تواجه وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح العلوي، موجة انتقادات حادة بعد تصريحات أدلت بها من واشنطن لوسائل إعلام أجنبية، كشفت فيها عن الخطوط العريضة لمشروع قانون المالية لسنة 2026، قبل عرضه على المجلس الوزاري الذي يرأسه الملك محمد السادس. ورغم الجدل الواسع، التزمت الوزيرة والحكومة الصمت، في وقت ما زال الرأي العام المغربي ينتظر تقديم مشروع القانون المالي، الذي كان متوقعاً أن يُعرض أمام الملك للمصادقة عليه يوم الجمعة الماضي. ومع اقتراب الموعد الدستوري المحدد في 20 أكتوبر، يُتوقع أن يُقدَّم المشروع أمام مجلس وزاري يوم الأحد قبل إحالته إلى البرلمان، تطبيقاً للفصل 75 من الدستور والمادة 48 من القانون التنظيمي للمالية.
تصريحات من واشنطن وفي مقابلة مع وكالتي رويترز وسكاي نيوز عربية على هامش الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدولي في العاصمة الأميركية، قالت فتاح العلوي إن المغرب سيُعدّل ميزانيته المقبلة لإعطاء الأولوية لقطاعي الصحة والتعليم، ولتخصيص موارد إضافية للحد من التفاوتات الاجتماعية. وأضافت الوزيرة أن الحكومة تنفق "أقل بقليل من 9% من الناتج المحلي الإجمالي" على الصحة والتعليم، مؤكدة وجود مجال لإعادة ترتيب الأولويات والمشاريع قصيرة الأمد، مثل "تطوير وتشغيل المستشفيات المحلية حتى لا يضطر المواطنون للسفر لمسافات طويلة لتلقي العلاج". وأوضحت أن التعديلات المرتقبة ستدعم توجيهات الملك محمد السادس الرامية إلى تقليص الفوارق المجالية، خصوصاً في المناطق الجبلية والواحات، دون المساس بتوازنات الاقتصاد الكلي. كما تطرقت إلى السياسة النقدية وسعر الصرف، مشيرة إلى أن "تحرير الدرهم خطوة أخرى" تتطلب مزيداً من الجاهزية لدى الشركات الصغيرة والمتوسطة. انتقادات سياسية وشعبية وقد أثارت هذه التصريحات موجة انتقادات داخلية، قادها رئيس المجموعة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية، عبد الله بوانو، الذي اعتبر أن ما قامت به الوزيرة يمثل "قلة احترام وذوق سياسي"، و"تجاوزاً خطيراً للضوابط المؤسساتية"، لأنها تحدثت عن مشروع لم يُعرض بعد على المجلس الوزاري. وفي تدوينة على صفحته ب"فيسبوك"، قال بوانو إن الوزيرة "أطلقت العنان لتصريحاتها دون تقدير لمآلاتها، وهي تبدو غائبة عن نبض الشارع الوطني والاحتجاجات التي تعرفها البلاد"، قبل أن يختم بالقول: "عجّل الله برحيل هذه الحكومة الكارثية". وتتعرض الوزيرة، المنتمية لحزب التجمع الوطني للأحرار الذي يقود الحكومة، لانتقادات متكررة بسبب عزوفها عن التفاعل مع الإعلام الوطني أو التعليق على الملفات الساخنة، من بينها الاحتجاجات الشبابية الواسعة التي تشهدها مدن مغربية منذ نهاية شتنبر الماضي، بقيادة حركة "جيل زد"، المطالبة بإصلاحات في التعليم والصحة والتشغيل. ويرى مراقبون أن صمت الوزيرة والحكومة إزاء الجدل الحالي "يعكس بروداً في التعاطي مع الرأي العام"، خاصة وأن مشروع قانون المالية يعتبر من أهم القوانين التي تعرض أمام البرلمان، ومن أكثر الملفات حساسية في السياق الاجتماعي والسياسي الراهن.