عمر هلال: اعتراف ترامب غيّر مسار قضية الصحراء، والمغرب يمد يده لمصالحة صادقة مع الجزائر    بتواجد حمد الله وتيسودالي... السكتيوي يوجه الدعوة إلى 29 لاعبا استعدادا لكأس العرب قطر 2025    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    مديرة مكتب التكوين المهني تشتكي عرقلة وزارة التشغيل لمشاريع مدن المهن والكفاءات التي أطلقها الملك محمد السادس    الكلمة التحليلية في زمن التوتر والاحتقان    نفاد تذاكر ودية "الأسود" أمام موزمبيق    أولمبيك الدشيرة يقسو على حسنية أكادير في ديربي سوس    الرئيس السوري أحمد الشرع يبدأ زيارة رسمية غير مسبوقة إلى الولايات المتحدة    شباب مرتيل يحتفون بالمسيرة الخضراء في نشاط وطني متميز    التجمع الوطني للأحرار بسوس ماسة يتفاعل مع القرار التاريخي لمجلس الأمن حول الصحراء المغربية    مقتل ثلاثة أشخاص وجرح آخرين في غارات إسرائيلية على جنوب لبنان    إنفانتينو: أداء المنتخبات الوطنية المغربية هو ثمرة عمل استثنائي    بعد حكيمي.. إصابة أكرد تربك الركراكي وتضعف جدار الأسود قبل المونديال الإفريقي    مغاربة فرنسا يحتفلون بذكرى المسيرة    دراسة أمريكية: المعرفة عبر الذكاء الاصطناعي أقل عمقًا وأضعف تأثيرًا    "حماس" تعلن العثور على جثة غولدين    النفق البحري المغربي الإسباني.. مشروع القرن يقترب من الواقع للربط بين إفريقيا وأوروبا    توقيف التجمعي يوسف مراد في المطار بشبهة التهريب الدولي للمخدرات    درك سيدي علال التازي ينجح في حجز سيارة محملة بالمخدرات    مقتل فلسطيني في قصف إسرائيلي    لفتيت يشرف على تنصيب امحمد العطفاوي واليا لجهة الشرق    الأمواج العاتية تودي بحياة ثلاثة أشخاص في جزيرة تينيريفي الإسبانية    فرنسا.. فتح تحقيق في تهديد إرهابي يشمل أحد المشاركين في هجمات باريس الدامية للعام 2015    الطالبي العلمي يكشف حصيلة السنة التشريعية    ميزانية مجلس النواب لسنة 2026: كلفة النائب تتجاوز 1.59 مليون درهم سنوياً    بنكيران: النظام الملكي في المغرب هو الأفضل في العالم العربي    تقرير: سباق تطوير الذكاء الاصطناعي في 2025 يصطدم بغياب "مقياس ذكاء" موثوق    البطولة: النادي المكناسي يرتقي إلى المركز الخامس بانتصاره على اتحاد يعقوب المنصور    نبيل باها: "قادرون على تقديم أداء أفضل من المباراتين السابقتين"    ألعاب التضامن الإسلامي (الرياض 2025).. البطلة المغربية سمية إيراوي تحرز الميدالية البرونزية في الجيدو وزن أقل من 52 كلغ    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    إسبانيا تشارك في المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب بالدار البيضاء    "يونيسيف" ضيفا للشرف.. بنسعيد يفتتح المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب    "أونسا" يؤكد سلامة زيت الزيتون    بيليم.. بنعلي تقدم النسخة الثالثة للمساهمة المحددة وطنيا وتدعو إلى ميثاق جديد للثقة المناخية    شبهة الابتزاز والرشوة توقف مفتش شرطة عن العمل بأولاد تايمة    مخاوف برلمانية من شيخوخة سكانية بعد تراجع معدل الخصوبة بالمغرب    تعليق الرحلات الجوية بمطار الشريف الإدريسي بالحسيمة بسبب تدريبات عسكرية    