دعوات لاستقصاء رأي مؤسسات دستورية في مشروع قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة    غالبيتهم من الأطفال.. إسرائيل تواصل جرائم التعطيش بغزة وتزهق أرواح أزيد من 700 فلسطيني    كأس العالم للأندية.. بونو وحكيمي ضمن التشكيلة المثالية    72 ساعة بين المباريات و21 يوما عطلة نهاية الموسم.. "فيفا" يصدر قرارات بشأن صحة وفترات راحة اللاعبين واللاعبات    زلزال بقوة 5.5 درجات يضرب جنوب إسبانيا    962 من نزلاء السجون يحصلون على شهادة البكالوريا    انتفاضة آيت بوكماز ضد الحيف الاجتماعي!    الذّكرى 39 لرحيل خورخي لويس بورخيس    المحلي بوصفه أفقا للكوني في رواية خط الزناتي    اللاّوعي بين الحياة النفسية والحرية    زمن النص القرآني والخطاب النبوي    لأول مرة.. دراسة تكشف تسلل البلاستيك إلى مبايض النساء    الدولي المغربي الشاب ياسين خليفي يعزز صفوف شارلروا البلجيكي    حادثة سير مميتة تودي بحياة ستيني بإقليم الحسيمة    جماعة الحسيمة تُحرّر ساحة محمد السادس من العربات والألعاب غير المرخصة    لوكا مودريتش ينضم رسميا إلى ميلان    وفاة مؤثرة مغربية بعد مضاعفات جراحة في تركيا تشعل جدلا حول سلامة عمليات التخسيس    بونو وحكيمي ضمن التشكيلة المثالية لكأس العالم للأندية لكرة القدم    إنريكي ينفي اعتداءه على جواو بيدرو: "حاولت الفصل بين اللاعبين"    وفاة الرئيس النيجيري السابق محمد بخاري    وفاة مؤثرة مغربية بسبب عملية جراحية بالخارج        الملك محمد السادس يهنئ إيمانويل ماكرون بمناسبة احتفال بلاده بعيدها الوطني    أثنار رئيس الحكومة الإسبانية الأسبق: شيراك اقترح علي تسليم سبتة ومليلية للمغرب أثناء أزمة جزيرة ليلى    مهرجان ربيع أكدال الرياض يعود في دورته الثامنة عشرة    طقس حار ورياح قوية بعدد من مناطق المملكة اليوم الإثنين    بورصةالبيضاء تستهل تداولاتها على وقع الانخفاض    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    فرحات مهني يكتب: الجزائر تعيش فترة من القمع تفوق ما عاشته في عهد بومدين أو الشاذلي أو بوتفليقة    الرحّالة الرقميون: جيل جديد يُعيد تشكيل الاقتصاد العالمي بهدوء    المغرب يستعرض حصيلة 3 سنوات من إطلاق التأشيرة الإلكترونية (E-Visa)    ويحمان يكشف خبابا نشر رسالة الفقيه البصري حول تورط الاتحاديين في المحاولةالانقلابية- فيديو    "البتكوين" تتجاوز ال 120 ألف دولار    الرباط تحتضن "ليلة العيطة" بمشاركة حجيب والزرهوني    تنظيم حملة توعوية بمخاطر السباحة في حقينات السدود        ماليزيا تشدد قيود تصدير شرائح الذكاء الاصطناعي الأمريكية    ترامب يعلن أن واشنطن ستسلم أوكرانيا منظومات "باتريوت" للدفاع جوي    الاقتصاد ‬الوطني ‬يحافظ ‬على ‬زخمه.. ‬بنمو ‬بلغ ‬نسبة ‬4,‬8 %    غارسيا هدافا لكأس العالم للأندية 2025    ثقة مجموعة البنك الدولي في الاقتصاد الوطني متواصلة    تأهيل ‬المناطق ‬المتضررة ‬من ‬زلزال ‬الحوز ‬    عزلة ‬النظام ‬الجزائري ‬تكتمل ‬و ‬الخناق ‬يشتد ‬عليه    تواصل ‬موجات ‬الحر ‬الشديدة ‬يساهم ‬في ‬تضاعف ‬الأخطار ‬الصحية    خطة أمنية جديدة لمواجهة تصاعد الاعتداءات في الشوارع المغربية    كيوسك الإثنين | "كان 2025″ و"مونديال 2030".. المغرب يمر إلى السرعة القصوى    تصريحات بنكيران تثير موجة تنديد نسائية واسعة.. "انتكاسة لحقوق المغربيات ومس بالمكتسبات الديمقراطية"    وفاة الإعلامي الفرنسي تييري أرديسون عن عمر ناهز 76 عاما        لو يي شياو تبهر الجمهور بإطلالة تحاكي نساء هويآن في حقبة الجمهورية الصينية: سحر الماضي يلتقي بجمال الحاضر    تشلسي يصعق باريس سان جيرمان ويتوج بلقب مونديال الأندية الموسع بثلاثية تاريخية    دلالات خفقان القلب بعد تناول المشروبات المثلجة    "بوحمرون" يسلب حياة طفل في مدينة ليفربول    أقدم مكتبة في دولة المجر تكافح "غزو الخنافس"    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ديوان المائدة 19: لحم وشحم .. قواسم مشتركة بين الطبخ والشعر
نشر في هسبريس يوم 13 - 05 - 2020

في شهر رمضان الكريم ينسحب الطعام من الموائد في النهار، فيعوّض نفسه بأكثر من صورة، وحيثما أمكنه أن يفعل.
وهكذا تنبعث وصفات من الراديو، وبرامج تُبث على القنوات التلفزية، وصفحات خاصة بمختلف "الشهيوات" تنشرها الجرائد والمجلات، وصور لأطباق شهية تملأ مواقع التواصل الاجتماعي، كما أن الطعام بات موضوعا يثار في المكالمات الهاتفية بين الأهل والأحباب..
ولا يعود هذا الطعام إلى نفسه من جديد إلّا بحلول مائدة الإفطار في الشهر الفضيل.
جريدة هسبريس الإلكترونية ارتأت أن تتحف قراءها خلال شهر رمضان المبارك بحلقات من كتاب "ديوان المائدة" للشاعر والكاتب المغربي المتألق سعد سرحان، وهو يقدم صورا غير مألوفة للطعام.
المائدة 19:
للطبخ والشعر كثير من القواسم المشتركة. في هذه الورقة سأكتفي بالإشارة إلى غيضها فقط، فذلك سيثير الانتباه إلى فيضها بكل تأكيد.
انتقل شعرنا العربي من الشفاهة إلى التدوين، ثم إلى الأشرطة المسموعة فإلى مسابقات في الإذاعة والتلفزيون... وكذلك، تقريبا، فعل الطبخ.
للطبخ بحوره، منها المالح والحلو والحامض والدسم واللذيذ... ولعل التقطيع العروضي لبعض الأطباق أن يسفر عن تفعيلات من لحم وشحم: مستلحمن شحومن مستشحمن لحومن.
للطبخ أخفشه أيضا، أخفشه المتعدد بتعدد القنوات، أخفشه الأبيض الذي أضاف إليه بحورًا من المرق والصلصات.
القدور العميقة والمغارف الطويلة هي بعض عناصر الطبخ العمودي. أما الغليان فهو الإيقاع الخارجي الذي تحدده النار.
يشطب الشاعر كلمة هنا، ويزيل الطباخ قشرة أو عظما هناك. فللقصائد مسوّدات وللأطباق مسوّدات.
ثمة دائما ما يؤثث ديوان الشعر: الإهداء، التصدير، كلمة الغلاف، الفهرست... وثمة دائما ما يؤثث المائدة: عتبات "القص".
يصدر الشعر في مجلدات مثلما يصدر في دواوين صغيرة، وكذلك يفعل الطعام حين يولَم في قصعة أوفي صحن بحجم الكف.
