السكوري…المخاطر المهنية يمكن تفاديها بإرساء نظام فعال للسلامة وثقافة وقائية    للمنافسة عالميا.. جهود مغربية لتطوير صناعة الألعاب الإلكترونية    بنكيران: "مرشحو العدالة والتنمية لا تهزمهم المنافسة الشريفة بل استعمال المال ورئيس الحكومة يختبئ وراء الملك"    رئيس الوزراء الاسباني يقرر البقاء في منصبه عقب فتح تحقيق قضائي في حق زوجته    تيزنيت.. 5 نقابات صحية تدعو لفتح تحقيق معمّق بشأن شبكة المؤسسات الصحية    أسعار الذهب تتراجع مع انحسار آمال خفض سعر الفائدة الأمريكية    "غلاء الأضاحي" يجر وزير الفلاحة إلى المساءلة    الدرهم يتراجع ب 0,46 في المائة مقابل الأورو    مجلس المنافسة: 40 في المئة من الخضر والفواكه بالمغرب تتعرض للتلف    النفط يهبط 1% مع استمرار محادثات وقف إطلاق النار في غزة    تقرير: نمو "سياحة المغامرات" يتخطى 19% بحلول 2032    ماسك يجني مكاسب في نظام "تسلا" للقيادة الذاتية بالصين    نهضة بركان يتأهل للنهائي بعد انسحاب اتحاد العاصمة الجزائري    حكيمي يتوج رفقة باريس سان جيرمان بالدوري الفرنسي    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يترأس الجائزة الكبرى لجلالة الملك محمد السادس للقفز على الحواجز بالرباط    البطولة العربية السادسة لكرة اليد للشباب (نصف النهاية): المنتخب المغربي يتأهل إلى النهاية على حساب نظيره التونسي 22-20    توقعات أحوال الطقس اليوم الاثنين    حكواتيون من جامع الفنا يروون التاريخ المشترك بين المغرب وبريطانيا    تواصل الحركة الاحتجاجية بالجامعات الأمريكية للمطالبة بوقف الحرب في غزة    المشتبه فيه فقتل التلميذة "حورية" بصفرو قرقبو عليه بوليس فاس: العملية الأمنية شاركت فيها الديستي وها فين لقاو المجرم    حادث سير خطير بالقرب من المحكمة الابتدائية يتسبب في إصابة خمسة أشخاص    مافيات الشينوا دخلات للبلاد. طاحت وحدة كتپيراطي المكالمات    جماهير اتحاد العاصمة معلقة على الإقصاء: تم التضحية بنا في سبيل قضية لا تعنينا    النائب المرابط إلى وزير التربية الوطنية: إحداث ثانوية بجماعة بليونش ستكون له انعكاسات جد إيجابية تربويا واجتماعيا    واش يبقى ولا يستاقل. اليوم يتحدد مصير رئيس الحكومة الصبليوني. خدا ويكاند باش ياخد قرارو بعد اتهام مراتو بالفساد    يوسفية برشيد يضع قدمه الأولى في القسم الثاني بعد التعادل مع تطوان    ماركا: المغرب يستغل الفرصة.. استعدادات متقدمة لنهائيات كأس العالم وسط فضائح الاتحاد الإسباني    منظمة المطبخ المركزي العالمي تستأنف عملها في غزة بعد مقتل سبعة من عمالها    استطلاع.. غالبية المريكانيين كيبان ليهوم أن إدارة ترامب أنجح من ديال بايدن    الحكومة والنقابات توقعات على زيادات عامة في الأجور وتخفيضات في الضريبة على الدخل    الصين: "بي إم دبليو" تستثمر 2,8 مليار دولار اضافية شمال شرق البلد    بالفيديو.. الجيش الإسباني ينفذ تمارين عسكرية على الحدود مع الناظور    200 مليون مسلم في الهند، "أقلية غير مرئية" في عهد بهاراتيا جاناتا    تقرير: المغرب وإسرائيل يسعيان تعميق التعاون العسكري رغم الحرب في غزة    