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض إبداعات المواهب المحلية في برنامج "صُنع في قطر" من خلال عشر قصص آسرة    الداخلة ترسي دعائم قطب نموذجي في الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي    تشريح أسيدون يرجح "فرضية السقوط"    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    "الجهاد الإسلامي" الفلسطينية تسلم رفات رهينة من غزة في إطار اتفاق وقف إطلاق النار    العرائش.. البنية الفندقية تتعزز بإطلاق مشروع فندق فاخر "ريكسوس لكسوس" باستثمار ضخم يفوق 100 مليار سنتيم    "صوت الرمل" يكرس مغربية الصحراء ويخلد "خمسينية المسيرة الخضراء"    اتصالات المغرب تفعل شبكة الجيل الخامس.. رافعة أساسية للتحول الرقمي    الأحمر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    عيد الوحدة والمسيرة الخضراء… حين نادت الصحراء فلبّينا النداء    فرحة كبيرة لأسامة رمزي وزوجته أميرة بعد قدوم طفلتهما الأولى    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    الوجبات السائلة .. عناصر غذائية وعيوب حاضرة    انطلاق فعاليات معرض الشارقة للكتاب    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التقنية العلمية والحكم الشمولي
نشر في هسبريس يوم 18 - 08 - 2020

تعتبر الأوليغارشية (Oligarchie) النظام الذي تؤول فيه السلطة إلى جزء من المجتمع فقط، كأن يستفرد الأرستوقراطيين بالحكم دون العامة، أو الذكور باستثناء الإناث، أو أعضاء الحزب الواحد دون الأحزاب الأخرى؛ فقد يكون النظام أكثر شمولية تبعا لعدد السكان المستثنين من ممارسته أو امتلاك السلطة. والملكية المطلقة هي الحالة القصوى من الأوليغارشية.
وقد كانت هذه الأنظمة عبر التاريخ تعتمد على النسب أو الثروة أو العنصر، إلا أنه أثناء الحرب الأهلية الانجليزية، أدخل التطهيريون من الكنيسة (Puritains) نوعا جديدا من الأوليغارشية أسموه "حكم القديسين"، حيث تضمن اقتصار حق امتلاك السلاح على المعتقدين بمبدأ سياسي معين، مما أتاح لهم السيطرة على الحكم رغم كونهم أقلية لا تمتلك حقوقا تاريخية تقليدية سابقة في الحكم. وانتهى هذا النظام إلى تبنيه من طرف القوى التحكمية في العالم مثل إنجلترا؛ وأخذت روسيا تعمل بموجبه منذ سنة 1918م مع الثورة البلشفية وسقوط المنظومة القيصرية، كما أخذته ايطاليا سنة 1922م مع الحزب الوطني الفاشي مع موسوليني، كما تبنته ألمانيا النازية مع هتلر منذ سنة 1933م.
إذ تعتبر هذه التنظيمات الشمولية الجديدة أوليغارشيات علمية تستند على التقنية العلمية مما يزيد من أهمية تنظيماتها واحتكارها للسلطة في مفهومها العلمي كمستوى أعلى. فالأوليغارشية العلمية تمتلك سلطة وقوة تفوق أي شمولية في عصر ما قبل العلم، فهي تتجه إلى ما أسماه الفيلسوف راسل بالحكم الشمولي (Totalitarisme)، حيث إن كافة الأشكال المهمة للقوة أو السلطة تصبح محتكرة من قبل الدولة.
وقد كرست الأوليغارشية العلمية همها، حسب راسل، خلال العصور السابقة لمنفعتها الخاصة أكثر مما كرسته لمنفعة المجتمع، فالطبيعة البشرية تتصف بالأنانية حتى في مستوياتها العليا من العلم والمعرفة،
وفي معظم الظروف تكون الجرعة المعقولة من الأنانية ضرورية للبقاء.
