أزيد من 20 قتيلاً وأكثر من 2900 جريح في حوادث السير خلال الأسبوع الأول من يوليوز    المدرسة الدولية بالجديدة تميز وتألق مستمر في الباكالوريا المغربية وباكالوريا البعثة الفرنسية    مجزرة كروية في أمريكا .. الملكي يتهاوى أمام إعصار باريس    لبؤات الأطلس يلدغن الكونغو في مباراة لا تُنسى    العلمي يشارك في لقاءات للفرنكوفونية    سان جرمان يهزم ريال مدريد برباعية    باريس سان جيرمان يكتسح ريال مدريد برباعية ويتأهل لنهائي مونديال الأندية    "غي -تا" تكشف عن ملامح عملها الفني الجديد "كروا غوج"    المنتخب الوطني فئة فريق مختلط للتايكوندو يتوج بفضية في كأس العالم للفرق بجمهورية كوريا    أنشيلوتي يُدان بسنة حبسا بتهمة "الاحتيال المالي"    إعادة فتح سفارة المملكة المغربية بدمشق    وسط ملء لا يتعدى 37% للسدود.. أخنوش يترأس اجتماعا لتسريع تنزيل برنامج الماء    مراكش.. توقيف فرنسي من أصل جزائري مطلوب دوليًا في قضايا تهريب مخدرات    حموشي يؤشر على تعيينات أمنية    في سابقة طبية إفريقية.. المغرب يشهد أول عملية جراحية بتقنية "v-NOTES" لاستئصال الرحم    مازغان يطلق المطعم الموسمي الجديد    الصحراء المغربية.. توافق دولي لا رجعة فيه حول مغربية الصحراء ودعم ثابت للمبادرة المغربية للحكم الذاتي كحل سياسي وحيد لهذا النزاع الإقليمي    بنسعيد: التحولات التي يشهدها قطاع الصحافة أفرزت الحاجة إلى تحيين الإطار التشريعي المنظم لمهنة الصحافة    أزيد من 160 مفقودا بفيضانات تكساس    الوكيل العام بالرشيدية ينفي تعرض طفل بومية لاعتداء جنسي ويكشف نتائج تشريح الجثة    نشرة إنذارية من المستوى البرتقالي: زخات رعدية قوية بعدد من مناطق المملكة    21 قتيلا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية ‏خلال الأسبوع المنصرم    مجلس المستشارين يصادق على مشروع قانون التأمين الإجباري الأساسي عن المرض رقم 54.23    بورصة البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأحمر    أكثر من 790 مليون شخص في 12 دولة عانوا من درجات حرارة قصوى في يونيو 2025    المدافع المغربي محمد حمدون ينضم إلى ريال بيتيس إشبيلية    ترامب يدفع بتطبيع موريتانيا وإسرائيل                المغرب يفتح باب المشاركة بالأوسكار    إسرائيل تنفذ عملية برية بجنوب لبنان    اليونان توقف طلبات اللجوء للأفارقة    "مجرم حرب يدعم تاجر سلاح".. بوريل ينتقد ترشيح نتنياهو لترامب لجائزة نوبل        هذه توقعات أحوال الطقس بالريف واجهة الشرقية اليوم الأربعاء    الغرفة الثانية تصادق على مشروع قانون المسطرة المدنية    الحسابات الوطنية توضح المسيرة الإيجابية للاقتصاد الوطني    أصيلة تحتضن الدورة الخامسة للأكاديمية المتوسّطية للشباب من 11 إلى 19 يوليوز    بنك المغرب: 58% من المغاربة يمتلكون حسابات بنكية بنهاية 2024    الصين تعتزم توسيع شبكة السكك الحديدية فائقة السرعة لتصل إلى 50 ألف كيلومتر بنهاية 2025    عندما ينقلب "الحياد الأكسيولوجي" إلى سلسلة ثنائيات شاردة!    كاظم جهاد: جاك ديريدا والمسألة الفلسطينية    ظاهرة "طوطو" هل نُربي جيلاً لتمجيد الصعلكة!؟    أكثر من مليون متابع لفرقة تولّد موسيقاها بالذكاء الاصطناعي    أسعار النفط تتراجع وسط تقييم اقتصادي لتأثير الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة    سايس يعود إلى التداريب بعد غياب دام لأربعة أشهر بسبب الإصابة    من أين جاءت هذه الصور الجديدة؟ .. الجواب داخل واتساب    الشاعر حسن نجمي يفوز بجائزة ابن عربي الدولية للأدب العربي    تورونتو تحتفي بعبق السوق المغربي    الطالبة ماجدة بن علي تنال شهادة الدكتوراه في الكيمياء بميزة مشرف جدا    ممارسة الرياضة بانتظام تقلل الشعور بالاكتئاب والتوتر لدى الأطفال    دراسة ألمانية: فيروس التهاب الكبد "E" يهاجم الكلى ويقاوم العلاج التقليدي    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الانفجار التنموي المستحق بالإتحاد
نشر في هسبريس يوم 26 - 05 - 2020


Le Boom de développement mérité par l'USFP
سامحوني هذه المرة إن تجرأت وخصصت مقالا، لن أطيل فيه كثيرا، للكتابة عن حزب مناضلي وشرفاء هذا البلد، من الطاقات والزعامات الاتحادية. إنه الحزب، الريادي والمؤسس لمنطق الإصلاح السياسي من الداخل، الذي قدم التضحيات الجسام من أجل الحرية والديمقراطية والتنمية، وأنجب من رحمه زعامات كبيرة، ورجالا سياسيين من العيار الثقيل، ومفكرين وأهراما في العلم والثقافة والسياسة. وعندما نتأمل اليوم الخطاب السياسي المؤسساتي والمجتمعي نجده مفعما بالمواقف والمفاهيم التي أنتجها هذا الحزب العريق، وتفاوض من أجلها باحترافية رافعا شعار الأولوية للمصلحة العليا للوطن ووحدته وثوابته، حاملا باستمرار رهان تمكين المواطن من ملامسة وقع السياسات التنموية ودور وكفاءة مؤسسات الدولة في البلورة والتنفيذ على تحسين المستوى المادي والمعنوي لحياته اليومية.
من المؤكد أن حزب القوات الشعبية لم يعد نظريا بتاريخه الفكري والنضالي مجرد حزب عادي، بل تحول بفعل تراكم التجارب والمنجزات إلى فضاء سياسي رحب وزاخر بالمواقف والمفاهيم والقدرات الإقتراحية في مختلف المجالات. إنها حصيلة تاريخية مشرفة، ارتقت اليوم بفعل ضغط التطورات الوطنية والدولية إلى أمانة سياسية ثقيلة، جعلت دعوات إحياء تراثه النضالي بنفس جديد إلى مسؤولية جسيمة مرتبطة بحياة المغاربة وتنمية وطنهم. إنها الدعوات الملحة والمؤرقة التي تستحضر إلى حد ما صعوبة الاستجابة لها من باب كونها مرتبطة برهان تحويل التنظيم الحزبي إلى فضاءات واسعة للعمل المعرفي والميداني التشاركي، فضاءات بقوة استيعابية هائلة للطموحات الفردية والجماعية المغذية للوطنية. إن المجتمع المغربي يحتاج اليوم بلا شك إلى وساطة سياسية ناضجة، بمصادر شرعية جديدة، تغذي الإدراك والوعي السياسي الجماعي لمتطلبات العصر من خلال تنمية القدرات الكفيلة لمواجهة عوائق الالتقائية والتعاون والتضامن في إطار المرجعية الإنسانية الرافعة لشعار حق المواطنين في المشاركة في بناء غذ أفضل. لقد عرف المغرب تحولات إيجابية، وخطى، بشهادة الجميع، خطوات هامة إلى الأمام. لقد تجاوزت البلاد معيقات وويلات الماضي القريب، التي تجسدها بجلاء تبعات محاصرة الملك مولاي عبد الحفيظ بمدينة فاس، وتحويل الحماية الأجنبية الفردية إلى شعار حماية مجتمعية كاذبة. إنه التجاوز الذي زرع في نفوس المغاربة نوع من الأمل في بناء الغد الديمقراطي الذي تستحقه البلاد. إنه الغد الذي تم تدشينه بالمرور إلى نسق مؤسساتي متطور نسبيا ومتميز بأنشطة دوالبه عن سابقه، والذي تم ترسيمه ترابيا وسلطويا من خلال دستور 2011. إنه الدستور الذي يمكن اعتباره تجسيدا للإرادة المجتمعية لتثبيت الابتعاد المؤسساتي الآمن عن العصبية القبلية والعقائدية، وتعبيرا عن بروز المؤشرات الواضحة المدعمة للخصوصية السياسية والهوياتية المغربية.
