أثارت الدعوات إلى مقاطعة البضائع الفرنسية احتجاجا على الإساءة إلى الإسلام من قبل الرئيس الفرنسي ونشر رسوم مسيئة إلى الرسول ردود فعل متباينة؛ ففي وقت يرى البعض أن المبادرة من شأنها أن تؤتي أكلها، خاصة أنها تمس الجانب الاقتصادي، يرى آخرون أنها لن تغير الشيء الكثير. وفي هذا الإطار قال عمر الكتاني، أستاذ الاقتصاد الإسلامي، إن "الصعب الذي يخاف منه الفرنسيون أن يتفشى النموذج المغربي في إفريقيا وأن تنتشر عدوى المقاطعة التي انطلقت في تركيا ودول الخليج، وصولا إلى المغرب". وقال الكتاني ضمن حديث مع هسبريس إن "دعوات المقاطعة تعبير من قبل الشعوب عن غيرتها على دينها، وتعبير عن رفضها المساس به، وعلى فرنسا تأدية الثمن اقتصاديا"، مؤكدا أهمية الخطوة وإمكانية نجاحها. الخبير الاقتصادي تحدث عن إمكانية نجاح الخطوة، قائلا: "هناك سابقة عندما انتشرت دعوات لمقاطعة ثلاث بضائع فرنسية، وهو ما اضطر معه مسؤولو الشركة للقدوم إلى المغرب، ما أدى إلى تغيير سعر بعض المواد، وكانت المسألة مثيرة للانتباه". ويرى الكتاني أن الأمر يتعلق ب"قضية مبدئية تستحق أن يدافع عنها الإنسان دون أي تخوف، ليس باسم الحكومات، بل باسم الشعوب، فهو أمر له علاقة بأصول المجتمع"، مردفا: "فرنسا هي الدولة الوحيدة التي تتصرف بشكل غير طبيعي مع المسلمين وبعنصرية كبرى يجب تفسيرها". وانتقد الكتاني التصريحات الأخيرة حول الإسلام، قائلا إن الأمر يتعلق ب"تهجم رئيس دولة على الإسلام لم يسبق له مثيل، بينما لم يسبق أن تهجم مسؤول في الدول الإسلامية على المسيحية"، وتابع: "رئيس دولة يتكلم بنوع من الازدراء تجاه مليار وسبع مائة مليون مسلم، ويتكلم بلغة تعال وهو ليس في مستوى أو مركز أو قيمة تسمح له بذلك". من جانبه قال المحجوب بنسعيد، خبير برامج الاتصال والحوار الثقافي، إن "الدعوة إلى مقاطعة المنتجات الفرنسية احتجاجا على الرسوم الكاريكاتورية إجراء لا يفيد في شيء، مثله مثل حرق العلم الفرنسي، وإصدار بيانات التنديد وتنظيم المظاهرات أمام السفارات الفرنسية"، مضيفا أنها "ردود فعل متشنجة وانفعالية ولحظية سبق القيام بها حين نشرت الرسوم أول مرة في صحيفة دانماركية"، حسب تعبيره. ويرى بنسعيد أن العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية بين فرنسا وأغلب الدول الإسلامية لن تتأثر بما يحدث، متسائلا: "لنكن واقعيين.. هل تجرؤ دولة من هذه الدول على إلغاء صفقات التجارة أو التسلح مع فرنسا؟". واعتبر المتحدث ذاته أنه "يجب الرد بالأسلوب الفاعل والمؤثر وطويل الأمد، وهو التوعية بأن تلك الرسوم مجرد رسوم تخيلية، ولا تسيء إلى الرسول عليه السلام في شيء، لأنه عند ربه وأدى رسالته ولا يحتاج لأي بشر أن يكتب أو يرسم أو يتكلم عنه بإعجاب وإيجاب"، وزاد: "لن تحد تلك الرسوم من انتشار الإسلام، ولن تزعزع من إيمان المسلمين الحقيقيين". كما قال الخبير في الحوار الثقافي إنه "يجب على المسلمين في فرنسا أن يدافعوا عن وجودهم من منطلق المواطنة وحقوق الإنسان وليس من منطلق هويتهم الدينية، لأن غيرهم من المتطرفين يدعون الدفاع عن الإسلام وهو براء منهم، وينطلقون من فهم وتأويل غير صحيح للنصوص الدينية"، متابعا: "يجب الاعتراف بأن بعض المسلمين في الديار الفرنسية وفي بلدانهم الأصلية لا يلتزمون بأخلاق الرسول ولا بتعاليم الإسلام...يكذبون ويسرقون ويغشون ويلوثون البيئة والفضاء العام ويقولون ما لا يفعلون". ومن ضمن المقترحات التي تقدم بها بنسعيد أن يقوم خبراء القانون وحقوق الإنسان في الدول الإسلامية وخارجها بتكثيف جهودهم لتشكيل جبهة حقوقية وقانونية مع نظرائهم من الغربيين، المؤمنين بحدود حرية التعبير، وبضرورة الحد من الإساءة إلى الدين الإسلامي، من أجل دفع الأممالمتحدة إلى تفعيل قراراتها ذات الصلة لتصير ملزمة لكل الدول الأعضاء فيها؛ "وذلك لسد الباب على المتطرفين والإرهابيين من قومنا ومن قومهم، لأن ذئبا منفردا بعمل إجرامي متهور يسيء إلى باقي المسلمين الأبرياء ويخلق ردود فعل واسعة تصب الزيت على النار"، على حد قوله. واقترح بنسعيد كذلك أن تقوم السفارات الإسلامية في فرنسا "بالانفتاح على المؤسسات الإعلامية وعلى مؤسسات المجتمع المدني لتنوير الرأي العام الفرنسي وتوعيته، من خلال تنشيط الدبلوماسية الثقافية بأننا نواجه خطرا وعدوا واحدا هم الظلاميون والمتطرفون الحاملون لأفكار متطرفة وعنيفة وعدوانية لا علاقة لها بالإسلام الحقيقي". وختم خبير الاتصال بأن "المجتمعات المسلمة بدورها تكتوي بتطرف هؤلاء وتعاني من خطرهم، في حين أن العالم اليوم في زمن كورونا وما بعدها ليس في حاجة إلى صراعات وصدامات دينية أو ثقافية، بل إلى التكافل والتعاون والعيش المشترك في إطار من الاحترام المتبادل ...فالله واحد والأديان لا تدعو إلى الحروب بل إلى المحبة والسلام"، حسب قوله.