اتفاق بشأن زيادة عامة في أجور العاملين بالقطاع العام بمبلغ 1000 درهم صافية شهريا.. وترقب لزيادة في أجور القطاع الخاص    الدرك ينجح في توقيف مرتكب الجريمة المروعة بإقليم صفرو..    مجلس النواب.. انطلاق الدورة الرابعة لجائزة الصحافة البرلمانية برسم سنة 2024    الدورة السادسة من "ربيعيات أصيلة".. مشغل فني بديع لصقل المواهب والاحتكاك بألمع رواد الريشة الثقافة والإعلام    المكتب الوطني للسياحة يضع كرة القدم في قلب إستراتيجيته الترويجية لوجهة المغرب    استطلاع: انخفاض عدد الأمريكيين الداعمين لبايدن والغالبية تميل نحو ترامب        توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية        يوم دراسي حول مكافحة الجرائم الماسة بالمجال الغابوي    الاتفاق رسميا على زيادة عامة في أجور العاملين بالقطاع العام بمبلغ 1000 درهم شهريا    الحوار الاجتماعي..الحكومة ترجئ الحسم في ملفي التقاعد والإضراب إلى حين التوافق مع النقابات    الفنان الجزائري عبد القادر السيكتور.. لهذا نحن "خاوة" والناظور تغير بشكل جذري    وزارة الفلاحة…الدورة ال 16 للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب تكللت بنجاح كبير    التنسيق النقابي لقطاع الصحة…يقرر مواصلته للبرنامج النضالي    رسمياً.. رئيس الحكومة الإسبانية يعلن عن قراره بعد توجيه اتهامات بالفساد لزوجته    إدارة السجن المحلي بوجدة تنفي ما نقل عن والدة سجين بخصوص وجود آثار ضرب وجرح على وجهه    المغرب التطواني يتعادل مع ضيفه يوسفية برشيد    ارتفاع أسعار الأضاحي يجر وزير الفلاحة للمساءلة البرلمانية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    فيلم أنوال…عمل سينمائي كبير نحو مصير مجهول !    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولات الإثنين بأداء إيجابي    عقوبات ثقيلة تنتظر اتحاد العاصمة بعد انسحابه أمام نهضة بركان    التنسيق الميداني للتعليم يؤجل الاحتجاج    أسعار الذهب تتراجع اليوم الإثنين        غزة تسجل سقوط 34 قتيلا في يوم واحد    إليسا متهمة ب"الافتراء والكذب"    الروائي الأسير باسم خندقجي يهزم السجان الإسرائيلي بجائزة "بوكر العربية"    المفاوضات بشأن اتفاق الاستعداد للجوائح بمنظمة الصحة العالمية تدخل مرحلتها الأخيرة    طلاب مغاربة يتضامنون مع نظرائهم الغربيين الداعمين لغزة    تزگل باعجوبة. مقرب من العائلة ل"كود": زكريا ولد الناصري ما عندو رالو وها كيفاش وقعات لكسيدة    المنتخب المغربي يتأهل إلى نهائي البطولة العربية على حساب تونس    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يترأس الجائزة الكبرى لجلالة الملك محمد السادس للقفز على الحواجز بالرباط    مجلس المنافسة: 40 في المئة من الخضر والفواكه بالمغرب تتعرض للتلف    السكوري…المخاطر المهنية يمكن تفاديها بإرساء نظام فعال للسلامة وثقافة وقائية    للمنافسة عالميا.. جهود مغربية لتطوير صناعة الألعاب الإلكترونية    حكواتيون من جامع الفنا يروون التاريخ المشترك بين المغرب وبريطانيا    حكيمي يتوج رفقة باريس سان جيرمان بالدوري الفرنسي    جماهير اتحاد العاصمة معلقة على الإقصاء: تم التضحية بنا في سبيل قضية لا تعنينا    ماركا: المغرب يستغل الفرصة.. استعدادات متقدمة لنهائيات كأس العالم وسط فضائح الاتحاد الإسباني    