قبل سعاد التي بانت، وبعد ريم التي أحلَّت سفك الدم في الأشهر الحُرم، تصدرت النساء العديد من القصائد. فقد انتبه الشاعر العربي القديم إلى أهمية ما يعرف الآن بفتيات الإعلانات قرونا قبل أن يتصدرن أغلفة المجلات، ويعلنَّ عن الماركات العالمية، ويقدمن البرامج الناجحة، وعلى رأسها، طبعا، برامج الطبخ.
كثير من أعلام بلاد فارس في الشعر والطب والترجمة والتصوف يحسب الآن على الثقافة العربية، فهل يعلم طهاتنا أن للمطبخ الفارسي ظلالا وارفة على غير قليل من الأطباق التي يُعِدّون؟
في المناسبات الوطنية والدينية تعود القصيدة العمودية بقوة ومثلها تفعل الأطباق التقليدية. فكما أن قصيدة النثر لا تصلح لمدح الحكام وتمجيد الأوطان... فإن البيتزا لا تقدم في الأعياد والمآتم.
المقامات للشعر كالحلويات للطبخ. فمن السهل ملاحظة أن أطباق الحلوى أصبحت تحمل أشكالا مختلفة ومرصوصة بطريقة تجعل منها أطباقا في منتهى السجع. ولئن كانت المقامات متحفا لغويا فإن الحلويات هي التحف التي تولم للزائر. ولست أبالغ إذا قلت إن كثيرا من حلوياتنا المغربية يشبه قطعا أثرية صغيرة، بل إن بعضها يبدو أحيانا كمستحاثات حقيقية.
منذ منتصف القرن الماضي، عرفت القصيدة العربية تحولات جذرية، وذلك بفضل تفاعل شعراء تلك المرحلة مع المنجز الغربي من خلال لغاته الأصلية أو من خلال ترجماته. فبودلير ورامبو وإليوت وإزرباوند ولوركا ونيرودا وريتسوس...
شَكَّلوا الجسر السحري الذي عبرته القصيدة العربية صوب أشكالها الحالية. فتراجَع العمود الشعري لصالح التفعيلة والنثر، مثلما اختفت الأغراض لفائدة التفاصيل... ولعل انفتاح مطابخنا على الجيران في الطوابق العُلوية هو ما جعل أطباقنا التقليدية تفسح في المائدة لأطباق النثر حيث الكثافة والإيجاز.
لقد شوى الإنسان لحم الطرائد احتفالا بإخراجه النار من قمقم الحجر، وكتب الملاحم بعد أن مسته نار الشعر. لذلك فالخرفان المشوية هي "الملاحم" التي تولَم لتخليد المناسبات الكبرى.
بهدف التجفيف والحفظ، يعلق الناس في أسطح منازلهم وعلى غواربها البصلَ والفلفل والقرع والثوم والقديد... وهي من المعلقات التي تتضارب الروايات حول عددها من منطقة إلى أخرى.
أطباق المُحَمَّر والمروزية وقضبان بولفاف... يتمّ إعدادها مرة كل سنة بمناسبة عيد الأضحى، فهي إذن من الحوليات. ولعلها كذلك نسبة أيضا إلى الحولي، وهو خروف العيد.
الكباب والكفتة وشرائح اللحم المقلية هي ألذُّ نماذج الطبخ الشذري.
مثلما هنالك تجريب في الشعر، هنالك أيضا تجريب في الطبخ. وإلاّ أين نُدْرِجُ طبق اللحم بالأناناس؟
لم يترك الطباخون حمار الشعراء وحيدًا. لقد زفوا له عروسًا في المطبخ: العجة بالبيض هي أتانُ الطهاة.
...
بإمكاننا النظر إلى المائدة بعيون أخرى. سنرى فيها الأوتاد والفواصل والزحافات والانتحال والغموض والكثافة والمجانية... سنرى المطلع وبيت القصيد وسقط المتاع... وسنقف عند بلاغة هذا الصحن وعند ركاكة ذاك. وستذهلنا الصور الشعرية في كثير من الأطباق.
بإمكاننا، اختصارًا، أن نقرأ المائدة تمامًا كما نتناول قصيدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.