رحل رشيد طه، المغني الجزائري، دون أن يحزم حقائبه؛ بعد سكتة قلبية ألمّت به على حين غرة بمنزله في فرنسا، ليسلم روحه وهو لم يجاوز بعدُ سنته التاسعة والخمسين. ويعدّ المشتهر بأغنية "يا الرّايح وين مسافر"، لصاحبها الفنان دحمان الحراشي، واحدا من روّاد "الراي" الجزائري؛ اللون الغنائي الذي ترك فيه بصمته الخاصة بمزجه مع موسيقى "الروك" الأمريكية، وأهازيج "الشعبي". خطوة خطوة.. ولد الفنان رشيد طه في سنة 1958 بمدينة سيق في ولاية معسكر بالجزائر، ثم استقر مع عائلته بفرنسا في ستينات القرن الماضي. استقبل الفنان الجزائري شبابه وهو عامل في مطاعم ومصانع العاصمة الفرنسية باريس، ثم شكل في سنة 1981 فرقة "روك" مع بعض الشباب المغاربيين وشاب فرنسي أسمَوْها "تصريح إقامة"، وأصبح مغنيها الرئيسي بالعربية في سنة 1982، مع أدائه بعض المقاطع باللغة الإنجليزية من حين إلى آخر. وبدأت مسيرة رشيد طه كمُغنّ مستقل في سنة 1989 من العاصمة الفرنسية، ليتلقى بعد ذلك دعوة من المنتج "دون واس" الذي ارتبط اسمه بالفرقة الأمريكية ذات الصيت الواسع "رولينغ ستونز". ورغم ذلك لم يكن الألبوم الأول للفنان ناجحا بالولايات المتحدةالأمريكية، وهو ما فسّره بعض المهتمين بكون الأمريكيين لم يكونوا متساهلين مع الأغاني العربية في فترة حرب الخليج. هذه الخيبة لم تثن رشيد طه؛ ففي سنة 1993 كان الفنان الجزائري بصدد إعداد ألبومه الثاني، واستمر إنتاجه في سنة 1995 بعد نشره ألبوما آخر عنْوَنَه ب"أولي أولي"، حتى حلّت سنة 1997 التي أصبح فيها اسم رشيد طه جزء لا يتجزأ من تاريخ "الراي" الجزائري بعدما نجحت طريقة إحيائه لأغنية "يا الرّايح وين مسافر". خالدات شعبية من الأغاني التي تركت أثرًا كبيرًا وترسخت في ذاكرة الجمهور العربي أغنية "يا الرايح"، من ريبرتوار الراحل دحمان الحراشي، التي تحكي قصة مهاجر يقول له رشيد طه إنه حتى لو طال به السفر، فلا بد له يوما من الرّجوع إلى بلده، مذكّرا إياه بندم الغافلين قبله بعد عيَائهم في الجرْي بين أطراف بُلدان الناس. ومن الأغاني التي ترسّخت في الذاكرة الموسيقية المغاربية والعربية أغنية "عبد القادر يا بوعلام"، لصاحبتها "الشابة نورية"، التي استعادها رشيد طه مع فوضيل و خالد سنة 1998، في حفل كبير بباريس، عُنون ب"شموس1، 2، 3"، وصدرت أغانيه في ألبوم يحمل الاسم نفسه قبل أن يباع على نطاق واسع. وزاد إنتاج رشيد طه بصدور ألبوم "صنع في المدينة"، الذي رأى النور في سنة 2000، بعد تسجيله في كل من باريس ولندن ومراكش. بينما تذكُرُ بعض المصادر الفنية أن رشيد طه كان بصدد تحضير مفاجأة لجمهوره مطلع العام المقبل؛ وهي ألبوم جديد يتناول بعض القضايا الراهنة والمجتمعية، لكن القدر شاء أن يرحل قبل ذلك. الفن والإنسانية عُرف رشيد طه بمعارضته للعنصرية في أوروبا، وكان هذا الموقف نتيجة لقناعاته وتجربته مع رفض بعض دور الموسيقى الفرنسية بيع أسطواناته لأنها لم تكن تريد أن يأتي العرب إلى متاجرها ليَقْتَنوها. وسبق أن تحدث طه عن تجربته في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي مع مجموعة من الفئات التي عرف أنها "لن تترك قلبه صافيا"، مثل العنصريين في أوروبا، ودُعاة الانغلاق بالجزائر. وقد غنى الفنان الجزائري في ألبومه "Olé Olé" ضد التعصب الذي يستهدف العرب، ثم أنشد أغنية "التانغو الجزائري" في سنة 2013 قائلا إنه لم ينسَ سنوات التجاهل الأولى والرفض من طرف شركات الإنتاج الفرنسيّة التي لم تكن تريد التعامل مع العرب، كما لم ينسَ العنصريين، ومن أسماهم ب"العُبُوديين". وسبق أن عبّر طه، في مقابلات تلفزية، عن كون "عنصريي الشارع ليسوا بين ما يثير اهتمامه لأنهم لا يشكلون خطرا، ويمكن أن يحمي نفسه منهم"، ثم استدرك موضحا: "العنصرية الأكثر خطورة، بالنسبة لي، هي العنصرية الكونية والعنصرية الإعلامية، وعنصرية بعض رجال السياسة".