت تنفع في التعبئة،ولكن لما أَزِف موعد الانتخابات بعد التصويت على الدستور الجديد حَدَّ لإخوة الطريق سكاكين البيانات الحكومية المستنكرة للتشكيك في نزاهة الانتخابات المقبلة،وسكاكين التشويه الإعلامي،والتقطيع الانتخابي،وبلقنة المشهد الحزبي،والإبعاد من المؤسسات(الدستور والجهوية والهيئة العليا للاتصال السمعي البصري والمجلس الدستوري و المجلس الوطني لحقوق الإنسان)،بشكل بدا معه أن المخزن بتعامل مع"المشارك الإسلامي" ب"ذرائعية ميكيافلية"،لأن طبعه(أي المخزن) الاستبدادي يغلب تطبعه الديموقراطي،وبدا معه أن "المشارك الإسلامي" يستسمن ذا ورم (المخزن) وينفخ في غير ذات ضرم.باختصار إنها "الشمتة".
إن المشاركة إن كان ولا بد،يجب أن تقترن بالمشارطة ووضوح الرؤية وبعد النظر والتعويل أكثر شيء على الشعب،ثم أعد بعد ذلك للبلاء جلبابا(بعد طلب العافية).
"العدل والإحسان" :القطيعة أم المقاطعة
أشهر تنظيم مغربي عرف باتخاذ موقف العزوف عن المشاركة الانتخابية لا السياسية هو"العدل والإحسان"،قبل أن تتسع دائرة المقاطعين ليلتحق بها "اليسار الاشتراكي الموحد" و"حزب الأمة" و"النهج الديموقراطي"،ولقد كان لافتا تحول خيار المقاطعة الانتخابية إلى خيار شعبي أبانت عنه نتائج انتخابات 2007 التي قاطعها ما لا يقل عن 70% من الشعب المغربي،ولطالما تعالت أصوات أحزاب شائخة بالشكوى من عزوف الشباب عن السياسة والحقيقة أنه ليس عزوفا عن السياسة بل عزوفا عن تلك الأحزاب وعن قواعد"اللعبة" الانتخابية برمتها،وفي كل مرة كانت "العدل والإحسان" تدفع بمبررات مقاطعتها،مؤكدة على أن عدم المشاركة ليس ضربة لازب ولكنه موقف يرتبط بظروف غير صحية لها تعلق بكل ما ذكرناه عن الإطار العام المنظم للعمل السياسي بالمغرب،وسلوك الحاكمين الذرائعي والمبني على عدم وجود نية صادقة للرقي بذلك العمل،فإذا تغيرت الظروف بالأصالة تغير الموقف لا محالة بالتبع.
وإبان مطلع الثمانينيات من القرن الماضي كان الأستاذ عبد السلام ياسين من الأوائل الذين نبهوا على خيارات التغيير السياسي المختلفة وعلى الموقف الشرعي والواقعي منها،وقدم لتنبيهه ذاك يومئذ بحث الإسلاميين عامة على المشاركة متى ما توفرت الشروط المعتبرة،نكتفي في هذا الباب بذكر بعض أقواله:
- " على الإسلاميين أن يستعملوا وسائل الإشهار عن أنفسهم وعن برنامجهم في الانتخابات حيث يكون المدخل إلى الحكم الإسلامي هو طريق الديموقراطية ، لكن عليهم أن لا ينزلقوا إلى المزايدات الشعارية"[2]
- "لعل دخول الجماعات الإسلامية قبل القومة في التعددية الديمقراطية، وهي حكمة وصواب في إطارها وحدودها، تعلمهم أن الانفراد بالرأي والاستبداد ورفض الرأي المغاير إفقار للدعوة والدولة معا"[3]،وحذر من الأمر الأخطر وهو تغميض الأحوال على الناس "بِلَفِّها في خِرَقِ الشعار الإسلامي والوعد الخيالي"[4]
ومع التطور المستمر الذي يعرفه العمل السياسي الرسمي والشعبي كان الأمر يحتاج في كل حين إلى تقييم"العدل والإحسان" لظروف المشاركة،حتى لا تتعجَّل في اتخاذ المواقف أو ترسل الكلام على عواهنه،فتأكد لها بالملموس أن "دار لقمان ما زالت على حالها"،وأن الانتخابات في المغرب تعرف"ثباتا في الوظائف وتغيرا في السمات" على حد تعبير الخبير في الانتخابات وعضو الأمانة العامة للدائرة السياسية للجماعة الدكتور محمد منار الذي تساءل " إذا كانت انتخابات الملك الحسن الثاني عرفت تزويرا وتوترا دائما، وطعنا مستمرا في نتائجها، فإلى أي حد ستحقق انتخابات الملك محمد السادس قطيعة مع ذلك؟ وهل سيستمر الطعن في نتائج الانتخابات أم سيختفي؟ وإذا انعدمت، أو على الأقل خفت حدة التوتر الانتخابي، فهل تكمن أسباب ذلك فيما تحقق في انتخابات الملك محمد السادس من حرية ونزاهة؟ وإلى أي حد سيحقق الإطار القانوني والتنظيمي الجديد تلك الحرية والنزاهة؟ وهل يكفي التقدم على مستوى نزاهة الانتخابات وشفافيتها في تحقيق انتخابات فعالة؟ بعبارة عامة هل ستشكل انتخابات الملك محمد السادس قطيعة مع انتخابات الملك الحسن الثاني؟ أم ستشكل استمرارا لنفس الاختيار الانتخابي السابق؟"[5]ولم يقتصر في الإجابة عن هذه الأسئلة على ما هو قانوني أو سياسي واعتمد أيضا على مقاربة سوسيوثقافية،ليخرج بنتيجة جعل منها عنوانا لكتابه:"الانتخابات في المغرب:ثبات في الوظائف وتغير في السمات".