وقد كانت الثورة ضد شمولية هذا الحكم السياسي السبب في نشوء الحركة الليبرالية التي ساندت الديمقراطية، وكانت الثورة ضد الشمولية الاقتصادية السبب في ظهور الاشتراكية. كما كان تأثير العلم في النظام الأوليغارشي الجديد أكثر تطرفا وعنفا من أي نظام سابق، فأتباعه يستندون إلى حتمية وصواب هذا المبدأ في ادعائهم للانفراد بالسلطة، فنظامهم يعتمد أساسا على عقيدة جزمية، أي دوغمائية، فلا مجال للثورة أو التمرد عليها، فالتمسك الجازم بهذه القناعة تجعلهم يتمسكون بالسلطة بنفس القوة.
ومن بين ما نتج عن تلك العقائد الأوليغارشية المغلقة، بسياج دوغمائي مغلق ايديولوجيا، قمع كل الحركات المنافسة لها لاحتكار السلطة، حيث تمت تصفية حرية الصحافة وخنقها وحرية النقاش العمومي وحرية طبع الكتب، فتاريخ محاكم التفتيش النازية مثال تاريخي واضح لما يمكن أن تؤول إليه السلطة الشمولية. كما هو الحال لسلطة الكنيسة آنذاك واضطهاد كل الانحرافات التي تتعارض مع المعتقدات الكنسية التي تتبناها؛ ويحدث نفس الشيء في الدول الحديثة ولو بطرق مختلفة يشهد التاريخ الحالي على ادعاءاتها.
فهذا التكامل للسيطرة على الرأي يعتمد أساسا التقنية العلمية التي تتمظهر في المدارس الحكومية للتحكم في عقول النشء، وفي وسائل الطباعة والإذاعة والسينما والإعلان، بل وكل وسائل التجسس الحديثة الذي ابتدعته السلطة الشمولية.
كما يمكن أن تعطي التطورات العلمية في علمي الفيزيولوجيا والسيكولوجيا الحكومات إمكانيات أكبر للتحكم في عقليات الأفراد مما هو عليه الحال في الأنظمة الشمولية، وذلك عبر التنشئة والتربية المدرسية؛ فالفيلسوف الألماني فيشته (Fische) في القرن الثامن عشر: "قد بين بأن المدرسة يجب أن تهدف إلى تدمير المشيئة الحرة للفرد، وبذلك يصبح غير قادر خلال بقية حياته، على التفكير أو العمل بطريقة مغايرة لما تربى عليه"، لكن تفاؤل هذا الفيلسوف لم يتحقق في عهده، بل على العكس من ذلك أعطانا ذاك العصر كارل ماركس (Karl Marx)؛ لذلك يجب الحذر من أخطاء في المستقبل حيثما وجد حكم استبدادي.
من خلال تتبع مآسي التاريخ للحكم الشمولي في المجتمعات العلمية، يمكن أن يكون مرعبا للبشرية كما فعل النازيون مع السجناء في معسكرات الاعتقال كمادة لمختلف أنواع التجارب العلمية عليهم، لإيجاد طرق لتدجين العامة وتربيتهم وفق أساليب انتقائية وذلك لأهداف عسكرية وتحكمية.
ففي ظل هذا النظام العلمي الشمولي، ستصبح البشرية أكثر دمارا وعبودية وانتقائية تبعا للجنس والعقيدة واللون والمبدأ لأهداف أوليغارشية في التحكم في الجنس البشري.
ولمنع هذه الفضائح المغلفة بالعلم، يخلص الفيلسوف راسل، إلى أن الديمقراطية ضرورية لكنها غير كافية، بل يجب النزوع إلى مبادئ احترام الفرد وفق مبادئ حقوق الإنسان، تلك المبادئ التي تحترم الفرد، لكن ليس كنظرية مجردة بل كفلسفة للفعل والممارسة.