رواد مركبة الفضاء الصينية "شنتشو-17" يعودون إلى الأرض في 30 أبريل    هجوم مسلح يخلف سبعة قتلى بالاكوادور    إدارة أولمبيك خريبكة تحتح على الحكام    "عشر دقائق فقط، لو تأخرت لما تمكنت من إخباركم قصتي اليوم" مراسل بي بي سي في غزة    "العدالة والتنمية" يندد بدعوات إلى استقالة ابن كيران بعد خسارة انتخابات جزئية    "العدالة والتنمية" ينتقد حديث أخنوش عن الملك خلال عرض حصيلته منددا بتصريح عن "ولاية مقبلة"    بايتاس: ولوج المغاربة للعلاج بات سريعا بفضل "أمو تضامن" عكس "راميد"    بعد كورونا .. جائحة جديدة تهدد العالم في المستقبل القريب    الأسير الفلسطيني باسم خندقجي يظفر بجائزة الرواية العربية في أبوظبي    الفيلم المغربي "كذب أبيض" يفوز بجائزة مهرجان مالمو للسينما العربية    دراسة: الكرياتين يحفز الدماغ عند الحرمان من النوم    التاريخ الجهوي وأسئلة المنهج    طنجة "واحة حرية" جذبت كبار موسيقيي الجاز    تتويج الفائزين بالجائزة الوطنية لفن الخطابة    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    مهرجان إثران للمسرح يعلن عن برنامج الدورة الثالثة    خبراء وباحثون يسلطون الضوء على المنهج النبوي في حل النزاعات في تكوين علمي بالرباط    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    الأمثال العامية بتطوان... (583)    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الإسلام بين الشرق والغرب" لعلي عزت بيغوفيتش
نشر في هسبريس يوم 21 - 02 - 2019

"هل يستطيع الإنسان التغلب على هذا التناقض: إما هذا وإما ذاك، إما السماء وإما الأرض، أم أن الإنسان محكوم عليه أن يظل مشدودا إلى الأبد بين الاثنين؟ هل هناك وسيلة ما يمكن بواسطتها للعلم أن يخدم الدين والصحة والتقوى والتقدم والإنسانية؟ هل يمكن لطوبيا مملكة الأرض أن يسكنها أناس بدلا من مجهولي الهوية بلا وجوه، وأن تتمتع بملامح "مملكة الله" على الأرض؟" علي عزت بيغوفيتش.
لا يزال موضوع الجدل حول صراع الإسلام والغرب يثير الأقلام ويشحن الأفكار الحجاجية ويواكب مستجدات قضايا الخلافات التاريخية على كل الأصعدة. فبعد سلسلة من النظريات المتأرجحة بين مفاهيم الصراع والمنافسة، كما المواجهة والحوار الحضاري، ومقاربات تشخيص الأزمة بين الأنظمة الامبريالية المستحوذة على مقدرات الشعوب الضعيفة، وقيم النهوض الجديدة ومواءمتها مع مستجدات الطفرات السيبرانية، تأتي ردود العديد من الأقلام الفلسفية المصدومة بهواجس الغرب ولا أخلاقيته، وانحيازه وتحلله ورفضه للعدالة الكونية وتغوله تحت مظلة القوة وقانون الغاب.
من بين هذه الأصوات الحارقة التي فجرت تجربتها وجسدت حلم العودة إلى التفكير العقلاني المبني على التسامح والاعتراف بالآخر والحوار المتفاعل مع مظاهر العيش المشترك والاندماج الثقافي والهوياتي، يأتي كتاب "الإسلام بين الشرق والغرب" للمفكر البوسني الشهير علي عزت بيغوفيتش، الرئيس الأسبق للبوسنة وقائدها السياسي وزعيمها الفكري والروحي. ("الإسلام بين الشرق والغرب" علي عزت بيغوفيتش، ترجمة محمد يوسف عدس، تقديم عبد الوهاب المسيري، دار الشروق ط 4، 2018).