الصين: "بي إم دبليو" تستثمر 2,8 مليار دولار اضافية شمال شرق البلد    200 مليون مسلم في الهند، "أقلية غير مرئية" في عهد بهاراتيا جاناتا    تقرير: المغرب وإسرائيل يسعيان تعميق التعاون العسكري رغم الحرب في غزة    إدارة أولمبيك خريبكة تحتح على الحكام    "عشر دقائق فقط، لو تأخرت لما تمكنت من إخباركم قصتي اليوم" مراسل بي بي سي في غزة    "العدالة والتنمية" ينتقد حديث أخنوش عن الملك خلال عرض حصيلته منددا بتصريح عن "ولاية مقبلة"    بعد كورونا .. جائحة جديدة تهدد العالم في المستقبل القريب    الفيلم المغربي "كذب أبيض" يفوز بجائزة مهرجان مالمو للسينما العربية    دراسة: الكرياتين يحفز الدماغ عند الحرمان من النوم    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    الأمثال العامية بتطوان... (583)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحق في الصحة بالمغرب .. التنصيص القانوني والإعمال الواقعي
نشر في هسبريس يوم 07 - 02 - 2020

"من بين جميع أشكال عدم المساواة، فإن الظلم في الرعاية الصحية هو الأكثر إثارة للصدمة واللاإنسانية" (مارتن لوثر كينغ)
تتعالى الأصوات والمطالب بوسائل التواصل الاجتماعي كما في الواقع للمطالبة بحق من الحقوق الأساسية للإنسان هو الحق في الصحة.
ومع نمو الوعي بأهمية هذا الحق خاصة وبحقوق الإنسان عامة تتنامى الاحتجاجات وتنمو انتظارات ومطالب جديدة تطالب بتجويده والعدالة في إحقاقه شأنه في ذلك شأن باقي حقوق الإنسان الأساسية المتداخلة والمتصلة والتي يصعب تفكيكها.
تنظم ندوات حول الموضوع وتعقد لقاءات لتدارس الجوانب المرتبطة به وتحدث شبكات للدفاع عن الحق في الصحة وتوقع معاهدات واتفاقيات دولية حول ضرورة احترام هدا الحق الأساسي المثبت في دساتير العديد من الدول التي تتعهد بتكريسه في تشريعاتها. لكن كم من الإجراءات تُتخذ لضمانه؟ وكم من الدراسات التقييمية التي تجري لقياس مدى احترام الدول لالتزاماتها تجاه هذا الحق؟ وما أثر ذلك على حفظ صحة وحياة وكرامة الإنسان؟
يطرح الحق في الصحة إشكالان جوهريان؛ الأول مبدئي ويدخل في إطار فلسفة القانون ونظرية الحق، ويقتضي قطعا تلازم هذا الحق بالواجب. والثاني موضوعي عملي يتلخص في الجواب على السؤال التالي: على عاتق من تقع مسؤولية ضمانه؟ وهل يكفي التنصيص عليه دون إعماله للاستجابة لاستحقاق جميع المواطنين له؟
لم يتفق فقهاء القانون على تعريف واحد للحق حيث عرفه البعض بأنه قدرة أو سلطة إرادية مخولة للشخص (نظرية الإرادة أو النظرية الشخصية)، وعرفه البعض الآخر بأنه مصلحة يحميها القانون. ويؤاخذ على النظرية الأولى اقتصار تعريف الحق على من تتوافر لديهم الإرادة متجاهلة الاعتراف بهذا الحق لعديمي الإرادة كالمجنون أو ناقصها. في حين يؤاخذ على نظرية المصلحة بأنها تُعرف الحق انطلاقا من غايته متجاهلة جوهر الحق.
ثم جاءت النظرية المختلطة فجعلت الحق سلطة إرادية تثبت للشخص تحقيقا لمصلحة يحميها القانون. إذ عرّفه الفقيه البلجيكي " DABIN" بأنه استئثار الشخص بقيمة معينة أو بشيء معين عن طريق التسلط على تلك القيمة أو الشيء. وإذا كان هذا التعريف أقرب إلى الصواب إلا أنه يتجاهل عنصر الحماية القانونية. ولهذا فإن التعريف المناسب للحق هو: "سلطة يمنحها الشخص لشخص آخر أو على شيء معين مع توفير الحماية القانونية لهذه السلطة".