وكيف ما كان الحال، لقد تم خلق المدارس العصرية إلى جانب دعم المؤسسات الفقهية التقليدية عهد الحماية، وتشكلت النخبة السياسية إلى جانب الإقطاع، واشتدت المقاومة لتتوج بمفاوضات إيكس ليبان بالاتفاق المعروف، ومر المغرب والمغاربة إلى مرحلة بناء المؤسسات العصرية بوجهات نظر مختلفة ومتباينة، بل ومتصارعة أحيانا، تجاذبت وتفاعلت بحذر شديد بحمولاتها الوطنية مع تأثيرات محيطيها الجهوي والدولي. لقد تم إقرار منهجية النضال الديمقراطي بفعل الوعي الشديد بسمات غليان وفوران وهيجان أوضاع المحيط. لقد مر المغرب بتفاعلاته من مرحلة طغيان العصبية القبيلة والعقائدية (الزوايا) إلى مرحلة بناء المؤسسات في جو مشحون، تفاعلت من خلاله بقوة ما سمي بالأحزاب الإدارية (الحكومات المتعاقبة) وأحزاب المعارضة (الأحزاب الوطنية المتفرعة عن الحركة الوطنية)، لتتشابك المواقف وتتصارع داخليا، محليا وإقليميا وجهويا ووطنيا، مباشرة بعد إقرار وإعطاء الانطلاقة لميثاق اللامركزية واللاتركيز الإداري.
لقد انقشع الغموض نسبيا سنة 1975 بانفتاح النظام وقبوله تفعيل مبدأ إشراك نخب الأحزاب الوطنية في التدبير الترابي في إطار نوع من الاستقلالية المعنوية والمالية. إنه الورش الوطني الذي اعتبره المتتبعون بمثابة ترخيص صريح للتدافع السياسي الهادف لبناء الخصوصية المغربية بالتدرج. إنها التجربة، التي يمكن وصفها بالريادة مقارنة مع أوضاع الأقطار العربية والمغاربية. إنها التجربة التي أتاحت للفاعلين المغاربة، كممثلين للوحدات الترابية للمملكة، فرص التواصل والتفاوض والتفاعل والتلاقح مع الدولة بوسائط بشرية وإعلامية في أفق بناء وترسيخ القيم الديمقراطية في المجتمع.
إن الحصيلة المعبرة اليوم عن ما حققه المغرب في هذا المجال (الديمقراطية الترابية) يمكن اعتباره إيجابيا رغم طول مراحل ترسيخ قيمه مجتمعيا. ولذلك يمكن القول أن البداية، وما تلاها من تطورات سياسية، تشكل اليوم رصيدا تاريخيا متميزا في العمل السياسي عربيا ومغاربيا، رصيد عبر عن تجاوب واضح بين الملكية وإقرار حزب الوردة لإستراتيجية النضال الديمقراطي. وهنا قد يأسف البعض لما حدث من اختلال في موازين القوى السياسية في المجتمع من حين لآخر، وتضارب السلطات التقديرية في شأن منطق الاستمرارية الآمنة، وانعكاساتهما على مصداقية الاستحقاقات الانتخابية المتتالية. فعلا، لقد تميز المسار بكامله بنوع من الهدر الزمني في بناء المشروع الديمقراطي الوطني بسبب التذبذب الذي ميز في عدة محطات النسق الوطني لبناء مقومات الثقة في العمل السياسي المشترك.