والاستشكال الحقيقي والأكثر أهمية: هل في مقدور الديكتاتورية العلمية أن تكون مستقرة؟ وهل من الممكن أن تكون أكثر استقرارا من الديمقراطية؟
يضع برتراند راسل تساؤله على المحك العملي من أجل إيجاد مخرج لهذه الأزمة التي لازمت التاريخ السياسي للمجتمعات العلمية، حيث يقر بأن تطور التقنية العلمية بجميع مناحيها، قد جعل من الحكم الاستبدادي لأقلية ما أسهل بكثير مما كان عليه الأمر سابقا، وهذه الحالة تظهر على المستوى الداخلي للمجتمع العلمي بجلاء بغض النظر عن خطر الحرب. أما على المستوى الخارجي في ظل الحرب فإن الأمر يختلف بين الحكم الشمولي والحكم الذي يسمح بحرية الأشخاص في الإبداع والعمل والتفكير، كما كان في حالتي ألمانيا وروسيا إبان الحرب العالمية الأولى والثانية؛ فالحرية في البحث العلمي لا تتماشى مع الاستبداد. وهنا يعلن راسل موقفه وتفاؤله بخصوص الديمقراطية، فالديمقراطية ستنتصر في النهاية.
ويخلص أخيرا إلى أحد أهم دعائم شروطه حول المجتمع العلمي المستقر وهو سيادة حكومة عالمية واحدة في كل المجتمعات العلمية، وبأن الديكتاتورية ستكون نوعا مستديما إذا ما سادت على العالم بأسره.
ومع تقدم التقنية العلمية، يصبح هذا الترابط أكثر أهمية بين من ينتج ومن يمتلك وسائل الإنتاج أو صاحب رأس المال. فمع تطور الآلة وتكامل الإنتاج الزراعي والصناعي وكل أشكال التصدير، أصبحت المصالح الاقتصادية تعيش رخاء واسعا بل تعتمد على أمور بعيدة أخرى لتركيز نفوذها في الأسواق الخارجية والبحث عن أسواق جديدة لذلك تعتمد الحرب وانتهاج الاستعمار، وكل ذلك يعتمد على السياسة، حيث ارتبط الاقتصاد بالسياسة.
ومع التكامل الذي جلبته التقنية العلمية في المجال الصناعي، كانت العضوية أشد تلاحما وترابطا، حيث أصبحت نسبة التمدن كبيرة مما جعل السكان يعيشون في المدن؛ وساكن المدينة أكثر اجتماعية وأكثر عضوية من العامل في الزراعة. فظهرت المجموعات والتكتلات والحشود كنقابات العمال والأحزاب السياسية والتكتلات الاجتماعية، وهذه الزيادة في التكتلات أوجد مواقع جديدة للقوة والهيمنة والصراع.
ففي المجتمعات عالية التنظيم هناك العديد من الفعاليات ذات الأهمية للجميع، ودون تلك الفعاليات سيصاب الجميع بضائقة إما اقتصادية أو اجتماعية أو أمنية. فحالة الإضرابات العمالية، كما في حالة الحرب، يمكن التوصل إلى استخدام التحكيم والتراضي إذا ما أراد المجتمع الصناعي أن يزدهر.
ففي حالة الحرب، يجب استنباط الوسائل لإخضاع علاقات الأمم لسيادة القانون، بحيث لا تتمكن أمة لوحدها من الحكم على قضية تخصها؛ وإذا لم تنجز هذه الحالات، سيعود العالم إلى البربرية، وستختفي التقنية العلمية، كما سيختفي العلم، وتستمر نزعة الحرب والنزاع. ففي استطاعة البشر أن يختاروا البقاء والازدهار بدل الشقاء والهلاك. وإذا كان الأمر كذلك فيجب تقييد حرية الدول.
فأين نحن من أخلاقية راسل في زمن القرن الواحد والعشرين، وحقبة ما بعد الحداثة والعولمة؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.