"فدرالية ناشري الصحف" تدعو الحكومة لمراجعة موقفها من قانون مجلس الصحافة    بنكيران يدخل على خط مهاجمة الريسوني للتوفيق ويعتبر أنه من غير "اللائق أن ينعت وزارة الأوقاف بتشويه الإسلام"        رد واضح لا غبار عليه من مستشار ترامب مسعد بولوس خاصة أنه موجّه لوسيلة إعلام جزائرية: الصحراء مغربية والحل أساسه الوحيد مبادرة المغرب للحكم الذاتي    كأس أمم إفريقيا للاعبين المحليين 2024.. المغرب مرشح قوي تترقبه أعين كل المنافسين على اللقب        الصحراء المغربية دعم أمريكي متجدد وكشف إسباني وشيك    تفكيك عصابة من 4 اشخاص متخصصة في السرقة المقرونة بالضرب والجرح باستعمال السلاح الأبيض بوجدة وجرسيف    المغرب وجسر الخير نحو غزة: تضامن صامت تهتز له القلوب وتخرس به الألسن    كوندوري تلتقي بوفد من المستشارين    المغرب يسجل التراجع في البطالة .. وخبراء يحذرون من التفاوتات والهشاشة    نشرة إنذارية جديدة تحذر من موجة حر تصل إلى 47 درجة ابتداء من الإثنين    بورصة البيضاء تغلق على وقع خسارة    الدار البيضاء تستضيف الدورة الأولى من مهرجان "عيطة دْ بلادي"    باحث يناقش رسالة ماستر حول الحكامة المائية في ضوء التجارب الدولية بكلية الحقوق بالدار البيضاء    بجلد السمك.. طفل يُولد في حالة غريبة من نوعها    غامبيا تبحث تعزيز التعاون القضائي مع المغرب    إسبانيا تنفي إنزال علمها من جزيرتي الحسيمة    انخفاض أسعار النفط بعد اتفاق "أوبك+" على زيادة الإنتاج    رابطة الكتبيين: التخفيضات المدرسية على "السوشل ميديا" خدعة تجارية    حملة "التعمير والإسكان" تخدم الجالية    البحرية الملكية تتدخل لإنقاذ مهاجرين    فنادق أوروبا تلاحق "بوكينغ" قضائياً    دعوات لاحتجاجات أمام ميناء الدار البيضاء رفضا لاستقبال "سفن الإبادة"    ضربات إسرائيلية تخلف قتلى في غزة    "الجايمة"..أشهر مطعم مغربي في ألميريا يُغلق أبوابه نهائيًا    من الزاويت إلى الطائف .. مسار علمي فريد للفقيه الراحل لحسن وكاك        الأطعمة الحارة قد تسبب خفقان القلب المفاجئ    وزير ‬الداخلية ‬يفتح ‬ورش ‬الانتخابات ‬التشريعية ‬بالمشاورات ‬مع ‬الأمناء ‬العامين ‬للأحزاب ‬السياسية ‬الوطنية ‬    مقاومة الأداء الإلكتروني بالمغرب تعرقل جهود الدولة نحو الشمول المالي    كأس أمم إفريقيا للاعبين للمحليين 2024.. المغرب مرشح قوي تترقبه أعين كل المنافسين على اللقب    لا أنُوء بغزّة ومِنْهَا النُّشُوء    إنتر ميامي يعلن غياب ميسي لأجل غير مسمى    مصرع سيدة في حادثة سير مروعة بطنجة    ‬تجديد ‬الاستعداد ‬لحوار ‬صريح ‬و ‬مسؤول ‬مع ‬الأشقاء ‬في ‬الجزائر ‬ما ‬دلالته ‬؟    الدخول المكثف للجالية يدفع الدرهم المغربي للارتفاع أمام الأورو    ريال مدريد يحصن نجمه المغربي إبراهيم دياز بعقد جديد    وليد الركراكي يحضر لمفاجآت جديدة في معسكر شتنبر بضم لاعبين من أوتريخت وروما    ارتفاع في أعداد المهاجرين غير النظاميين الوافدين إلى سبتة ومليلية المحتلتين خلال 2025    ترتيب شباك التذاكر في سينما أميركا الشمالية    أستراليا تتهم مواطنة صينية بالتجسس    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    عاكف تتوج ببطولة "فريستايل إفريقيا"    توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين بالمغرب        وفاة الممثلة الأميركية لوني أندرسون عن عمر ناهز 79 عاما    بطولة انجلترا: تشلسي يتعاقد مع الظهير الأيسر الهولندي هاتو    حماس تقول إنها لن تسمح للصليب الأحمر بالوصول إلى الرهائن إلا إذا تم فتح ممرات إنسانية    فرنسا ترحل طالبة فلسطينية إلى قطر بعد اتهامها بكتابة منشورات "معادية للسامية"    دراسة كندية: لا علاقة مباشرة بين الغلوتين وأعراض القولون العصبي    "عرش المحبة حين يغني المغرب في قلب تونس"    دراسة: الانضباط المالي اليومي مفتاح لتعزيز الصحة النفسية والعلاقات الاجتماعية    بنكيران يدعو شبيبة حزبه إلى الإكثار من "الذكر والدعاء" خلال عامين استعدادا للاستحقاقات المقبلة    حبس وغرامات ثقيلة تنتظر من يطعم الحيوانات الضالة أو يقتلها.. حكومة أخنوش تُحيل قانونًا مثيرًا على البرلمان    "العدل والإحسان" تناشد "علماء المغرب" لمغادرة مقاعد الصمت وتوضيح موقفهم مما يجري في غزة ومن التطبيع مع الصهاينة    التوفيق: كلفة الحج مرتبطة بالخدمات    في ذكرى عيد العرش: الصحراء المغربية وثلاثة ملوك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تدريس المواد والتخصصات الفنية
نشر في هسبريس يوم 24 - 09 - 2019

ليس خافيا على أحد أن تدريس المواد والتخصصات الفنية لم يعد حاضرا ضمن اهتمامات وزارة التربية الوطنية، و غير مدرج ضمن برامج عملها، و غير وارد أيضا ضمن مشاريع الإصلاح على الأقل منذ 2012 سنة انتهاء العمل بالبرنامج الاستعجالي، حيث تخلت الوزارة نهائيا عن توظيف أساتذة هذه المواد، وتوقفت عن تحيين مناهجها وبرامجها الدراسية وعدة وثائقها التربوية منذ سنة 2004 رغم الدعوات المتكررة لأطرها التربوية بضرورة مراجعة هذه الوثائق المرجعية وجعلها مواكبة لمختلف المستجدات. هذا فضلا عن الإهمال الذي تعانيه ميدانيا من حيث ضعف التجهيزات والوسائل التعليمية اللازمة لتقديم تدريس يستجيب لحاجيات المتعلمين وانتظاراتهم. وفق هذا الواقع، يمكننا القول أن مواد التربية التشكيلية والتربية الموسيقية والثقافة الفنية بالأسلاك التعليمية الثلاثة قد وضعت بشكل غير معلن في مرحلة الانقراض، الأمر الذي يشكل انتكاسة حقيقة للمنظومة التعليمية وتراجعا خطيرا عن اختيار الانفتاح المعرفي والثقافي الذي تميزت به المدرسة المغربية. كما أن مختلف عناوين الإصلاح التربوي التي تتحدث عن تكافؤ الفرص، ومدرسة الإنصاف والتربية الدامجة والتربية على القيم والسلوك المدني، ومدرسة صقل المهارات وتفعيل الذكاء والحس النقدي وتفتح ملكات الإبداع والابتكار...،كل هذه الشعارات وغيرها، يصعب إثبات صدقيتها ومشروعيتها التربوية، في الوقت الذي يستغنى فيه عن الدرس الفني والجمالي ولا يراهن عليه في معركة تحويل هذه الشعارات لواقع فعلي، لذلك سيستعصي الاعتقاد بإمكان تحقق هذه المبتغيات ضمن اختيارات تلغي جوانب معرفية ومهارات أساسية في تكوين شخصية الأطفال المتعلمين، وتحرمهم من إمكانات وفرص مهمة تساعدهم على تنمية خيالهم وتطوير أدائهم الحس حركي لمستويات عليا، و ترتقي بمهارات الملاحظة والاستماع لديهم، وتسمح لهم بالاستفادة من سيرورات تعلمية تكسبهم حس المبادرة والبحث والتجريب والابداع والتذوق الجمالي. لا يمكننا تصور مدرسة بهذه الطموحات في غياب تدريس فعلي للمواد الفنية.