بهذا المعنى تحدثت الدكتورة مارغريت تشان، المديرة العامة السابقة لمنظمة الصحة العالمية، ذات مرة قائلة: "العالم في حاجة إلى حارس أمين على صحته، يحرس القيم ويحمي الصحة ويدافع عنها، بما في ذلك الحق في الصحة".
ينص دستور المنظمة العالمية للصحة لسنة 1946 على أن "التمتع بأعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه هو أحد الحقوق الأساسية لكل إنسان، دون تمييز بسبب العنصر أو الدين أو العقيدة الأساسية أو الحالة الاقتصادية أو الاجتماعية" كما ينص نفس الدستور في ديباجته على أن "ما تحققه أية دولة في مجال تحسين الصحة وحمايتها أمر له أهميته للجميع".
إن الحق في الصحة "حق شامل لا يقتصر على تقديم الرعاية الصحية المناسبة وفي حينها فحسب، بل يشمل أيضاً المقومات الأساسية للصحة مثل الحصول على مياه الشرب المأمونة والصرف الصحي المناسب، والإمداد الكافي بالغذاء الآمن والتغذية والمسكن، والظروف الصحية للعمل والبيئة، والحصول على التوعية والمعلومات فيما يتصل بالصحة..." (لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للأمم المتحدة.
إن هذا التوصيف يلخص الحق في الصحة في توفر عنصرين اثنين: الحق في الرعاية الصحية من جهة وارتباطه بالمقومات أو المحددات الاجتماعية للصحة من جهة أخرى، من توفر مياه صالحة للشرب وتغذية كافية وظروف عيش صحية ملائمة وكذلك الحصول على توعية صحية مناسبة.
كما أكد الإعلان العالمي لحقوق الانسان في مادته 25 على أنه "لكل شخص الحق في مستوى من المعيشة كاف للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته، ويتضمن ذلك التغذية والملبس والمسكن والعناية الطبية، وكذلك الخدمات الاجتماعية اللازمة، وله الحق في تأمين معيشته في حالات البطالة والمرض والعجز والترمل والشيخوخة وغير ذلك من فقدان وسائل العيش نتيجة لظروف خارجة عن إرادته".
من هنا يظهر الارتباط الوثيق للحق في الصحة بباقي الحقوق الأخرى؛ وهي خاصية حقوق الإنسان بكونها كل لا يتجزأ، كالحق في المأكل، والمسكن، والعمل، والتعليم، والكرامة الإنسانية، والحياة، وعدم التمييز، والمساواة، وحظر التعذيب، والخصوصية، والوصول إلى المعلومات، وحرية تكوين الجمعيات، والتجمع، والتنقل...
المبادئ الأساسية للحق في الصحة:
يرتكز الحق في الصحة على مبادئ أساسية يمكن تلخيصها في ما يلي:
عدم التمييز: يجب ضمان وحماية الحق في الصحة دون تمييز بسبب النوع أو السن أو المستوى الاجتماعي أو الإعاقة ...
المشاركة: المشاركة في الطريقة التي يتم بها اتخاذ القرارات بشأن القضايا المتعلقة بالصحة والتأثير على قرارات الحكومة التي تؤثر على الصحة.
المساءلة: يجب وضع التدابير وآليات الرصد الفعالة التي تضمن أن تلتزم الحكومات بمعايير الحق في الصحة وينبغي أن يكون للناس حرية الوصول إلى الآليات المناسبة في حالة شعورهم أن حقوقهم قد تم انتهاكها.
مكونات الحق في الصحة:
قدمت لجنة الأمم المتحدة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في تعليقها العام رقم 14 إرشادات مفصّلة للدول بشأن التزاماتها باحترام الحق في الصحة وحمايته والوفاء به. كما أشارت اللجنة نفسها إلى أن هذا الحق يتضمن السمات المترابطة والأساسية التالية والتي اعتبرتها المقاربة الحقوقية من مكونات الحق في الصحة:
التوافر (Availability) : يجب أن توفر الدول العدد الكافي من مرافق الرعاية الصحية العاملة العامة والفردية على كامل أراضيها، فضلا عن توفير المياه المأمونة ومرافق الصرف الصحي، والموظفين الطبيين والمهنيين المدربين الذين يتقاضون أجرًا منصفًا ، والعقاقير الأساسية.
