في سياق زيارة البابا الأخيرة إلى المملكة المغربية، في أواخر شهر مارس من هذه السنة، والتي خلفت مجموعة من الارتسامات حول سياسة التعايش الديني بالمغرب التي يرعاها أمير المؤمنين بين اليهود والنصارى والمسلمين، إلا أن تجسيد هذا التعايش في لوحة فنية بريئة وبعيدة عن التعصب والتزمت أغضب بعض الجهات التي تدعي وصايتها على الدين الإسلامي وعلى رأسها ما يسمى: "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين"، الذي أصدر بيانا شديد اللهجة، ومما جاء فيه: "يتابع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بقلق وحزن أحوال أمته، وما تعانيه من تفريق وتمزيق، وما هو مسلط عليها من مظالم وانتهاكات لكرامتها وسيادتها، قد تصل إلى حد الاستخفاف بمقدساتها وثوابتها الشرعية. وفي العقد الأخير ظهرت داخل كيان الأمة مواقف شاذة تتجه إلى النيل من كمال الإسلام وشموله وخلوده وعصمته، ودعوات للنيل من السنة النبوية المشرفة وأئمتها. وأخيراً فوجئنا وصدمنا لما وقع في معهد تكوين الأئمة بالمملكة المغربية، من التلفيق بين الأذان الذي يعد من أعظم شعائر الإسلام، وبين الترانيم والأناشيد الكنسية. وأمام هذه الأحوال المؤلمة والتصرفات المؤسفة يوجه الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين رسالة نصح وتحذير إلى أمته ومسؤوليها...". حتى كتابة هذه السطور تظهر الأمور عادية، ولكن إذا علم القارئ اللبيب أن رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ما هو إلا الفقيه المغربي العلامة الأستاذ الدكتور أحمد الريسوني، فسيصاب بالدهشة والاستغراب. إن فقيهنا لم يقف عند هذا الحد، بل قام بتاريخ 24 أبريل من السنة نفسها، وفي أقل من شهر من صدور البيان المشؤوم، بتصرف أرعن ومتهور بحضوره ندوة فكرية نظمتها منظمة التجديد الطلابي، المحسوبة على حزب العدالة والتنمية، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان، حيث نجمت عن حضوره ردة فعل من الطلبة الماركسيين المنتمين إلى فصيل "الكُرَّاس"، حين كان يلقي رئيس الاتحاد محاضرة له، ما ترتبت عنه إصابات متعددة في صفوف الطلبة والحاضرين. وأمام هذه الورطة ما كان من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين إلا أن يصدر بيانا آخر بتاريخ 25 أبريل، يدين ويستنكر بشدة الهجوم على ندوة فكرية. وأدان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين "الهجوم الماركسي الغاشم الذي وقع ليلة أمس الأربعاء 24 أبريل الجاري على الندوة الفكرية المنعقدة بالمغرب، إذ هاجم طلبة ماركسيون ينتمون إلى فصيل طلابي يدعى "الكُرَّاس" ندوة فكرية نظمتها منظمة التجديد الطلابي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان، حين كان يلقي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد الريسوني، محاضرة له؛ ما ترتبت عنه إصابات متعددة في صفوف الطلبة الذين تصدوا وحاولوا مقاومة المهاجمين الذين هاجموا القاعة بالأسلحة البيضاء والكراسي بشكل همجي، وشرعوا في الاعتداء على اللجنة التنظيمية. وتم نقل المصابين إلى المستشفى، ونسف المحاضرة تماماً بعد مضي 20 دقيقة على انطلاقها. ووصف الأمين العام فضيلة الشيخ الدكتور "علي القره داغي" هذه التصرفات بأنها همجية رعناء بعيدة عن الدين والحضارة والأخلاق وقيم الحوار...". و لكن عن أي دين وحضارة وأخلاق وقيم الحوار يتحدث الاتحاد العالمي للمسلمين الذي أراد نسف لقاء للتعايش الديني بالمغرب في لحظة تاريخية مفصلية طغى فيها "الدواعش" على المجتمعات المتحضرة، وأن يأتينا الريسوني وأشباهه بخطاب مشحون بالوعيد والتهديد. في إطار هذه السياقات والظروف ما كان من السيد وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي إلا أن يبادر بتاريخ 03 ماي 2019 ويراسل السادة رؤساء الجامعات (مراسلة رقم 441/01)- بشأن تنظيم التظاهرات بالجامعة، جاء فيها: "وبعد، إثر الأحداث المؤسفة التي تشهدها بعض الجامعات...يشرفني أن أطلب منكم عدم الترخيص لأي جهة خارجية باستعمال مرافق الجامعة؛ أما في ما يخص التظاهرات العلمية المنظمة من طرف المؤسسات التابعة لجامعتكم، أطلب منكم استطلاع رأيكم وطلب موافقتكم...". هذه المراسلة أسالت الكثير من المداد، وحاول البعض، نظرا لمواقف شخصية وأفكار مسبقة، تأويلها على أنها تضييق على الحريات الجامعية، فما كان من الوزارة المعنية إلا أن أصدرت بلاغا توضيحيا بشأن تنظيم التظاهرات بالجامعات (لا يحمل لا رقما ترتيبيا ولا تاريخا / انظر موقع الوزارة الإلكتروني ) – جاء فيه: "إثر التداعيات التي خلفتها المراسلة الوزارية المتعلقة بتنظيم تظاهرات داخل الحرم الجامعي، وتنويرا منها للرأي العام الوطني، تؤكد وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي أن الحرية الأكاديمية والثقافية داخل الحرم الجامعي هي أساس الإبداع الفكري الخلاق الذي تميزت به الجامعة المغربية منذ تأسيسها وإلى حدود اليوم؛ كما توضح الوزارة أن هناك من يسعى منذ مدة إلى استغلال هذه الحرية من أجل التشويش على الفضاء الجامعي من خلال زرع أفكار تزيغ عن مبدأ الاختلاف وقيم الديمقراطية التي طالما كانت الجامعة خير مدافع عنها، ما يتسبب في إثارة زوابع إعلامية وفي حدوث مشادات ومواجهات بين الطلبة. لذا، وخلافا لما يتم تداوله، فإن الغاية من هذه المذكرة هي رد الاعتبار لمبادرة الأساتذة الباحثين، إذ تسعى إلى جعل إدارات المؤسسات الجامعية والجامعات الداعم الأول لهم ماديا وتنظيميا؛ كما تهدف إلى دعم المبادرات الطلابية وجعلها هادفة ومفتوحة للجميع في إطار رؤية قائمة على الحوار الفكري واحترام حرية الابداع العلمي والثقافي والفني". *جامعة الحسن الأول – كلية الحقوق بسطات