على أي، فمغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس، لقد انبثق عن حدث ومشاريع حكومة المرحوم عبد الله ابراهيم وضعيات سياسية جديدة، التي منحتها صيرورة توالي الأحداث ما بعد إعلان الإطاحة بها ميزة الاستمرارية. إنها الصيرورة التي من ميزاتها البارزة تيسير عملية تشكيل الهياكل المؤسساتية، وعلى رأسها مؤسسة أمير المؤمنين، والتراجع النسبي للعصبيتين القبلية والعقائدية، والصمود المجتمعي لاختراق المذاهب الدينية الهدامة، التي لا تمت بصلة بالتاريخ الديني للمغاربة. إن الإجماع على اعتماد المذهب المالكي بالمغرب، والذي دافعت عنه تاريخيا وبقوة جل المكونات المغربية الأمازيغية والأندلسية والعربية والصحراوية، كان اختيارا صائبا لما لعبه من أدوار ملموسة في تحويل منظومة التنشئة المغربية التاريخية إلى فضاء ثقافي متسامح ومنفتح على الشمال الغربي عبر الأندلس. إنها الخصوصية الثقافية التي ترعرع فيها الفلاسفة والمفكرين والفقهاء، والتي شكل مضمون تراكماتها وتجاذباتها مع الحضارة المشرقية ومفكريها المعاصرين مادة فكرية دسمة ساهمت في خلق مشروعين مجتمعيين بارزين إقليميا وجهويا، مختلفين جزئيا ومتكاملين كليا، وهما مشروعي كل من محمد عابد الجابري رحمه الله وعبد الله العروي أطال الله في عمره. إنهما المشروعان الثقيلان معرفيا اللذين مكنا المغاربة من تذوق مزايا وفوائد ارتباط الفكر في الممارسة السياسية وتدبير الشأن العام الحكومي في عهد الوزير الأول المقاوم عبد الرحمان اليوسفي. كل المغاربة يتذكرون اللقائين المتلفزين اللذين استضافت من خلالهما بشكل متتالي، وفي فترة محورية، المرحومة مليكة ملاك الهرمين السالفي الذكر.
لقد عاش المغرب بنخب من عائلات معينة (الوزراء والعمال) لمدة طويلة إلى درجة مل المغاربة من تكرار تعيينها، وتجاوز في مسار بناء الدولة المؤسساتية العصرية العوامل الاضطرارية التي كانت تفرض تعيين رجال السلطة من سلالة رؤساء القبائل، ليتم ربط هذه السلطة ووظائفها المؤسساتية بالمعاهد التكوينية العصرية. الأهم في هذا المسار كون المشهد السياسي المغربي لم يحتمل يوما الجمود، بل تميز بالحركية والصراع إلى أن برزت معالم مرحلة حاجة البلاد، بفعل حدة نشاطها السياسي والنقابي والمجتمعي إلى دستور جديد. إنه الدستور الذي تحول تاريخ المصادقة عليه إلى مناسبة رمزية للتعبير عن زمن ما بعد هدم جدار برلين (دستور 1996)، والذي أتاح الفرصة بعد ذلك لجميع المغاربة لاكتشاف وجود نسق معين لاستمرار الدولة وتطور منطق مؤسساتها بالتدريج سواء على مستوى البناء أو الفعل. إن المراحل الصعبة والعنيفة التي اجتازها المجتمع المغربي لم تشكل عائقا لمسار تقوية التحام الشعب بالعرش. لقد انفتح المشهد السياسي والمؤسساتي في مجال اختيار النخب القيادية على المستويين الإداري والتمثيلي على أبناء الشعب بعدما كان هذا المجال حكرا على بعض الأسر والمناطق الجغرافية المعروفة. فنسق التعيين في مناصب المسؤولية لا يستقر على حال، ومعايير الانتقاء التي تميزه تتطور تحت ضغط متطلبات الاستجابة لتحديات الحاضر والمستقبل، لتجد الدولة نفسها اليوم أمام متغيرات جديدة لا تسمح بالتردد في تطعيم شروط انتقاء نخب جديدة، وقبول توسيع دوائر اختيارها أخذا بعين الاعتبار لمواقعها على مستوى المواقف والمعارف والسلوك.