إمكانية الولوج أو الولوجية (Accessibility): تتسم إمكانية الولوج بأربعة عناصر أساسية هي : عدم التمييز، والولوجية المادية (الولوجية المادية بالمنظور الاقتصادي)، وإمكانية الوصول إلى المعلومات؛ إذ يجب أن يتمتع كل شخص بإمكانية الوصول إلى المرافق والخدمات المرتبطة بالصحة، لاسيما الفئات الأكثر ضعفًا من غير أي تمييز بِناء على أي من الأسباب المحظورة. كما يجب أن تكون المرافق والخدمات -فضلا عن المقومات الأساسية للصحة- مثل مرافق المياه والصرف الصحي، في المتناول المادي والآمن. ويجب أن يتمكن الجميع من تحمل نفقات المرافق والخدمات المرتبطة بالصحة، على أن يُراعى مبدأ الإنصاف لدى سداد المقابل المادي، مما يُجنب الأسر الفقيرة تحمل عبء نفقات صحية لا تتناسب معها. وأخيرًا، يتعين على الدول أن تكفل لكل شخص الحق في التماس المعلومات المتعلقة بالمسائل الصحية والحصول عليها ونقلها، من غير أن يُخلّ ذلك بسرية البيانات الطبية.
المقبولية (Acceptability) : ينبغي أن تحترم كل المرافق الصحية الأخلاق المهنية للممارسة الطبية وثقافة الأفراد والمجتمعات، فضلا عن مراعاتها لمتطلبات الجنسين ودورة الحياة.
الجودة (Quality): ينبغي أن تكون المنشآت والخدمات الصحية ملائمة من الناحيتين العلمية والطبية وذات نوعية جيدة. وهذا الأمر يتطلب -من جملة أمور أخرى- توفر العقاقير والمعدات اللازمة، وموظفين طبيين ماهرين، ومرافق المياه والصرف الصحي المأمونة.
من المسؤول عن ضمان الحق في الصحة؟
تقع مسؤولية ضمان الحق في الصحة وتوفير شروط الرعاية الصحية مبدئيا على عاتق الدولة عامة أو الحكومات على وجه التحديد، وقد تبنت المنظمة العالمية للصحة هذا الطرح في دستورها: "الحكومات مسؤولة عن صحة شعوبها ولا يمكن الوفاء بهذه المسؤولية إلا باتخاذ تدابير صحية واجتماعية كافية." وبالتالي فإن ضمان هذا الحق مقرون بتوفير محددات اجتماعية وضمان حقوق أخرى سلفا. والمسؤولية لا تقع فقط على عاتق الدولة لوحدها، خاصة بعد التطور الدي عرفته أدوار الدولة وتباين نسب تدخلها في حياة الأفراد، وكذا بروز تنظيمات المجتمع المدني التي أضحت تعنى بضمان هذا الحق. دون إغفال دور الهيئات المنتخبة ترابية كانت أم مهنية. لأن "صحة جميع الشعوب أمر أساسي لبلوغ السلم، وهي تعتمد على التعاون الأكمل للأفراد والدول".
أما في ما يتعلق بطريقة ضمان هذا الحق، فلا يكفي الانخراط أو التصديق على العهود والمواثيق الدولية التي ترعى الحق في الصحة والحقوق المرتبطة به، بل إن ضمان هذا الحق يبدأ بالتنصيص الدستوري والقانوني والتنظيمي عليه، وكذا التطبيق الفعلي لتلك الالتزامات على أرض الواقع برصد الاعتمادات المالية الكفيلة بتحقيقها وتجنيد الكفاءات التي تساهم في تجويد خدمات الرعاية الصحية في إطار العقد الاجتماعي بين الدولة والأفراد.
الحق في الصحة أو الرعاية الصحية بالمغرب:
المعلوم في القانون الدولي أن توقيع أي دولة على معاهدة أو اتفاقية ما، لا يعني بالضرورة انخراطها في تطبيقها إلا بعد المصادقة أو التصديق عليها. ورغم إلزامية تنفيذ هذه المعاهدات بعد التصديق عليها فقد تتعارض مع مبدأ السيادة الوطنية والتوجهات السياسية لكل دولة. وأمام ذلك فلا يملك المنتظم الدولي عمليا قوة الإكراه على تنفيذ بنود تلك الاتفاقيات باستثناء الشجب أو رفع تقارير دورية حول احترام هذه الالتزامات.