كتاب يلتقط بحس نقدي أخاذ وبصيرة فلسفية هادرة جملة من النظريات، جاءت على شكل خطابات فلسفية مبنية على أسس وظفت المعارف والأرقام لأجل عرض جملة من الأفكار حول القطائع الغربية ومدلولاتها في النظام الإنساني الكوني، ومواجهاتها للقيم الإسلامية، وتكالبها على الحكمة والتدبير الجيد للأزمات المتعاقبة.
وقد كان بيغوفيتش ذكيا عند استخدامه للنموذج القيمي كأداة تحليلية تركيبية دون تشيئ أو تغليف، وقد وصف المفكر المصري الراحل عبد الوهاب المسيري خلال تقديمه للطبعة الرابعة الأخيرة 2018 هذا التوجه كونه "لم يتصور أن له وجودا ماديا مستقلا وكأنه مقياس جاهز يقيس به الدارس كل شيء، بل رأى أنه مجرد آلية يمكن تصنيف المعلومات والظواهر من خلالها ثم تفسيرها. وهو يدرك تماما أن هذا النموذج المجرد الذي قد يهيمن على الإنسان مختلف تمام الاختلاف عن تجربته الحياتية المعيشية" ().
وهذا معناه أن إيمان بيغوفيتش بالاستقلالية الفكرية مهما كانت مآلاتها الفلسفية والأيديولوجية لا يعيقه التنقيب في وحدة الوجود، باعتبار النموذج ثنائية وليست ازدواجية، وتجربة توحد مصير النظر والعمل، الروح والمادة، حيث التكامل والانسجام، التبادل والوفاق.
الذي يحمس القارئ لكتاب "الإسلام بين الشرق والغرب" لعزت بيغوفيتش متابعته الدقيقة لخلفيات الإفراد الفلسفي الغربي الأخلاقي، وتشبعه المنفتح بالثورات العقلانية الغربية والشرقية على السواء، وتجد هذه الثقافات السابغة حاضرة بقوة في استدلالات الكاتب عند كل عتبة، في نظرته للدين والمادة، في الخلق والتطور، في إشكالية الثقافة والحضارة، الفن والعلم، في مذهبية الأخلاق الدراما والطوبيا، وفهمه الإنتلجنسي للإسلام كوحدة ثنائية قطبية..
إنه نموذج المثقف الواعي بضرورة تصحيح الفهوم الناتجة عن رجة الكراهية للآخر ورؤيته المجانبة للصوابية ومراعاة حدود الحياد. وقد صاغ بيغوفيتش مجمل حقول النقد السياسي والإيديولوجي بآليات فلسفية وفكرية ذات أبعاد كونية تنهل مرجعياتها من القراءات المتأملة للغرب وحضوره في النسيج الإنساني المتعدد، وقطعيته بسمو المنهل الأخلاقي وخلوده في الفعل والنظر المادي السحيق.
ومن بين أهم الأسئلة المطروحة مسألة الأخلاق والمادة، حيث يستأثر الاختيار المنطقي للحرية من جهة الخلاص بالمعنى الأخلاقي، وترميزه ضمن أولويات البقاء، وهو ما اعتبره الكاتب نفعية مادية أو أخلاقا مادية، أو التزام خلقي مادي. مع ما يترتب عن هذا التأويل من فهم متأخر في ظل غياب أي منظومات أخلاقية متجاوزة للنظام الطبيعي المادي، حيث تصبح اللذة هي الخير والألم هو الشر!؟.