ونأتي بعدُ إلى إيراد الخطوط السياسية الثلاثة التي ذكرها عبد السلام ياسين ودعا إلى اتخاذها وجهات للتأمل،لا لحصر إمكانات العمل التنفيذي فيها:
1. "الدخول في تعددية الأحزاب، والترشيح للانتخابات، وما يقتضي هذا من علنية العمل، والمرونة الدائمة، وطول النفس"[6]،وذلك لسبب من عدة أسباب،ف"خرق جدران الحصار الإرهابي منه والقانوني، تحت أنظمة تعلن أنها ديمقراطية، وأن نظامها مبني على الحريات العامة، لا يتأتى لنا ونحن في فترة الإعداد إلا بالدخول في المعمعة التعددية والانتخابية"[7]،وهذا الدخول مشروط باجتناب " الاستسلام لكيد الاحتواء المنظم"[8]،ووجود " حكم نزيه غير ذي مطمع"[9] ونسأل هل وزارة الداخلية حكم نزيه وغير ذي مطمع؟
2. سماه خطا شديدا وهو بنهج"القطيعة" ألصق، وهو "خط التميز والقوة، والتمرد، والرفض"[10]،يعتزل أصحابه(وأكثرهم شباب) المجتمع،ولم تسلم حتى الحركة الإسلامية في بداياتها من أذاهم،حينئذ قال عنهم ياسين:" في بلاد المسلمين شباب متوثب يحيي إيمانه بعرامة وقوة. وينظر إلى الجاهلية من حوله فيبغضها أشد البغض. ويقرأ المودودي وقطبا رحمهما الله فيجد عندهما ذكرا للجاهلية وتحريضا ضدها. فيحسب الشباب أنهم وحدهم المسلمون، وأن الجاهلية تبدأ من الأم التي لا تصلي، والعم الذي يشرب، والأخت المتبرجة.ويتصور الشباب العالم من حولهم بما فيه البيت والشارع، والمجتمع التقليدي، والحكام، كتلة ظلام يجب أن يفر منها، وعدوا لا انتظار لمنازلته"[11]،وتدرج بهم التشدد نحو العنف في القول والفعل لذلك قالت "العدل والإحسان" :" لا نرى للتنظيم العنيف المعتمد على الاغتيال السياسي مبررا ولا مستقبلا"[12].
ولقد تبلور خط القطيعة في السجون،وتبنته تنظيمات اعتبرت نفسها هي"جماعة المسلمين"،وأفرطت في إطلاق أحكام التكفير على المخالفين،بعد أن حكمت بجاهلية المجتمع،ويأخذ المرء العجب من بعض الأقلام الفكرية والصحفية التي لا تقيم فرقا بين القطيعة والمقاطعة،فتحسب مقاطعة"العدل والإحسان" للانتخابات نهجا اعتزاليا أو انقلابيا وهو تحليل أقرب إلى التحريض منه إلى التحقيق العلمي،وبكلمة هذا الخط السياسي الثاني رفضته"العدل والإحسان".
3. الخط الثالث هو إنضاج الخط الأول ليبلغ حد الكمال،أي تحقيق الشروط السليمة للدخول في تعددية الأحزاب والاحتكام إلى انتخابات حرة ونزيهة.
إن الرجوع المستمر إلى أصول العمل السياسي من شأنه أن يجنب أي حركة في الواقع التخبط والعشوائية والارتجال والاضطراب،ويجنبها ما اقترن به شطر كبير من السياسة المعاصرة من انتهازية وتملق ونفاق ونفعية وسقوط أخلاقي فإذا "بالضد يخفي ضده،وإذا باللفظ ضد المعنى في لغة السياسة، واذا بالظلم يلبس قلنسوة العدالة، واذا بالخيانة ترتدي رداء الحمية بثمن زهيد،ويطلق اسم البغي على الجهاد في سبيل الله، ويسمّى الأسر الحيواني والاستبداد الشيطاني حرية"[13]ولذلك دعا عبد السلام ياسين الإسلاميين إلى التمسك " بمبدإ الوضوح والصدق ليستظهروا بالصدق على مناوشات المكيافليين سماسرةِ السياسة المحترفين"[14].
وإن كان من درس نستفيده من الحراك الثوري في منطقتنا الإسلامية وله ارتباط بموضوعنا هو:عندما يفقد الناس الثقة في الانتخابات والسياسة والسياسيين ينزلون إلى الشوارع غير مبالين أوقعوا على الموت أم وقع الموت عليهم.
الهوامش
[1] بيان المجلس القطري للدائرة السياسية لجماعة"العدل والإحسان" حول دستور 2011
[2] نفسه ص 430
[3] سنة الله ص 296
[4] العدل ص 432
[5] د.محمد منار،الانتخابات في المغرب:ثبات في الوظائف وتغير في السمات"
[6] المنهاج النبوي ص 374
[7] نفسه
[8] نفسه
[9] نفسه
[10] نفسه
[11] نفسه
[12] نفسه
[13] بديع الزمان سعيد النورسي.رسائل النور- اللوامع .ص 849
[14] العدل ص 432


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.