ورغم اعتراف المغرب بحقوق الإنسان والتزامه بدستور المنظمة العالمية للصحة، فإن دسترة "الحق في الصحة" لم يتم تكريسها إلا في دستور 2011. حيث نص الفصل 31 من الدستور على ما يلي: "تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في:
- العلاج والعناية الصحية.
- الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، والتضامن التعاضدي أو المنظم من لدن الدولة.
- الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة.
- التنشئة على التشبث بالهوية المغربية، والثوابت الوطنية الراسخة.
- التكوين المهني والاستفادة من التربية البدنية والفنية.
- السكن اللائق.
- الشغل والدعم من طرف السلطات العمومية في البحث عن منصب شغل، أو في التشغيل الذاتي.
- ولوج الوظائف العمومية حسب الاستحقاق.
- الحصول على الماء والعيش في بيئة سليمة.
- التنمية المستدامة"
إن القراءة المتأنية لمقتضيات هذا الفصل تفضي إلى الاستنتاجات التالية:
الدستور المغربي لم ينص صراحة على ضمان الحق في الصحة ولكن فقط على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير أسباب استفادة المواطنين من الحق في العلاج والعناية الصحية ...
وأن مسؤولية تعبئة هذه الوسائل تقع على عاتق الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية في إطار مسؤولية مشتركة.
كما اقترن ضمان الحق في العلاج والعناية الصحية في توفير حقوق أخرى.
كما أن خلو الدساتير السابقة من هذا الإقرار، لا يعني بالضرورة الغياب الكامل للبنى القانونية والمؤسساتية التنظيمية لمجالهما وامتداداتهما داخل باقي القطاعات الأخرى.
فقد تطرقت عدة مقتضيات قانونية بطريقة مبدئية رمزية أو أدبية لبعض جوانب الحق في الصحة مند صدور القانون 65.00 بمثابة مدونة للتغطية الصحية الأساسية، في أكتوبر 2002. حيث نصت الفقرة 5 من ديباجته على أن حماية الصحة: "تفرض على الدولة التزاما بتوفير الخدمات الصحية الوقائية مجانا لفائدة جميع المواطنين أفرادا أو جماعات بالإضافة على سهرها على تنظيم مجال تقديم خدمات طبية نوعية ".
أما القانون 34.09 بتاريخ 2 يوليوز2011 المتعلق بالمنظومة الصحية وعرض العلاجات فقد أفرد للحق في الصحة:
المادة الخامسة التي تنص على مسؤوليات باقي مكونات المجتمع والدولة في الرعاية والحفاظ على الحق في الصحة: "تساهم الجماعات المحلية والمنظمات المهنية والجمعيات التي تعمل في مجال الصحة والحفاظ على البيئة إلى جانب الدولة في تحقيق الأهداف والأعمال الصحية".
في حين أكد القانون 112.14 المنظم للعمالات والأقاليم والصادر بتاريخ 7 يوليوز 2015، في مادته 79 والمتعلق بالاختصاصات الذاتية لهذه الأخيرة في مجال الصحة، على أن العمالة أو الإقليم تمارس اختصاصات ذاتية داخل نفوذها الترابي في مجال تشخيص الحاجيات في مجالات الصحة والسكن والتعليم والوقاية وحفظ الصحة. كما أشار نفس النص "وفي إطار اختصاصاتها المشتركة المنصوص عليها بالمادة 86 تعنى العمالة والإقليم بتأهيل العالم القروي في ميادين الصحة والتكوين والبنيات التحتية والتجهيزات".
أما القانون رقم 111.14 المنظم للجهات الصادر في 23 يوليوز 2015 فتحدث في مادته 94 عن الصحة باعتبارها أحد المجالات المنقولة من الدولة إلى الجهات.
إن التوجه نحو تكريس الجهوية الموسعة رافقته إجراءات قانونية وتنظيمية تهدف الى إعطاء الجهات المزيد من الاختصاصات للمساهمة في التنمية الجهوية الشاملة والنهوض بالقطاع الصحي على الصعيد الجهوي حيث أصبح الوالي يلعب دورا مهما في هذا الإطار في إطار دعم سياسة اللاتمركز الإداري.