يبدو أننا لم نعد بحاجة لإقناع صاحب القرار التربوي بجدوى تدريس هذه المواد والتخصصات، بقدر ما نحن بحاجة لأن نقتنع بجدوى التخلي عن تعزيز أدوارها بالمنهاج التربوي وتبويئها موقعها الطبيعي ضمن المسار الدراسي والتكويني للتلميذ(ة) المغربي. هل كان شاقا على الوزارة أن تخصص 10 أو 20 منصبا كل سنة من مجموع 70 ألف منصب خصصت لنظام توظيف الأساتذة بالأكاديميات على مدى 3 سنوات خلت؟ وهي مقبلة أيضا على تخصيص مزيد من المناصب خلال الموسم التربوي الجاري 2020/2019 حيث ستوظف ما يناهز 15 ألف أستاذ وأستاذة من مختلف الأسلاك والتخصصات. إذن ما الذي يمنع من اتخاذ قرار كهذا ولو من باب ذر الرماد في العيون؟ هل يعقل أن تمتنع حكومة في الزمن الراهن عن تخصيص صفر درهم لتوظيف أطر تدريس المواد الفنية لمدة تتجاوز 8 سنوات ولا تخصص ولو مقعدا واحدا من بين 85 ألف منصب؟
إلى وقت قريب، تحجج بعض مسؤولي قطاع التربية الوطنية بشرط الإجازة لولوج مهن التدريس، ورغم أن كلية علوم التربية بالرباط تُخرج منذ 3 سنوات عشرات الطلبة الحاصلين على الإجازة المهنية في التربية الموسيقية وعشرات الطلبة الحاملين أيضا للماستر في التربية الجمالية، كما أن جامعة مولاي إسماعيل أهلت كذلك عشرات الطلبة الحاصلين على ماستر التربية الجمالية خلال السنوات القليلة الماضية، وتتخرج سنويا أعداد هامة من الطلبة الحاصلين على دبلوم المعهد الوطني للفنون الجميلة ودبلوم المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، وهما الدبلومان المعادلان لشهادة الإجازة المهنية، وغير ذلك من الشواهد والدبلومات الفنية الجامعية المعادلة، إلا أن قرار "اللاتوظيف" ظل ساري المفعول في حق المواد الفنية، بالرغم من أن شرط التوفر على الإجازة أصبح متجاوزا. ولعل هذا يجعلنا نستنتج أن الأمر كان مجرد مناورة "قانونية"، والحال أن "المسؤول الوزاري المركزي" أصبحت له "وجهة نظر " أخرى بخصوص هذه المواد، لكنه للأسف لا يملك "الشجاعة" و"المسؤولية" الكافية للتصريح بها، هذا الاستنتاج يجد سنده في الأسلوب الذي اعتمدته مصالح الوزارة في تنزيل المنهاج المنقح للسنوات الأربع من السلك الابتدائي، بمرجعية التجديد والتطوير المستمرين للمناهج الدراسية وملاءمتها مع المستجدات المعرفية والتربوية والتكنولوجية كما ورد ضمن خطابها الرسمي، بدءا يمرحلة التجريب لمرحلة التعميم ثم إصدار الكتب المدرسية. فخلال كل هذه المحطات ظل مكون التربية الفنية مهمشا سواء على مستوى تجريب المنهاج أو تكوين المدرسين وغائب كليا ضمن مختلف الوثائق المؤطرة لهذا التنزيل والتعميم، والغريب أنه تم تجديد كل الكتب المدرسية لمواد التعليم الابتدائي بالسنوات الأربع ، باستثناء الكتاب المدرسي للتربية التشكيلية الذي استمر التدريس به رغم تغيير المنهاج الذي تبنى تصورا جديدا، وأقر مادة التربية الفنية بمكوناتها الثلاثة، الفنون التشكيلية والمسرح والموسيقى والأناشيد، بدل التربية التشكيلية فقط.
إذن نحن أمام تناقضات قانونية وتنظيمية وتربوية غير مفهومة، فمن جهة نجد أن مادة التربية الفنية مدرجة ضمن المنهاج الدراسي للتعليم الابتدائي بتصور جديد، لكن بالمقابل نتابع إهمالا ممنهجا لها على كافة الأصعدة، كالتخلي عن إعداد وتحيين وثائقها التربوية وأطرها المرجعية، وتغييبها ضمن برامج التجريب والتعميم والتأطير والتكوين، واستثناء تجديد كتبها المدرسية، وبالمحصلة تجميد واضح لأدوارها وأهدافها التربوية، الأمر الذي سيفرز حتما تداعيات سلبية على النمو النفسي والجسدي للطفل(ة) المتعلم(ة) وعلى التأهيل المتوازن لشخصيته في أبعادها العقلية والمهارية والوجدانية، ويكرس كذلك ازدواجية في الخطاب التربوي الذي يدعو ويدعي طموحات معينة على الورق، لكنه يعاكسها في الواقع.