بالطبع، إن ما عرفه المغرب من تطورات في مختلف مراحله ومنعطفاته السياسية، يشهد اليوم بالمكانة اللامعة والأدوار الريادية التي لعبها حزب الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ومناضليه، ليس من باب المسايرة والتكيف مع التطورات، بل من باب قوة مشاركته البارزة في خلق التحولات الإيجابية.
واعتبارا لقيمة مساهمته في تاريخ خلق التحول الديمقراطي والمؤسساتي، أصبح أمل انبعاثه مطلبا مجتمعيا ملحا. لقد تشكلت وتعددت مع مرور الأيام تقييمات تمجد تجربة عبد الرحمان اليوسفي، إلى درجة أصبح شائعا على مستوى الرأي العام ترديد سؤال عودة هذا الحزب التاريخي إلى عنفوانه السياسي. إنه العنفوان الذي يتطلب تجميع القوى، واستثمار الطاقات والكفاءات على قدم المساواة وتساوي الفرص، والهادف في عمقه للوصول إلى بلورة أرضية سياسية إتحادية جديدة عقلانية متوافق في شأنها، أرضية تلخص بإيجاز الماضي بنجاحاته وانكساراته، وتحلل منهجيا، وليس عضويا، منطق ممارسة السلطة في بناء الدولة المغربية ووصولها إلى الخصوصية المؤسساتية في زمن ما بعد الحداثة الغربية، وزمن التقاطبات الكونية الجديدة زمن الكورونا. فبمجرد التأمل في الوضع الحالي، الذي تصادف من خلاله هاجس بناء المشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي بالمتطلبات السياسية والثقافية والعلمية لتجاوز محنة الكورونا والآفات المستقبلية المحتملة، تبرز مجددا القيم الفكرية لحزب الوردة، أولا من أجل تقديم الأجوبة الشافية لانتقادات ثقافة الفردانية النيوليبرالية وسلبياتها وأطروحات اختراق سيادة الدول وتقليص أدوارها وتدخلاتها. إنها وضعية حساسة جدا لا تحتمل التماهي مع الأحداث بفعل ما تحمله من متطلبات مرتبطة أساسا بالحاجة إلى تقوية العزم الصادق للتعبير عن الإرادة السياسية لتجاوز ميزة البطء في مسار الإصلاح بالتدرج، وعقلنة العمل الخاص والعام وترشيد مواره المالية والبشرية، وتقوية نجاعته بالوسائل المطلوبة وتحويله إلى رافعة للوعي النضالي. إن البلاد في أمس الحاجة اليوم إلى فلسفة تدبيرية جديدة بآفاق واسعة وكافية لاستيعاب القاعدة الكبيرة من النخب المجتمعية القيادية وتمكينها من استثمار معارفها وقدراتها لخدمة الوطن بكيفية تمتزج من خلالها الكفاءة والعزم على خلق مجالات العمل بالعدد الكافي، والبحث لتشكيل منظومة حوافز متنوعة ومقوية للمواطنة، ومناوئة بمستوى جاذبيتها لميولات هجرة العقول إلى الخارج.