إذ بحسب المادة 53 المرسوم 24 يوليوز2015 بتطبيق القانون الإطار رقم 34.09 يتولى والي الجهة رئاسة اللجنة الجهوية لعرض العلاجات ويبدي رأيه حول مشروع المخطط الجهوي لعرض العلاجات المتعلق بالجهة مع مراعاة التقطيع الترابي والصحي والخريطة الصحية بالجهة وبالنسبة لكل عمالة أو اقليم. وذلك بحسب المادة 24 من القانون 34.09 التي تحدد الحاجيات في ما يلي:
جرد البنية التحتية الصحية الموجودة.
التوقعات المرتقبة للمؤسسات الصحية...
التوزيع المجالي والتوقعات المرتقبة في إعداد الموارد البشرية…
ويتلخص دور الجماعات في ميدان الصحة في الاختصاصات المنصوص عليها بالقانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات، حيث نصت المادة 83 منه بأن الجماعة تقوم في إطار اختصاصاتها الذاتية بإحداث وتدبير المرافق والتجهيزات العمومية اللازمة لتقديم خدمات القرب في الميادين التالية: ... حفظ الصحة، نقل المرضى والجرحى... أما المادة 87 من نفس النص فينص على صيانة المستوصفات الصحية الواقعة في النفود الترابي للجماعة في إطار اختصاصات المشتركة مع الدولة.
أما المادة 3 من القانون 34.09 فتنص على أن هدف أعمال الدولة في مجال الصحة هو الوقاية من الأخطار المهددة للصحة، كما تدخل في خانة هذه الأعمال التربية الصحية والتشجيع على اعتماد أنماط عيش سليمة، المراقبة الصحية وتقديم خدمات وقائية أو علاجية أو ملطفة وخدمات إعادة التأهيل.
وعلاقة بحقوق المريض وضرورة انخراط الطبيب في حمايتها، أكد القانون 131.13 المتعلق بمزاولة مهنة الطب والصادر ب 12 مارس 2015 في مادته الثالثة بأنه: يجب على كل طبيب، كيفما كان القطاع الذي ينتمي إليه أن يساهم في سياسة الدولة الهادفة إلى حماية الصحة العمومية والارتقاء بالصحة والتربية الصحية.
على سبيل الختم:
إذا كان الحق في الصحة يشمل الحصول على الرعاية الصحية المقبولة والميسورة التكلفة ذات الجودة المناسبة في التوقيت المناسب. فإنه بالرغم من ذلك يعاني كل عام نحو 150 مليون شخص في العالم من كوارث مالية ويقع 100 مليون شخص في دائرة الفقر بسبب الإنفاق على الرعاية الصحية.
من هنا يتضح أن الطريق ما زال طويلا لضمان هذا الحق بصفة متساوية لجميع المواطنين ولكل الشعوب، وضرورة إشراك كافة الفاعلين -جماعات وأفرادا حكوميين أو غير حكوميين- أضحى أمرا ملحا لحماية هذا الحق وإعماله ورعايته وفق نظرة شمولية بالارتكاز على تفعيل آليات تتبع وتقييم احترامه من طرف جميع الدول.
أما بالمغرب فالأمل معقود على التنزيل الفعلي والواقعي لميثاق عدم التمركز وورش الجهوية الموسعة، الذي قد يحظى معه الحق في الصحة بحماية أوفر في ظل البعد الجهوي وسياسة القرب في الميدان الصحي ومراعاة الخصوصيات الثقافية، البيئية، السوسيواقتصادية، الديموغرافية والوبائية في معالجة القضايا الصحية جهويا والتقليص من الفوارق الاجتماعية في مجال الصحة. وقبل كل شيء توفير الشرط الأساسي لكل ذلك، وهو الشرط المتمثل في نظام رشيد للحكامة لا يمكن تأسيسه إلا على ديموقراطية حقيقية يتم فيها ربط المسؤولية بالمحاسبة وتضمن استفادة الجميع من التوزيع العادل للثروة في بلد أنهكه الريع والفساد وغياب المحاسبة.
*أكاديمية وباحثة متخصصة في شؤون الحقوق المرتبطة بالصحة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.