لقد تم اختتام النسخة السادسة عشرة للمؤتمر الوطني لحقوق الطفل في مراكش للتو، وأتساءل لماذا يستمر العنف ضد الأطفال بدلاً من أن يختفي، بل لازال يستمر في الصعود؟. إنه لأمر فظيع أن نرى الأطفال ضحايا الإهانات والعنف البدني والإحباط والتعذيب المدرسي، والتسوّل في الشوارع، والأطفال العاملين في مهن خطيرة، والأطفال دون تمدرس، والرضع المتخلى عنهم في الأزقة وعلب الأزبال. لماذا كل أعمال العنف هذه ضد الأطفال؟ هل هم أعداؤنا؟ هل هم مازوشيون؟ هل هم غير محبوبين؟ ولماذا يُنجبون؟. من الواضح أن هناك عدة عوامل مسؤولة عن العنف ضد الطفل. 1- الرغبة في الإنجاب وتنظيم الأسرة عندما أرى عنفاً ضد الطفل، أقول دائماً لنفسي: "لماذا أحضروه إلى الحياة؟". من المفترض أن يكون الطفل محبوبًا لأنه يحتاج إلى حب والديه لتطوير شخصية متوازنة. الطفل لا يفهم كيف يحبه والداه ويضربانه ويهينانه بكل الألوان مثل "الله يْدّيكْ عْنْدو وْ يْهْنِّني مْنّْكْ". لماذا نترك الآباء يصنعون الأطفال دون أي منطق اجتماعي أو اقتصادي أو سياسي أو تعليمي؟ لماذا يسمح المسؤولون بإنتاج الأطفال دون تخطيط على كل المستويات؟ وبدلاً من حبس امرأة قامت بالإجهاض، سيكون من الأفضل القبض على أولئك الذين يلدون بلا كلل وبدون رغبة في الإنجاب ويعذبون أبنائهم في البؤس والجهل. 2- الطفل ليس دواء أو معالجا نفسيا في كثير من الأحيان يُنصح الأزواج بالسرعة في إنجاب طفل من أجل الاقتراب وإنقاذ زواجهم. وعندما يجد الأبوان أن خلافهما تضاعف بعد وصول الطفل، يُسقطان حينئذ خلافاتهما على الطفل باعتباره السبب، ولذلك يعاقب بشدة مع إساءة معاملته. 3- المدرسة مقبرة الأطفال وفضاء القيامة بدوره، فإن النظام المدرسي مدمر لأنه يقتل الطفل أولاً، ويزوده بمعرفة عديمة الفائدة، ثم يعيد إحياءه على شكل طفلٍ آلي أو "روبو". المعلمون ليسوا متعاطفين مع التلاميذ، بل يَضرب بعضهم الأطفال مبررين ذلك بِ"لْمْصْلَحْتْهُمْ"؛ ناهيك عن التعذيب المستمر بسبب الفروض المنزلية. كما يخلق النظام المدرسي التنافس والتمييز بين التلاميذ حسب حصيلة نقطهم. وتبقى المدرسة المغربية عنصرية تجاه الإناث من خلال مطالبتهن بارتداء الوزرة. 4- الكفالة آلة التدمير يُنتهك هؤلاء الأطفال المتخلى عنهم بموجب القانون الذي يمنع من تسجيلهم في دفتر الحالة المدنية للأسرة المتبنية، وبالتالي حرمان كل واحد منهم من أن يكون "ابن فلان"، ويبقى "مَشي وْلْدي هَدا هِي مْرْبّْيِنو" وكأنه جرو. ولهذا لا أرى عنفا أخطر من عنف الكفالة. 5- عدم المساواة بين الجنسين الثقافة المغربية تجبر الفتاة على تنظيف المنزل وخدمة إخوانها الذكور. أما الولد فلديه كل حقوق والده. ولازالت الفتاة تحت سلطة الإخوة الذين يمنعونها من الخروج من البيت، وفي بعض الحالات يمنعونها من مواصلة دراستها (حالات عديدة أراها في عيادتي). وإذا عصت الأخ تتعرض للضرب من طرفه بموافقة الولدين. كما ليس لها الحق في ارتداء الملابس كما تشاء، ويطلب منها الأخوة ارتداء الحجاب في كثير من الحالات. 6- الدّين الدين يُعلم الآباء أن على أطفالهم أن يطيعوهم طاعة عمياء. كما يدعو هذا التعليم الدّيني الآباء إلى أن يكونوا دكتاتوريين للسيطرة على قبيلة أسرتهم بالعنف في حالة العصيان. الدين يوصي حتى الآباء بضرب الطفل في سن السابعة إذا كان يرفض الصلاة. يا لها من مصيبة وتناقض ومفارقة! الصلاة هي حالة حب لله، كيف يمكن ضرب الطفل ليُحب الرب بالقوة والعنف؟ الحب والعنف لا يمكن أن يعيشا معا، مثل النار والماء. 7- العصا لمن عصى هذا يعني أن الطفل وحش بري يجب ترويضه، ونستنتج أن التحدث إليه وأخذه في حضن الحب وشرح الموقف له والسماح له بالتعبير عن نفسه لا أهمية له. ويبقى العنف الوسيلة القادرة على ترويض الطفل. 8- العنف الزوجي الأزواج المغاربة يحبون التباهي حين نزاعاتهم، ولكن في معظم الأحيان تحدث هذه النزاعات العنيفة تحت أعين الأطفال، وهذا عنف فظيع ضد الطفل بأخذه رهينة. 9- مكانة واحترام الطفل في ثقافتنا يعتبر الطفل "غبيًا وضعيفًا" ولا يفهم شيئًا؛ وبالتالي ليست له مكانة ودور في دينامية الأسرة، وليس لرأيه اعتبار ولا يُحترم، بل يُصرخ عليه ويهان ويُضرب. 10- عدم التدريب على الزواج والتربية للأسف ليس لدينا برامج إعداد للزواج والحياة الزوجية والعائلية. وللعلم نحن لا نزداد أولياء أمور بالقدرات الماهرة لتربية الأطفال، بل نزاول هذه المهنة دون أي معرفة أو تدريب مسبق. كل هذه العوامل هي المسؤولة عن العنف في حق الأطفال، وليست مؤتمرات حقوق الطفل التي ستغير وضعنا الاجتماعي الكارثي، بل نحتاج إلى تطوير برامج متخصصة في الزواج والطلاق والحياة العائلية وتربية الأطفال. *طبيب نفساني وخبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي والعربي