إن محاولة البحث عن العلاقات الموضوعية والامتدادات التعلمية التي يفترض أن تكون بين مواد التربية الفنية بالسلكين الابتدائي والثانوي الإعدادي سيكون ضربا من الخيال في خضم هذا العبث والغموض الذي يلف وضعية المواد الفنية بالمنظومة التعليمية، خاصة أن القانون الإطار المتعلق بالتربية والتكوين والبحث العلمي يدعو في مادته الثامنة للربط بين التعليمين الابتدائي والثانوي الإعدادي. وهذا يحيلنا على التساؤل مجددا عن مدى ضمان استمرار التربية على القيم الجمالية وتعميق المعارف الثقافية الفنية بالمناهج الدراسية بسلك الثانوي التأهيلي، وهو الموضوع الذي لا يمكن فصل مقاربته عن واقع تدريس المواد والتخصصات الفنية بالسلكين السابقين للسلك التأهيلي، وعن طبيعة الكفايات والمضامين والقيم والمقاييس الاجتماعية المستهدفة بهذا السلك التعليمي. حيث أن الكتاب الأبيض الذي أعدته لجان مراجعة المناهج التربوية المغربية سنة 2002، أحدث حينها قطبا خاصا بالفنون ضمن المناهج بدافع الوعي بأهمية الدور الذي تلعبه الفنون في التنشئة الاجتماعية والتربية على القيم الأخلاقية والجمالية، و باعتبار أن الفنون أصبحت تغطي جزءا لا يستهان به من الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية المهنية للمجتمعات الحديثة، الأمر الذي يفرض إعداد أطر فاعلة متوفرة على تكوين يؤهلها للمساهمة في الدينامية الاجتماعية، وقد شملت شعب هذا القطب شعبة الفنون التشكيلية، شعبة التربية الموسيقية، وشعبة الفنون البصرية والوسائطية. لكن سرعان ما تم الالتفاف على إحداث هذا القطب ووضعه في طي النسيان. ولا نزال لحد الان نجهل الأسباب التي كانت وراء إقصاء مشروع إحداث هذا القطب الفني ضمن مناهج السلك الثانوي التأهيلي الذي جاء استجابة للاختيارات والتوجهات التربوية العامة المعتمدة في الوثيقة الإطار، ومن كان المسؤول عن ذلك؟ ولعل نفس المصير لاقته مادة الثقافة الفنية التي شرع في تدريسها منذ سنة 2007 بالسنة الأولى من سلك الباكالوريا، هذه المادة الفنية النظرية التي أحدثت بغية تحقيق الاستمرارية في بناء المفاهيم المرتبطة بالتربية الفنية والجمالية، ومن أجل إكساب المتعلمين ثقافة فنية عامة تؤهلهم لأن يكونوا مواطنين مستنيرين يساهمون عن وعي وفهم ومعرفة في الارتقاء بالذوق الفني العام.
ما يستشف من هذا الوضع "المأساوي" غير المسبوق لتدريس المواد والتخصصات الفنية، هو أن القائمين على الشأن التعليمي انخرطوا منذ سنوات في خصومة شديدة مع الفن داخل بنيات النظام التعليمي المغربي، منشأها جهلهم العميق بالفن في أبعاده الإنسانية والمعرفية والثقافية والاجتماعية، وارتباطاته الحديثة بالذكاء والاقتصاد والمهن المعاصرة.
قد لا يكون ما تقدمت بعرضه كافيا لإيقاظ ضمير العقل المدبر للشأن التعليمي، من أجل إعادة الاعتبار للمواد والتخصصات الفنية على كل المستويات المرجوة، لذلك أهمس بالقول أن المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي دعا ضمن الرافعة السادسة من الفصل الأول للرؤية الاستراتيجية 2015/2030 إلى تمكين مؤسسات التربية والتكوين من الأطر والبنيات التحتية والتجهيزات والمعدات الديداكتيكية اللازمة لتدريس الموسيقى والفنون التشكيلية والمسرح والسينما، كما أن القانون الإطار 51.17 الصادر بتاريخ 19 غشت 2019 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي نص ضمن المادة 28 من الباب الخامس الخاص بالمناهج والبرامج والتكوينات على "إلزامية إدماج الأنشطة الثقافية والرياضية والإبداعية في صلب المناهج التعليمية والبرامج البيداغوجية والتكوينية"، فهل من منصت؟
*باحث في الفن


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.