أمام هذه الاعتبارات المرتبطة في جوهرها بالحاضر والمستقبل، لا يمكن أن لا ينبعث من الذاكرة الوطنية عطاء ودور حزب الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لتأمين مرور البلاد من مرحلة لأخرى. إنه العطاء الذي يحرك النقاش السياسي الوطني من خلال تعمد البعض إلى التعبير عن الحسرة كمحاولة لتحويل تراثه إلى مجرد نوستالجيا في مجال الوطنية، ودفاع البعض الآخر عن انفراده في التوفر على المقومات الكامنة الكافية والضامنة لعودته بقوة إلى ميدان صناعة الحدث السياسي من خلال التعبير عن نفس جديد بخطاب سياسي وسيادي متجدد، ومقنع للجماهير بمضمونه وآلياته التنفيذية ومستويات وقعه التنموية. إن الفريق الثاني لا ينطلق من فراغ، بقدر ما يستحضر حجم القاعدة الديمغرافية لهذا الحزب (التي تضاعفت بمكونات أجيالها المتعاقبة)، وبقدرة الضمير الجمعي على الانبعاث لمقاومة أي اختلال مضعف لروابط الذات المناضلة بموقعها السياسي وطموحها الكامن والمستحق، انبعاث يعقلن مردودية الفعل النضالي في إطار المشاركة في بناء مغرب المرحلة الجديدة. فالدوافع البارزة في التنافس السياسي عبر العصور لم تكن يوما سببا في حدوث عقم مزمن في الإنتاج المعرفي الإنساني، بل كانت دائما مصدر انبعاث لأفكار وحقائق جديدة متميزة ومقنعة وجذابة للجماهير. إن هذه الدوافع، عندما ترتبط بصدق بهموم المواطنات والمواطنين في مختلف المستويات الترابية وبتحديات التنمية الترابية، تتحول إلى محفزات لتوسيع فضاءات الفعل المشترك وبلورة وتنفيذ المشاريع التنموية الطموحة والقابلة للتفعيل. وعند الحديث عن مفهوم المشروع، لا نعني بذلك الإعداد لبرامج انتخابية، بل نقصد بذلك المرور إلى مرحلة اعتماد دلائل العمل الترابي حزبيا ونقابيا وجمعويا (التنظيمات والهيئات المرتبطة به). إن الكدح لإقناع الجماهير يجب أن يمزج في مبادراته وبوضوح تام ما بين مضمون الخطاب السياسي الموضوعي وآليات تفعيله. نحتاج اليوم إلى سلوك نضالي صرف يدبر الحركية الحزبية اليومية بإتقان باعتماد منظومة دقيقة المرتكزات والقواعد لتقسيم الزمن اليومي للمناضل في مجال خدمة الوطن ومستقبله.
إنها أمانة الاعتراف المعنوي للدور الحزبي في تكوين شخصيات أجيال المناضلين على كل المستويات، اعتراف لا يمكن أن يكون بالقيمة المطلوبة ما لم يتم إقرانه بشكل وثيق بالعزم الصادق لتوريث التراكمات السياسية والثقافية للأجيال الصاعدة بمنطق يتيح لهم التمكن من تطوير مناهجهم ومعارفهم في مجال ربط خدمة الذات بخدمة الوطن ومستقبله.
لا يمكن لأي سياسي متتبع للأوضاع المغربية أن ينكر وجود مقاربة ثلاثية في التفاعل في إنتاج سياسات قيادة التغيير في بلادنا، ثلاثية لعبت وتلعب فيها الدولة ضمنيا أدوارا أساسية في إطار السعي لتحقيق نوع من التناوب في المشاركة في تدبير الشأن العام ما بين الأحزاب السياسية والمجتمع المدني. وكيف ما كان تقييم الرأي العام للمقاربة السالفة الذكر، التي ينعتها البعض بتدبير الدولة للمشاركة السياسية في إطار ترسيخ التناوب وتجديد النخب في أفق إنجاح الانتقال الديمقراطي على أساس توازن القوى السياسية، وينعتها البعض الآخر تارة بالاختراق وأخرى بالتحكم، برزت اليوم الحاجة إلى تجديد الروح المحركة لها. إنها الروح التي يجب أن تعتبر المورد البشري الحزبي (السياسي) الجاد رأسمالا وطنيا، وثروة ثمينة تستدعي ابتكار السبل والآليات لاستثمار وتطوير كل قدراتها ومعارفها الكامنة في الرفع من مستوى التنمية. فبقدر ما يتردد اليوم في حمولات الخطابات اليومية في شأن حاجة البلاد إلى عقد اجتماعي جديد، بقدر ما تبرز الحاجة إلى تجديد منطق إعداد موارده البشرية والمادية. في نفس الآن، بقدر ارتباط حاجة الاتحاد الاشتراكي إلى انبعاث جديد يخوله مجددا موقع الصدارة في تقوية الوطنية والتنمية والثقة في المؤسسات بأوضاعه الداخلية، بقدر ما يشكل تطور منطق ممارسة السلطة في الدولة دعامة أساسية لتحقيق هذا المبتغى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.