ويحاور بيغوفيتش دلالات هذا التحول في بنية القيم كما توظفها بعض الديمقراطيات الغربية، مستعرضا إحدى أشهر المتون تأثيرا في عقلانية المتبوع أو المقلد، حيث يقول مورجان " أن ديمقراطية الحكم والأخوة في المجتمع والأخوة في المجتمع والمواساة والتعليم العمومي، سوف يوصلنا إلأى مستوى أعلى من المجتمع الذي طالما استهدفته الخبرة والعقل والعلم. وفي هذا تجديد للحرية والإخاء والمساواة .." (الكتاب نفسه، ص: 217).
ومن أجمل الوقفات العميقة في الكتاب مبحثه الحكيم في المجتمع المثالي، الذي يوازن فيه بين الإيمان والمادة، الخير والشر والقسوة على النفس. أعاد فيه الفيلسوف الزعيم البوسني بعضا من ميلودراميات جمهورية أفلاطون، متوسما حداقة أفلاطون في الوصف اليوطوبي لمعاني التعلم والاقتدار التربوي وطاعة المرؤوسين باعتبارهم آلهة ثانية وأبطال يعكسون صورة الدولة ورمز قيامها وكينونتها ، مستنتجا أن "آلية الطوبيا كاملة ولكنها غير إنسانية، فإذا كانت الحرية هي جوهر الدراما، فإن النظام والتماثل هما العنصران الأساسيان في الطوبيا" (الكتاب نفسه، ص: 234).
ولا أدري ما الذي دعا بيغوفيتش إلى مقاربة حدود الانتماء إلى الهوية البشرية والعرقية واللغوية والثقافية، من خلال تفكيكه لثنائيات الطوبيا والأخلاق والأتباع والهرطقة والمجتمع والجماعة والشخصية والفرد الاجتماعي والأسرة والطوبيا؟ لكن ربما تجربته السياسية المندغمة في الشعور القومي واندهاشه بالواقع المرير الذي عاشته أمته خلال اجتياحات الصرب الهمجية وأدوار النخب السياسية والثقافية الغربية اليمينية في تأجيج الصراع والاقتتال!؟
ولعمري إنها أكبر وثيقة تاريخية تشخص لشهادة زعيم أممي نقل بفكره الرصين ورؤيته الفلسفية الثاقبة فوارق العقل وقابلياته بين قارتين فكريتين متعاليتين. الغرب الذي يستعدي ويمارس كل أنواع الاحتيال الأيديولوجي والسياسي والاقتصادي والعسكري من أجل التفرقة والمواجهة والتآمر. والشرق المستغبي المارق الذي يقلب الحقائق والفهوم والغايات، ويشطر النوازع إلى أرقام مخيفة مفسرا التاريخ على عكس ما ينشده العقل ويرتضيه المستقبل.
يضعنا كتاب "الإسلام بين الشرق والغرب" لعزت بيغوفيتش في الزاوية الحادة التي تستنفذ كل صورها وخلفياتها تحت صقيع الاختلاف وتأجيج نيران المواجهة الفكرية، سرعان ما تتراكم بين الخيوط المختلة والمتهارشة صواعق التحذير من إفلاس العقل الإنساني تحت تأثير هلوسة الكراهية وجنون العظمة واعتراك ميادين القوة القهرية والظلم والاستبداد. وهو الخوف الذي يتأمله دوما بيغوفيتش بنوع من الرهبة والشوق إلى فهم واقعي ومعاصر للإسلام الذي يعتبره في آخر عبارة في الكتاب "لم يأخذ اسمه من قوانينه ولا نظامه ولا محرماته ولا من جهود النفس والبدن التي يطالب بها الإنسان بها، وإنما من شيء يشمل هذا كله ويسمو عليه. من لحظة فارقة تنقدح فيها شرارة وعي باطني. من قوة النفس في مواجهة محن الزمان.. من التهيؤ لاحتمال كل ما يأتي به الوجود.. من حقيقة التسليم لله.. إنه استسلام لله.. والاسم إسلام!" (الكتاب نفسه، ص: 374).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.